تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق عندما تقرأ رواية "السكين الأسود" للكاتب البرازيلي إتامار فييرا جونيور، ستعرف على الفور أنه "على هذه الأرض، الأقوى هو مَن يعيش دائمًا". حيث تصطدم برواية غير تقليدية تحكي قصة شعب وقرية وزمن مضى حتى وإن تغير تاريخه، فما زالت سماته حاضرة حتى اليوم، كما يشير الناشر، لغة للنشر والتوزيع، الذي نقل الرواية إلى العربية بترجمة فاطمة محمد.

في الرواية المختارة في القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية للرواية 2024، نجد قصة بيلونيسيا وبيبيانا، وهما ابنتا عاملين في عزبة يملكها أحد أصحاب القوة والنفوذ، ولم يصلها قانون إلغاء العبودية بعد. يتملك الفتاتين فضول هائل حول حقيبة جدتهما الموجودة أسفل السرير والتي شكلت لهما لغزًا وكنزًا لم تتمكنا من مقاومة رغبتهما في اكتشافه، حتى تتجرآ على ذلك وتتغير حياتهما مع هذا الحادث إلى الأبد، الحادث الذي يقربهما من بعضهما بعضًا ويجعل كل منهما جزءًا من الأخرى لا تكتمل إلا به. ينهار هذا التقارب مع مرور الزمن؛ إذ تختار كل منهما طريقًا مختلفًا، إحداهما تكمل مسيرة العائلة في العمل في الأرض وحفظ الطقوس وحمل إرث نساء القرية المسكوت عنه من حولها، وأخرى تلجأ إلى الهجرة والبحث عن حياة أخرى والنضال من أجل حرية العائلة والأرض وحقوقهم المسلوبة.  ثم تتكشف في النهاية حقيقة أن ماضيهما ومصيرهما وأحلامهما لا بد وأن تجتمع مرة أخرى عند حقيبة الجدة التي بدأ من عندها كل شيء.

 

النصل الحاد

عندما أخرجتُ المِنْجَلَ من حقيبة الملابس، الملفوفَ في قطعة قماش رثَّة متسخة، بها بقع داكنة ومعقودة من منتصفها يزيد عمرها على سبع سنوات. 

كانت تصغرني أختي بيلونيسيا التي صاحبتني سنة واحدة. قبل ذلك الحدث بهنيهة، كنا في فناء المنزل القديم، نلعب بالدمى المصنوعة من أوراق الذرة المحصودة في الأسبوع الماضي. 

استخدمنا القش الذي اصفرَّ لونه لنخيط لها ملابس على قوالح الذرة. عاملْنا الدمى كبناتنا، بنات بيبيانا وبيلونيسيا، وعندما أدركنا أن جدتنا تبتعد عن المنزل تجاه الفناء، نظرنا إلى بعضنا في إشارة إلى أن الساحة أصبحت خالية لنا، وقلنا إن الوقت قد حان لكشف ما أخفته الجدة السيدة أنَّا في الحقيبة الجلدية، بين الملابس البالية التي تفوح منها رائحة الشحوم الزَّنِخة. أدركت السيدة أنَّا أننا كبرنا، وقد تملكنا الفضول، فقد اقتحمنا غرفتها لنسألها عن المحادثات التي سمعناها وعن الأمور التي لا نعرف عنها شيئًا، مثل الموجودة داخل حقيبتها. لطالما وبَّخنا والدانا، أما جدتي - خاصة - فرمقتنا بنظرة حازمة أشعرتنا كأنَّ جلدنا يرتجف ويحترق، كأننا قد اقتربنا من النار.

لذلك، عندما رأيتها تسير مبتعدة نحو الفناء، نظرت إلى بيلونيسيا، عازمة على تفتيش أغراضها. لم أتردد وسرتُ على أطراف أصابعي نحو غرفة نومها لكي أفتح الحقيبة الجلدية القديمة التي تراكمت عليها البقع وطبقة سميكة من الطين. كانت الحقيبة حتى تلك اللحظة، تحت السرير. ذهبتُ بنفسي إلى الفناء الخلفي لأتلصص خلف الباب وأرى الجدة السيدة أنَّا تجر جسدها متوجهة نحو الغابة التي تقع خلف البستان وحديقة الخضراوات، خلف حظيرة الدجاج بأقفاصها القديمة.

في ذلك الوقت، رأينا جدتنا تناجي نفسها، وتطلب أشياءَ غريبة مثل: أن يبتعد شخص ما - لم نره - عن كارميليتا، عمتنا التي لم نرها من قبل، أو أن تبتعد الأرواح ذاتها التي سكنت ذكرياتها عن حفيداتها. كانت أحاديثها سلسلةً من موضوعات متقطعة، تتحدث عن أناس لم نرهم ـ مثل الأرواح ـ أو عن أشخاص في الغالب لم نسمع بهم، أو عن أقارب بعيدين، أو عن أمهات روحيات "عرابات". لقد اعتدنا سماع السيدة أنَّا تتحدث في جميع أرجاء المنزل، عند الباب الأمامي، وفي الطريق إلى الحقل، وفي الفناء الخلفي، كأنها تتحدث إلى الدجاج أو الأشجار الجافة. نظرنا أنا وبيلونيسيا إلى بعضنا، وضحكنا ضحكة هادئة، ودنونا منها دون أن تشعر. تظاهرنا باللعب بأي شيء قريب منها فقط لنستمع لها، ثم رددنا ما قالته السيدة أنَّا مع الدمى والحيوانات والنباتات كأنها أحاديث جدية. رددنا ما همست به أمي لأبي في المطبخ: "لقد تحدثتْ كثيرًا اليوم، ويكثر كلامها مع نفسها يومًا بعد يوم". تردد أبي في الاعتراف بأن جدتي ظهرت عليها علامات الخَرَف، وقال إن والدته تتحدث إلى ذاتها طوال حياتها، ولطالما رددتِ الصلوات والترانيم شاردةَ الذهن. في ذلك اليوم، سمعنا صوتالسيدة أنَّا يتلاشى في الفناء الخلفي، وسط زقزقة العصافير. بدا الأمر كأنَّ الصلوات والعبارات التي تمتمت بها - والتي كثيرًا لم يكن لها معنى بالنسبة إلينا - ذهبت بعيدًا، كأنما حملتها أنفاسنا المُثقلة بسبب الجُرم الذي كنا على وشك ارتكابه. نزلت بيلونيسيا تحت السرير وأخرجت الحقيبة. انكمش جلد الخنزير البري المفروش كسجاد ليخبئ عيوب الأرضية الترابية تحت جسدها. فتحتُ الحقيبة وحدي وسط نظراتنا المترقبة. التقطتُ بعض قطع الملابس القديمة البالية، وأخرى لا تزال ألوانها زاهية يعكسها ضوء النهار الجارف، ضوء لم أعرف قطُّ كيف أصفه. ومن بين الملابس سيئة الطي كانت هناك قطعة قماش متسخة ملفوفة حول الشيء الذي لفت انتباهنا، كأنه حجر كريم يطوي كل أسرار جدتنا. كنت أنا مَن فك عقدة القماش، منتبهةً إلى صوت السيدة أنَّا الذي كان لا يزال بعيدًا. رأيتُ أعين بيلونيسيا تتلألأ من لمعان ما كشفناه كأنه هدية جديدة، مصنوعة من معدن مُستخرَج حديثًا من الأرض. رفعتُ السكين[1] الذي لم يكن كبيرًا ولا صغيرًا أمام أعيننا، وطلبتْ أختي أن تأخذه.

لم أسمح لها، تفقدتُّه أولًا. شممتُ رائحته التي لم تحمل رائحة جدتي، ولم تكن به أي بقع أو خدوش. كانت ردة فعلي في تلك اللحظة التركيز فقط على حل ذلك اللغز قدر الإمكان، ولم أردْ تفويت الفرصة حتى أكشف كيف يُستخدَم ذلك الشيء الذي تلألأ بين يدي. رأيتُ جزءًا من وجهي منعكسًا فيه كالمرآة، كيفما رأيتُ وجه أختي بعيدًا. حاولت بيلونيسيا أن تنتزع السكين من يدي فتراجعتُ: "دعيني أراه يا بيبيانا، انتظري!" كان ذلك عندما وضعتُ المعدن في فمي، وتملكتني رغبة جامحة في تذوقه، في الوقت نفسه تقريبًا انتُزِعَ فيه السكين من فمي بعنف. بدت عيناي حائرتين، أحدق إلى عيني بيلونيسيا، حينذاك حملتِ السكين المعدني في فمها أيضًا. فإلى جانب طعم المعدن الذي بقي في حلقي، تذوقتُ أيضًا طعم الدم الساخن الذي سال في زاوية فمي شبه المفتوح، وبدأ يتقاطر على ذقني، وبات الدم مرة أخرى يبلل قطعة القماش الرثَّة ذات اللون الداكن التي كان ملفوفًا فيها السكين.

انتزعتْ بيلونيسيا أيضًا السكين من فمها، لكنها وضعتْ يديها عليه كأنها أرادات الإمساك بشيء ما، واصطبغت شفتاها باللون الأحمر، كما لو كان ذلك لحماستها فيما شعرتْ بالمعدن في فمها، أو ربما لأنها قد أصيبتْ مثلي، لأن الدم كان يقطر منها أيضًا. حاولتُ ابتلاع ما استطعتُ، وفركتْ أختي أيضًا يدها بسرعة على فمها بعينين دامعتيْن ومغمضتيْن، محاولةً درأ الألم. سمعتُ خطوات جدتي البطيئة تنادي بيبيانا، منادية: "زيزيه، دومينجاش، بيلونيسيا! ألم تشمِّي البطاطس وهي تحترق، يا بيبيانا؟". كانت هناك رائحة بطاطس محترقة فعلًا، لكنْ فاحت أيضًا رائحة المعدن، رائحة الدم الذي بلل ملابسي وملابس بيلونيسيا.

عندما رفعتِ السيدة أنَّا الستار الذي يفصل غرفة نومها عن المطبخ، كنت قد أزلتُ السكين من الأرض ولففته بطريقة عشوائية في القماش المبلل، لكنْ لم يتسنَّ لي دفع الحقيبة الجلدية مجددًا تحت السرير. رأيتُ نظرة جدتي المُرْتَعِبة التي أسقطت يدها الغليظة على رأسي ورأس بيلونيسيا، وسمعتِ السيدة أنَّا تسأل عما كنا نفعله هنا، ولماذا حقيبتها في غير مكانها، ولماذا تسيل دماؤنا؟ قالت: "تكلمي"، مهددةً بقطع لساننا، لم تكن تعلم أنه في إحدى أيدينا فعلًا.


 

[1] - يُقصد بالسكين هنا المنجل، وهو توضيح بلاغي لشكل الآلة الحادة التي أثَّرت في حياة الفتاتين (المترجمة).

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: رواية جائزة البوكر العالمية الزمن السیدة أن

إقرأ أيضاً:

تعليم مطروح تكرم الطالبات المتفوقات بمدرسة السيدة عائشة

شهدت نادية فتحي وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة مطروح احتفالية ختام الأنشطة التربوية بمدرسة السيدة عائشة ١ الإعدادية بنات وكرمت  الطالبات المتفوقات بالصفوف الثلاثة والطالبات المتميزات في الأنشطة التربوية

جاء ذلك بحضور إسماعيل جاتو وكيل المديرية وإيهاب أنور مدير عام التعليم العام ومحمد العبد مدير عام الشئون التنفيذية ومجدي المنشاوي مدير عام إدارة مطروح التعليمية ولفيف من القيادات التعليمية بالمديرية وإدارة مطروح

وتفقدت وكيل الوزارة والحضور معرض ختام الأنشطة التربوية والذي تنوعت أركانه وشملت أنشطة متميزة للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية والصحافة المدرسية والمكتبات ثم شاهدت عرض توضيحاً إلكترونيا عبر الشاشة التفاعلية بمكتبة المدرسة تناول انجازات الصرح التعليمي الشامخ علميا وثقافيا ورياضيا وفنيا علي مدار العام الدراسي مقدمة الشكر لأخصائي التكنولوجيا بالمدرسة الذي أعد العرض التقديمي ببراعة وإتقان.

ثم تابعت نادية فتحي فقرات الاحتفالية الفنية حيث قدمت أحدي الطالبات الموهوبات فقرة جميلة للإلقاء الشعري نال الإشادة والثناء من الحضور ثم تابعت مسرحية وطنية لفريق المسرح بالسيدة عائشة الحائز علي المركز الأول علي مستوي المحافظة بمسابقة الفنون المسرحية كذلك شدو طالبة موهبة في الغناء لأغنية وطنية لامست حب الوطن لدي الطلاب ونالت تصفيقات الإعجاب وكان الختام مسكا بعرض رياضي متميز لفريق الكاراتيه بالمدرسة أظهرت الطالبات خلاله لياقة بدنية عالية ومهارة فنية تنم عن التدريب الجيد.

ثم كرمت وكيل الوزارة الطالبات المتفوقات بالصفوف الثلاث خلال الفصل الدراسي الأول تشجيعا لهن علي مواصلة التفوق التعليمي والتميز العلمي هذا العام كذلك كرمت الموهوبات في الأنشطة التربوية واللائي تألقن في المسابقات المركزية وحققن مراكز متقدمة علي مستوي محافظة مطروح

كذلك كرمت المعلمين المتميزين بالسيدة عائشة تقديراً للجهود المخلصة والجد والاجتهاد والتفاني في العمل خلال المرحلة الماضية موجهاً الشكر والتقدير لمعلمى المدرسة و الإدارة المدرسية لحرصهم الشديد على انضباط العملية التعليمية والارتقاء بمستوى الطالبات

وفي ختام الاحتفالية أجري الفريق الصحفي بالسيدة عائشة حديثا صحفياً مع مدير المديرية أشادت خلاله بانضباط طالبات المدرسة وحرصهن الدؤوب على الحضور و الانتظام فى الدراسة لتحقيق أقصى أستفادة من التحصيل الدراسى في سبيل تحقيق التفوق العلمي وقدمت الشكر والتقدير لدعاء عبده وفريق العمل مشيدة بالتنظيم الجيد والإعداد المتميز لاحتفالية ختام الأنشطة مؤكدة أن المدرسة تعد صرح تعليمي شامخ يشار له بالبنان كمنظومة تربوية رائعة زاخرة بالجدية والالتزام والإخلاص وتقدير المسئولية تضم كوكبة من أعضاء هيئة التدريس المشهود لهم بالكفاءة المهنية والخبرات الدراسية التربوية المتميزة.

طباعة شارك مطروح محافظة مطروح اخبار المحافظات اخبار محافظة مطروح تعليم مطروح

مقالات مشابهة

  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • ميت غالا 2025 يحتفي بالأناقة السمراء ورسائل ضد العنصرية بحضور مشاهير
  • تعليم مطروح تكرم الطالبات المتفوقات بمدرسة السيدة عائشة
  • الفلفل الأسود يوميًا: السر الطبيعي لحرق دهون البطن بفعالية
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • الدولار يعيش أسوأ 100 يوم منذ «صدمة نيكسون»
  • دعماً للقراءة والإبداع.. جامعة حلوان تنظم ندوة تعريفية بمسابقة «القارئ الماسي» الثلاثاء
  • صلاة الجنازة على أمح الدولي بعد صلاة الظهر بمسجد السيدة عائشة
  • تركيا: المحادثات مع حماس تتجاوز وقف إطلاق النار إلى حل دائم
  • دراسة: الفلفل مكون لحرق الدهون طبيعيا