الطائفيون.. الأخطر على الأوطان
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
آخر تحديث: 20 يونيو 2024 - 12:20 مبقلم:رشيد الخيّون كانت الإمبراطوريات قديماً، تحتاج إلى إعلان التّعصب لعقيدةٍ تسوق بها الجيوش؛ في حروبها، وإخضاع الأطراف. ثم تغيرت السِّياسات، ونشأت الدّولة الوطنيَّة، التي يأوي تحت جناحها مواطنوها، غير أن الطَّائفيين يحلمون بالعودة إلى إمبراطورية العقيدة، والتَّعصب لها، فإذا كف النّاس عن الخلاف الشّرس أفلس الطّائفيون، والقصة ليست عبادة إنما تجارة، ولأبي العلاء المعريّ(تـ: 449 هجرية) في هذا الشّأن منقبةٌ: «إنما هذه المذاهبُ أسب/ بٌ لجذبِ الدّنيا إلى الرُّؤساء»(لزوم ما لا يلزم).
فكيف إذا الطَّائفيون مسكوا بزمام السُّلطة، وداروا دفتها باستبدال الطَّائفة بالوطن، وتسيلم مقدراته إلى خارج الحدود، تحت مبرر وحدة المذهب؟ تبث فضائيات، ومواقع إنترنت، ما يستدرج الأتباع إلى الماضي، بجعل العقول متاحفَ للمعارك الغابرة، حتّى غدا هذا الإنجاز العلمي الرَّائع وسيلةً للإفساد؛ كُتب على أبناء الألفية الثّالثة، في هذا البلد أو ذاك، الجدل العقيم عبرها، الذي لا يسفر إلا عن ضغائن قاتلة؛ قد لا يملك الساعون فيه، زمام السّيطرة، لصبغته القُدسية. لا شغل للطائفيين إلا إثارة نزاعات ذهبت مع أصحابها، لا شأن للحاضرين بها، وحتّى لو حصل تنازل مِن الأطراف، واعتراف بخطأ وصواب، هذا المذهب أو ذاك، فما بات الأمر مجدياً. تبقى صورة المتنازعين تعبر عن الشّحاذيَن ببغداد، في القرن العاشر الميلاديّ. نُذكر بأروع ما التفت إليه القاضي المُحسّن التَّنوخي(تـ: 384هجرية): «حدّثني جماعة من شيوخ بغداد: إنّه كان بها في طرفي الجسر سائلان أعميان، يتوسّل أحدهما بأمير المؤمنين عليّ عليه السَّلام، والآخر بمعاوية، ويتعصّب لهما النَّاس، وتجيئهما القطع(النقود) دارّة. فإذا انصرفا جميعاً، اقتسما القطع، وإنّهما كانا شريكين، يحتالان بذلك على النَّاس»(نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة). نُقل التّراشق بحمم الطائقية إلى عواصم الغرب، باستغلال الحرية المتاحة، بلا رقيب ولا حسيب، وإذا كانت البلدان الغربيَّة لا يعنيها النزاع، وما يسفر عنه اليوم، فمجتمعاتها بدأت تتورم مِن هذا الخطاب، والعراك يجري في ساحاتها، قد لا تشعر الآن بهول الكارثة، لكن هناك جيلاً سينشأ على الكراهيّة، إذا لم يضعوا حداً لاستغلال الحرية، والقيام باجراءات وقائيَّة، قبل فوات الأوان. دخل خطاب الكراهية إلى المدارس الدّينيّة، المقسمة على أساس مذهبي، تجري فيها التعبئة الطّائفيّة، وما هي سنوات وتلاميذ اليوم، في ظل الدّيمقراطيّة الغربيَّة، سيتبوأون مراكزَ في تلك الدّول، فبماذا تراهم سيتصرفون، لا شيء غير الكراهيّة المذهبيَّة. ألم يوجد بين مذاهب اليوم شخصيات بحكمة سُفيان الثَّوْرِيُّ(تـ: 161هجريَّة)، الذي أدرك مساوئ الكراهيّة على الدّين والمجتمع، وكان أبرز فقهاء عصره، عندما قال: «إِذَا كُنْتَ بِالشَّامِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ عَلِيٍّ، وَإِذَا كُنْتَ بِالكُوْفَةِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»(الأصبهانيّ، حلية الأولياء). لا يعجب هذا الكلام، مخربو الأوطان، فهم لا يضعون اعتباراً لكلام حكيم مثل الثَّوْرِيُّ. أقول: لا يرتقي إلى نقد طاعون المذهبيّة، إلا أمثال: الثَّوريّ صاحب القول القامع للتعصب: «إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ، فَأَمَّا التَّشْدِيدُ فَيُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ»(ابن عبد البرِّ، جامع بيان العلم وفضله). وقيل دفعه تواضعه إلى تمزّيق «ألف جزء وطيّرها في الرِّيح، وقال: ليت يدي قُطعت من هاهنا بل من هاهنا ولم أكتب حرفا»(الحمويّ، معجم الأدباء). كذلك ارتقى التَّنوخيّ إلى فضح استغلال النّاس بالطَّائفية، وهو القاضي الأديب؛ أمّا المعريّ فما ترك تحايلاً باسم الدّين إلا وفضحه. فعلى العاقل إذا لم يستطع قول كلمة، ضد تماسيح الطّائفيَّة، ينفرد عن سربهم، والعودة للمعريّ، لإكمال ما جاء في المستهل: «فانفرد ما استطعت فالقائل الصَّا/ دقُ يُضحي ثقلاً على الجلساء»(لزوم ما لا يلزم). أقول: إنَّ مواجهة الطاّئفيين الطواعين، مِن الجهلاء والعلماء، تستحق الصّبر على الأذى، دفاعاً عن الأوطان.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
«المفتي»: الأمن في الأوطان هو المظلة التي تحفظ المقاصد الشرعية
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، أن الحديث عن علاقة الأوطان بالمقاصد الشرعية في الوقت الراهن، يعد من القضايا الأساسية التي يجب التركيز عليها خاصة مع تنامي الاتجاهات المتطرفة والنظريات الغريبة التي تبتعد عن مراد الشارع وتسيء فهم المقاصد الشرعية.
وأوضح مفتي الديار المصرية، خلال حوار مع الدكتور عاصم عبد القادر، ببرنامج "مع المفتي"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمع، أن الشريعة الإسلامية قامت على حفظ الكليات الضرورية مثل الدين والنفس والنسل والعقل والمال، وهذه الكليات تحتاج إلى مظلة تحميها، وهو ما تمثله الأوطان.
وقال: "إذا لم يكن هناك وطن يحفظ هذه الكليات، فلا يمكن الحفاظ عليها، لذلك يجب أن نعتبر المحافظة على الأوطان جزءًا من المقاصد الضرورية التي تتطلب اهتمامنا".
وأشار إلى أن العلماء الكبار الذين تناولوا قضية الدولة قد أكدوا على أهمية الحفاظ على الأوطان باعتبارها عنصرًا أساسيًا لتحقيق المقاصد الشرعية، من أبرزهم الإمام الطاهر ابن عاشور الذي تحدث عن الدولة كمقصد شرعي، مؤكدًا أن الدولة تمثل الأداة التي من خلالها يتم الحفاظ على هذه المقاصد الضرورية.
وأضاف مفتي الديار المصرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مثالاً رائعًا على حب الوطن، حيث قال: "والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت"، لافتا إلى أن هذه الكلمات تعكس ارتباط الإنسان بوطنه، وهو ارتباط فطري وطبيعي، بعيدًا عن أي اعتبار ديني أو عرقي، خاصة إذا كان هذا الوطن يوفر الأمن والاستقرار.
كما ذكر أن الدعوات التي دعا بها الأنبياء، مثل دعاء الخليل عليه السلام "رب اجعل هذا البلد آمناً"، هي دليل على أهمية الأمن في الوطن، والذي يعد حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار في الدنيا والقيام بفرائض الدين.
و شدد الدكتور نظير عياد، على أن الحفاظ على الأوطان ليس فقط من أجل حماية الحدود أو الموارد، بل هو جزء أساسي من تحقيق نظام يضمن الحكم بالشريعة الإسلامية ويحقق المصالح العامة للمجتمع.