الهند.. مصرع 29 شخصا احتسوا كحولا مغشوشا
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
لقي 29 شخصا مصرعهم ونقل العشرات إلى المستشفيات بعد احتسائهم مشروبات كحولية مغشوشة في ولاية تاميل نادو جنوب الهند.
إقرأ المزيدوقال إم إس براسانث، كبير مسؤولي المنطقة، لوكالة أنباء "برس ترست" الهندية، اليوم الخميس، إن الحادث وقع في منطقة كالاكوريشي بالولاية، حيث يعالج أكثر من 100 شخص في مستشفيات مختلفة.
انتشرت سيارات إسعاف وأطباء ومتخصصون من المناطق المجاورة في المنطقة.
من جهته كتب رئيس وزراء الولاية إم كيه ستالين في منشور على منصة "إكس" أنه تم القبض على المتورطين في الجريمة، كما تم اتخاذ إجراءات ضد المسؤولين الذين فشلوا في منعها. وأضاف أن مثل هذه الجرائم التي تدمر المجتمع سيتم قمعها بقبضة من حديد.
وفي عام 2022 توفي أكثر من 30 شخصا في شرق الهند بعد تناول مشروبات كحولية ملوثة تم بيعها دون ترخيص. وفي عام 2020 توفي 120 شخصا على الأقل بعد تناول مشروبات كحولية مزيفة في ولاية البنجاب شمال البلاد.
المصدر: أ ب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: احصائيات الحوادث وفيات مشروبات کحولیة
إقرأ أيضاً:
المذابح ضد العريقات في ولاية سنار: إستقراء عُقدة المك نمر
زرياب عوض الكريم
مذابح مابعد إتفاق جدة
قبل تسليط الضوء حول المذابح المتكررة ضد العريقات في مديرية سنار بعد إنسحاب قوة الدعم السريع منها ، لابد من الإضاءة على الملاحظة السيسيولوجية التالية مشفوعة بالذاكرة الأنثربولوجية للصراع ، وهي أن إتفاق جدة الذي هو سلام مابعده سلام ، سلام مع الفاشية الشمالية التي ما كان يجب التفاوض معها في البدء بل نزع المركز وسحب الشرعية منها (تشكيل حكومة موازية) للمهمشين عموماً والهامش المزدوج double periphery في غرب السودان. أعلنت أخيراً في التوقيت الخاطئ حين كان تشكيلها بعد مفاصلة محمد حمدان دقلو لمسيرة 25 أكتوبر 2021 سيكون إعلاناً آمناً ومضمون العواقب. لأن الإعلان يأتي دائماً من موقع قوة لا موقع هزيمة.
ذلك الإتفاق اللعنة (إعلان إستسلام مشروط بدون قواعد أخلاقية أو قواعد إشتباك وبدون ضمانات للطرف الثاني) في نصوصه وبنيته ومحمولاته اللغوية اللسانية الدلالية السيمائية ، الذي حاول الجهاز الأيدلوجي لتحالف اليسار الشمالي في مجموعة (قحت) ايام تحالفها التكتيكي مع قوة الدعم السريع تمريره أيدلوجياً مفاهيمياً وتسويقه بدون أدنى مقاومة من داخل القوى الإجتماعية للدعم السريع نفسه ، وكانت قد رفضته مع ذلك القوى المتطرفة داخل المركز من حيث المبدأ ، من خلال محايثة محتواه الشوفيني المتحيز والإستعلائي ، على أمل أن يكون خديعة تكتيكية للحصول على وقف إطلاق النار.
الإتفاق اللعنة (إعلان جدة) و مصفوفة تنفيذه الجديدة في جنيف بتعديل إثرائي وتحفيزي من الوسيط رمطان العمامرة وفريقه ، هو المسؤول الأول عن كل المذابح التي تتعرض لها إثنيات غرب السودان في الشمال الجغرافي وفي السودان المفيد ، من جهة كونه إعلان إستسلام يعيد إلى الأذهان ممارسة الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ، ونهاية الإستسلام المهينة لعبدالله تورشين في أم دبيكرات 1898 وتراجيديا كرري غير الموثقة.
ومن جهة ثانية أن البنية والطبيعة غير المتكافئة لهكذا إعلان هزيمة (من أعلى) ، هي صيغة مصممة لإطالة أمد الحرب / الصراع ، من أجل إجبار الأطراف المتمسكة بأجندتها وإعتراضاتها الأولية على ما لن تقبل به ، ومالم تقبل به في البداية.
رغبة قوى الشمال النيلي المتكتلة (التضامن النيلي) داخل وخارج الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين ، في الحصول على [إستسلام تاريخي] capitulation لا [إستسلام تكتيكي] من قُوة الدعم السريع في محادثات جدة التي لم تكن محادثات بل محاضرة شوفينية عن تصوُّر جماعة محددة للتاريخ من زاويتها ، يكشف نياتها المضمرة حول مفاصلة الهوية (التقسيم) من خلال تحقيق (الحل النهائي) للصراع.
التمسك بالنظرة الغيرية للآخر otherness من خلال التمحور حول الذات (عقدة عبدالرحمن عمسيب) Amasyb Egocentrism complex طيلة 150 عاماً من هيمنتها و70 عاماً من الحكم المباشرة ، أو فائض الهيمنة الذي تتمتع به.
مشوار إعادة التمحور حول الذات (الشمال نيلية) Re-egocentrization هو الرد النهائي على خطاب التهميش والمظلوميات الذي عُني به محمد ابوالقاسم حاج حمد في مقاربته المطولة ونقاشه لها في محاضرة 2004 (ملخصها ان طرح خطاب المظلوميات التي اقرها جميعاً حاج حمد سيدفع النخب والبرجوازيات الوطنية الشمالية للإنكفاء على ذاتها وتقسيم البلاد ، بمعنى آخر ان الشمالي هو من يقرر حل الصراع في الوقت الذي يراه مناسباً) , بعد مرور 70 عاماً من هيمنة إثنيات الشمال النيلي وإستحواذها على السلطة مابعد الإستعمار.
ذلك المشوار هو نسق البنية الذهنية المفاهيمية لإعلان جدة (اللعنة) ولغته الغريبة على جيل مابعد 1970 الذين عرفوا وثائق إتفاقات أديس ابابا و نيفاشا وبرتكولات مشاكوس كوكادام وغيرها ، ولم يطلب فيها المركز من الهامش الإستسلام؟ ، الحقيقة انه في كل الوثائق السابقة كان جيش دولة 1956 هو من يقر الإستسلام في تلك المناطق وينسحب منها تدريجياً وبإقراراته عيوب الدولة المركزية وإختلالاتها البنيوية.
(اللعنة) التي لم ينتبه لها أحد غير المثقفين الجنوبيين منذ الثلاثينات الذين اقروا خطورة تأسيس هوية وطنية مابعد إستعمارية آحادية (من بُعد واحد) غير تعددية على التشكيل الذهني الشعوب والهرميات (الهيراركيات) الإجتماعية ، أي العودة بنا إلى إعادة نقاش (الوصاية المزدوجة) dual mandate أنثربولوجيا فريدريك لوغارد لبناء دولة مابعد الإستعمار في إفريقيا لصالح إثنيات إفريقية متخلفة بدون تاريخ (سياسي) ونخب إفريقية متخلفة تعاني مرض الطفولة الإجتماعي.
إنتهى.
إتفاق جدة أنثربولوجيا الإبادة الجماعية
من خلال طرحه لإعلان إستسلام (تاريخي) أو شامل غير تكتيكي غير جزئي ، وتبنيه لخطاب المركزية الإثنية الشمالية للتاريخ الإجتماعي المحلي ، وخطاب التمحور حول الذات الشمالية الذي يجرد الآخر من مواطنته أو أحقيته في المدينة (الخرطوم) بتعبير (ديفيد هارفي) ، وطرحه خطة ضمنية لتبادل غير متماثل غير متكافئ للسكان والأراضي land-population exchange ، يكاد يكون إعلان جدة إعلاناً من طرف واحد لا إتفاق بين طرفين على غرار نيفاشا التي كان يتوعد القوميون والساسة الشمالية انهم لن يوقعوا إتفاقاً ندياً آخر مثلها (مبارك الفاضل وحزب الأمة والحرب الشيوعي الخ) بإعتبارها (مؤامرة).
بذلك مثّل إعلان جدة مانيفستو المرحلة الداعشية الأكثر توحشا لما أسموه حرب الكرامة (مرحلة تمويه عنف الدولة) ، وهي اساساً الحرب ضد التسويات السياسية المذلة في وجهة نظرهم لهيمنتهم وكبريائهم ، مثّل أنثربولوجيا للإبادة الجماعية وتشريعاً خفياً invisible legality لقانون الوجوه الغريبة ومكافحة المتعاونين أو إجتثاث الدعم السريع (إجتثاث المقاومة). لأنه ببساطة منح تلك الأفعال شرعيتها في الإعلام العالمي والتلقي الدولي لمفردات الصراع الذي لا يمكن تبسيطه أو إختزاله.
إنتهى.
العودة إلى لعنة جدة
سلسلة المذابح ضد إثنية العريقات - (فرع من إثنية المحاميد الرزيقات وعشيرة عضو مجلس السيادة الحالي الفريق مهندس إبراهيم جابر) - في قرى و كيبوتزات ولاية سنار (الولاية الوحيدة في السودان المفيد التي إستوعبت ديمغرافياً مجتمعات غرب السودان منذ العشرينات بدون منظومة الفصل العنصري وقانون الكنابي) حتى بعد مدة طويلة من سيطرة الجيش الحكومي عليها وإستعادتها من قوات الدعم السريع نهاية العام الماضي ، وآخر تلك المذابح ما تم نشر وقائعه (الإعدامات الميدانية في قري طيبة وشقيق العريقات ضد عجزة ونساء يوم الجمعة 4 إبريل 2025 ، بينهم شيخ القرية الشيخ صديق محمد زين وإبنة أخته الشهيدة الكريمة هديل أحمد وآخرين) ، هو جُزء من نهج مكافحة التمرد الذي إعتمدته دولة 1956 وكانت تعد له خُطة ترانسفير َمنظمة موازية وتهجير للعمق الإجتماعي لمكونات إثنيات غرب السودان من الجزء الشرقي من السودان ككل بما فيه الشمال والوسط (خطة إقتلاع مكاني تحدث عن فلسفتها الأمنية كُثر آخرهم دكتور محمد جلال هاشم في مداخلة مُصورة سماها خطة الإنسجام الإجتماعي) ، اي تحقيق التجانس من خلال التطهير العرقي ((نفس خطابات بشار الأسد)) ، تُنفذها المليشيات المجتمعية الجديدة لقبائل الإقليم الأوسط وكانت البداية بمليشيات الشُكرية واللحويين التي يقودها مجرم الحرب -الشبيح المحلي- أبو عاقلة كيكل ((البطل الرمزي لكراهية سكان غرب السودان - الغرابة فوبيا -)).
صفقة جنيف الخاسرة والمذابح التأسيسية
إن كانت نصوص إتفاقية جدة وخطابها تسببت في موجة عنف أقوى ضد قوة الدعم السريع وأدت لتعريف مسألة (الحواضن الإجتماعية) كفئات معادية تشريعاً لنزع حرماتها وتجريمها ، في تحفيز التحدي الإثني الجماعات الإثنية الأخرى وتشجيعها للتمرد ضد (قدس) في مكان ، فإن ماتسمى تفاهمات جنيف (سرية في اهم بنودها) كصفقة غير مكتملة غير واضحة المعالم تعكس أكثر مما تعكس جهل المفاوض في قوة الدعم السريع وسطحيته وإنفراده بقضية أكبر من سعة إحتماله ، محتواها تبادل السكان والأراضي (إنفصال نهائي من خلال تجريف إجتماعي) ، هي المسؤولة عن المذابح التأسيسية (عقدة الملك نمر) التي تقف أمامها قوة الدعم السريع عاجزة عن حماية قرى العطاوة وتجمعات الكنابي وسكان الأحياء الهامشية.
-1-
في هذه اللحظة تحولت المليشيات المذكورة من نموذجها البدئي في التسعينيات كمليشيات رديفة تحت مسمى الدفاع الشعبي Pd reserve forces إلى مليشيات حماية ذاتية في سرديتها الكبرى الأولى المُعاكسة لحرب 15 إبريل ، إلى - فرق موت- death squad صريحة في سرديتها الصغرى للإنتقام (الإستردادوية) Revanchist operation تحت شعار (عودة الرق) ، أي إعادة إثنيات غرب السودان إلى خانة الرق to enslave ، الشعار الذي يمثل إعادة إنتاج لمطالبة ممثل الإقليم الأوسط - ابو الأسد- في برلمان 1954 بدعوته إلى إعادة الرق وطرد اليمانية والهوسا الفولاني من عموم البلاد كحل للمشاكل الإجتماعية التي تواجهها مجتمعاته التي تعاني من ظاهرة كسل الأهالي native lazyness (راجع حسين الغطاس وفريد الغطاس : 1960) ذات نمط الإنتاج الثانوي العبودي منذ القرن السادس عشر تقريباً.
هو ذاته الشعار الذي تم تصحيحه (تحريفياً Revisionary) خلال هذه الحرب إلى نشيد ((دراعة للأدب والطاعة)) ، فيما يبدو التوجه لتوسيع ظاهرة الدروع التي يمكن وصفها (روابط إعادة الرق السابقة) يجري الإعداد لإستمالة وتجنيد قبيلة الجموعية إلى هذا (المسار) ، قبل و بعد إكتمال عملية خُروج / إخراج قوة الدعم السريع من الإقليم الأوسط تحت ضغوط خارجية عدة تبلورت في مطالب طاولة جنيف.
في أساسها (مُطالبات جنيف) هي إمتثال وتطويع وعي الهامش المزدوج الذي تم تجريده من آدميته ومواطنته ودفعه إلى حافة (الدونية) بتعبير أحد المعلقين الصحافيين ، إمتثال قوة الدعم السريع لمخيلة هيمنة المركز وهيمنة مجتمعاته للإستثناء الإجتماعي لمجتمعات وسط السودان التي يتم وصفها في المقولات الإمبريالية لحرب 15 إبريل 2023 emperial Categories بالمواطنين كإستثناء خاص بهم لا يتم إسقاطه على غيرهم في كل الأحوال ، كإبتزاز إجتماعي يطرح خروج قوة الدعم السريع كما (حاضنتها) من وسط السودان - السودان المفيد لقاء الإعتراف بالآخر وقبول المساومة السياسية ناهيك عن السلام.
لذا خطاب الهزيمة الذي تطرحه الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين لحرب 15 إبريل ، هو بالأساس خطاب هروب من الآخر ، خوف من الآخر Phobias.
الخطاب القائم على اساس ثلاثة مفردات غير واقعية مخاتلة (مزدوجة) أو إنتهازية ، منها رفض السلام بدون إستسلام الآخر وخروجه من الإقليم الأوسط الذي يرمزون له (الأعيان المدنية) أو (بيوت المواطنين) ، أو سلام آحادي بدون تفاوض. (كتب احد شبيحة دولة 1956 بعد إنسحاب قوة الدعم السريع من الخرطوم 26 مارس 2025 نشرة بعنوان مقولة التفاوض التي هزمتها الحرب؟! ).
تلك المقاربة الإستعلائية التي خضع لها محمد حمدان دقلو (القائد التقليدي محدود الثقافة والقلق الذي جعل من مسألة الإعتراف هاجسه الشخصي، وتحولت خطابات إبتزازه إجتماعياً إلى نُقطة ضعف في الحرب) بوعيه البسيط الباحث عن الإعتراف بالهامش المزدوج في محاولته المستحيلة لمحايثة الآخر وعزله عن خطابه الإستعلائي وحقيقته الشيفونية منذ خطاب الإبتزاز الإجتماعي بالحديث عن الإبادة من طرف واحد بتجريم الجنجويد 2003 ، نقطة الضعف هذه أحسنت وأدمنت إستغلالها نخب الشمال النيلي في الحرب وجعلت من هزيمتها العسكرية الإجتماعية إنتصارا سياسياً دبلوماسياً للحصول على إدانة الآخر وتجريمه والحصول على السلاح ، وهو إختراق غير مسبوق في تاريخ الصراع مع المركز ، لأول مرة فيه يُملي المهزوم شروط السلام والحرب. المركز يطالب والهامش يستجيب (المفارقة التي لم يكتب عنها بيل أشكروفت).
تلك المُقاربة الإستعلائية أيضاً هي رد الإمبريالية السلطوية (الفاشية الشمالية) nilo-nothern facism , وهيمنة قوى الشمال النيلي المتكتلة على الثورة ومطلب الإصلاح السياسي والتغيير الهيكلي ، اي من خلال إنتاج أجسام مضادة Anti-corps لممانعة خطاب التغيير وخطاب النقد السياسي الثقافي للهيمنة. وهو قطعاً خطاب مخاتل ومزدوج وجدانياً اسميته من قبل رايات المخاتلة (الإستهبال السياسي) اي الإنتهازية المتحورة Opportunism لإنسان المركز (الكمبرادوري المحتال سياسياً ، والتابع المزدوج الضمير ، الجلابي المستهبل والفلنقاي المقهور الخائف من الحرية).
أخيراً تلك المقاربة الإستعلائية (الإجتماعية) ، جزء من تصورات نخبة دولة 1956 الأنثربولوجية ومجتمعاتها خلال حرب 15 إبريل لحدود إثنوغرافيا غرب السودان وعمقه الإجتماعي بشكل عمومي من جهة ، وإمتداد حزام إثنيات البقارة - العطاوة جنوباً بشكل أخص من جهة ثانية.
مصدر تلك السردية الصغرى لقبائل الإقليم الأوسط (إحياء مظلومية إثنيات الإقليم الأوسط) ، هو تنظيم الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين الذي تقوم تكتيكاته على تبني هويات ونبذ هويات أخرى وفقاً لمصالحه الزبونية المتقلبة في كل صراع سياسي إجتماعي ، الذي بات يرى في تحليله الثقافي لحرب 15 إبريل 2023 في العُمق الإجتماعي لإثنيات غرب السودان تهديداً ستراتيجياً للقومية الشمالية (المتخيلة) ، أو حضوراً توسعياً وعاملاً مزعجاً لهيمنة قومية ثقافية منافسة competiting nationalism هي (وحدة إثنيات العطاوة) pan attawism في رواية ، أو هيمنة قومية إقليمية منافسة ومُزعجة هي قومية غرب السودان بمركزيتها الثقافية (النيلوتشادية) أو (النيلو صحرانية) إلخ من مفردات جمال حمدان (الشخصية الإقليمية) ، ومركزيتها الإقطاعية التاريخية (سلطنة دارفور).
بالتالي ترى إدارة الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين من خلال أنساقها المضمرة للتفكير ، ان مديرية دارفور السابقة بحدودها البريطانية الموحدة 1916 هي مصدر للمشاكل والتحدي الإثني السياسي ، يجب التخلص منه بطريقة ستراتيجيات العزل العنصري sepration strategy التي تمت من قبل تجاه حركة وإقليم (يونيتا) المعروف بإسم جمهورية مقاطعة كابيندا Republic of Cabinda (الكونغو البرتغالي) و(سنغافورة) ماليزيا ، أو نموذج (التاميل) في سريلانكا , الشبيهة بثورة إقليم ظفار في عُمان والتمرد الشيوعي في اليونان وكلها حركات تحرر لم يتم الإعتراف الدولي بنموذجها الثوري في النهاية Unrecognized States .
-2-
تقاليد العنف السياسي (الإبادة السياسية الإثنية) وعنف الدولة المتجسدة في نهج مكافحة التمرد متجذرة في عقيدة القتل النظامي systematic murder لقُوة دفاع السودان ، كسياسة قديمة منذ حروب الجنوب ، لكنها اليوم أكثر ترويعاً بما يتماشى مع الصدمة (الصفعة) التي تلقتها دولة مابعد الإستعمار الإقطاعية غير الوطنية في حرب 15 إبريل 2023 . ويتماشى مع التلاحم العقائدي - الداعشي لفكر تنظيم الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين الفاشستي اليميني مع تطرفات القومية الشمالية التي هي أصلاً قومية إقطاعية محاربة militant nationalism لإتحاد أو تحالف مركنتيلي من ثلاثة قبائل من أجل ممارسة الإسترقاق وتحقيق دولة الغنيمة States of capture في القرن التاسع عشر (جعفر محمد علي بخيت : 1969) تطور إلى مجمع حربي صناعي إحتكاري (MIC) بدلاً عن نظام إجتماعي تقليدي للحرب social order of war.
قوة دفاع السودان لاحقاً الجيش الحكومي السوداني هي نتاج علاقات الإستبدال والإلتباس المستمرة المزمنة بين إثنين من مؤسسات الحرب الإجتماعية هما مؤسسة (الجلابة) الكمبرادورية ومؤسسة (البازنجر) التي تمثل ظاهرة القنانة المسلحة Armed Serfdom في النظام الإقطاعي القائم على إجترار وإنتاج الثنائيات والمتناقضات القاتلة (بإستعارة امين معلوف وهوياته القاتلة) ، التي افرزت في النهاية هوية وطنية مأزومة ومحكومة بالشقاء.
هذا الشقاء لا يختلف عن أزمة الهوية في بورما ( ميانمار) ونظامها العسكري الذي هو صدى لحاجة (التحالف الإقطاعي ضد الأقليات) ، بما افرزه من مسار العلاقات العسكرية المدنية المتواطئ ضد التغيير الجذري.
-3-
الوقت الذي فشلت فيه قوة الدعم السريع (الهجومية) منذ تأسيسها في الإنتقال من طبيعتها التكتيكية وصياغة منظومة / توليد نظرية حماية ذاتية لمكوناتها الإجتماعية والزبونية أو للمحافظة على مكتسباتها العسكرية ، نجح الجيش النظامي في مواجهة حرب الغوريلا (العصابات) بتكتيكها اللاتيني على المدن الرئيسية ، من خلال توليده نظرية محلية لفلسفة قوات الدفاع الإقليمية regional defense forces سميت (قانون المقاومة الشعبية الذي أجترحت منه القوات القبلية الإقليمية القوة المشتركة وقوة درع البطانة ، الذي صيغت فكرته أصلاً رداً على إتفاق سلام جوبا ، الذي كان يمنح إمتيازات هيمنة خاصة للحركات المسلحة لإثنيات تحالف مفز MFZ Alliance ((تمثيل السلطنات الإقطاعية في دارفور)) المُوقّع في ديسمبر 2020 الذي تحدث عنه مني اركو مناوي أخيراً نهاية مارس 2025 ومثلت إفرازاته الكارثية واحدا من عوامل إنحرافات حرب 15 إبريل وتفريغها من محتواها الإجتماعي الثوري) ، شبيهة ببنية الجيوش الفيدرالية في الإتحاد السوفيتي واليوغسلافي ونيجيريا وأمريكا وإثيوبيا.
إذن واجهت إستخبارات دولة 1956 حرب الريف في إنتقالها إلى داخل المدن الحضرية 15 إبريل 2023 كما تكتيك الغوريلا الذي هو نهج قوات الإستطلاع والمناوشة في قوة الدعم السريع المسماة (أم باقة) و(ياجوج وماجوج) الخ ، بتحالف تكتيكي إجتماعي سياسي لمصالح السكان الحضريين ((مقاومة التغيير القاعدي from below من الهامش إلى المركز والدفاع عن إمتيازات الأنتلجنتسيا)) وتسليح الإثنيات العقارية (صاحبة الحواكير) titular ethnicities ضد مصالح الهامش المزدوج في الريف وإثنيات الرُحل nomadic ethnicities.
كان ذلك النموذج البدئي لقوات الدفاع الإقليمية عن المدن الحضرية ومصالح الطبقات الوسيطة middle classes في الأقاليم المختلفة لمواجهة حرب الريف بعد إنفلات البنية المليشياوية الثلاثية لقوات الدعم السريع.
لكنها ولأسباب علاقتها الوظيفية بالسُلطة (التمويل والتسيلح والإختراق الإداري) ربما فقدت إستقلاليتها الممكنة وتحولت في تماهي أو سياق آخر (معكوس) من مُحاكاة النموذج الدارويني لقوة الدعم السريع RSF Memetics - (كفرقة موت مخيفة في سياق دوافع مكافحتها التمرد) - أو نزعة أكثر لإستيلاد نموذج محاكي للنمط (الدعامي) Mimetic RSF Type.
وربما رداً على الإغراق السياسي الثوري للحظة 15 إبريل 2023 ، ردت دولة 1956 بالإغراق الدموي لفرق الموت وتحفيز التحدي الإثني أو (النمط الدعامي) للإنشطار الأميبي في المناطق التي تخرج منها قوة الدعم السريع والتي يمكن وصفها بأنها المنطقة Beta أو مناطق حرف B لإتفاق - جنيف السري- الذي ستثبت الأيام كونه صفقة رخيصة (حالمة) لبيع قضية الهامش والمهَمشين الستراتيجية بالكلية لصالح مكسب تكتيكي يتمثل في الحصول على كرسي يمكن أن يجلس عليه لاحقاً السيد محمد حمدان دقلو أو يعيده إلى القصر ، الذي تحولت فيه فكرة الدفاع الإقليمي والمقاومة الشعبية .. تحولت إلى مجموعات متنافسة ومتشاكسة من (الشبيحة) المحليين أو (فرق الموت) المصنوعة بإبتذال death squad groups ، لا مقاومة شعبية (مشروعة) ولا حماية ذاتية (مستقلة) بإرادتها الوطنية ووازعها الإجتماعي الأخلاقي.
-4-
نجح إلى حد ما تطبيق نظرية حرب البارتيزان ((المقاتل اللانظامي)) Partisan لمواجهة تكتيك وسلوك الغوريلا (الهمجي) Guerrilla warfare ، حيث مداغرة قوات (أم باقة) المُشاة Um baqa Tirailleurs.
(1) في الفاشر حيث إعتصمت إثنيات الزغاوة المهجرين سابقاً إلى المعسكرات وبعض السكان الحضريين الآخرين.
(2) في دار حمر التي إعتبرت تحالف قوة الدعم السريع مع إثنية المسيرية المنافسة لها تهديدا وجودياً.
(3) في جبال النوبا الشرقية ضد تحالف قوة الدعم السريع مع إثنية الحوازمة (الرحل الباحثين عن التوطين).
(4) في النيل الأزرق (الأنقسنا) ضد إثنية رفاعة وإحتمال تحالف الفولان الأمبرروا مع الدعم السريع.
(5) في مثلث دار الجوامعة ام روابة ام دم حاج حمد الرهد ضد الشنابلة وجماعات من البقارة.
(6) في داخل مدينة الأبيض ضد إثنيات البقارة المهاجرين والمستقرين حديثاً من جنوب كردفان.
(7) في بابنوسة (المسيرية الزرق) ضد تحالف المسيرية الحُمر مع الدعم السريع.
(8) في مستريحة (موسى هلال شيخ المحاميد) ضد تحالف الماهرية مع الدعم السريع إلخ.
-5-
مرة أخرى فشلت قوة الدعم السريع التي تفتقر إلى جهاز أنثربولوجي من أساسه Anthro-analytic System متماسك الأطروحة ويملك حساسية الإستقراء والتلقي ، في التالي
(1) إنتاج الأيدلوجيا المناسبة والخطاب الهجومي المتماسك للحرب في الوقت الذي كان فيه إعلاميو الطرف الآخر والصحافيين الشماليين في الخارج يقومون بتمويه عنف الدولة من خلال الحديث أو ستراتيجية التركيز في الحديث على إنتهاكات قوة الدعم السريع (الإنتهاكات الفلاحية للثورة) بدل وضعها في سياقها السياسي الثقافي الإجتماعي لعوامل الحرب النزاع من أساسه.
(2) إستدعاء العدة المفاهيمية والإستشرافية لتحليل وإستقراء مسألة الإنقسام الهيكلي خلال الحرب بين الهامش والهامش المزدوج.
اي إيجاد الستراتيجية المناسبة لإدارة تناقضات الهامش وحكمه.
(3) إيجاد الستراتيجية المناسبة لإدارة المركز و تناقضات مجتمعاته بما فيه سكان المدن الرئيسية وهي 131 مدينة ومركز حضري.
نتيجة لذلك الفشل المزري بعد أشهر من الحرب قلت في مقالة منشورة أنه وبعد فراغ المدن الكبرى من سكانها للمرة الثانية بعد تمرد (ثورة) المهدوية ، بقى الصراع بين سكان الدامرات (الرحل) والكيبوتزات والكنابي (مفارقات العمران الكولونيالي (التركو مصري) .
لن ينتهي ذلك بدون تصور للخروج من الصراع بين مكونات الريف نفسه من خلال فدرلة الهامش وفي مقدمته إقليم دارفور إلى مكوناته الرئيسية ، أو (كوكرا جديدة) بتعبير جوزيف لاقو.
-6-
هذا الإنقسامي الهيكلي - التاريخي - الثاني structural cleavages. بعد مائة وعشرين عاماً من الوحدة الوطنية ومركزة التنظيمات الإجتماعية السياسية على يد السير فرانسيس ريجنالد ونجت باشا 1899-1916 ، بدأ منذ تورط قرنق garangism أكثر فأكثر في عداءه للإثنيات العربية عموماً ووحدة إثنيات العطاوة pan attawism خصوصاً ومحاولته تقديم خطاب لتجريمها وتأثيمها وشيطنتها وتجريدها من آدميتها (1987-1992) الأمر الذي ادي إلى تخليق المقدمات النظرية لتعبئة حرب دارفور الأهلية الثانية بعد مقتل يحي داود بولاد (2003) كحرب إجتماعية خالصة بدون حوامل أيدلوجية أو بتجاوزها.
-7-
يجب أن يعلم الجميع وكل من يليه الأمر أن حرب 15 إبريل هي أيضاً حرب مجتمعية خالصة تعالمت ملامحها أكثر بعد مرور شهرين من إندلاعها ، تجاوزت مثالية البراديغم الثوري و أدلوجة قرنق وجوزيف لاقو. كما خطابات وليم دينق وبوث ضيو واطروحة جعفر محمد علي بخيت.
وأن تحالف السكان الحضريين عموماً داخل المدن الكبرى والهامش الفلاحي ضد الهامش المزدوج بعد نحو ستة أشهر من الحرب في 15 إبريل ، قد انتج جهاز مناعة ايدلوجي Ideological Immune System خاص به ضد هتاف التغيير الجذري والإصلاح السياسي و قضايا حقوق الإنسان والإنتهاكات التي يقترفها الجيش ومليشياته. طبعاً دفاعاً عن مصالحه والإستقرار الإجتماعي ، لهذا بدا هذا الجهاز المناعي خطابه المضاد برفض التفاوض تماماً ومقولة (نتفاوض مع من؟ أو ((من ياتو ناحية))؟) وهي إستفهامات مخاتلة نابعة من الحيل الدفاعية عن القهر والحاجة إلى تمويه العُنف.
-8-
كان ذلك بعد عقدين من الزمن الذي أصيب فيه الجهاز الأيدلوجي الإعلامي لقوة الدعم السريع بالعطب بعد فترة غير طويلة من إعلان قريش 1992 والموت التدريجي لجذوة ونجومية الآباء المثقفين لوحدة إثنيات العطاوة (المعروف بإسم التجمع العربي في دارفور وكُردفانيا 1987-1992) ، مثل فضل السيد شعيب وعيسي عليو وعبدالله مسار وليس أخيراً أبوالقاسم قور وآخرين (عبدالرسول النور مثالاً) ، إثر مصادرة الجنرال فضل الله برمة ناصر (وزير الدفاع آنذاك) لوجودهم لصالح بناء قوات دفاع مسلحة مساندة.
إثر تكشُف مسار المصالحة والسلام غير متعدد الأطراف بين المركز الشمالي النيلي وانتلجنتسيا الدينكا في الجنوب (القومية الجنوبية) ، وبالتالي نهاية التحدي الإثني ethnic deffiance بين المجموعتين الممهد لمفاصلة الهُوية بين البقاري والمونجانق وبناء أمة جنوب السودان (راجع : ابوالقاسم قور 2007).
خلال هذين العقدين بدا أن تلك الأنتلجنتسيا (مثقفي وحدة إثنيات العطاوة) كانوا مثقفين وظيفيين من صناعة السلطة (حزب الأمة) ، وفي خدمتها لا أكثر دون إمتلاكهم مقومات العضوية الثقافية.
تلك النخب الوظيفية هي جزء من تصنيف النخب المستدخلة ، او ما يتسع لنا تسميته (النُخب المحلية المعيقة للتنمية السياسية) Power Elites , خلفتها الآن نخب اكثر هشاشة مثل نخب الفلنقاتيزم (التكنوقراط الهامشي proto technocrats) لأبناء الهامش والهامش المزدوج (الرحل والكنابي والجنوب الجديد) في الأحزاب الشمالية التي أفرزت وثيقة نيروبي بتشوهاتها الأيدلوجية وعدم قدرتها على إستيعاب الواقع ودينامياته المتحركة بالجمود عند اللحظة التاريخية (1987) حيث محفل كوكادام ومظاهرات إتفاق - صفقة الميرغني قرنق.
ولا يزال أولئك العاطلين عن الموهبة الذين لم يلاحظهم فرناند بردويل في بحثه عن (الأقليات المبدعة) ينتظرون بغفلة إنعقاد قوس الإستفهام عن إمكانية تفاوض النُخب الشمالية - المتجذرة في إقطاعيتها - معهم (قياساً على إستعارة جون يونج عن إمكانية الحُكم في إفريقيا) ؟
عاطلي الموهبة من التكنوقراط الهامشي في الأحزاب الشمالية (نخب وظيفية) او الفلنقاتيزم من مجموعة (اولاد الجزيرة ابا) وغيرهم , هم الفئة المحيطة بمحمد حمدان دقلو وملهميه الذين يستهلك شعاراتهم وتهويماتهم السياسية التي يعتقدون فيها انها (تعاويذ خلاص سياسي بترجمة مقاصد منصور خالد 1969). يساورهم الأمل الكاذب في العودة إلى بلاط النخب الشمالية بلاط الأنتلجنتسيا في جامعة الخرطوم واسوارها وإتني وعرصاتها إلى 2019 ، يتجاهلون ويمانعون حقيقة انها ستعاقبهم وتعاقبهم على (تمردهم) بأثر رجعي.
-9-
السيد محمد حمدان دقلو ليس أذكى منا جميعاً ، ولا يمكنه مُنازعة رواسم التاريخ المعلومة من (فرناند بردويل) , (إيريك هوبزباوم) إلى (كارل كلاوزفيتز) ، لطالما أن زمن النبوءات والخوارق نفسه إنتهى ، بالتالي الوعي الأسطوري مابعد التاريخي meta historic أو التهويم الأسطوري - الألفي (من الحركات الألفية والأبوكالبيس الإسلامي) لتخيُّل التاريخ وصناعة خيال سياسي عن سيوبرمان مُخلّص لن يخدم قضية وحدة إثنيات العطاوة pan attawism (السردية الصُغرى) أو قضية الهامش العريض والريف التي هي بإختصار الفدرالية متعددة القوميات multi ethnic federalism على أنقاض تفكيك المركز الشمالي النيلي ومنع إستبداله بمركز آخر (السردية الكبرى).
عليه فإن إتفاق (صفقة) جنيف الخاسرة وملاحقه السرية التي لم تنشر للراي العام ولن تنشر كواليسه (كما كان نهج الوسطاء والميسرين في نيفاشا 2004 من قبل) ومشروعه التفاوضي من الأساس ، هو المسؤول عن جميع المذابح الممنهجة و الإنتقامية التي تطال العمق الإجتماعي لإثنيات غرب السودان داخل الشمال الجغرافي , الجُزء الشرقي من السودان الشمالي (بما فيه السودان المفيد أو الإقليم الأوسط وشمال أفريقيا) ، كردة فعل متوقعة وغير مفاجئة لفشل حرب 15 إبريل داخل الخرطوم قياساً إلى تجربة الجنوب مع عقدة دولة الدفتردار التاريخية في الشمال ، التي قادها محمد حمدان دقلو وعليه ان يتحمل مسؤولية ذلك بشرف بدل تمثيل دور الضحية وإدعاء المثال التطهري.
عقلية السيد محمد حمدان دقلو هي نفسها عقلية مني اركو مناوي في 2006 , الإصرار على إثبات الذات selfhood في معترك ليس أهلاً له ، تجسيداً لنمط القيادة (المُقلق) وغير (القلق) الذي يحاول إحتكار المسرح واللحظة بوعي أو بدونه (اوهام المسرح) .
واذا إستمر السيد محمد حمدان دقلو في حضوره الطاغي هذا ، فسيتسبب في حرب دائمة بين إثنيته السياسية وبقية الإثنيات وتقويض (النظام التواصلي) بينها وبينهم. فقد ابرزت تصرفاته وخطاباته قبيل الحرب وبعدها انه شخص غير موثوق به غير متنبأ بطريقة تفكيره اللانظامية.
-10-
غياب الجهاز الأنثربولوجي من أساسه ، أو الجهاز الأنثربولوجي المهترئ والهامشي الذي يستهلك خطابات مقولات الآخرين ولا ينتجها. هو السبب المباشر في التأسيس السلبي للفراغات في بنية التفكير عند محمد حمدان دقلو (فجوة الفكرة) Ideological gap , والبنية الإجتماعية للإثنية السياسية لقوة الدعم السريع.
قد عجزت بدائل هذا الجهاز وإدارته المفقودة missed anthro -analytic management ، عن تصميم النموذج المفاهيمي والتحليلي المناسب عن كيفية التعاطي مع مجتمعات المركز (القومية الشمالية) والمركز معكوساً (في الهامش) ، خارج ردة الفعل على شعار (لن تحكمنا ميليشيا ، لن يحكمنا رزيقي الخ) وهي فعلاً - عقدة دونية- ناشئة عن الإستفزاز.
عن تقييم تعاظم التفاوتات الهيكلية و تعاظم هوة البُعد النفسي بينها وبين مجتمعات الهامش - الريف خصوصاً (القومية الإقليمية في غرب السودان) ، قبل وبعد عملية العسكرة التي تعرضت لها مجتمعات الشمال النيلي , (السودان المُفيد) الوسط النيلي في 1958 ، وإرتباط أمننتها الإجتماعية بهذه التحولات نحو مُجتمع معسكر في علاقته مع ذاته والآخر - ((مرتبط ابوياً بالحُكم العسكري وحضور الجيش الحكومي كمؤسسة بديلة عن المجتمع بتعبير صمويل هنتجتون)) - praetorian society.
وذلك تسبيب كافي لدعم مجتمعات المركز المطلق للجيش في كل حروبه ضد الهامش كشرط أمننة ضروري (وهذا مصدر النقد الرجعي الآن لإنتفاضة الخبز ديسمبر 2018).
غياب هذا الجهاز الأنثربولوجي افشل ثلاثة مهمات لتقدير الأخطاء السياسية كفيلة بحل مشكلة الثورة وإستعصاءاتها ..
1.السلوك الزبوني الخاطئ لمحمد حمدان دقلو وعقلية الصفقات والرشاوى السياسية (إقتصاد سوق الأعمال السياسية) خارج حدود جماعته الأنثربولوجية بما في ذلك شراء ذمم السياسيين والإدارات الأهلية في الهامش والمركز بالمال ، بدلاً عن مناقشة القضايا والتناقضات التاريخية والفصل فيها بجدية ، أدي لتغذية وتراكم عوامل الثورة المضادة والرفض وتحفيز السلوك التنظيمي للثورة المضادة. بل إنه عاد وبالاً على مجتمعات غرب السودان في المركز ووسط السودان تحديداً (ظاهرة كيكل التائب).
اي (عقدة الملك نمر) أو (سخط الإثنيات) ضد مهمة العبئ الأبيض white burden التي تصدت لها قوة الدعم السريع بتوقيعها وثيقة الإتفاق الإطاري.
2. عدم فهم مهمة العبئ الأبيض المترتبة على توقيع الإتفاق الإطاري (من خلال دراسة التحولات التي مرت بها مجتمعات الهامش التي دخلت في مساومة طويلة مع المركز بما جعلها أكثر توجها نحو الشمال لا الجنوب ، دراسة الإنفصال بين الهامش والهامش المزدوج) ، أو تصدير وصول محمد حمدان دقلو إلى السلطة كخلاص سياسي بما سيؤدي إليه من إثارة غيرة الإثنيات المنافسة الأخرى في الهامش(المناوئة) ، وتصدع جبهة قوى الريف.
3. الإفتقار إلى ستراتيجية حكم غير ممارسة العنف (ماكس فايبر) وعدم فهم التحولات التي مرت بها مجتمعات المركز منذ 1958. بتحولها إلى مجتمعات مرتبطة بالحكم العسكري.
فقوة الدعم السريع طالما انها تملك إرادة الوطنية للتغيير (العنف) بحاجة إلى معرفة إمكانية الحكم ، وإلى كيفية الحكم لا كيفية الثورة التي قام بها كثر قبلهم لكنهم إفتقروا إلى ممكنات حكم المركز وقبول إثنياته لهم.
ماذا بعد؟
واحدة من الأخطاء المزدوجة لمدبري الحرب القائمة التي لم تبدا عام 2023 ، بل نتاج تراكمي لأخطاء دولة 1956 ومحاولتها تصحيح النموذج البريطاني لحكم السودان ، من خلال إحداث إنقلاب في بنيته ، وقد كان نموذج حسن الترابي وآخرين مثالاً للمناعة الثقافية المفرطة في تضادها للتحديث والتغريب counter intellctuality , حتى كانت 1989 آخر لحظات تلك التحريفية أو نهايتها الأيدلوجية.
من الأخطاء المزدوجة لمدبري الحرب هو تسليح الإثنيات والقبائل التي قام البريطانيون بنزع سلاحها أو إقصاءها من تكوين الدولة المركزية. والكفاية تمثيلها مدنياً.
تعبئة السيد حسن الترابي وتمكينه لإثنية الزغاوة على حساب بقية الإثنيات (مثلاً) عزز أوهام الهيمنة لنخب إعتقدت انه يمكن إستبدال المركزية الإثنية لمؤسسة الجلابة بمركزية إقطاعية مستوردة من شمال وغرب إفريقيا أو هيمنة العنصر البربري على الصحراء تاريخياً.
َوما يقوم به البرهان حالياً من تسليحه إثنيات وسط السودان التي تمردت على ولاءها القديم قبل أن تعود إلى الحظيرة لإجتثاث العمق الإجتماعي لإثنيات غرب السودان داخل الشمال الجغرافي ، يضع نهاية لدولة 1956 نفسها.
تاريخياً حضور دولة 1956 مستمد من نزعها سلاح إثنيات شمال ووسط السودان ، لإقامة كينونة مدنية بدلاً عن ذلك والإكتفاء بتمثيلهم المدني ، وبمجرد تسليحها خلال حرب 15 إبريل عادت قبائل الإقليم الأوسط إلى همجيتها الأولية قبل قرن تقريباً حين كانت مستغرقة في عدوان دائم على الآخرين شرقاً وغرباً وجنوباً ، في إقتتال تناحري لمدة ثلاثة قرون من الفوضى بعد تخريبهم دولة سوبا 1505.
تلك الهمجية العائدة هي ما يمكن وصفه (عقدة الملك نمر) Nimir Complex وهي الردة إلى الغريزة البدائية المكبوتة تجاه الغريب (الغدر) بمجرد وجود فرصة سانحة ، فتخريب سوبا جاء بعد ألف عام من الخضوع لسلطة الأكسوميين العنج. والغدر بإسماعيل باشا جاء بعد الخضوع أصلاً لسلطته ، ليس مقاومة.
عقدة الملك نمر Nimir Complex وهي كراهية الغريب والتمسك بتصنيفه غريباً ، تجسد مشكلة الهامش (كسل الأهالي) في مقابل عقدة المركز (عقدة الدفتردار).
إثنيات الهامش (المستضعفة) عاجزة عن إيجاد ذاتها ، التعبير عن وجودها وطموحها وتمثيل كينونتها ، إلا من خلال إفتعال الصراع البيني والتخلص من الآخر المثيل والمضاهي من خلال الزينوفوبيا xenophopia كراهية الغريب ، والزينوفوبيا معكوسة xenophilia.
عُقدة الملك نمر كشكل من أشكال المازوخية السياسية ، ليست خاصية إقليمية ثقافية بالشمال أو الوسط النيلي وحده ، فقد مورس من قبل في الجنوب والغرب وجبال النوبا والشرق الخ. وقد بدا عبدالعزيز الحلو مثلا مشواره السياسي بجريمة زبادة ضد جيرانه من الحوازمة في قرية قردود ام ردمي في أم الفيض عبدالله 1983 , وهذه المذابح التأسيسية قام بها جون قرنق والثوار الجنوبيين الذين كانوا يقتلون المدنيين الشماليين لتهجيرهم أو الضغط على السلطة ، وقام بها حاكم ولاية المساليت (خميس أبكر) بمجرد تمكنه من مفاصل الإدارة رغم ان من عينه هو حميدتي نفسه.
تلك العقدة هي ما تمارسه الآن قبائل الإقليم الأوسط التائبة من خروجها على هيمنة الشماليين ، و صوتها التابع سابقاً وحاضراً داخل الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين بالتحريض على قانون الوجوه الغريبة و مذابح محاكم التفتيش والمحاكم الميدانية والإعدامات الميدانية للمتعاونين تحت راية فرقة الموت التي يقودها مُجرم الحرب - الشبيح المحلي أبو عاقلة كيكل وفرق موت أخرى ، تجاه إثنيات غرب السودان ، وفي جنوب الحزام وغيرها من أحياء السُود.
لاشك ان قانون الوجوه الغريبة وممارسة التطهير العرقي تحت اسم مكافحة المتعاونين هو مرحلة من مراحل الفصل العنصري في الجزائر (الإنديجانت) وفي جنوب إفريقيا (البانتو زون) مفهومة في سياقها ومستهجنة.
إلا أن هذه الممارسة تعكس النقمة والغبن المكبوت لعلاقة التوازن بين إثنيات العطاوة (البقارة) تحديداً وإثنيات الشمال النيلي خارج (مؤسسة الكنابي) أو (أحزمة العزل العنصري) في جغرافيا السودان المفيد التي صاغها البريطانيون من خلال تهجيرهم إثنيات غرب السودان للإستثمار البشري في مدن الزراعة الآلية منذ 1921 ، وهي علاقة لم تنتفع منها إثنيات الإقليم الأوسط بسبب ظاهرة كسل الأهالي وإنصرافهم عن الكد والكفاح من أجل حياة كريمة.
كانت الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين في جناحها الآخر صوت هؤلاء الناقمين الحاقدين الذين حددوا طريق الوصول Access path من خلال مصادرة الآخر وطرده والسطو على مجهوده (مشروع الجزيرة). كما فعل الشماليون من قبل مع أصحاب الجذور التركو مصرية في القرن 19 وعشرينيات القرن العشرين.
(1) الجلابة ضد الخلاسيين اولاد ريف في المهدية 1884 (2) الجلابة ضد الكريول الملكية والجنوبيين منذ 1924 (3) الإثنيات الإقطاعية في سلطنة دارفور المنحلة ضد العرب (4) إثنية جبال النوبا ضد الحوازمة (5) الأنقسنا ضد الفولاني (6) الفونج ضد الهوسا (7) الهدندوة ضد البنى عامر (التقريت) (8) الشايقية والجعليين ضد المناصير والحسانية الخ.
إن حملة تهجير إثنيات غرب السودان أو إعادة ضبط الوجود الديمغرافي ليست بريئة من التاريخ ، وبدون ضمانات واضحة مفصلة لحماية سكان غرب السودان في شماله الجغرافي لا يجب أن تكون هناك وحدة جديدة أو سلام مزيف.
يتحقق ذلك بواحد من وسيلتين (أ) نزع سلاح إثنيات الإقليم الأوسط الذي يستضيف السودان المفيد والجمهورية والدولة المدنية على أراضيهم ، نزع سلاح الإثنيات التي سلحها البرهان لمناكفة قوة الدعم السريع في غرب السودان كمعادل موضوعي لوحدة إثنيات العطاوة.
(ب) فدرلة الهامش نفسه إلى مايقارب ضعف عدد الأقاليم وضعف عدد الولايات في الوثائق الدستورية المقترحة حاليا لإستيعاب الهويات الكبرى (الأقاليم) والهويات الصغرى (الولايات). بما في ذلك تجميع هويات وعزل أخرى في ولايات تخصها ، أول تلك الولايات وفي مقدمتها منح إثنية الشكرية إلى جانب قبيلة البطاحين -ولاية البطانة - التي رفضها الرئيس السابق عمر البشير للتخلص من صراعهم حول مشروع الجزيرة وضمان الأمان للإثنيات المدنية فيه.
تقسيم وسط السودان وفدرلة الهامش كمخرج من الصراع
قلت في إشارتي لمقالتي السابقة (لماذا فشلت قوة الدعم السريع في تأسيس منطقة آمنة؟) الذي كان عنواناً جانبياً لدراسة مسألة التابع (الفلنقاتيزم) ودورهم في الحرب ، ان الحرب منذ نهاية العام الماضي لم تعد حرباً بين الهامش والمركز.
ببساطة لأن النخبة العسكرية لدولة 1956 في الجيش إختارت منذ اللحظة الأولى وفيما يبدوا انه بتوصية من أساطين الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين ، ليس مواجهة قوة الدعم السريع عسكرياً أو مواجهة النتيجة العسكرية آنذاك للمعركة الخاسرة ضد الهامش ، بل جعل الدولة نفسها غير صالحة للحكم أو نقله لفئة وإثنية سياسية أخرى عملا بمبدأ مقولة (على وعلى أعدائي).
المعركة القائمة هي بين الهامش والهامش ، بين الهامش والهامش المزدوج على نحو أكثر تحديداً ، بين أنصار المواجهة والمساومة مع المركز من إثنيات الهامش ، أنصار الإنتقال الشامل full transmission والإنتقال الجزئي المحسوب (للحفاظ على مكاسبهم).
بين مجموعتين تناحريتين من الإثنيات في داخل الهامش العريض ، (1) واحدة تريد الإنحياز والتوجه شمالاً مع المركز northaward وتحاول تقديم خدماتها الأمنية للمركز بسبب ان مصالحها الإقتصادية الإجتماعية (إزدواجياتها الإجتماعية الإقتصادية) تطغى على تناقضاتها الثقافية مع المركز.
(2) الثانية تكتشف تدريجياً ان مصالحها الإقتصادية الإجتماعية (الإزدواجية الإجتماعية الإقتصادية) مع الشمال النيلي إنتهت ببساطة لأنه كانت تجمعهم فقط علاقة الأمن (الحارس) , وان تلك المصالح موجودة في توجهها جنوباً southaward رغم تناقضها الثقافي مع الجنوب وهي المجموعة الرعوية - المشاعية ، من وحدة إثنيات العطاوة إلى رفاعة الخ.
(3) رغم ان علاقة المركز بالتوجه شمالاً (مصر) ، هي علاقة أمنية بحتة وان مصر نفسها لا تبدو راغبة في تعزيز روابطها الإجتماعية الإقتصادية جنوباً ، إلا أنه ليس مضطرا بعد لإكتشاف مصالحه غير الأمنية.
الإقليم الأوسط الحاضن للمركز ليس إستثناء من هذا الإنقسام بين التوجه شمالاً (مجموعة الشكرية) ، والتوجه جنوباً (رفاعة). وذلك يؤسس للإنقسام بين سنار القضارف حتى عن الجزيرة وكسلا الذين إنتظمتهما وينتظر ان تنتظمهما حملة تطهير عرقي ethnic cleansing ضد العمق الإجتماعي لإثنيات غرب السودان ككل غير مختزلاً في مسألة الكنابي وحدها ، وبين شمال النيل الأبيض عن جنوبه.
* مصطلحات المقالة ..
1. عُقدة الدفتردار defterdar complex , كراهية الأهالي ، الإستعلاء / السعي إلى الهيمنة ، عقدة الشمال الدائمة north inward تجاه الجنوب Southward.
2. عُقدة الملك نمر Nimir complex , واحدة من طقوس القتل ، المذابح التأسيسية ، كراهية الغريب والتمسك بتصنيفه غريباً ، تجسيد المازوخية السياسية للمقهورين والتابع (غرامشي و غياتري سبيفاك) بالتعبير عن تلك الكراهية المضمرة من خلال إفتعال مذابح (تأسيسية) للفت إنتباه الآخر (الغريب) وجعله في حالة حذر (توجس) دائم من بيئة معادية تنتهي بمغادته لها وهي نفسها غاية الجلابة (تجار الرق) الغاضبين من ذبحهم الحاكم العام شارلس غوردون 1885.
يمكن وصفها إجمالا بالسلوك التنظيمي للثورة المضادة ضد مهمة التمدين القسرية أو من أعلى (العبء الأبيض) white burden.
ممارسة تلك الطقوس للقتل إنتهت بعقدة الخواجة xenophilia إدمان تقليد الآخر من باب التحدي الإثني والمنافسة.
3. مابعد الفلنقاتيزم ، مابعد التابع post subalternity , (إستعارة بتصرف من غرامشي).
تجسيد متلازمة ستكهولم معكوسة في الواقع المحلي لصراع الهامش والمركز.
بتعبير مختلف ، كل المناضلين السابقين Ex wariors الذين يُرهقهم مارش النضال الطويل ولم يملكوا العدة والتأهيل النفسي يوماً لصراع - المركز - أو تجاسروا في مواجهته بدون عدة مسبقة ، التائبين سياسياً الذين يهزمهم صراع الهامش المركز هزيمة سيكولوجية ، بما ينتهون إليه من ردة من نوع آخر (إصلاحي) ، إلى إستدخال الهزيمة والتطبيع في النهاية مع المركز نفسه.
** إحالات مُهمة ..
1. زرياب عوض الكريم , العودة إلى جلقني تواطؤ المثقف. (سودانايل).
2. الكاتب نفسه. غير منشور , المونولوجيا والإقصاء خلال قرن : مدخل إلى المركزية النيلية ورواية الإقصاء الإجتماعي عن حرب 15 إبريل.
3. غير منشور , لماذا إنحازت إثنية الزغاوة إلى مؤسسة دولة 1956 في حرب إبريل ؟ تأملات.
*** هوامش ..
4. Kwok, J.-C. (2010). Explaining civil-military relations in Southeast Asia. Massachusetts Institute of Technology.
Houtman, G. (1999). Mental Culture in Burmese Crisis Politics: Aung San Suu Kyi and the National League for Democracy: Ilcaa.
The rice economy of Thailand in the 1930s depression.
5. Rapoport, D. C. (1960). Praetorianism: government without consensus.
northernwindpasserby94@gmail.com