المستشرقون الجدد والعدوان على غزة.. عودة لصدام الحضارات
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
لا شك أن الهجمة العدوانية التي تقودها الحكومات الأمريكية المتعاقبة على العالم الإسلامي، ولا سيما منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تدعو إلى المزيد من الدراسة للوقوف على خلفياتها وأهدافها وأهم مشكَلاتها الفكرية.. ولا شك أن الوقوف على نتاج "المستشرقين الجدد" في الولايات المتحدة، يعد من أهم مشكلات الوعي بهذه الحقبة العدوانية، ولا سيما تجاه قضية فلسطين، وما نشاهده ويشاهده العالم معنا اليوم من الإبادة الجماعية في غزة، وذلك بعد أن عاينا التدمير الشامل والوحشية منقطعة النظير في العدوان على أفغانستان والعراق.
فكل ذلك لم يأت من فراغ، بل جاء محملا بعبوات شحن فكري ونفسي بالغة الكراهية، فقد بلور "المستشرقون الجدد" بالفعل صورة شوهاء للإسلام والمسلمين، كما أنهم لم يتصوروا غير الصدام مع العالم الإسلامي، وحتى النهاية. وبرغم أنهم في ذلك ليسوا منفصلين عن التراث التاريخي للاستشراق الغربي المعبأ بذات المضامين، إلا أن معاصرتهم وتأثيرهم الواضح، يلزم بضرورة الوقوف على جوانب تفكيرهم، وتصورهم للعلاقة مع العالم الإسلامي.
كل ذلك لم يأت من فراغ، بل جاء محملا بعبوات شحن فكري ونفسي بالغة الكراهية، فقد بلور "المستشرقون الجدد" بالفعل صورة شوهاء للإسلام والمسلمين، كما أنهم لم يتصوروا غير الصدام مع العالم الإسلامي، وحتى النهاية
وأهم من عبّر عن هذا الاتجاه الصدامي داخل العقل الإستراتيجي الأمريكي: صموئيل هنتنجتون، وبرنارد لويس، ولأننا نشهد اليوم في حرب الإبادة المشرعة تجاه غزة صورة واضحة من صور صدام الحضارات، فإن أهمية كتاب صموئيل هنتنجتون "صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي" تتصدرها جميعا، وخاصة أنه يؤكد على ضرورة المواجهة بين الحضارة الغربية (المسيحية اليهودية) مع الإسلام، كما أنه يمثل التيار الأهم بين النخب الثقافية والسياسية في الولايات المتحدة، والتي تتحكم إلى حدّ كبير في مؤسسات الحكم والمجتمع الأمريكي.
أما عن أهم محاور الكتاب التي تتعلق بالإسلام والعالم الإسلامي فيمكن رصدها كالتالي:
1- التأكيد على أن "الحضارة الإسلامية" عادت تفرض وجودها بشكل تدريجي، وأصبحت تشكل تحديا سافرا للغرب، ولا سيما خلال الربع الأخير من القرن العشرين.
2- يحاول الكتاب تثبيت فرضية خطورة الإسلام، ويحرض على مواجهته، وإن أدخل الصين في هذه الحرب، إلا أن ذلك يأتي بشكل عرضي، مثل الحديث عن احتمال التحالف الصيني/ الإسلامي.
3- يصف العلاقة بالإسلام بأنها علاقة صراع وتصادم في كثير من الأحيان، ويؤكد على أن المشكلة لا تتعلق بالإسلاميين وإنما الإسلام نفسه، ولهذا فهو يطرح فكرة صدام الحضارات، من خلال فكرة العدو البديل للشيوعية.
4- يعتبر الكتاب أن السبب الرئيس لتحدي المسلمين للحضارة الغربية، إنما يعود لنموهم الديموغرافي، وحيويتهم، وانبعاثهم الثقافي والاجتماعي والسياسي المتواصل، ورفض القيم والمؤسسات الغربية، وتوجه غالبيتهم نحو الإسلام كمصدر للهوية والتوازن والشرعية والقوة والتنمية والأمل، وذلك في إطار شعار مركزي "الإسلام هو الحل".
5- كما يعتبر أن "الانبعاث الإسلامي" الذي تشهده المنطقة والذي يتميز بالشمول والعمق والاتساع، هو المرحلة الأخيرة لتموقع الحضارة الإسلامية بالنسبة للغرب، فهو جهد داخلي كبير، يبحث عن حل إسلامي لا يعتمد على الأيديولوجيات الغربية، كما يستند إلى الإسلام كمنهج حياة، ويرفض الثقافة الغربية.
يرى أن الإسلام يمتلك العديد من المخاطر على الغرب، منها "النمو السكاني الكبير"، و"الثروات الطبيعية"، "والحركية الاجتماعية" التي تحدثها الحركات الإسلامية في شتى مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، والتي ستؤدي إلى امتلاك زمام الحكم
6- كما يرى أن الإسلام يمتلك العديد من المخاطر على الغرب، منها "النمو السكاني الكبير"، و"الثروات الطبيعية"، "والحركية الاجتماعية" التي تحدثها الحركات الإسلامية في شتى مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، والتي ستؤدي إلى امتلاك زمام الحكم.
7- برغم أن المسلمين لا يمتلكون قوة عسكرية أو اقتصادية كبيرة.. وبرغم أنهم لا تتوافر لديهم "دولة محورية" تجمع قوى العالم الإسلامي المبعثرة، إلا أنهم يعدون أخطر من الحضارة الصينية، فلقد كان الغرب دائما تحت تهديد الإسلام، كما أنه يهدده اليوم من داخله من خلال تزايد عدد المهاجرين داخل المجتمعات الغربية، والنمو الكبير لأعداد المهاجرين.
8- ويؤكد الكتاب على أن أطماع الغرب وعمله على فرض عالميته، تقوده حتما إلى الدخول التدريجي في صراع مفتوح مع الإسلام والصين.
9- كما يعتقد أن ظهور حروب حدودية على المستوى المحلي بين المسلمين وغير المسلمين ستنشئ تحالفات جديدة، تؤدي إلى تصعيد العنف.
10- ويروج الكتاب لأن الحضارة الإسلامية تمثل "الحدود الدموية في العالم"، فهي الحضارة الوحيدة التي لها علاقات صراع مع كل الحضارات عدا الصين، وذلك في تجاهل واضح لمحنة الأويغور في تركستان الشرقية.. لهذا فهو يحذر من إمكانيات التحالف الذي بدأت تظهر معالمه بين الصين والإسلام في مواجهة الغرب، الذي يعد عدوا مشتركا بالنسبة لهما.
11- كما يرى أن الصدامات الخطيرة المرتقبة والتي ستشكل مستقبل العالم ستكون بين ما أسماه "الكبرياء الغربي" و"اللاتسامح الإسلامي"! و"إرادة فرض الذات الصينية"، ولا يستبعد التحالف الإسلامي/ الصيني في مواجهة الغرب، الذي يمثل العدو المشترك، لهذا فهو يحذر من إمكانية نقل التكنولوجيا الخاصة بالصواريخ وأسلحة الدمار الشامل إلى العالم الإسلامي عبر الصين وكوريا الشمالية، ويؤكد على خطورة التعامل بين دول هاتين الحضارتين.
12- ضرورة تنبيه الغرب إلى المخاطر التي تهدده من الداخل بسبب "الانهيار الأخلاقي" و"الانتحار الثقافي" و"التفكك السياسي"، والتي تعتبر أخطر من "ضعف النمو السكاني" و"الركود الاقتصادي" و"المخدرات"، كما أن "العنف يتنامى" داخل المجتمعات الغربية "والأسرة تنهار" (ارتفاع معدلات الطلاق- الأولاد غير الشرعيين- حمل المراهقات.. إلخ) كما أن "المشاركة المجتمعية التطوعية تتآكل"، كما "يتراجع الاهتمام بالمعرفة" والنشاط الفكري.. وفي الوقت الذي يرى الكتاب أن استمرار قوة الغرب مرتبطة بقدرته على مواجهة هذه المشكلات، فإنه يرى أن الشعوب المسلمة تتميز على الغرب فيها.
13- وأهم ما ينصح به الكتاب لمواصلة "الهيمنة الغربية"، والتصدي "للانبعاث الإسلامي" و"الحضارة الصينية" الآتي:
- حسن إدارة الاندماج السياسي والاقتصادي والعسكري بين أمريكا وأوروبا وتنسيق السياسات بينهما.
- إدماج أوروبا الوسطى في الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلنطي.
- تشجيع حركة تغريب أمريكا اللاتينية، والعمل على إلحاقها بدول الحضارة الغربية.
- السيطرة على القوة العسكرية التقليدية وغير التقليدية في العالم الإسلامي.
هنتنجتون" قد عاد بعد 11 أيلول/ سبتمبر ٢٠٠١، يدعو إلى إدارة حرب داخل الإسلام، حتى يقبل بالحداثة والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي: "فصل الدين عن الدولة"
- اعتبار روسيا دولة محورية في العالم الأرثوذكسي، وتوظيفها في مواجهة الإسلام في آسيا الوسطى.
- إبعاد اليابان عن الصين، ومنع الشعوب الصينية من امتلاك أسباب القوة العسكرية، وإدارة حرب باردة اقتصادية على الجبهة الصينية وسياسية على الجبهة الكورية الشمالية.
- استمرار الهيمنة العسكرية والتكنولوجيا الغربية على كل الحضارات.
- استغلال الخلافات والصراعات بين الدول الإسلامية والكونفوشية (الصينية).
- الاستعداد الغربي لصراع مرير مع التحالف الإسلامي/ الصيني، لقهره ولو بالقوة ثم التعايش معه بعد ذلك!
ومن المهم ملاحظة أن "هنتنجتون" قد عاد بعد 11 أيلول/ سبتمبر ٢٠٠١، يدعو إلى إدارة حرب داخل الإسلام، حتى يقبل بالحداثة والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي: "فصل الدين عن الدولة"، كما ورد في نيوزويك (شباط/ فبراير 2002)، وهو ما دعا إليه أيضا "توماس فريدمان"، الذي اعتبر أن الحرب الحقيقية في المنطقة الإسلامية هي في المدارس! وهو ما يجب أن يلفت الانتباه للأدوار المدعومة والمرسومة لدعاة الحداثة و"التكوين الفكري الجديد"، على أنقاض الثقافة والثوابت الإسلامية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغربي صدام الحضارات المسيحية صراع الاسلام الغرب المسيحية صراع صدام الحضارات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العالم الإسلامی على أن یرى أن کما أن
إقرأ أيضاً:
عودة سياسة ترامب الاقتصادية تثير حماس الأسواق وتُخيف العالم
بلغت "تجارة" ترامب ذروةَ نشاطِها سلفا. فمع اتضاح فوزه في الانتخابات الرئاسية ارتفعت بشدة أسعار العقود الآجلة للأسهم الأمريكية وقفزت عائدات سندات الخزانة الأمريكية وتعززت قيمة الدولار (مقابل سلة العملات الست التي تقاس عليها قيمته وهي اليورو والين والاسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري- المترجم.)
تحركات الأسعار تحتوي على رسالتين حول اتجاه وأثر سياسات ترامب الاقتصادية. فالتخفيضات الضريبية الكبيرة والمؤكدة تقريبا ستعزز النمو خصوصا في الأجل القصير. كما سيحفز على هذا النمو أيضا حماس ترامب تجاه تخفيف الإجراءات التنظيمية. لكن شبح الرسوم الجمركية والحملة ضد الهجرة قد يرفعان معدل التضخم ويقوضان عناصر القوة الاقتصادية للولايات المتحدة في نهاية المطاف. لنبدأ بأهمِّ ما أثار حماس المستثمرين ومسئولي الشركات فور اتضاح فوز ترامب وهو خفض الضرائب. الجمهوريون في سبيلهم إلى بسط سيطرة "ثلاثية" على الرئاسة ومجلسي الكونجرس بعد اقتران فوز ترامب القوي بأغلبية مريحة للحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ وأخرى بهامش أقل في مجلس النواب. هذا الوضع (التشريعي) سيفتح مسارا لترامب كي يقلص الضرائب. ستكون أولويته تمديد التخفيضات التي أجراها في ضريبة الدخل الشخصي عام 2017 والتي من المقرر أن ينتهي سريانها في نهاية العام القادم. وقد تعهد بخفض معدل الضريبة على الشركات ربما إلى 15% من 21%. وأثناء حملته الانتخابية عرض تشكيلة مثيرة من التخفيضات الأخرى بما في ذلك إنهاء الضرائب على الإكراميات (البقشيش).
احتمال تحقيق الشركات عائداتٍ أعلى بعد حساب الضريبة يعين على تفسير صعود أسعار الأسهم عندما تحدد على نحو قاطع انتصار ترامب. لكن ما يقلق أن انخفاض الضرائب سيضغط على الأوضاع المالية للولايات المتحدة. ففي الوضع الحالي يقدِّر مكتب الموازنة في الكونجرس، وهو مراقب مستقل للأداء، أن أمريكا ستشهد عجزا في الموازنة بنسبة تصل إلى حوالي 6%من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد التالي. وهذا معدل مرتفع على نحو استثنائي لاقتصاد عادي في وقت السلم.
من الممكن أن تزيد تخفيضات ترامب الضريبية المختلفة عجز الموازنة بنسبة تصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، وفقا للجنة الموازنة الفيدرالية المسئولة غير الحزبية. وقد يحدّ خطر انفجار العجز من مدى استعداد الجمهوريين في الكونجرس للمضي في التخفيضات الضريبية مع انطلاق المفاوضات المتعلقة بها في بداية العام القادم. وسيعتمد الكثير أيضا على طبيعة رد فعل الأسواق. فالارتفاع في عائدات سندات الخزانة كردِّ فعل لفوز ترامب يمثل تحذيرا من الهشاشة المالية للولايات المتحدة.
الشيء التالي الذي يركز عليه ترامب اهتمامه سيكون الرسوم الجمركية. فاعتقاده بأن الحمائية ضرورية لازدهار أمريكا ظل مركزيا في برنامجه السياسي على مدى عقد.
ربما فترته الأولى بالبيت الأبيض والتي شهدت فرض الرسوم الجمركية على الصلب المستورد من حول العالم وعلى سلسلة من المنتجات الصينية مجرد مقدمة لما سيحاول تطبيقه الآن. لقد تحدث عن فرض رسوم بنسبة 10% إلى 20% على كل شيء تستورده أمريكا و60% على كل السلع القادمة من الصين. بل حتى ضرائب جمركية أعلى ربما تصل إلى 500% على السيارات المستوردة من المكسيك.
يجمع الاقتصاديون تقريبا على أن هذه الرسوم ستقود إلى ارتفاع الأسعار الاستهلاكية وتعوق الاستثمار والنمو. وذلك يمكن أن يشكل مفارقة قاسية للناخبين الأمريكيين نظرا إلى أن الغضب تجاه التضخم في ظل إدارة بايدن عزز إعادة انتخاب ترامب. الجمهوريون في الكونجرس أيضا وبشكل عام أقل حرص على الرسوم الجمركية. فنزعة حرية التجارة التقليدية لا زالت حية ولو أنها بالكاد مزدهرة في الحزب. لكن أية معارضة منهم ربما لن تكون لها قيمة. فمستشارو ترامب وخصوصا روبرت لايتهايزر الممثل التجاري للولايات المتحدة في فترته الرئاسية الأولى يعكف على إعداد خطط لاستخدام الأوامر التنفيذية وسلطات الطوارئ التي لم تُختبر حتى الآن لفرض رسوم جمركية شاملة. وربما سيتيسر لهم فرض رسوم عقابية على الصين كناتج ثانوي لتحرياتهم السابقة في الممارسات التجارية. ومن هنا جاء التخلص من الأسهم الصينية في أعقاب فوز ترامب. من المؤكد أن الرسوم ستستدعي ردّا عليها. ففي أوروبا شرع المسؤولون في إعداد قوائم بالرسوم التي قد يفرضونها على السلع الأمريكية. أما الصين فربما ستستهدف المنتجات الزراعية من فول الصويا وإلى الذرة الشامية. وسيكون من المغري لبلدان أخرى احتذاء حذو الأوروبيين والصينيين. لكنها ستحاول أيضا الحصول على استثناءات من رسوم ترامب. سيصح ذلك خصوصا بالنسبة لكندا والمكسيك وهما البلدان اللذان ترتبط حظوظهما على نحو وثيق بالتجارة مع أمريكا. فقد هبطت قيمة البيزو المكسيكي إلى أدنى مستوى له خلال عامين في اليوم الذي أعقب الانتخابات وسط مخاوف من أن رسوم ترامب قد تثير المتاعب للاقتصاد المكسيكي.
نظرا إلى حجم وتنوع اقتصادها قد تكون أمريكا محمية بشكل أفضل من معظم البلدان الأخرى إذا نشبت حرب تجارية عالمية. فذلك، إلى جانب ارتفاع عائدات سندات الخزانة، يساعد في تفسير صعود الدولار بعد فوز ترامب. الخطر الحقيقي جدا للعالم هو ضعف النمو وارتفاع الأسعار وازدياد هشاشة سلاسل التوريد.
خطة ترامب لمعالجة قضايا الحدود موضوع ثابت في حملته الانتخابية ومصدر آخر للبلبلة. فإذا حافظ على وعوده بالترحيل الجماعي للمهاجرين سيؤثر ذلك بشدة على الاقتصاد بتقليص حجم القوة العاملة. ويعني طرد 8 مليون مهاجر خفضا للناتج المحلي الإجمالي بنسبة حوالي 7% عن مستواه المتوقع في عام 2028، وفقا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
لكن من المستبعد أن يقترب العدد الفعلي من ذلك. فأية محاولة لترحيل المهاجرين جماعيا ستصطدم بمقاومة صلبة حيث سيرفض بعض مسئولي أكبر الولايات الأمريكية من كاليفورنيا وإلى نيويورك التعاون في ذلك. وبالتالي قد تكون المحصلة الأكثر واقعية فرض ضوابط أشد صرامة على الحدود من شأنها وقف تدفقات المهاجرين التي حدثت في ظل إدارة بايدن. وذلك في حد ذاته قد يقود الى نقص العمالة في المطاعم وشركات البناء وأنشطة أخرى وإطلاق قوة تضخمية أخرى.
هنالك مهددات أخرى أيضا. تعهُّد ترامب بجعل أمريكا "عاصمة الكوكب للتشفير" قد يجعل انتصاره نعمة للعملات المشفرة. فسعر عملة البيتكوين ارتفع إلى مستوى قياسي جديد مع ظهور نتائج الانتخابات. لكن تخفيف الضوابط التنظيمية لصناعة التشفير التي يتفشى فيها غسيل الأموال والأنشطة الإجرامية الأخرى من الصعب الترحيب به واعتباره تطورا حميدا.
في الأثناء المخاوف من التضخم غالبا ما ستؤثر بشدة على تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي. فارتفاع عائدات أوراق الخزانة يُظهِر اعتقاد مستثمرين عديدين بأن البنك المركزي سينتهي به المطاف إلى الإبقاء على أسعار الفائدة في العام القادم عند مستوى أعلى من التقديرات السابقة. ذلك على الرغم من توقعهم خفضا بنسبة 25 نقطة أساس (0.25%) في اجتماع البنك يوم 7 نوفمبر (وهذا ما حدث فعلا. فقد خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الخميس 7 نوفمبر النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بهذه النسبة ليصبح بين 4.5% و4.75%- المترجم.)
وإذا بدا البنك أكثر تشددا قد يثير ذلك بدوره غضب ترامب الذي قال إنه كرئيس يجب أن يكون له رأي في تحديد أسعار الفائدة. ترامب بالتأكيد يريد أن يرى تخفيضات حادة في أسعار الفائدة. قانونيا، لا يمكنه فعل شيئ يذكر للسيطرة على بنك الاحتياطي. لكن مستشاريه تحدثوا عن إيجاد "مجلس احتياطي فيدرالي موازٍ" لمحاولة توجيه قراراته. قد يثير مشهد الرئيس وهو يهاجم البنك المركزي مخاوف الأسواق لكن الاستقلالية القانونية للبنك ينبغي أن توفر له حماية جيدة. احتمال أن يعجز عن تحقيق طموحاته الأكثر تطرفا يلزم أن يطيِّب خاطر العالم ويخفف من قلقه. لكنه ربما يستطيع أن يمضي إلى أبعد مما فعل في فترته الرئاسية الأولى. فهو هذه المرة أفضل استعدادا للحكم بفريقٍ أكبر من الموالين له وخطة عمل أكثر تفصيلا. ستكون الرحلة الاقتصادية في ظل رئاسة ترامب مليئة بالاضطرابات الجوية (المَطَبَّات الهوائية) لأمريكا والعالم. لذلك أربطوا الأحزمة.