هل ينتقم بوتين من الغرب باتفاق إستراتيجي مع بيونغ يانغ؟
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
موسكو- توج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته إلى كوريا الشمالية بتوقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي الشاملة مع نظيره كيم جونغ أون، في خطوة من شأنها أن تأخذ العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد من التعاون المتعدد الأوجه، وترفع منسوب القلق الغربي حيال هذا التعاون، بحسب مراقبين روس.
وأهم ما تضمنته الاتفاقية إشارتها الواضحة إلى الالتزام بتقديم المساعدة في حال تعرض أحد الطرفين إلى اعتداء، وهو ما أكده بوتين بنفسه في ختام زيارته، إذ حرص على الإشارة إلى أن مواصلة البلدان الغربية دعمها لأوكرانيا تعني أن موسكو لا تستبعد أن تقوم باتخاذ اجراءات إضافية لتطوير تعاونها العسكري والتقني مع بيونغ يانغ.
وإذا كانت زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية قد شكلت الخبر الأبرز في وسائل الإعلام الغربية والكورية الجنوبية حتى قبل بدايتها فإن الإعلان عن اتفاقية التعاون الإستراتيجي تسبب بعاصفة كبيرة من التعليقات والتحليلات لدى وسائل الإعلام تلك بشأن أبعاد انتقال التفاهم والتنسيق بين موسكو وبيونغ يانغ إلى المستوى الذي تم الإعلان عنه في ضوء العلاقات الصعبة بين الدولتين والغرب.
إجراء انتقاميوعلى خلفية هذه الزيارة قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية "إن سرعة ودرجة توسيع العلاقات الأمنية والعسكرية الروسية التي تشمل منافسي الولايات المتحدة كالصين وكوريا الشمالية قد فاجأت في بعض الأحيان محللي الاستخبارات الأميركية، وقد وضعت روسيا ودول أخرى خلافاتها التاريخية جانبا لمواجهة جماعية لما تعتبره نظاما دوليا تهيمن عليه الولايات المتحدة".
وبحسب الصحيفة، أصبح التعاون العسكري لموسكو مع طهران وبيونغ يانغ وبكين أوثق منذ فبراير/شباط 2022 (تاريخ بدء الحرب مع أوكرانيا)، وشمل تبادل "تقنيات حساسة" يمكن أن تهدد الولايات المتحدة وشركاءها بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا.
ويؤكد الباحث في النزاعات الدولية فيودور كوزمين أن التوقيع على اتفاقية التعاون الإستراتيجي سيشكل دون شك عامل ضغط كبير بالحد الأدنى على حلفاء واشنطن في المنطقة، مثل كوريا الجنوبية واليابان، حيث تتخوف سول وطوكيو من أن تقوم روسيا بنقل تقنيات عسكرية حديثة إلى كوريا الشمالية كإجراء انتقامي ردا على إمداد أوكرانيا بالأسلحة.
ويضيف كوزمين -في تعليق للجزيرة نت- أن بوتين لم يعد يشعر بأنه ملتزم بالعقوبات ضد بيونغ يانغ بأي شكل من الأشكال أمام سعيه لبناء نظام عالمي جديد لا تنطبق فيه القواعد القديمة، ويضع فيه بنفسه قواعد جديدة.
إعلان موسكو وبيونغ يانغ عن الزيارة التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكوريا الشمالية يثير قلق دول عديدة، إذ أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من التقارب بين البلدين، في حين قالت كوريا الجنوبية إنها تراقب الوضع عن كثبhttps://t.co/ED7rk538PN
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) June 18, 2024
تطور فوريويتابع كوزمين أن الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين موسكو وبيونغ يانغ هي أعلى مستوى في تدرج العلاقات بين البلدين خلافا للحقب السابقة، حيث كان المستوى مختلفا تماما وأعلى سقف له كان علاقات حسن الجوار، في حين تطورت العلاقات على الفور خطوات عدة ووصلت إلى أعلى السلّم، وهو ما يدق ناقوس خطر غير مسبوق بالنسبة للغرب.
وفيما يخص العقوبات ضد كوريا الشمالية، يوضح الخبير أنها لم تفرض من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وكوريا الجنوبية وأستراليا والاتحاد الأوروبي فحسب، بل أيضا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويوضح كوزمين أن تأييد الكرملين مراجعة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي ضد بيونغ يانغ عام 2006 بسبب برنامجها النووي قد يؤدي في المستقبل إلى انسحاب موسكو منه.
خيار عقلانيبدوره، يعتبر مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف أن زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية تشكل أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة وحلفائها منذ الحرب الكورية (1950-1953)، لأنها خرجت بتفاهمات ذات طابع انتقامي في جوهرها ضد السياسات الغربية تجاه موسكو وبيونغ يانغ.
ويشير كركودينوف -في حديث للجزيرة نت- إلى أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية سيضيف بالتأكيد "صداعا جديدا" إلى أولئك الذين يتخذون القرارات في البيت الأبيض، حسب تعبيره.
ويتابع أن التقارب بين موسكو وبيونغ يانغ هو "خيار عقلاني"، لأن الإستراتيجية طويلة الأمد التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها لعزل البلدين وممارسة الضغوط عليهما تدفعهما تلقائيا إلى تعزيز التعاون لمواجهة التهديدات والتحالفات التي تقودها الولايات المتحدة، سواء كان ذلك في أوروبا أو شمال شرق آسيا.
لكنه يعتبر أن حديث القيادة الروسية عن تقديم أسلحة جديدة لكوريا الشمالية هو تصريحات رمزية كرد على إمداد الغرب أوكرانيا بالأسلحة، لأن بيونغ يانغ تملك صورايخ يمكنها الوصول ليس فقط إلى كوريا الجنوبية القريبة عموما، بل أيضا إلى السواحل الغربية للولايات المتحدة، فالصواريخ الكورية الشمالية والروسية تتمتع بنفس الخصائص التكتيكية والفنية.
ومن ناحية أخرى، يرى كركودينوف أن التغيرات الجديدة في مرحلة ما بعد توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية قد تشمل تراجع موسكو عن موقفها الحيادي بشأن شبه الجزيرة الكورية، فبعد أن كانت ترغب في علاقات سلسة مع الدولتين اصطدمت روسيا بموقف سول غير الودي تجاهها، والذي تمثل بانضمامها إلى العقوبات الغربية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إلى کوریا الشمالیة موسکو وبیونغ یانغ الولایات المتحدة کوریا الجنوبیة بیونغ یانغ
إقرأ أيضاً:
حوار إستراتيجي قطري بريطاني يبحث مسارات تعزيز الشراكة
الدوحة- سيطرت قضايا التعاون الثنائي والأوضاع في المنطقة على أعمال الحوار الإستراتيجي القطري البريطاني الثاني الذي انطلق أمس الأحد في الدوحة، برئاسة رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي.
ويأتي الاجتماع تحت شعار "شركاء من أجل المستقبل"، في دلالة على الرؤية المشتركة بين البلدين لتعزيز التعاون الثنائي واستشراف آفاق أرحب للتكامل والعمل المشترك، عبر الحوار الذي يعد محطة جديدة أخرى في مسيرة العلاقات القطرية البريطانية.
كما تأتي أعمال الحوار استكمالا للزخم الذي تولد عن زيارة الدولة التي قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني إلى لندن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تلبية لدعوة الملك تشارلز الثالث وشهدت لقاءات رفيعة المستوى، تم على إثرها الاتفاق على سلسلة من المسارات لتعزيز الشراكة بين البلدين.
مسارات التعاونوتشمل المسارات مجالات محورية من بينها:
التجارة والاستثمار. ومواجهة التحديات العالمية. ودعم النمو المتبادل. والابتكار التكنولوجي. والتحول إلى الاقتصاد الأخضر المستدام. والتعاون في علوم الحياة والصناعات الإبداعية. وتعزيز التبادل الثقافي. والتعاون في تسوية النزاعات وتبادل الخبرات. إعلانوفي مؤتمر صحفي مشترك، أمس الأحد في الدوحة، أشار وزير الخارجية القطري إلى تحركات قطرية بريطانية مكثفة لتعميق التعاون على مختلف المستويات، موضحا أنه تُعقد -تحت مظلة هذا الحوار- 8 مجموعات عمل مشتركة تعمل على وضع الخطوات العملية لتحقيق تطلعات البلدين.
وأكد أن "المستقبل المزدهر هو شعار نقف خلفه جميعا، وقطر تستثمر بأكثر من 40 مليار جنيه إسترليني (1 جنيه يعادل 1،33 دولار) في الاقتصاد البريطاني مما يسهم في خلق فرص عمل وتحقيق النمو والازدهار في المملكة المتحدة ويحقق العوائد للصندوق السيادي القطري، كما تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.6 مليار جنيه إسترليني في عام 2024″.
وشدد على أن الشراكة بين البلدين أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى في ضوء المخاطر الكبرى والتصعيد المستمر والمتصاعد الذي يهدد الأمم الدولية، وأعلن عن توقيع خطاب للنوايا للتعاون في مجال السلام والمصالحة وتسوية النزاعات.
وأكد أن "المخاطر اليوم أعلى من أي وقت مضى، فالتصعيد والعدوان والحصار الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، واستمرار تسييس المساعدات الإنسانية واستهداف العاملين في المجال الإنساني واستخدام الجوع كأداء للعقاب الجماعي، يضع منطقتنا على حافة الهاوية، مما يمثل تحديا لإنسانيتنا، وتركه دون محاسبة هو دعوة مفتوحة لمن تسول له نفسه اتباع هذه الأساليب اللاإنسانية في فرض إرادة سياسية على أي شعب يبحث عن حريته".
وتابع "سنظل ملتزمين بالعمل على تهدئة الأوضاع ومطالبة إسرائيل بالكف عن منع دخول المساعدات الإنسانية، ونعمل بلا كلل لدعم جميع الجهود الرامية إلى حل الخلافات عبر الحوار والتفاوض".
علاقة متينةمن جهته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن علاقة بلاده بدولة قطر طويلة الأمد ومتينة تقوم على أسس الصداقة والاحترام المتبادل، موضحا أن التعاون يمتد إلى مجالات العلوم، والابتكار، والتنمية، والوساطة، والصحة، والتعليم، بما يصب في مصلحة البلدين والشعبين الصديقين.
إعلانوأكد أنه يقدر نصائح وجهود رئيس الوزراء القطري من أجل السلام والمصالحة، ويثمن خبرته الكبيرة في المشهد العالمي، مشيرا إلى أن الحوار الإستراتيجي القطري البريطاني حيوي ومثمر، وأن الشراكة بُنيت على طموح مشترك، وستسهم في خلق فرص عمل وزيادة النمو والاستثمار في البلدين.
وأضاف لامي أن الحرب المدمرة في غزة يجب أن تنتهي بسرعة وأن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لإحلال السلام، معبرا عن امتنانه لدور قطر في الوساطة لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتأمين إطلاق سراح من تبقى من المحتجزين في القطاع، بمن فيهم 3 مرتبطون بالمملكة المتحدة.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة سعد الرميحي إنه منذ منتصف القرن الماضي، نشأت العلاقات بين قطر وبريطانيا على أسس متينة من التعاون والصداقة، وشهدت العقود الماضية توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية في مختلف المجالات التجارية والاقتصادية والأمنية.
وتطورت هذه العلاقة، يتابع، لتتحول إلى شراكة إستراتيجية حقيقية قائمة على تبادل المصالح وتعزيز أوجه التعاون بما يخدم تطلعات البلدين وشعبيهما.
وأضاف الرميحي أن الدوحة تُعد في الوقت الحالي من أبرز المستثمرين في المملكة المتحدة في مختلف القطاعات الحيوية مثل العقارات والطاقة والبنية التحتية، والصناعات المتطورة، كما توجد جالية بريطانية فاعلة ومزدهرة في قطر تساهم في مختلف قطاعات الاقتصاد والتعليم والصحة.
وأوضح أن العلاقات الدولية تقوم على مبدأ المصالح المشتركة، و"العلاقات القطرية البريطانية اليوم لا شك تقوم على هذا المبدأ وهناك رغبة صادقة في تطوير آفاق التعاون بما يتلاءم مع المتغيرات العالمية، وسط إدراك واضح من الطرفين أن مستقبل العلاقات يجب أن يبنى على أسس شراكة عملية".
إعلان علاقات تاريخيةوأكد الرميحي أن قطر من أكبر الدول المحبة للسلام في العالم، وتلعب دور الوسيط النزيه والمعروف عالميا في حل النزاعات وتستند فيه إلى شبكة علاقات دولية واسعة ومتشعبة، وفي هذا الإطار، تبرز أهمية تعميق التعاون مع المملكة المتحدة باعتبارها قوة عالمية لها وزنها السياسي والدبلوماسي.
ومن خلال تعزيز هذا التعاون، يمكن للطرفين العمل معا على تعظيم الجهود المشتركة في دعم الاستقرار الإقليمي وبناء عالم أكثر أمنا وسلاما وعدلا، وفق الرميحي.
من جهته، قال رئيس تحرير جريدة الوطن القطرية محمد حجي للجزيرة نت إن الحوار يُعقد في توقيت دولي شديد الدقة، وفي ظل تحولات إقليمية وعالمية متسارعة، ويحمل عنوانا معبرا "شركاء من أجل المستقبل" والذي لا يعكس تطلعات الطرفين فقط، بل يترجم عمق علاقاتهما الممتدة عبر عقود من التعاون والثقة المتبادلة.
وأكد أن توقيت انعقاد هذا الحوار له رمزية بالغة، إذ يأتي وسط تحديات إقليمية كبرى أبرزها استمرار العدوان على غزة، والتغيرات الجيوسياسية الكبرى التي تعيد رسم ملامح العلاقات الدولية، ويمثل منصة إستراتيجية للجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون والعمل المشترك من أجل الاستقرار الإقليمي والدولي.
ولا يمكن فهم أهمية هذا الحوار، وفق حجي، دون الإشارة إلى الأساس التاريخي الراسخ للعلاقات القطرية البريطانية التي تتسم بقدر عالٍ من الاحترام المتبادل والشراكة العميقة التي امتدت على مدار عقود طويلة وشهدت في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا من الاستثمار والتجارة، إلى الثقافة والتعليم، مرورا بالتعاون الأمني والدفاعي.
وأضاف أن قطر تمتلك كل المقومات اللازمة لتطوير علاقاتها الدولية، وعلى رأسها مع بريطانيا، وسواء في التكنولوجيا الحديثة، والطاقة النظيفة، والصناعات الإبداعية، والبحث العلمي، أو في المجالات التقليدية مثل التجارة والاستثمار والتعليم، تبرز الدوحة كلاعب موثوق وشريك ديناميكي قادر على إحداث فارق إيجابي في العلاقات الثنائية.
إعلانوحسب حجي، لم تقتصر محاور الحوار فقط على تطوير التعاون الثنائي، بل شملت القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها السعي لاستقرار المنطقة، فقد أثبتت قطر خلال الأشهر الأخيرة دورها البارز في الوساطة في الحرب على غزة، ومن ثم يأتي التعاون مع بريطانيا كقوة دولية فاعلة وعضو دائم في مجلس الأمن، ليضيف زخما حيويا إلى الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار.