فطرة الثقافة ، واتساع الأفق ، وشراسة الصدق ، هي أوضح خطوط التماس التي تلتقى بانسجام جميل في شخصية ذلك الكاتب الصحفي الذي تخال أحيانا أنك تسمع حتى نبر صوت الكلمات طالعة من بين سطور مكتوباته ، الماتعة السرد ، بمنطق تسلسل باذخ الحسن ، فنخال أننا نقرأ تخييلا في حين أننا نقرأ وقائع حدث مكتمل الوحدات ( الزمان والمكان ) .

. إنه الكاتب الصحفي السوداني محمد حامد جمعه نوار .
محمد حامد جمعة ترى بأي إيقاع من إيقاعات الكلام أبدأ القول عن كاتب صحفي شامل المعرفة ، متعدد المواهب مثل محمدحامد جمعه ؟

والأسئلة تطرح نفسها بإلحاح لا بسبب السعة المعرفية له ، وتنوع إهتمامته فحسب ، بل كذلك لأن الرجل شديد الإنتماء للسودان وأهله بتعدد مشارب ثقافاتهم ، ومواقفهم تجاه الأشياء من حولهم .

وذلك ما جعله يغوص في عوالم الألسن ناظرا إلى الطرائق التي ينطقون بها العربية ، إذ لكل كتلة إجتماعية لهجتها وعاميتها الدارجة ، فذهب محمد حامد جمعه ، إتجاها مبدعا في كتاباته حاقنا شرايين الفصحى ، بدماء العامية الدارجة ، منتقاة من وسط السودان وغربه – أغلب الأحيان – مع دارجة ( أولاد أم درمان ) فتأتلف هذه مع تلك ، وتلك مع هذه ، فيتكون من أمشاج ذلك الإئتلاف ، هجنة دافئة ولغة حنينة تعزز جمالية المنجز الكتابي .

وما تلك الأسلوبية إلا مفتاح الدخول إلى الوجدان الجماعي المشترك لدى الجمهور المتلقي الذي يقصده الكاتب .

بهذا يمكن القول أن محمد حامد جمعه نوار قد اجترح طريقته الخاصة في فن كتابة المقال الصحفي ، مرتكزا على منظومة إشارات تمنح جمهور القراء ، بمختلف مستوياتهم المعرفية ، قدرة على فك شفرات دلالات تلك الإشارات ، من خلال التفاعل بين ملكة الإدراك لدى كل قارئ وثقافة كتلته الإجتماعية ، وموارده اللغوية .

وتلك في تقديري ميزة ، لا يتميز بها إلا كاتب متعدد الزكاءات ، صاحب مخيال واسع ومستودع زاخر بالثقافة المحلية أولا ، ومن ثم علو كعبه في الثقافة الإنسانية ، مكنته على القبض بأدواته ، والتي بها ملك ناصية الإشارات والرموز التي تكشف العلاقة بين المعنى والبنية من جهة ، وبين المعنى والمتلقي ، أي القارئ من جهة أخرى .

كما دأب محمد حامد جمعه ، في أغلب محتويات أو مضامين مقالاته المتنوعة – ولا يزال – أن يجمع بين الرصانة الجمالية في أسلوب إخباريته ، أو تقريريته ، أو تحقيقاته ، أن يدمج في نصه المكتوب ‐ أيا كان – صوته ” الحكواتي ” بأصوات الناس جميعا ، وحالاتهم ، وتقلبات الأحوال عليهم ، ومزيلا باقتدار المتاريس بين النخبوي والشعبي في اللغة ببراعة إستخدامه لها في كتابة النص .

بهذا يجتاز محمد حامد جمعة نوار وبامتياز باهر الإمتحان أو مختبر التلقي التفاعلي الذي تكونه الذهنيات الناقدة من جمهور القراء ، وتسؤلاتهم التى تبدأ منذ لحظة قراءة عنوان المقال :
هذا الكاتب الصحفي لحساب من يكتب ؟
لهذه الجهة أو لتلك ؟
وما الذي يدفعه لأن يكتب اصلا ؟

بيد أن محمد حامد جمعه ، بشراسة صدقه ، وقوة إنتماءه الوطني ، وإدراكه بوظيفة الكاتب ومعنى الكتابة الإبداعية ، يتجاوز الإختبار ، ليصبح علامة مائزة في الكتابة الصحفية ، بل هو تاريخنا الذي نقف عنده عندما تحين ساعة قراءة الحدث وصدق التحليل الذي يكشف بوضوح الحدود بين الموقف السياسي ، والموقف الوطني .

محمد حامد جمعه نوار ، نعده من الكتاب الصحفيين العارفين بإن الزمن هو أصدق كل الكاتبين ، إذ ليس في هذه الحياة كتابة أكبر وأخطر من كتابة وقائع الحياة ؟

فالكاتب المبدع الحق لا يبدع مقالته من أجل عيون العشيرة والقبيلة ، أو يسبح في موجة التيار العالي ، ولا يأخذه سوق الكتابة .

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

مع اقتراب العيد.. الرأي الشرعي في الأيمان الكاذبة لترويج السلع

استعرض عفانة، أستاذ الفقه والأصول سابقا في جامعة القدس، مجموعة أحاديث نبوية شريفة تحذر من حلف الأيمان حتى وإن كان الحالف صادقا، منها "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة" و"إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق".

وأضاف أن كثرة حلف الأيمان تدل على نقصان ثقة الناس ببعضهم بعضا، "فيلجؤون للحلف حتى يصدّقوا فيما يقولون، وهذه حال أكثر التجار اليوم مع الأسف".

وتابع أن "كثرة الحلف مكروهة إذا كان الحالف صادقا، أما إذا كان الحلف كاذبا، فقد وقع الحالف في الحرام" مشيرا إلى كفارة الحلف بالصدقة.

الجزيرة نت- خاص16/3/2025

مقالات مشابهة

  • الدويش للنصر: الفريق الذي صنّفوه على رأس كرة الشرق مهزوم بسبعة
  • الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة يزور مؤسسة البوابة نيوز الإعلامية
  • منتهي الصلاحية الحلقة 3.. تامر نبيل على علاقة بهبة مجدي
  • التواضع والتكبر: بين قوة الصدق ووهم العظمة
  • الروسية ميرا أندريفا تحرز لقب إنديان ويلز للتنس وتواصل كتابة التاريخ
  • محمد أبو العينين: الإعلام أداة فعالة لنقل المعرفة وتشكيل الرأي العام
  • مع اقتراب العيد.. الرأي الشرعي في الأيمان الكاذبة لترويج السلع
  • من اجمل قرارات الاستاذ خالد الإعيسر تعيين الأستاذ محمد حامد نوار
  • مريم بنت محمد بن زايد: أطفالنا مستقبلنا والأمل الذي نحمله في قلوبنا لغدٍ أكثر إشراقاً
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل جديدة عن نجاته من “الوحوش”.. ونجوت!!