وزير الطاقة والنفط السوداني يعلن قرب اكتمال العمل لإعادة ضخ بترول الجنوب
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
تاق برس – أكد وزير الطاقة والنفط السوداني، محي الدين نعيم، يوم الأربعاء قرب اكتمال العمل لإعادة ضخ بترول دولة جنوب السودان عبر الأراضي السودانية.
ونقل بيان لوزارة الطاقة والنفط عن الوزير تأكيده خلال زيارته التفقدية إلى المحطة الخامسة للضخ من جبل أم علي بولاية نهر النيل شمال السودان، أن العمل بلغ حوالي 80 بالمئة حتى الآن.
وأشاد البيان بجهود العاملين في شركة بشائر لخطوط الأنابيب (بابكو) “الذين يواصلون العمل ليل نهار لأجل تسارع الخطى في معالجة توقف الضخ لتجنب البلاد وجنوب السودان الخسائر الاقتصاديه والفنية”.
المصدر: تاق برس
إقرأ أيضاً:
اتفاقية سلام جوبا: التمادي في بذل العهود المستحيلة (6-7)
عبد الله علي إبراهيم
التمادي في بذل العهود الآيلة للنقض
لم تخرج اتفاقية جوبا كغيرها من الاتفاقيات من جنسها مع العسكريين الحكام عن تغليب إحلال السلام في مناطق الحركات المسلحة على إحلاله في شرط الديمقراطية لسائر القطر كما تقدم. واقتصت الديمقراطية المغيبة منها بنقض الديكتاتوريين للميثاق (أديس أبابا 1972) أو تهافته نتيجة الفتنة حول ثماره بين الحركات المسلحة الموقعة عليه (اتفاق الشرق 2006، واتفاق سلام دارفور 2011). وسنتناول هنا نقض الرئيس جعفر نميري في 1983 لاتفاق أديس أبابا (1972) لتبيين هشاشة بناء السلام في الهامش معرضين عن الديمقراطية.
عنوان هذه الورقة "التمادي في بذل العهود" مراوحة على عنوان كتاب أبل ألير، القاضي والوزير وعراب اتفاقية أديس أبابا ممثلاً للحكومة السودانية، الذي عربه بشير محمد سعيد بعنوان هو "التمادي في نقض العهود". وهو "عرضحال" وثيق في توزير المركز بنقض عهوده مع الهامش. وعاب الكتاب مع ذلك خروج الهامش من الوزر خروج الشعرة من العجين. فالكتاب حالة من الحالات التي يأمن فيها الهامش إلى دور الضحية من فرط قلة حيلته حيال المركز. ولعب دور الضحية هو ما اتقنته صفوة الهامش وناصرته فيه كتابات متعاطفة مع محنته التي لا مِراء فيها بالطبع. ولعِبُ دور الضحية سهلٌ. والكتابة نسجاً على منواله أسهل وأرخص وأروج. وهذه كتابة برع فيها منصور خالد ولوَّث بها الأفهام وأفسدها.
ولكنها كتابة تنزع عن الضحية ما تواضع علماء الاجتماع على وصفه بـ"agency". وهي مصطلح يريدون به أنه لا يوجد جلاد وضحية بصورة نقية واضحة في الواقع. فالضحية قد لَعِبَ دوراً ما مكّن للجلاد من التضحية به. وهذا غير لوم الضحية المعروف بالطبع. لأن لوم الضحية هروب من قولة "أعور" للجلاد، وتبرير لعدوانه، وعجز عن صدِّه. أما "agency" فهي مطلب ليتحرى الضحية ذاته، ويتفحَّص أداءه، وينهض من عثراته، ويصحّح من رؤيته، لكي يُحرِّر نفسه باقتدار. وقد احترنا في مؤتمر انعقد يوماً حول صورة تعريب هذا المصطلح. وقد اتفق لي من قبل أن قلت إننا ربما استعنّا بالعبارة العربية "أصالة عن نفسه لا وكالة" لتقريب المعني الإنجليزي. فالضحية، عملاً بهذه العبارة، هو أصل في محنته في مثل تَفَرُّقِه في وجه الخصم ومَيْله للشِّقاق الداخلي الذي يمنعه من الوحدة والمنعة.
حجب أبل ألير في كتابه الإجنسي الجنوبية في ردة نميري عن اتفاقية أديس أبابا بحذافيرها. فذكر اللواء جوزيف لاقو، زعيم حركة أنيانيا المسلحة التي وقعت على اتفاق أديس أبابا ورأس السهم في الحملة لنقض الاتفاقية في نطاق السياسة الجنوبية لاحقاً، في ثلاثة مواضع من واقعة تقسيم الجنوب ليس فيها قوة عارضته في ذلك السبيل. فذكره في المرة الأولى حين استعان به نميري لفض الاتفاقية حين وجد أن دون تعديلها من فوق سلطاته خرط القتاد. فسأل نميري لاقو ولويجي أدوك وألوفر البينو وفيلب أوبانق لتقديم عريضة باسمهم يطالبون فيها بتقسيم الجنوب. أما المرة الثانية فذكر أبل جلوس لاقو بجانب نميري على التلفزيون وهو يعلن تعديل الاتفاقية. وذكره في مرة ثالثة اشترك فيها معه في مذكرة احتجاج ما لنميري عن خطوة متطرفة اتخذها. ولم يذكر لا في نصه ولا مراجعه كتاب لاقو "اللامركزية: ضرورة للمديريات الجنوبية في السودان" (24 صفحة، مطبعة سمر بالخرطوم) مانيفستو الثورة ضد سيطرة شعب الدينكا، الذي ينتمي أبل له، على دولة الحكم الذاتي في الجنوب. وجاء فيه عن هذه السيطرة بأن بالدينكا "جوع للحكم". وبدأ الكتاب بقوله "حين يأكل الرجل الأناني لحد التخمة يصف الرجل الجائع حقاً بأنه طماع".
ولبونا ملوال، الوزير بدولة نميري، وقفة تملك فيها الإجنسي بلا لجاجة غير باحث عن كباش فداء يعفيه من لوم الذات. فوجدَ في كتابه "الشعب والشوكة في السودان" (1981) السماحة في نفسه لقبول حصته في وِزر تهافت اتّفاقية أديس أبابا. فكان تفرّغ بعد خروجه على نميري في 1979 لبحث إشكال الجنوب في جامعة كولمبيا بالولايات المتحدة. وكان إحساسه بالخيبة في نميري، والشك في جدوى جيله الجنوبي كله طازجاً. فقال إن السودان بحاجة لحلِّ سياسي. وهو حلٌّ لم يعْدُ جيله من السياسيين قادراً على افتراعه. وواصل: "السياسيون الجنوبيون عن بكرة أبيْهم، بما فيهم كاتب هذه السطور، قد سمحوا لنميري أن يستغفلهم، وأن ينزع عنهم كل مصداقية في نظر شعبهم. فقد استقرّ عند الشعب الجنوبي العادي أن كل سياسي جنوبي فاسد وسبّاق إلى المناصب. وهذا ما جعله عاجزاً عن حماية الجنوبيين، أو حتى أهله الأقربين، من بطش جيش نميري". وهكذا تحمل "بونا" قسمته من العار جهرة.
وعرض بونا في كتابه الأخير "السودان وجنوب السودان: من دولة واحدة إلى دولتين" (2015) لنذر تنمر نميري الباكرة على الاتفاقية التي غضوا الطرف عنها حتى جاء اليوم الذي عصف بها فيه. فقال بونا إن نميري لم يسعد أبداً بالجنوب الذي خرج بالاتفاقية "متحرر من نميري" معززاً بالحق في الانتخاب لمجلس الشعب الإقليمي والمجلس التنفيذي. وإمعاناً في حرص الجنوبيين على أن يكونوا تلك الجزيرة "الديمقراطية" في بحر استبداد نميري اللجب أخذوا من النظام الحزب الواحد، الاتحاد الاشتراكي، وجنوبوه. ولم يكف الوحش الديكتاتوري فيه من السعي لتجريد الجنوب من صفته كجزيرة ديمقراطية في بحر استبداده. فرشح بلا اختصاص أبل ألير لرئاسة أول مجلس تنفيذي. وسمع الجنوبيون ذلك منه بغض النظر بذريعة حظيان أبل بالثقة في أوساطهم. وعاد نميري ليطلب من أبل بغير اختصاص للمرة الثانية أن يتنحى للاقو في رئاسة المجلس في 1978. وسعر لغايته الإثنية بين صفوة الجنوبيين ضد الدينكا. وعليه لم يكن نقض اتفاقية أديس أبابا حكراً للمركز. كان بالأحرى استثماراً للمركز لصراع جنوبي-جنوبي بين شعب الدينكا وجماعات أخرى برز منها شعب الباريا الذي تقع جوبا، عاصمة الإقليم، في نطاق داره. ولاقو من هذا الشعب.
وعرض الأكاديمي موم كونيال أرو صورة لهذا الصراع من أسفل. فقسَّم وزر تحلل اتّفاقية أديس أبابا (1972) بين القوميِّين الجنوبيين والرئيس نميري بالقِسط على الديكتاتور وساسة الجنوب معاً. فلم يكن تقسيم الجنوب فكرة من فحيح نميري، أو إبليسه، بل كانت عقيدة ساسة ولاية الاستوائية، وأعالي النيل، والبحيرات ممّن ضاقوا بما وصفوه بهيمنة الدينكا كما تقدم. وكانوا أصدروا "كتباً سوداء" عن نسب الدينكا العالية في قسمة السلطة في الجنوب. وكان ذلك انقساماً إثنياً حقيقيا أشاعه السياسيون بين طلاب المدارس فتماسكوا الحِزَزْ في قاعات الدرس، الدينكا ضد كل جماعة أخري. ولم يكن بوسع نميري، بكل جَزرِه وعصيِّه، أن يقسِّم الجنوب لولا الخلاف الإثني الجبار الذي دارت رحاه في تلك الأيام. وجدَ نميري الشَّقّ ووسَّعه. وإلى هذا ذهب دوقلاس جونسون في كتابه "جذور حروب السودان الأهلية" (2004) ذو الرأي القريب من ذلك الذي أذاعه بونا عن صغار السياسي الجنوبي في عين أهلهم. فقال إن فساد الساسة الجنوبيين المدنيين هو أصل كبير في اتّباع شباب القوميين الجنوبيين خطة حرب التحرير. فهي حرب في مواجهة الشمال بالطبع. ولكنها موجَّهة نحو ساسة الجنوب الذين استقرت عنهم هذه الصور السالبة عند جمهرة الجنوبيين في قول ملوال.
وحتى حين لا يسفر نقض المركز للاتفاقية عن نفسه تجد من الشماليين من يوزر هذا المركز بصورة غير مباشرة. فقال سلمان محمد سلمان إن الجنوب انفصل عن السودان برغم أن الحركة الشعبية اختطت منهجاً وطنياً شاملاً لكل السودان تقاطر له الناس من كل فج في حرب تحرير أهلية لم تعد تقتصر على الجيش الشمالي وحركة جنوبية "متمردة". فتغير الحال تغيراً صار به الشمالي يقاتل جنباً إلى جنب مع رفيقه الجنوبي ضد القوات المسلحة على أمل تحقيق السودان الجديد. ومعلوم أن الحركة الشعبية لم تتمسك بدعوة السودان الجديد الموحد خلال اتفاق السلام الشامل (2005) بينها وحكومة الإنقاذ، وأرجأت بدلاً من ذلك القرار حول استمرار الجنوب في وحدة مع الشمال، أو تقرير مصيره حتى تنقضي الفترة الانتقالية التي ستشارك الإنقاذ فيها إلى 2011 لترى رأيها. فإذا لم تجد الوحدة جاذبة (وهي العبارة) خلال تلك الفترة فزعت إلى حقها في الاستفتاء على تقرير المصير المنصوص عليه في الاتفاق. وجاء التصويت فيه لمصلحة الانفصال بأغلبية استثنائية. وحصل.
وفطن سلمان هنا إلى أن الحركة قد نقضت وعدها في ميثاقها بتنزيل السودان الجديد بحد السلاح ومهما كلف. وغادرت السودان نهائياً رامية بالدعوة إلى السودان الجديد على قارعة الطريق. ولم يجد سلمان مع ذلك مانعاً من أن يلقى لها المعاذير بقوله "فإذا كانت الحركة الشعبية قد نكثت بوعودها الرامية للسودان الجديد الموحد، فكم من الوعود كانت الأحزاب الشمالية قد نقضتها قبل ذلك؟ الفرق أن الحركة قد أدت دورها بذكاء وحنكة كانا غائبين غياباً تاماً في أحزاب الشمال". وهكذا وجد سلمان للحركة الشعبية مخرجاً من عيب نكث العهد عنها بالتنويه بوسامتها الفكرية.
ibrahima@missouri.edu