شبكة اخبار العراق:
2024-10-13@19:17:58 GMT

الطائفيون.. الأخطر على الأوطان

تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT

الطائفيون.. الأخطر على الأوطان

آخر تحديث: 20 يونيو 2024 - 12:20 مبقلم:رشيد الخيّون كانت الإمبراطوريات قديماً، تحتاج إلى إعلان التّعصب لعقيدةٍ تسوق بها الجيوش؛ في حروبها، وإخضاع الأطراف. ثم تغيرت السِّياسات، ونشأت الدّولة الوطنيَّة، التي يأوي تحت جناحها مواطنوها، غير أن الطَّائفيين يحلمون بالعودة إلى إمبراطورية العقيدة، والتَّعصب لها، فإذا كف النّاس عن الخلاف الشّرس أفلس الطّائفيون، والقصة ليست عبادة إنما تجارة، ولأبي العلاء المعريّ(تـ: 449 هجرية) في هذا الشّأن منقبةٌ: «إنما هذه المذاهبُ أسب/ بٌ لجذبِ الدّنيا إلى الرُّؤساء»(لزوم ما لا يلزم).

فكيف إذا الطَّائفيون مسكوا بزمام السُّلطة، وداروا دفتها باستبدال الطَّائفة بالوطن، وتسيلم مقدراته إلى خارج الحدود، تحت مبرر وحدة المذهب؟ تبث فضائيات، ومواقع إنترنت، ما يستدرج الأتباع إلى الماضي، بجعل العقول متاحفَ للمعارك الغابرة، حتّى غدا هذا الإنجاز العلمي الرَّائع وسيلةً للإفساد؛ كُتب على أبناء الألفية الثّالثة، في هذا البلد أو ذاك، الجدل العقيم عبرها، الذي لا يسفر إلا عن ضغائن قاتلة؛ قد لا يملك الساعون فيه، زمام السّيطرة، لصبغته القُدسية. لا شغل للطائفيين إلا إثارة نزاعات ذهبت مع أصحابها، لا شأن للحاضرين بها، وحتّى لو حصل تنازل مِن الأطراف، واعتراف بخطأ وصواب، هذا المذهب أو ذاك، فما بات الأمر مجدياً. تبقى صورة المتنازعين تعبر عن الشّحاذيَن ببغداد، في القرن العاشر الميلاديّ. نُذكر بأروع ما التفت إليه القاضي المُحسّن التَّنوخي(تـ: 384هجرية): «حدّثني جماعة من شيوخ بغداد: إنّه كان بها في طرفي الجسر سائلان أعميان، يتوسّل أحدهما بأمير المؤمنين عليّ عليه السَّلام، والآخر بمعاوية، ويتعصّب لهما النَّاس، وتجيئهما القطع(النقود) دارّة. فإذا انصرفا جميعاً، اقتسما القطع، وإنّهما كانا شريكين، يحتالان بذلك على النَّاس»(نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة). نُقل التّراشق بحمم الطائقية إلى عواصم الغرب، باستغلال الحرية المتاحة، بلا رقيب ولا حسيب، وإذا كانت البلدان الغربيَّة لا يعنيها النزاع، وما يسفر عنه اليوم، فمجتمعاتها بدأت تتورم مِن هذا الخطاب، والعراك يجري في ساحاتها، قد لا تشعر الآن بهول الكارثة، لكن هناك جيلاً سينشأ على الكراهيّة، إذا لم يضعوا حداً لاستغلال الحرية، والقيام باجراءات وقائيَّة، قبل فوات الأوان. دخل خطاب الكراهية إلى المدارس الدّينيّة، المقسمة على أساس مذهبي، تجري فيها التعبئة الطّائفيّة، وما هي سنوات وتلاميذ اليوم، في ظل الدّيمقراطيّة الغربيَّة، سيتبوأون مراكزَ في تلك الدّول، فبماذا تراهم سيتصرفون، لا شيء غير الكراهيّة المذهبيَّة. ألم يوجد بين مذاهب اليوم شخصيات بحكمة سُفيان الثَّوْرِيُّ(تـ: 161هجريَّة)، الذي أدرك مساوئ الكراهيّة على الدّين والمجتمع، وكان أبرز فقهاء عصره، عندما قال: «إِذَا كُنْتَ بِالشَّامِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ عَلِيٍّ، وَإِذَا كُنْتَ بِالكُوْفَةِ، فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»(الأصبهانيّ، حلية الأولياء). لا يعجب هذا الكلام، مخربو الأوطان، فهم لا يضعون اعتباراً لكلام حكيم مثل الثَّوْرِيُّ. أقول: لا يرتقي إلى نقد طاعون المذهبيّة، إلا أمثال: الثَّوريّ صاحب القول القامع للتعصب: «إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ، فَأَمَّا التَّشْدِيدُ فَيُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ»(ابن عبد البرِّ، جامع بيان العلم وفضله). وقيل دفعه تواضعه إلى تمزّيق «ألف جزء وطيّرها في الرِّيح، وقال: ليت يدي قُطعت من هاهنا بل من هاهنا ولم أكتب حرفا»(الحمويّ، معجم الأدباء). كذلك ارتقى التَّنوخيّ إلى فضح استغلال النّاس بالطَّائفية، وهو القاضي الأديب؛ أمّا المعريّ فما ترك تحايلاً باسم الدّين إلا وفضحه. فعلى العاقل إذا لم يستطع قول كلمة، ضد تماسيح الطّائفيَّة، ينفرد عن سربهم، والعودة للمعريّ، لإكمال ما جاء في المستهل: «فانفرد ما استطعت فالقائل الصَّا/ دقُ يُضحي ثقلاً على الجلساء»(لزوم ما لا يلزم). أقول: إنَّ مواجهة الطاّئفيين الطواعين، مِن الجهلاء والعلماء، تستحق الصّبر على الأذى، دفاعاً عن الأوطان.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

عندما تصوغ القيم مسار السياسة: تزدهر الأوطان تحت رعاية العدالة والوفاء

د. الهادي عبدالله أبوضفآئر

في صباح مشرق، تتراقص نسائم الفرح كحنين يداعب القلوب، تبحر الكلمات بين حزن، وألم وبهجة. اليوم، في لحظة من الانتصارات، نحتفل ببسالة جيشنا وبطولات المشتركة والمستنفرين، وبجهود القوات المساندة والمقاومة الشعبية التي أظهرت شجاعةً وإرادةً لا تلين وعزيمة لا تُقهر. وفي هذا المشهد العظيم، تنهمر الدموع من عيون تفيض فرحاً كان محجوباً خلف أسوار الصبر. لقد كان الألم الذي عانيناه بمثابة نافذة نتنفس من خلالها عواصف الشدائد. نعم، لا عيب في الحزن، لكنه ينبغي أن لا يطغى على الفرح، عندما يشرق، يجب أن نحتضنه بكل حواسنا، ليغمر قلوبنا ويعيد لنا الحياة من جديد. دعوا الفرح يسكن أرواحنا، ولنتحرر من جراح الماضي وآلامه. اليوم، عرفنا قيمة الوطن وحب الإنتماء، عندما عاد بي الذكريات إلى تلك الرحلة بين (شيان) و(شاندونغ) في الصين. هناك، حيث التقينا بأناس يعبدون الله بأساليبهم الفريدة، كل وجه يحمل قصة، وكل ابتسامة تخفي عمق الإيمان بالوطن. تذكرت حينها قصة الولد وأبوه والكافرة، تلك الحكاية التي تعكس روح الإنسانية في أبسط صورها تجسيداً للوفاء، في تلك البقعة البعيدة كان للحياة طعماً مختلفاً، وللإنسانية لونٌ أبهى، وكل تجربة هناك خطوة نحو تآلف القلوب وتساكن الأرواح.

رحلة كانت أشبه بدخول عالم خيالي؛ مدن تغمرها الخضرة وتنساب فيها المياه بهدوء، حيث الجبال تعانق السماء في مشهد مهيب. كل زاوية تحمل تفاصيل آسرة. لفتت انتباهي نساء يرتدين أزياء خفيفة، تنسدل بلطف فوق الركبة، يعكسن بتلك خفة الأيام الصيفية الدافئة، وجمال التفاصيل البسيطة التي تهمس بالرقة والأنوثة. في كل نظرة، نوع من الحرية التي لا يمكن تجاهلها، وكأنما يحملن في خطواتهن قصصا لا تروى إلا عبر لغة العيون والأنفاس المتسارعة. ولكن ما أثار إعجابي أكثر سلوك الناس؛ لا تحرش، لا ألفاظ نابية، ولا تصرفات غير لائقة. الشوارع هادئة وكأن المدينة تهمس: “نعيش هنا بسلام”. شعرت بأن الحضارة والاحترام يسودان، وكأن الناس اتفقوا مع الطبيعة على العيش بتناغم. ما أثلج صدري منظر الأنهار المتدفقة بين الغابات، والأشجار الضخمة التي تضفي على المكان طاقة حية. وسط هذا الجمال، غمرني شوق عارم إلى بلدي، وكأن الحنين تسلل في غفلة, تذكرت شارع النيل. تخيلت ستات الشاي على الأرصفة، وعلى الجانب الآخر، زول مصنقر على بنبر، يرتدي عراقي وسروال. قلت في داخلي بزهو (كولايتك وَلا تَقَلِيَّة أخيْتَك) وبدأت أدندن بأغنية (يلا نمشي شارع النيل)، ولكن سرعان ما عدت إلى رشدي، وكأنني أنتقل بين العوالم في لحظات، فإذا بي أجد نفسي أمام التماثيل التقليدية التي تزين المكان، تعكس حضارة الشعب الصيني العريقة، لم أر أحداً يتجول بملابس رثة، ولا مجنوناً يهيم في الطرقات، ولا شحاداً يبحث عن قوت يومه. ولا تاتشرات تجوب الشوارع، ولا أزير رصاص. أدركت أن الأوطان تبنى بالأفعال الصادقة، وبالأخلاق حتى تتحول إلى واقع ملموس. هنا وجدت المعنى الحقيقي للعيش الكريم، حيث تتآلف القيم مع السلوك، وتتجلى الحضارة في حياة الناس اليومية.

جلست في زوايا هادئة اراقب القطارات التي تنساب بسلاسة عبر الأنفاق وسط الجبال، وتلك الجامعات العريقة التي تتنافس على الصدارة عالمياً، مدناً خالية من أوبئة الملاريا والبلهارسيا، وطرقات تمتد بلا تعرجات أو مطبات، كأنها مرسومة بعناية لتقود إلى وجهة محددة. كل شيء كان يسير بنظام دقيق ومنضبط، وكأن هناك عهداً غير مكتوب بين الإنسان والطبيعة، للحفاظ على توازن الكون. فكل فعل من أحدهما يولد صدى في الآخر، وكل اختلال في هذا التناغم يشعل اضطراباً لا يُرى إلا في خفق الرياح أو هدوء السماء. وفي خضم هذا التأمل، وجدت نفسي أفكر في أناس نصنفهم، في عقولنا وثقافتنا، بأنهم “كفار”. كيف أنهم برغم غياب الإيمان الذي نتشبث به، بنوا أوطاناً تقوم على النظام، والعلم، والالتزام. تساءلت: كيف استطاعوا أن يحققوا هذا القدر من التقدم والرقي؟ كيف يمكن لأمة نعتبرها بعيدة عن الله، أن تسير في طريق منضبط وتحقق هذا القدر من التطور والازدهار؟ ربما نحن بحاجة إلى إعادة النظر في تصنيفاتنا الضيقة، وفي فهمنا لمعنى التدين الحقيقي. فالعمل والإخلاص في بناء الأوطان، والالتزام بالقيم الإنسانية السامية، قد يكونان في بعض الأحيان أكثر قداسة من مجرد الطقوس يُمارس في لحظات محددة.

انتابني شعور عميق، تذكرت وطني والسكك الحديدية التي كانت رمزاً للتقدم، والتي أصبحت اليوم أطلالاً منهارة. والطرقات التي كانت تربط المدن، باتت مقطعة ومليئة بالحفر والمطبات، بينما التعدين العشوائي يُدمّر الأرض بلا ضوابط، والمستشفيات تعاني من نقص الرعاية والكفاءة. الجامعات التي كانت منارات للعلم أغلقت أبوابها وغابت عن المشهد التعليمي. في الأفق، تتجول المركبات المسلحة والتاتشرات المدججة بالمدافع، وأصوات الرصاص تعلو فوق صوت الحياة. عادت بي الذاكرة إلى صورة القداسة والتدين، التي تحمل في نفوسنا معاني السمو والإيمان العميق. ومع ذلك، نشهد انفصالاً واضحاً بين السلوك والواقع. كيف نرى التدين في أبهى صوره بينما تظل شوارعنا تعاني من الفوضى ومؤسساتنا تتهاوى؟ نعيش تباعداً متزايداً بين القيم والأخلاق التي يُفترض أن تكون جوهر الدين. حيث يمارس الأفراد الطقوس بانتظام، لكن السؤال المحير هو: أين تأثيرها في حياتنا اليومية؟ هل تجسد تلك القيم الروحية في تعاملاتنا مع الآخر؟ هل أصبحت الصلاة، التي يجب أن تكون مصدراً للسلام الداخلي والتعايش الاجتماعي، مجرد شعور عابر ينتهي بانتهاء الركعة الأخيرة؟ هذا التناقض بين العبادة والسلوك يطرح سؤالاً عميقاً حول معنى التدين الحقيقي. إن لم تُترجم العبادة إلى أفعال تسهم في بناء الإنسان والمجتمع، فما جدواها؟ التدين ليس طقوساً، بل سلوك ينبثق من قناعة راسخة يجب أن يظهر في تفاصيل الحياة. العبادة، إن كانت صادقة، يجب أن تكون باعثاً للسمو الأخلاقي، لا ممارسة شكلية. الدين القيم هو الذي يُترجم إلى أفعال تعكس مكارم الأخلاق، حيث يصبح الإنسان نموذجاً حياً لقيمه ومبادئه. يشكل جوهره ويتجلى في علاقته بالآخرين.

في عالم طغت فيه المظاهر والطقوس الشكلية على القيم، قُتلت الحقيقة، واغتيلت الأمانة، وسُلب الشرف، وسُرقت الحرية. أصبحت الأخلاق جريمة مكتملة الأركان، وتباعد جوهر الدين عن أفعالنا وسلوكياتنا اليومية. فالدين ليس طقوساً خاوية أو تقاليد موروثة، بل هو منبع للقيم السامية كالصدق، التسامح، والعدل، التي تشكل الأساس لبناء مجتمع أكثر عدالة وإنسانية. عندما نضع (كلنكاب) اي حداً يفصل الدين عن الأخلاق، نفقد جوهر الدين الحقيقي، وتتحول الشعائر إلى مجرد مظاهر فارغة. ونتيجة لهذا الفصام، نجد أنفسنا غارقين في حروب ونزاعات مستدامة، هي في جوهرها انعكاس لصراعات عميقة ومعقدة. مواجهة هذه الأزمات تتطلب رؤية استراتيجية بعيدة المدى وحواراً قائماً على الشفافية والشراكة. الحكمة تكمن في تحويل هذه التحديات إلى فرص، عبر حلول مبتكرة ترتكز على القيم والأخلاق والعمل المشترك. بهذه الروح، يمكننا إعادة بناء الثقة، وتحقيق تنمية شاملة وعدالة مستدامة، تضمن مستقبلاً أكثر استقراراً يلبي تطلعات الجميع.

abudafair@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • شعور فطري.. دار الإفتاء: حب الوطن وارد في القرآن والسنة
  • عندما تصوغ القيم مسار السياسة: تزدهر الأوطان تحت رعاية العدالة والوفاء