صحيفة الاتحاد:
2025-02-02@06:11:10 GMT

التلاعب بالحقيقة في العصر الرقمي

تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT

الفاهم محمد

أخبار ذات صلة "سناب" تكشف عن أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي للواقع المعزز الأرشيف والمكتبة الوطنية يطلق تطبيقه الإلكتروني المحدث

نعيش في هذا العصر الرقمي الفائق السرعة والتحول انتشاراً هائلاً للمعلومات، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، والشبكة العنكبوتية. هذا الأمر لم يؤثر فقط على قدرة الإنسان على مسايرة واستيعاب هذا الجريان المتسارع للمعرفة.

بل أثر كذلك على طبيعة الحقيقة ذاتها. ذلك أن القدرة على إنشاء المحتويات المضللة، والتلاعب بالحقيقة وتزييفها، أصبحت عملية في غاية السهولة من أي وقت مضى، بسبب توظيف الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المخصصة لهذا الأمر. كنا نعتقد أن الدعاية اختفت مع سقوط الأنظمة الشمولية، غير أن الكذب والأباطيل والإشاعات عادت بقوة في العصر الرقمي، وأصبحت ظاهرة ملازمة للثورة المعلوماتية. لا يمر يوم دون أن يحمل نصيبه من التضليل والزيف، الذي يمس كافة مجالات الحياة الاجتماعية. إن هذا الشكل الجديد من التواصل أدى إلى زحزحة العديد من الثوابت، مثل القصدية والثقة والصلاحية وغيرها، لدرجة أن البعض بدأ يؤكد أننا قد دخلنا مرحلة جديدة، يمكن أن نطلق عليها عصر ما بعد الحقيقة.

التزييف العميق
المقصود بالتزييف العميق Deep fakes استخدام الذكاء الاصطناعي والمعلوماتية، من أجل إنشاء محتوى مزيف، لكنه مطابق للواقع بحيث يصعب كشف حقيقته. تشمل هذه العملية على سبيل المثال إنشاء صور أو فيديوهات مزيفة، لأشخاص يظهرون بصورة طبيعية، لكنهم في الأصل ليسوا سوى شخصيات رقمية. كما يمكن أن تشمل أيضاً التلاعب بالصوت والحركة، حيث يتم توليد مقاطع فيديو لمشاهير في الفن أو السياسية، يدلون بتصريحات مطابقة لنبرة صوتهم، رغم أنهم لم يقوموا بذلك في الواقع. هناك كذلك إمكانية إنشاء المحتويات النصية المزيفة، مثل الرسائل والتغريدات، التي تبدو كما لو أنها كتبت من طرف شخص حقيقي.
هل معنى هذا أن الحقيقة انتهت وباتت من أطلال الماضي؟ في الواقع ما يحدث اليوم هو شيء غير مسبوق في تاريخ البشرية. صحيح كما أشار جاك ديريدا في كتابه تاريخ الكذب، فإن هذا الأخير جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، غير أن الإنسان ظل على الدوام متيقظاً إزاء ما يتداوله من معلومات، أما اليوم فان موقف اللامبالاة، لا يؤثر فقط على اضمحلال الحقيقة واختفاء الواقع، بل أدى أكثر من ذلك إلى بروز شكل جديد من الوعي السطحي، الذي يستمرئ العيش في الإشاعات والفضائح، بدل الانهمام بالبحث عن الحقيقة، ووضع الخط الفاصل بين ما هو صحيح وما هو خاطئ.
لقد عملت الثورة الرقمية على تقويض نماذج المعرفة التقليدية. لم تعد اليوم المؤسسات الرسمية، هي من يسهر على إنتاج ونشر المعرفة، حسب الطرح الذي دافع عنه ميشيل فوكو. بل إن المسألة أصبحت في يد كافة الجماهير، التي بات بإمكانها تداول المعلومات بشكل غير مركزي. لقد غير عصر المعلومات الرقمية بشكل جذري، كيفية انتشار المعلومات والأخبار في المجتمع. إن هذا هو ما جعلنا أكثر عرضة للتضليل والخداع، وقوض قدرتنا على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو كاذب.

مخاطر التلاعب بالحقيقة
علينا أن نعرف أننا أمام قضية شائكة جداً، فالتلاعب بالحقيقة وإضعافها قد تكون له انعكاسات سلبية، لا على الأشخاص، ولا على المجتمع ككل. إن انتشار المعلومات المضللة قد يؤدي إلى تفكك المجتمع، وانهيار الثقة في المؤسسات. كما قد يؤدي كذلك إلى المس بالوضع الاعتباري للأفراد. فتشويه الواقع، والتلاعب بالرأي العام، وإثارة المخاوف والشكوك، كما حدث خلال وباء كورونا. كل ذلك يؤدي حتماً إلى زرع الذعر والمخاوف، والإضرار بالأمن القومي للمجتمع.
في قديم الزمان كنا نسمع الحقيقة من أفواه العلماء، والحكماء والشعراء، وكل من يعيش حياة النسك، في استجلاء للحقائق الجليلة، التي تفيد البشرية. أما اليوم فقد أصبحت الحقيقة من شأن المؤثرين، وحاصدي نقرات الإعجاب، وأصحاب المشاهدات المرتفعة والمحتويات الأكثر مشاركة، والمتصيدين بالذكاء الاصطناعي... يبحث الناس اليوم عن قشعريرة الحواس، لا عن الأدلة والحجج المنطقية.

عصر ما بعد الحقيقة
في كتابه «عصر ما بعد الحقيقة» يؤكد رالف كيس Ralph Keyes أن الاهتمام بالمعلومات الموثوقة أصبح أقل أهمية. فالناس الذين يغلقون على أنفسهم داخل غرف الدردشة لا يهمهم تقصي الحقيقة. بل الأهم بالنسبة لهم هو ما يشعرون به، وما يريدونه أن يكون حقيقة. هكذا انهارت الحقيقة وحلت محلها القصص والروايات والقيل والقال. في عصر الإنترنت لم تعد الحقائق تكفي لإقناع الناس بها، لأن المهم بالنسبة لهم هو مدى انسجام هذه المعلومات مع معتقداتهم وميولاتهم. هكذا فالتفاعل الافتراضي الرقمي حل محل التواصل الاجتماعي الحقيقي، وهذا من شأنه أن يعزز عزلة الناس وانفصالهم عن الحياة الفعلية. كما أن الاستخدام المفرط للوسائط الاجتماعية، من شأنه أن يؤدي إلى تراجع مهارات التفكير النقدي، والتواصل الفعال لدى الأجيال الصاعدة.
إن السؤال الأساسي الذي يعترضنا، ونحن نفكر في هذه الظاهرة هو: كيف يمكن للأفراد والمجتمع أن يقوموا بحماية أنفسهم من الأخبار الزائفة والمعلومات المفبركة؟
يجب التأكيد على أن الحقيقة ستظل هي مطلب الإنسان على الدوام. قديماً قال الحكيم اليوناني هيراقليط: «علينا أن نحرك الكثير من التراب للحصول على القليل من الذهب». هذا معناه أن الحقيقة ليست ملقاة في الطريق، فالحصول عليها يتطلب جهداً. كما أنها أصبحت نادرة، في ظل عالم يغرق في الخداع. مع ذلك يجب أن لا نقلل من قيمة الشبكة العنكبوتية، التي يمكن أن تكون كذلك معيناً من الذهب للمعلومات الصحيحة.

المسؤوليات الأخلاقية
من الضروري إذن التفكير في المسؤوليات الأخلاقية، ووضع المعايير القانونية، التي تحد من عملية التلاعب بالحقيقة. بما في ذلك وضع سياسات فعالة، تعمل على سن العقوبات التي تحد من نشر المعلومات الكاذبة. في هذا السياق تم تطبيق التربية الإعلامية والرقمية، في العديد من البلدان الأوربية. في المملكة المتحدة مثلاً أصدرت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، مبادئ توجيهية صارمة لمنع انتشار المعلومات المضللة على منصاتها. كما قامت فرنسا كذلك بفرض ضرائب على الإعلانات، الموجهة عبر منصات التواصل، للحد من تأثيراتها المالية. أما في الإمارات فقد اتخذت كذلك مجموعة من التدابير، لمحاصرة هذه الظاهرة، منها إطلاق برامج تدريبية للمعلمين، من أجل تمكينهم من نشر ثقافة التحقق من المصادر، وتمييز المعلومات الموثوقة عن المضللة. كما تم استصدار العديد من المراسيم والقوانين لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
يجب على سبيل المثال الرفع من الوعي النقدي لدى المواطنين، ومحو الأمية المعلوماتية، بهدف تقييم المحتوى الرقمي بشكل فعال. كما يمكن أيضاً الاهتمام بدور التربية والتعليم، في تنمية الوعي بالمهارات اللازمة لحماية أنفسنا، من ألاعيب الخداع الرقمي. وبشكل عام من الضروري إعادة بناء الحقيقة والدفاع عنها، وتأكيد دور المؤسسات الديمقراطية، باعتبارها مصادر موثوقة للمعرفة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: العصر الرقمي تقنية التزييف العميق ثورة المعلومات مواقع التواصل الاجتماعي وسائل التواصل الاجتماعي شبكات التواصل الاجتماعي الذكاء الاصطناعي

إقرأ أيضاً:

إلا مصر.. يا هولاكو العصر

هو طبعة جديدة من "هولاكو" أحد أشهر سفاحي التاريخ  .. و"هولاكو" – قائد المغول في القرن الثالث عشر- كان سفاحاً قاتلاً دموياً متغطرساً حقيراً، وهولاكو العصر عنده ذات الصفات وزاد عليها أنه تافه مختل العقل أهوج أخرق، وضعيف أمام النساء.

 سنوات عمره الطويلة وشعره الثلجي الأبيض لم تزده إلا تهوراً وجنونا وضعفاً أمام النساء !

صوَّر له خياله المريض أنه حاكم كوكب الأرض، فتوهم أنه إذا قال شيئاً، فعلى الدنيا السمع والطاعة، وإذا أراد فلا بد أن يستجيب القدر!

هذا السكرير العربيد الراكع بين أفخاذ البغايا راح يقسّم بلاد العرب ويأمر بنقل بعض الشعوب العربية من مكان لآخر، وكأن بلاد العرب قطعة شطرنج يعبث بما شاء من رقعها، وكأن الشعوب العربية مجرد أحجار شطرنجية ينقل ما يشاء منها أينما شاء.

 العجوز  الخِرب منهوك العقل، والذي لاحقته تهمٌ بالاعتداء الجنسي، والتهرب الضريبي، والتشهير والتآمر لعرقلة إجراءات رسمية والتآمر على الحقوق.. راح يتقمص دور الرجل القوي، ويقول إن على مصر أن تفعل كذا وكذا وعلى الأردن أن تفعل كذا وعلى الفلسلطينيين أن ينتقلوا من هنا إلى هنا.. ولو كان يعلم أو يعقل لما قال مثل هذا الهراء.

فلو كان هذا العجوز قد قرأ صفحة من التاريخ لعرف أن مصر لم تركع أبداً لغير الله، وأنها وقفت ضد كل عتاة التاريخ وأجهضت كل مخططاتهم وقطعت عليهم كل أحلامهم وأنهت تماماً كل هلاوس عقولهم.

لو كان يقرأ أو يعلم لعرف أن رؤوس المصريين لم تنحنِ إلا لله وأنها مرفوعة إلى السماء مهما كان حجم مرارتها وآلامها، وحتى لو كانت مخضبة بالدماء.

  ليته يقرأ -فقط-  ما فعله المصريون مع رسل شبيهه التاريخي "هولاكو"  .. هولاكو الذي كان قبل حوالي 8 قرون قد احتل نصف العالم ، وأراد أن يبتلع مصر ويضمها إلى حظيرة مملكته فبعث بـ4 رسل يحملون رسالة تهديد إلى حاكم مصر  -آنذاك- " سيف الدين قطز" يطلب منه التسليم أو القتل وتدمير البلاد.

أتدري أيها العجوز ماذا فعل " قطز" برسل هولاكو؟.. ذبحهم وعلق رؤوسهم على باب زويلة، ثم خرج إلى المصريين وقال خطبته الشهيرة التي يسجلها التاريخ، قال:" يا أهل مصر عندما بايعتموني على السلطة كان ذلك لأن جيش هولاكو قد اقترب منا وأصبحوا على أبواب بلادنا، وإنما دفعكم إلى مبايعتي هو عهدي لكم بحماية الأرض والعِرض، وحماية البلاد والعباد وحماية أمتنا وديننا وكرامتنا ولكن مهما امتلكت من القوة والحكمة، فلن أستطيع أن أردهم وحدي، إنني بحاجة إلى أذرع الرجال تحمل سيوفاً ورماحاً وسهاماً، وبحاجة إلى أذرع النساء ترتفع لنا بالدعاء.. أيها الناس لقد أرسل إلينا هولاكو رسلاً مطالباً إما التسليم أو الهرب خارج البلاد، وأراد أن يزرع خوفاً في قلوبنا لما معه ومن معه، وإذا كان معه الجند والرماح والمنجنيق، فإن معنا ما هو فوق كل هذا  معنا الله عز وجل ، وما هذا إلا امتحان من الله -سبحانه تعالى- فإما النصر وإما الشهادة".

 وبالمناسبة كانت مصر في ذلك الوقت تعاني فقراً وقلة في الزاد وصعوبة في الحياة،  ولكن هذا لم يمنع المصريين من تجهيز جيشهم والخروح لملاقاة التتار وهزموهم شر هزيمة ومزقوهم كل ممزق ، وقتلوا قائد المغول في المعركة.. أتدري أين كانت تلك المعركة؟.. كانت فوق أرض فلسطين.

هذه مجرد صفحة من تاريخ مصر ، وهؤلاء هم المصريون الذين لم تعرفهم حتى الآن.

وإن شئت أن تسمع رسالة واحدة من مصري فاسمع ما قاله ابن شبرا  الشاعر عبد الله شمس الدين:

يا هذه الدنيا أطِّلي واسمعي.

جيش الأعادي جاء يبغي مصرعي.

بالحق سوف أرده وبمدفعي.

فإذا فنيت فسوف أفنيه معي.

 

وتلك هي الخلاصة: "إذا فنيت فسوف أفنيه معي".. والله فوق الغادر المتكبر.

مقالات مشابهة

  • "خدعة" الـ 6 ملايين دولار.. تقرير يكشف التكلفة الحقيقة لـ"ديب سيك"
  • إلا مصر.. يا هولاكو العصر
  • ضبط 4 أطنان دقيق خلال حملات مكثفة لمنع التلاعب بأسعار الخبز
  • تربية الأبناء في العصر الرقمي .. كتاب جديد للمؤلف د.عبدالقادر عبد الرحمن النجيلي
  • الدكتور علي جمعة: منكروا السنة يسعون في الحقيقة لهدم الدين
  • هل تتحدث النساء أكثر من الرجال؟.. دراسة تكشف الحقيقة
  • علي جمعة: منكرو السنة يسعون في الحقيقة لهدم الدين
  • هل ستُمنع الكحول في كأس العالم 2034؟: وزير الرياضة السعودي يكشف الحقيقة
  • ضبط 10 أطنان دقيق خلال 24 ساعة
  • تأثير التكنولوجيا على العلاقات الأسرية في العصر الرقمي.. خبيرة توضح