الخليج الجديد:
2025-01-10@21:28:44 GMT

ماذا بعد وثيقة العدل والإحسان السياسية؟

تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT

ماذا بعد وثيقة العدل والإحسان السياسية؟

ماذا بعد وثيقة "العدل والإحسان" السياسية؟

لم يحمل المحور السياسي لوثيقة "العدل والإحسان" جديداً، بل حافظ على كل التراث القديم للجماعة في تعاطيها مع السلطة.

توزّعت الوثيقة السياسية، بعد التقديم، وتفاصيل تتعلق بالمنطلقات الكبرى للجماعة، إلى ثلاثة محاور كبرى: السياسة، والاقتصاد، والمجتمع.

نجحت المؤسّسة الرسمية بالمغرب في ترويض مارد الجماعات الدينية، على الأقل من ناحية التصورات الكبرى، إلى جانب تقزيم سقف توقعاتها وطموحها.

هل استطاعت الوثيقة السياسية التي أصدرتها، أخيرا، الدائرة السياسية للجماعة، أن تفاجئ توقّعات متابعي الشأن العام، وتكسر مناخ الصمت الجاثم على الواقع السياسي المغربي؟

صارت الدولة بالمغرب أكثر مغايرة للمتوقع من سقف الجماعات الإسلامية ولم يعد السؤال: كيف نتعامل مع المد الإسلامي ونواجهه؟ بل: ماذا يعني وجود الإسلاميين اليوم؟

"التمادي في التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني وتوسيعه ليشمل الأسلحة والاستخبارات والتدريبات العسكرية والمنظومة المعلوماتية؛ يهدّد الأمن القومي للمغرب ويشكّل خطراً على استقرار المنطقة".

* * *

قال عرّاب الإسلاميين في المغرب (حسب وصف بعضهم) وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، في حوار أجرته معه يومية المساء، نشر في 1-11-2006،

"لو نجح ذلك الحوار في تقديري، لكنا اليوم قد انتهينا من هذا المشكل، ولكانت "العدل والإحسان" انخرطت في العمل السياسي، ولم يبق هناك مشكل قط".

ويقصد بالحوار الخطوة الطموح التي كان قد طرحها على الملك الراحل الحسن الثاني، وحصل على موافقته للشروع فيها في ذلك الوقت، وهي سلسلة مفاوضات جمعت الوزير صحبة لجنة رسمية سنة 1991 بمرشد الجماعة الراحل، الشيخ عبد السلام ياسين، وأعضاء هيئة الإرشاد فيها، من داخل سجن مدينة سلا.

وكان موضوعها الأساس، حسب تصريح آخر للوزير في حوار أجراه معه الباحث سليم حميمينات، في 25- 11- 2008، "موقف الجماعة من الملك والمؤسّسة الملكية"، وأفضت، في المحصلة، إلى انتزاع نتائج مهمة، في نظر الوزير.

وتلخّصت في موافقة الجماعة على الانخراط في العمل السياسي من داخل حزب سياسي، ووفق المشروعية الدستورية، والابتعاد عن العنف، والابتعاد كذلك عن التبعية لأي جهةٍ خارجية.

نتائج أكدتها وثيقة بخطّ شيخ الجماعة وتوقيعه، إلى جانب توقيع أعضاء هيئة الإرشاد.

وإذا كانت هذه الخطوة قد تمت تحت إشراف الوزير المدغري، فإنها كذلك، ليست إلا تعبيرا عن رؤية الحسن الثاني تجاه الجماعات الإسلامية، رغبة في احتوائها وتوجيه مسارها، ومنحها خصوصيّتها المغربية، حتى لا تتّسع دائرة تأثيرها خارج نفوذ السلطة، أو تتحوّل إلى مشكل لا يمكن التعامل معه.

فتوافقت رؤية الملك مع تطلعات المدغري، مؤلف كتاب "الحكومة الملتحية"، فوجدت طريقها إلى التجسد بعد ذلك. ورغم حديث باحثين كثيرين عن تدخل طرف ثالث لإفشال هذه الحوارات التي كانت قاب قوسين أو أدنى من ضمّ الجماعة لجناح الدولة، فإننا نرى أنها خلفت أثرا إيجابيا كبيرا على توجّهات الجماعة.

فقد أذكت فيهم روح الخصوصية المغربية، وأشعرتهم بأنهم يتعاملون مع نظامٍ يختلف عن الأنظمة الأخرى، التي راكمت مشكلاتها مع المد الإسلامي، إلى درجة أصبح فيها وجود أحدهما مقترنا ضرورة بفناء الآخر.

وإذا كانت كل هذه التفاصيل جزءا من أرشيف الذاكرة السياسية المغربية، فإن لحظة الثورات الديمقراطية سنة 2011 في المنطقة جعلت الحديث عن موضوع الجماعة في المغرب، وأفق ما ينتظره كثيرون منها، يتّجه نحو الاختلاف والتطّلع إلى الإبداع، بعيدا عن كل حلقات الحوار والمفاوضات المفرغة السابقة، والتي كانت تعود دائما إلى نقطة البداية.

فهل استطاعت الوثيقة السياسية التي أصدرتها، أخيرا، الدائرة السياسية للجماعة، أن تفاجئ توقّعات متابعي الشأن العام، وتكسر مناخ الصمت الذي يجثم على الواقع السياسي المغربي؟

رغم إصدار الوثيقة في فبراير/ شباط الجاري، فإنها موثقة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتضم 198 صفحة، توزّعت، بعد التقديم، وتفاصيل تتعلق بالمنطلقات الكبرى للجماعة، إلى ثلاثة محاور كبرى: السياسة، والاقتصاد، والمجتمع.

ولعل أول حاجزٍ يقف أمام الاطلاع السلس عليها، حجمها الكبير، والذي نعتقد أنه سببٌ كافٍ لعدم التفاعل معها بالشكل المطلوب، إلى جانب الصياغة الجافّة، التي تقتفي أثر كتابة الخبراء في المجالات الثلاثة المذكورة.

فصارت أشبه بصياغة الوثائق التي تُصدرها الدولة، التي تغرق القارئ في كمٍّ مهول من المقترحات والحلول والمشكلات، فبدل أن تختزل له الصورة، وتزيل ما فيها من لبس، تزيد من فرط غموضها والتباسها!

وإذا أردنا التدقيق أكثر، لم يحمل المحور السياسي للوثيقة جديداً، بل حافظ على كل التراث القديم للجماعة في تعاطيها مع السلطة، ما وضعها في صورة مشوّشة، لا تميل إلى أيٍّ من الطرفين، سواء وجه الجماعة القديم، أو واقع العالم المتغيّر اليوم، وهو ارتباك في استشراف مستقبل الجماعة وأفقها السياسي.

ولعل الجماعة اتكأت على ملفّ قضية فلسطين التي توزّع الحديث عنها داخل الوثيقة، معلنة رفضها كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومصرّحة إن "التمادي في التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني وتوسيعه ليشمل الأسلحة والاستخبارات والتدريبات العسكرية والمنظومة المعلوماتية؛ ما يهدّد الأمن القومي للمغرب ويشكّل خطراً على استقرار المنطقة" (ص 74).

ورغم هذا التنديد، لم تنل قضية فلسطين حظّها المستحق داخل هذه الوثيقة السياسية، وهو أمرٌ شديد الغرابة، ويطرح استفهامات كثيرة، حول نجاعة الخبراء السياسيين الذين أشرفوا على تنسيق مواد هذه الوثيقة وتحريرها.

أما الجانب الاقتصادي والاجتماعي منها، فلم يختلف، من حيث الانتقادات والحلول المقترحة، عن بقية الوثائق التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط، أو مجلس المنافسة، أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وغيرهم من المؤسّسات الرسمية.

وربما كانت وثائق هذه المؤسّسات أكثر دقة، نظرا إلى تضمّنها نسبا وأرقاما للظواهر التي تعالجها، بعكس وثيقة الجماعة، التي برغم طولها، غلب عليها طابع تعميمي لا يتناسب مع حجمها الكبير، وإن صرح القيادي البارز فيها، فتح الله أرسلان، بأن ذلك متعمّد، حتى تتخذ أسلوبا وسطا بين الأفكار العامة وبرامج الأحزاب السياسية (جاء تصريحه في حوار معه نشرته هسبريس الإلكترونية في 18- 2- 2024).

ورغم هذا التصريح، يؤكد الملاحظة السابقة تناول الوثيقة موضوع التنمية، والذي كان تكرارا تعميميا لمقترحاتٍ عديدة تقدمها مؤسّسات الدولة، وإن جاءت الوثيقة على مسألة عدم تفعيل هذه المقترحات، غير أنه كان منتظراً من وثيقة الجماعة أن ترفع سقف التوقّعات التنموية، والمبادرات المبدعة في هذا المجال، باعتبارها من التجمّعات السياسية في المغرب، التي تلتحف بصورة المعارضة وامتلاك الحلول، إلى جانب أنها بعيدة عن مزاولة الشأن العام، الأمر الذي قد يمنحها أريحيّة وفرصاً أكبر في القدرة على الابتكار والتفكير في مغرب المستقبل.

وأخيراً، ليس للمراقب غير أن يسجل أن المؤسّسة الرسمية في المغرب نجحت، إلى حد بعيد، في ترويض مارد الجماعات الدينية، على الأقل من ناحية التصورات الكبرى، إلى جانب تقزيم سقف توقعاتها وطموحها.

هذا إن لم نقل إن الدولة في المغرب صارت أكثر مغايرة للمتوقع من سقف الجماعات الإسلامية. وأمام واقع كهذا، لم يعد السؤال متجسّداً في القول: كيف نتعامل مع المد الإسلامي ونواجهه، بل في القول: ماذا يعني وجود الإسلاميين اليوم؟

*عبد الله هداري كاتب وباحث مغربي

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: المغرب العمل السياسي عبد السلام ياسين الحسن الثاني الوثيقة السياسية جماعة العدل والإحسان وثيقة العدل والإحسان حزب سياسي الوثیقة السیاسیة العدل والإحسان فی المغرب إلى جانب

إقرأ أيضاً:

بريطانيا تجمد أصول جماعة "الدم والشرف" اليمينية المتطرفة بتهمة الإرهاب المزعوم.. ما نعرف عنها؟

فرضت الحكومة البريطانية تجميدًا كاملًا لأصول جماعة "الدم والشرف" اليمينية المتطرفة، في أول استخدام لها لنظام العقوبات المحلية ضد الإرهاب اليميني. وقالت حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر إنها تشتبه في أن الجماعة "متورطة في أنشطة إرهابية" في بيان صدر يوم الأربعاء.

اعلان

وقد تأسست جماعة الدم والشرف (Blood and Honor) في عام 1987، على يد إيان ستيوارت دونالدسون المعروف أيضًا باسم إيان ستيوارت، الذي كان المغني الرئيسي لفرقة الروك سكرودرايفر (Skrewdriver).

وأسس دونالدسون الجماعة لأنه شعر أن حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف لم يكن عنصريا بما فيه الكفاية. وفي مرة من المرات قال إنه سيحافظ على نقاء هذ البلد، حتى لو كان ذلك يعني إراقة الدماء.

وقد توفى في حادث سير في أيلول/ سبتمبر 1993، واستمرت الجماعة في عملها. وقال مشروع مكافحة التطرف (CEP) إن الفكر انتشر في أوروبا وروسيا وأستراليا وأمريكا الشمالية.

وتروج الجماعة، التي جاء اسمها من شعار نازي كان يستخدمه شباب هتلر، لأيديولوجية قوة البيض من خلال الموسيقى، وما تزال تعقد مهرجانات منتظمة.

وتطبق العقوبات البريطانية التي فرضت على "معركة 18" وهي مجموعة كانت مسؤولة عن أمن الجماعة، وعلى "راديو 28" الذي كان يعمل عبر الانترنت ويتبع للجماعة.

ومنعت "معركة 18" أي (Combat 18) من العمل في ألمانيا عام 2020، وكانت كندا قعلت الشيء نفسه في 2019.

نشطاء مناهضون للعنصرية يحملون لافتات عند المحكمة العليا في لندن 19 كانون الأول ديسمبر 2022 Kirsty Wigglesworth/AP

وبالإضافة إلى تجميد أصول الجماعة، فإن العقوبات البريطانية تجعل من غير القانوني على أي شخص في المملكة المتحدة أن يقدم لها التمويل أو الخدمات المالية.

وقالت الحكومة البريطانية إن تصنيف جماعة الدم والشرف هو إشارة واضحة إلى أن المملكة المتحدة تعمل بشكل استباقي لوقف تمويل الإرهاب، وستتخذ إجراءات ضد أي شخص يحاول استغلال النظام المالي البريطاني لهذا النشاط.

كما أن هناك ست جماعات عنصرية بيضاء محظورة حاليًا بموجب، قانون الإرهاب البريطاني.

Relatedالتاريخ في مواجهة اليمين المتطرف.. ابنة ناجين من المحرقة تقيم معرضا في مدرسة والدها القديمة بألمانياتأجيل قانون إزالة الغابات يثير الجدل.. انتصارٌ لليمين وإحباط للمنظمات البيئية أطفال محاصرون في المدارس وركاب عالقون في محطات القطار.. الفيضانات تبتلع شوارع بريطانيا

تأتي العقوبات المفروضة على جماعة "الدم والشرف" بعد فترة وجيزة من دعوة الملياردير إيلون ماسك إلى إطلاق سراح تومي روبنسون الناشط البريطاني اليميني المتطرف، من السجن.

إيلون ماسك يهاجم ستارمر وشولتس.. هل تعكس تصريحاته استراتيجية أمريكية جديدة تجاه أوروبا؟

ويقضي روبنسون، واسمه الحقيقي ستيفن ياكسلي لينون، حكمًا بالسجن لمدة 18 شهرًا لتكراره ادعاءات تشهيرية ضد اللاجئ السوري الشاب جمال حجازي.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية اليمين الفرنسي المتطرف يودع أحد أبرز رموزه.. رحيل جان ماري لوبان عن عمر 96 عامًا النمسا وفرصة تاريخية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. تكليف اليمين المتطرف بتشكيل حكومة جديدة شولتس يدين دعم ماسك لحزب "البديل من أجل ألمانيا" المتطرف ويتّهمه بمحاولة التأثير في المشهد السياسي كير ستارمرنازيون جددالمملكة المتحدةالإرهابإيلون ماسكيمين متطرفاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مقتل 74 طفلا في غزة بأسبوع واليمن يطلق 323 مسيرة منذ بدء الحرب وبولندا لن تعتقل نتنياهو إذا زارها يعرض الآن Next لبنان يطوي صفحة الفراغ.. انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية يعرض الآن Next بعد 13 عاماً على الثورة السورية: لاجئون تحدثوا مع يورونيوز عن الفرح الممزوج بالخوف وأمل العودة يعرض الآن Next بابا الفاتيكان بانتقاد لاذع لإسرائيل.. الوضع في غزة "خطير ومخز" يعرض الآن Next هل نحول اسم القارة إلى "أمريكا المكسيكية"؟.. رئيسة المكسيك تقلب الطاولة وتسخر من ترامب بفكرة لطيفة اعلانالاكثر قراءة كاليفورنيا تشتعل: حرائق مدينة بوربانك تلتهم المنازل وتجبر السكان على الفرار إعلام بريطاني: إغلاق شوارع وسط لندن بعد حادث أمني وشرطة العاصمة تبدأ تحقيقاتها قطر تمد "أياديها البيضاء" لتحقيق وعود حكومة محمد البشير بزيادة الأجور الفراغ الرئاسي في لبنان يقترب من نهايته.. فهل يكون قائد الجيش جوزيف عون الأوفر حظا؟ "من أين أتت كل هذه الحروب؟".. ترامب ينشر فيديو مثير يهاجم نتنياهو ويتهمه بتوريط أمريكا في حروبه اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيللبنانكوارث طبيعيةروسيادونالد ترامبأبو محمد الجولاني الحرب في سورياجيشزلزالهيئة تحرير الشام برلمانأسلحةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • رواتب الموظفين بمناطق الحوثيين بين فرحة العودة وانتقام الفصل والإذلال (تقرير)
  • 115 منظمة وشبكة حقوقية تطالب بتحرك دولي عاجل لوقف جرائم الحوثيين في البيضاء
  • تعديلات على الوثيقة الدستورية تعزز قبضة البرهان
  • بريطانيا تجمد أصول جماعة "الدم والشرف" اليمينية المتطرفة بتهمة الإرهاب المزعوم.. ما نعرف عنها؟
  • إعلام الاحتلال: اعتراض طائرة دون طيار يمنية قبالة منطقة بات يام
  • المستشار السياسي لرئيس حركة العدل والمساواة السودانية يهنيء مصطفى تمبور بمناسبة تكليفه والياً لوسط دارفور
  • إنجاز مجدي يعقوب الجديد.. ماذا نعرف عن صمامات القلب التي تنمو بالجسم؟
  • نتنياهو ضالع في تسريب الوثيقة السرية لصحيفة "بيلد"
  • قائد الجيش السوداني يكشف عن تعديلات في الوثيقة الدستورية
  • تفاصيل الوثيقة الإسرائيلية لمحادثات صفقة التبادل الجارية في الدوحة