الثورة: ما هي؟..
د. عبد الله عابدين
قد يكون مفهوم الثورة مختلطاً في الأذهان وغير واضح من الناحية المفاهيمية، فالبشرية قد مارست الثورة قبل أن تعرف بالضبط ما هو جوهر الثورة.. ثم أن نماذج الثورات البشرية الكبرى مثل الثورة الفرنسية وغيرها من الثورات قد تأدت بالإنسان إلى ترسيخ معنى الثورة وتوكيد دوافع الثورات وتحديد أهدافها.
وصار مفهوم الثورة، مثله مثل كل تجارب الانسان يتطور، وممارستها تلبس لبوس الظروف النفس- اجتماعية والثقافية التي تولد فيها، وفي كل ذلك ظلت التورة تتبع مساراً تطورياً- تقدمياً ساعية سعياً حثيثاً نحو بلوغ ذرى إحداث التغييرات الجذرية المنشودة عصراً بعد عصر وطوراً بعد طور..
في كتابه الثورة الثقافية (1972) (ص 2) يعرف الأستاذ محمود محمد طه الثورة في معناها العام بإيجاز بأنها “الحركة الحسية والمعنوية من أجل التغيير”.. وفي هذا التعريف نجد فسحة شاملة لإدماج كل أشكال الحراك الثوري البشري، وأعتقد أن هذا التعريف العام من جوامع الكلم في هذا الصدد..
ويستطرد الأستاذ محمود في تبيان علاقة الثورة بالعنف قائلا: “وقد لازم العنف هذه الحركة في جميع أطوار نشوء المجتمع البشري، وذلك لأن المجتمع البشري قد نشأ في الغابة.. وكان قانونه قانون الغابة، الذي لا نزال نعيش في أخريات أيامه.. وقانون الغابة إنما يعطي الحق للقوة.. وفيه القوة تصنع الحق وتتقاضاه.. فهي لا تحتاج إلى قانون ينص على حقها.. ولا تحتاج إلى قضاة يقضون لها بذلك الحق.. وإنما هي، في حد ذاتها، القانون والقضاء”..
في رؤية الأستاذ محمود التطورية لحركة المجتمع يتطور مفهوم الثورة كما تتطور أساليب ممارستها، ومن ثم لا يظل العنف مرتبطاً بالقوة في كل مراحل تطور الثقافة والمجتمع. في هذه الرؤية الاستشرافية يهل عهد في مستقبل البشرية، ولعل ذلك العهد قد أظلتنا تباشيره الآن، حيث يمكننا أن ندلل على حضوره بين ظهرانينا، بنماذج الثورات السودانية ونظائرها من الثورات التي تستمد قوة دفعها بصورة أساسية من سلميتها وليس من العنف الذي صحب الثورات في ماضي البشرية.
هذا المفهوم التراكمي التطوري للثورة يناسب سياقات الثوراث السودانية في سلميتها وفي وضوح رؤيتها الفطري، “كحركة حسية ومعنوية”، حاشدة ضد الظلم، ثورة تلد بعد مخاض طويل ثورة جديدة.. أو بالأحرى موجة ثورية تتمخض عن موجة أعلى منها:
“فالثورة ليست مرحلة (واحدة). إنها صيرورة دائمة، وكل لحظة تخلق من رحمها لحظة ثورية أخرى، إنها وعيٌ يتشكل خلال مسيرتها”، كما قالت سوسن جميل حسن في مقال لها نشر بموقع العربي الجديد الإلكتروني..
أما في الماضي فإن العنف كان دائماً سمة للثورات إلى المدى الذي حدا بمفكر اجتماعي في ذكاء كارل ماركس إلى التقرير بأن “القوة والعنف هما الوسيلتان الوحيدتان في إحداث أي تغيير أساسي في المجتمع”.. حيث كانت قوة عنيفة ما تقف وراء الثورات في كل مرة.. وإن كنت في شك مما نقول، فاقرأ هذا النص عن الثورة الفرنسية، كبرى ثورات العالم:
“فالثورة الفرنسية (أيار/ مايو 1789) ثورة مذمومة؛ لأنها أسرفت في إزهاق الأرواح، حتى ساق قادتها بعضهم بعضاً إلى المقصلة؛ لمجرد الاختلاف في الرأي، وتمت “فبركة” اتهامات، لا عقوبة لها سوى الإعدام، عن سابق قصد وتصميم.. ولأن هذا التناحر الدامي، انتهى (بعد بضع سنين، شديدة الكآبة) باستيلاء العسكر على السلطة”.. أحمد عبد العزيز في موقع عربي الإلكتروني..
وبعد قراءات وتأملات في تاريخ الثورات في جميع أنحاء العالم، وفي مراحل مختلفة من التاريخ البشري نعود مندهشين أكثر بسمة السلمية وقوتها الغير معهودة، حيث تتكشف هذه السمة بصورة جلية في سياق كثير من الثورات، مثل ثورات السودان الثلاث: أكتوبر-64، وأبريل-85 وديسمبر2019، وبعض ثورات الربيع العربي. هنا تتجلى أشكال من القوى المتخلية عن العنف حيث أقتضى “حكم الوقت” أن العنف الذي كان لازمة من لوازم الثورات في الماضي، أخذ يستنفد أغراضه، ومن ثم بدأ التعويل على الروافع السلمية من قوة الإجماع والتصميم مع وضوح ومبدئية الهدف ومحتواه الإنساني.
ولذا فإننا هنا نحذر من قراءة النصوص التي تصف الثورات وما شابها من عنف عنيف، طوال الحقب السوالف من التاريخ قرآة لا- تاريخية، ذلك بأن العنف كان سمة من سمات ماضي البشرية، حيث كان قانون الغابة أكثر سيادة، ولكنه، أي العنف، يصبح عيباً يجب العمل على التوعية ضده كلما اتجهت مسيرة تطور الإنسان نحو المستقبل.
الآن يجب أن يكون قد اتضح لنا أن الثورات السودانية تأتي من جبهة متقدمة في المستقبل.. أما كيف يستشرف الشعب السوداني ذلك المستقبل فهذا ما أدعوكم إلى التفاكر والحوار حوله برحابة صدر وبأذهان مفتوحة لا تشوبها القرآت الانتكاسية والرؤى التقهقرية.. فالشعب السوداني: معلم الشعوب.. فلا تكونوا من الأقزام الذين يسعون بدأب إلى قيادته إلى الوراء.. افهموا الشعب السوداني، وتعلموا منه، واشرئبوا بقاماتكم إلى بساطة المثل العميق “سيد القوم خادمه”.. كونوا خداماً لهذا الشعب يجلكم ويرفعكم إلى أعلى المقامات فتستقيم إذ ذاك أموركم وتحققون سلاماً مع العالم ومع أنفسكم، وتكونون بذلك “أحراراً وسعداء”..
في المقابل، في الوجه السالب للصورة، يمكنكم أن تعددوا ما شئتم من أشكال التعدي وإهانة كرامة الشعب السوداني.. فإن القائمة تطول وتطول خلال فترات الحكم الوطني المختلفة، ولكن لا مثيل لما بلغته من السوء في الخمس وثلاثين عاماً العجاف التي حكم فيها نظام الهوس الديني لقوى الظلام المتأسلمة..
ولكن عذراً فإن هؤلاء، وغيرهم من أمثالهم، يجب أن يعلموا، بل أنهم حتماً سيعلمون بأن: الشعب السوداني قبيل من البشر “شيمته الصبر”!!.. فهو يصبر عليك وأنت تسومه العذاب وتذله حتى يتوكد في وهمك أنه غافل عنك.
عندئذٍ تسول لك نفسك أن تتوغل أكثر في التعدي على حرماته وإهانة كرامته وسوقه وراءك كالبهام، فإذا به يفاجئك بأنه كان يعلم كل شئ، وكان يحصي عليك كل كبيرة وصغيرة، في “كتاب تكوينه القديم” وكأنه “لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها”.. ولكنك لم تكن تشعر بكل أولئك: إذ كنت مشغولاً بتحقيره واستصغار شأنه. في هذا المنظور الموغل في الاستغلالية ينحجب جوهر هذا الشعب العظيم الذي دللت أحدث معارف الإنسان أنه أقدم شعوب الأرض، بل والد هذه الشعوب وأصلها الأصيل، ولأنه قديم هكذا، وحكيم هكذا، فأنه شعب متواضع وبسيط كالعشب!!..
والآن ألا ترون معي العبقرية التي تنطوي عليها عبارة: الشعب السوداني معلم الشعوب؟!..
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الشعب السودانی الثورات فی
إقرأ أيضاً:
حشود مليونية بالعاصمة صنعاء تحذر الأمريكي والإسرائيلي من أي عدوان أو تهجير للشعب الفلسطيني
الثورة نت/
وجهت الحشود المليونية بالعاصمة صنعاء اليوم، في مسيرة “على الوعد مع غزة.. ضد التهجير وضد كل المؤامرات”، رسالة تحذير للأمريكي والإسرائيلي من أي عدوان أو تهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غزة.
وأعلنت الحشود المليونية، للعالم أجمع الاستمرار في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في مواجهة المخططات الصهيونية والأمريكية مهما كانت التحديات.
وحذرت المجرم ترامب من الاقدام على تنفيذ مخططه العدواني بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، أو العدوان عليه.
وأكدت أن الشعب اليمني وقواته المسلحة الباسلة على أهبة الاستعداد والجاهزية لتنفيذ توجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، لردع العدو الأمريكي والصهيوني، انتصاراً للشعب الفلسطيني.
ودعت الحشود المليونية، الشعوب والأنظمة العربية والإسلامية إلى الخروج من حالة الصمت واتخاذ موقف جاد برفض مخطط ترامب لتهجير الشعب الفلسطيني.. معتبرة أي تماهي مع هذا المخطط خيانة للأمة والشعوب والمقدسات الإسلامية.
وأكدت أن المخططات الصهيونية والأمريكية لن تقتصر على غزة بل تمثل تهديدا للأمن القومي العربي والإسلامي، ما يتطلب من الشعوب والأنظمة تحمل المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية في التصدي لكل المؤامرات التي تستهدف أمنهم وبلدانهم.
وأعلنت الحشود المليونية تفويضها المطلق لقائد الثورة في اتخاذ كل القرارات والخيارات المناسبة لإفشال المخططات الأمريكية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
ورددت هتافات (الشعب على الله توكل، لا تهجير سوى للمحتل)، (لو قبل العالم لن نقبل.. لاتهجير سوى للمحتل)، (الجيش اليمني يتشوق.. أن تنكث عهدك يا أحمق)، (أمريكا الشيطان الأكبر.. شر دائم لا يتغير)، (من يمن الحكمة تحذير.. سندك دعاة التهجير)، (لترامب المجرم والكافر..مشروعك وقرارك خاسر)، (موقف قائدنا الحكيم.. يا ترامب لك الجحيم)، (الشعب اليمن حاضر.. في وجه ترامب الكافر)”.
وجددت الحشود المليونية التأكيد على استمرار الموقف اليمني الثابت والمبدئي في نصرة ومساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.
وفي المسيرة وجه وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي رسالة القوات المسلحة اليمنية لقائد الثورة قال فيها” من ميدان السبعين ومن وسط الحشود المليونية نقول لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عهدا بأننا في القوات المسلحة اليمنية جاهزون لتنفيذ توجيهاتك باستهداف العدو الأمريكي والإسرائيلي، وتنفيذ الضربات العسكرية الموجعة للأعداء نصرة لإخواننا في غزة ومواجهة التهجير فامضي بنا على بركة الله”.
وأكد بيان صادر عن المسيرة المليونية أنه واستجابة لله تعالى، ولرسوله صلوات الله عليه وعلى آله، وللسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله، وتلبية لدعوة الإخوة في المقاومة الفلسطينية، ورفضاً قاطعاً لمخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية ولجريمة القرن، خرج الشعب اليمني اليوم جهاداً في سبيل الله، واستعداداً لمواجهة الطغاة المجرمين.
ووجه البيان رسالة تحذير للعدو الإسرائيلي والأمريكي من مغبة الإقدام على تنفيذ مخطط التهجير الذي أعلنه المجرم الطاغية الكافر ترامب.
وأضاف” نؤكد الثبات على الموقف والوعد الذي قطعناه للشعب الفلسطيني على لسان قائدنا السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، بأننا معهم وإلى جانبهم في مواجهة كل المؤامرات والتحديات مهما كان حجمها ولن نتركهم، أو نتخلى عنهم، مهما كانت كلفة ذلك، متوكلين على الله ومعتمدين عليه وواثقين بوعده”.
وخاطب البيان المجرم الطاغية ترامب ” إن تصريحاتك العنجهية لم تزدنا إلا يقيناً ومعرفةً بحقيقة أمريكا المجرمة، ولم تزدنا إلا ثقة بالخيار الذي اخترناه وهو الجهاد في سبيل الله، والمواجهة لغطرسة أمريكا وإسرائيل، وإن ذلك لمن أعظم نعم الله علينا، ومن تجليات الحكمة والإيمان التي وصفنا بها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
وأضاف “فنحن بإذن الله مع الأحرار من أبناء أمتنا سنكون الجحيم الذي سيحرقكم وينسف كل مخططاتكم ومؤامراتكم كما نُسفت من قبل بفضل الله، رغم ارتكابكم أبشع جرائم الإبادة الجماعية بحق شعوب أمتنا العربية والإسلامية”.
وخاطب البيان الدول العربية عموماً والدول المحيطة بفلسطين خصوصاً قائلا ” إن مخطط التهجير الأمريكي الصهيوني الذي هو جزء من مشروع “إسرائيل الكبرى” ويستهدفكم قبل غيركم، يواجه اليوم بالرفض والاستهجان من معظم دول العالم، فإن رفضتموه فقد دفعتم عن أنفسكم الشر، وإن انخرطتم فيه فستكونون أمام جريمة لا مثيل لها في التاريخ الحديث، وفي مواجهة مع شعوب أمتكم، وحينها لن تنفعكم لا أمريكا ولا إسرائيل، وستكونون أخسر الخاسرين في الدنيا والآخرة”.