مبادرات لتخفيف آثار الحرب على أطفال لبنان: باص الفن والسلام يجول جنوبًا
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
يعاني الكثير من الأطفال من ترددات الحروب والصراعات ومن ويلاتها، ومنها التجربة القاسية التي يعيشها أطفال جنوب لبنان حاليا، والتي تركت أثرها السلبي فيهم. ويتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أن معالجة الصدمات التي تسببها الحروب تكون أصعب لدى الصغار، لأنهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بسهولة، ولا يمكنهم فهم المعنى أو المغزى جراء الفظائع التي يشهدونها.
ولأن الأطفال المصابين بالصدمة غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم في كلمات، فهم يلجأون إلى طرق مختلفة تتبدى في سلوكهم بشكل أساسي، ولهذه الأسباب أطلقت مبادرات انسانية عدة لاحتضان العائلات الجنوبية وبالأخص الأطفال.
باص الفن والسلام
أطلقت "جمعية تيرو للفنون" و"مسرح إسطنبولي" ورش تدريبية للأطفال والشباب النازحين من القرى والبلدات الحدودية الجنوبية، في "المسرح الوطني اللبناني المجاني" في مدينة صور، وتقوم بنقل الأطفال والشباب من خلال باص الفن والسلام الذي تم إطلاقه عام 2018 للعروض الجوالة في المناطق وتنقلهم من المدارس الرسمية التي يتواجد فيها الأطفال الى المسرح وتعمل على تنظيم الورش التدريبية بالمسرح والرسم والأشغال اليدوية والدمى والحكواتي وعروض الأفلام السينمائية. وأكد مؤسس "المسرح الوطني اللبناني" الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي "ضرورة المقاومة الثقافية وأهمية إقامة الورش التدريبية للأطفال والشباب في ظل هذه الظروف الصعبة وهي تشكل وسيلة للتعبير وللحرية من أجل المساهمة في مواجهة تداعيات الحرب والضغوط النفسية وانعكاسها على الأطفال والشباب". مبادرة تربوية جاءت مبادرة السيدة مي إسماعيل، ناظرة وصاحبة مدرسة "إسماعيل واكد إسماعيل" في بلدة أنصار الجنوبية، في محاولة لاحتواء تداعيات العدوان على الأطفال وتخفيف معاناتهم، فقررت بمساعدة عائلتها استقبال الأطفال النازحين ودمجهم في برنامج التعليم بالمدرسة، وتقول "قدمنا للأطفال كل المستلزمات من كتب وقرطاسية، بهدف منعهم من فقدان العام الدراسي". وتضيف: "قمنا بالترويج للمبادرة، حيث بدأنا بعدد قليل، لكنه ازداد يوما بعد يوم ووصلنا إلى 70 طالبا، قدمنا لهم الدعم التعليمي والنفسي". وتوضح المتحدثة في السياق ذاته "يبدو على الأطفال النازحين مؤشرات الإرهاق النفسي، بسبب انعدام الاستقرار الذي عاشوه، لذا نشركهم في أنشطة ترفيهية مثل الرسم، لتعزيز تعبيرهم عن مشاعرهم، واليوم أصبح الطلاب أكثر استقرارا". مشروع "خطوة" يعتبر هذا المشروع بمثابة "خطوة" نحو تقديم الدعم للمناطق المتضرّرة في الجنوب والتركيز على تلبية الحاجات النفسية والاجتماعية للافراد المتأثرين بالنزوح والاوضاع الطارئة، من خلال 5 عيادات نقّالة في مختلف مناطق الجنوب (صيدا، جزين، الزهراني، صور، النبطية، بنت جبيل، حاصبيا ومرجعيون) مزوّدة باختصاصيين نفسيين اجتماعيين وفريق عمل لتقديم الدعم اللازم على كافة الاصعدة للأطفال والنساء. يذكر أن مشروع "خطوة" أطلقته وزارة الشؤون الاجتماعية وهو تحت إطار مشروع شبكة 2 الذي يتم دعمه من قبل الوكالة الفرنسية للتنمية AFD ومركز الأزمات والدعم CDCS ويتم تنفيذه من قبل مؤسسة اكسبرتيس فرانس. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
أطفال من غزة يروون قصص نجاتهم من بين فكي الموت
غزة- بعين واحدة نازفة وقدمين مكسورتين، كان غسان دردونة يزحف متجاهلا إصابته، باحثا عن ابنته الصغيرة إنعام التي قذفتها الغارة بعيدا عن المنزل أكثر من 20 مترا.
وبينما كان منهمكا بالزحف، محاولا الإنصات لأنين طفلته الرضيعة ليستدل على مكانها، لم يدله عليها أيّ صوت، فاستمر الرجل بالزحف عدة دقائق، وخلال ذلك اصطدم بقدمي طفلته التي دُفن رأسها ونصف جسدها العلوي في رمال الحديقة المجاورة لمنزلهم.
بدأ غسان بالحفر حتى تمكن من إخراج إنعام، يقول للجزيرة نت "أعمل ممرضا، وقد ساعدني تخصصي في التعامل مع حالة الاختناق التي أفقدت طفلتي الوعي مدة من الزمن"، وفي النهاية تمكن غسان من إنعاش طفلته وإخراج الرمل من فمها وأنفها.
ثم راح يكمل انتشال والديه المصابين من تحت أنقاض منزلهم المستهدف، بعدما نقل الإسعاف طفلته لتتلقى العلاج في المستشفى الإندونيسي في جباليا شمال قطاع غزة، حيث كانت تعاني حروقا وكسورا في مختلف أنحاء جسدها.
موت يطارد فتىأما الطفل محمد المقيد (15 عاما) فقد حال بينه وبين الموت متر واحد، بينما طال أمه وإخوته وجدته واختطفهم جميعا دفعة واحدة، في حين قذفه الصاروخ بعيدا عنهم.
وبينما كان محمد غارقا في حزنه، يترنح بين صدمتي فقده لعائلته وصدمة ما تعرض له ورآه، لم تمنحه الغارات سوى 24 ساعة فقط لاستيعاب ما حدث معه، حتى باغتته غارة أخرى قضت على جده، الذي اختار المسجد محلا للإقامة بعد فقد بيته، حيث قُصف المسجد ليسقط على رؤوس من فيه، عقب خروج محمد منه بنحو 5 دقائق فقط.
إعلانلم تعط النجاة مرتين متتاليتين لمحمد شعورا بالأمان من تهديد الاستهداف، بل عززت لديه فكرة ملاحقة الموت، مما جعل خوفه من احتمال استشهاده في أي لحظة كبيرا، ويقول للجزيرة نت "أشعر أنني يمكن أن ألتحق بعائلتي وأكون شهيدا في أي وقت، أنا أنتظر دوري، وليس معنى أني نجوت مرتين من الموت أنني سأنجو في كل مرة".
ورغم مرور شهور على نجاة محمد، فإنه يعيش في صدمة لم يشف منها بعد، ويقول بصوت مرتجف "مكثت شهورا حتى استوعبت ما حدث معي، لكني ما زلت أبكي على فقدهم كأنه حدث اليوم".
أطفال رجالالصدمات التي تلقاها محمد وآلاف الأطفال مثله، صنعت منهم رجالا صغارا، حيث كبر الأطفال في غزة قبل أوانهم أعواما بالإدراك والوعي، فما كانوا يقرؤونه في الكتب المدرسية وما تعلموه في المعاهد والمساجد عن الموت ودروس العقيدة أضحى اليوم حقيقة ماثلة يعيشونها لا يقرؤونها أو يسمعون عنها فقط.
يقول محمد "أؤمن بأن الله كتب لي ذلك، واختار لي هذا القدر، وأؤمن بأن هذا خير لي حتى لو لم أكن أعلم ماهيته"، كما يرى محمد أن ما مر فيه من فقدٍ، بصّره بنعمة وجود العائلة، ويضيف أن "هناك نعما لم نكن نعرف قيمتها حقا، لأننا اعتدنا وجودها".
يتابع وهو يحبس الدمع في عينيه "لا اعتراض على حكم الله، سيعوضنا الله على صبرنا وتعبنا وجوعنا، وسنجد ذلك في نعيم الجنة برفقة أمي وإخوتي الذين اشتقت لهم".
كما قلبت الحرب مفاهيم الأطفال عن الأشياء حولهم، وأعادت تعريفهم لها ومنحتهم بلاغة لافتة، فقد أَسَرَ دعاء الطفل إيلياء أبو طير (12 عاما) قلوب الأطباء حوله، حين كان يردده بصوت شجيّ ومرتفع، رغم أنه كان تحت تأثير المخدر وغائبا عن الوعي عقب عملية جراحية أجراها في المستشفى البلجيكي في مدينة الزوايدة وسط قطاع غزة، مرتلا القرآن تارة، وداعيا الله بالرحمة للشهداء، ومستنجدا بالأمتين العربية والإسلامية تارة أخرى.
إعلانبدا إيلياء طفلا مفوها، استمد بلاغته من حفظه للقرآن الكريم، كما تقول والدته، وتحدثت الجزيرة نت للطفل وهو على سرير العلاج في المستشفى ذاته، حيث استعاد تفاصيل استهداف خيمتهم التي نصبوها بجوار منزلهم المدمر في منطقة عبسان في خان يونس جنوبي القطاع قبل أسبوعين، فيقول "كنت ألعب البنانير (كرات زجاجيّة ملونة) عند مدخل الخيمة مع إخوتي، رأيت نارا وضوءا كبيرا، ثم لفّتني النيران، ولم أستيقظ إلا في المستشفى".
بعد استيقاظه، علم إيلياء باستشهاد أخيه إلياس، وبإصابة أخيه عدي إصابة خطيرة، وهو الأمر الذي يبكيه على الدوام، "وألمه أكبر من حرق الجسد" كما يقول.
واستهجن إيلياء سؤال الجزيرة نت "هل تتمنى أن تتمكن من العيش كما باقي الأطفال في العالم أو أن تتمتع باللعب مثلهم؟"، فيردّ سريعا "ألعب؟! بالتأكيد لا، بل أتمنى أن أحارب مع المقاومين، أن أحارب من أجل فلسطين".
وتسلل الدمع إلى وجنتي إيلياء الذائبتين من الحرق، وبدت عيناه كجمرتين مشتعلتين وهو يقول بانفعال "والله، لو رأيت جنديا لأقتلنّه بيدي، والله لأقتلنّه بيدي"، تهدّئ والدته من روعه، يلتقط أنفاسه قبل أن يكمل "كل دول العالم تقف مع قاتلنا الذي فاقت جرائمه أفعال فرعون، نحن وحدنا، لقد اجتمعوا ضد فلسطين، كلهم اجتمعوا ضدنا".
ورغم أن إنعام وإيلياء ومحمد قد نجوا بأعجوبة من موتٍ محقق كان سيودي بحياتهم، فإن إسرائيل تظن أنها باستهدافاتها تزرع الرعب في قلوب أطفال غزة، لكنَّ حوارا بسيطا يظهر كيف أن الثأر قد تربى في قلوبهم.