عمَّان ـ «العمانية»: تتناول رواية «مستر كلكامش» للكاتب العراقي الأمريكي عمر سعيد صراعَ الإنسان الأزلي مع المصير، وتتطرق لسؤال الهوية، معيدةً إنتاج فكرة المقارنة بين وطن يئنّ تحت وطأة المعاناة، ومهجر يعيش الإنسان فيه مع كل أسباب الرفاهية. حيث تتناول الرواية الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن، قصة البطل «مطر» التي ستصبح لاحقًا فيلمًا سينمائيًا، ويُختار هو مستشارا ثقافيّا للفيلم، وتقرِّر المنتجة تصوير الأحداث في موطنها الأصلي المكتوب في السيناريو، وتتوالى الأحداث.

يُستَهل المشهد الأول في الرواية بكلمة: «أكشن». وكما يرى البطل: «أكشن.. تصريح للبدء بالحياة، روحٌ نُفِختْ في الأجساد الصامتة أمام عدسة الكاميرا.. أكشن، لطالما كانت هذه الكلمة مدعاة للسخرية في نفسه، تذكِّره بالأفلام المصرية القديمة حين يصرخ بها المخرج الجالس على كرسي مرتفع والسيجارة في طرف فمه، يغمض قليلًا عينه الموازية للدخان الصاعد، ويقذفها مبحوحة بسماعه الهتافات وقد بان على هيئته الجنون.. أصبحت هذه الكلمة الآن جزءًا من عمله اليومي في مدينة لوس أنجلوس، يطلقها المخرج (ستيف) فيتوقَّف الجميع عن الحركة، تنطفئ الإنارة في الاستوديو الواسع بسقفه المرتفع، وتشتعل الإضاءة الموجَّهة».

ومنذ الصفحات الأولى في الرواية يظهر رفض «مطر» لبلده الأم: «أخبروه أن هوليوود ارتكبت سابقًا أخطاء عديدة مع مثل هذا النوع من الأفلام، إما في صناعة البيئة الصحيحة أو اللهجة والملابس أو العادات، امتعض من المخرج (ستيف) وكلكامش والسيناريو المجهِد بكتابته التي استغرقت أكثر من سنتين، والذي سيؤدي به إلى ترك هذه المدينة الجميلة بمناخها المعتدل طوال العام، والذهاب إلى مستنقع الحر والناموس والجاموس».

يحرص الكاتب على توازي خط الرواية وخط الفيلم، للوصول إلى الغاية نفسها؛ سؤال الهوية ولغز الموت الذي لم يصل أحد إلى إجابة شافية عليه، ويبني الفكرة التي يدور حولها الفيلم على بحث كلكامش عن عشبة الخلود، معتقدًا أنه يستطيع إنقاذ صديقه «إنكيدو» من الموت، أو حتى أنه سيضمن لنفسه الخلود.

وينجح الروائي في نقل تلك الحالة من التشتت والتشبث بالهوية في الآن نفسه -والتي يعانيها البطل- بوصفه لحالِه عند زيارة الأهوار، إذ يقول: «الأهوار.. صدمة جمالية، وكأنها لحظة الخلق، بداية التكوين، ماء بكر، كوكب آخر، ما زال غرباء الفضاء يقطنون فيه، ليس موطنًا بشريًّا بالمرة، لا صوت أو شكل لأي اختراع إنساني، الإنسان بمنتهى البدائية، لا فرق بينه وبين القصب والمشحوف والطيور والجاموس، نسيج واحد مُحاك بكامل الدقة».

وتتبنى الرواية مقولة أن الخلود فكرة في ذهن الإنسان منذ قديم الأزل إلى آخر الزمان، وأن عليه أن يحيا بمذاق الخلود حتى لو كان سيموت غدًا، وفي ذلك نقرأ وصفًا لما يشعر به «مطر»: «بالفعل؛ أحسَّ بكلكامش في دمه يعود، بعد خمسة آلاف عام».

نقرأ على الغلاف الأخير: «سخيفٌ هو الجسدُ الذي يموت رغم كل الاحتياطات، ويقتل معه الفكرَ رغمًا عنه، مقايضةٌ غير منصفة، فَلْيَمُت الجسد ويبْقَ العقل، ربما هذا هو السّبب بمجيء فكرة الرّوح، فكرة أن يبقى منك شيءٌ حتى لو تحلّلَ لحمُك وذوَت العظام... أُحسُّ أنّ العالم هو الكلماتُ التي اخترعناها، وهمٌ من الحروف المتقاطعة لتصنع لنا المعنى، عند الموت تختلطُ الحروفُ وتهرب المعاني من الكلمات ليصبحَ العالمُ شيئًا آخر بمنتهى الرُّعب والغرابة».

يُذكر أن عمر سعيد عمل في حقل الكاتبة التلفزيونية والإنتاج الدرامي وتقديم البرامج التلفزيونية، صدر له في القصة: «المومسات الثلاث» و«المنيع». وتعد «مستر كلكامش» عمله الروائي الأول.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

لا يمكن تدميرها.. تواصل الاعترافات الإسرائيلية بـغباء فكرة القضاء على حماس

بعد مرور تسعة أشهر على تورط الاحتلال في العدوان على غزة، ما زال القضاء على حركة حماس من أكثر القضايا تحديا وتفجرا في الخطاب الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر، رغم اعتراف المتحدث باسم الجيش دانييل هاغاري بأن "حماس لا يمكن تدميرها"، وأن فكرة "اختفائها ذرّ للرمل في عيون الجمهور"، ما يجعلها قضية مشحونة ومعقدة، تجذب اهتماما دوليا هائلا، الأمر الذي جعلها مثار مواجهة لفظية بين هاغاري ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومناسبة لتوجيه المزيد من الانتقادات المتكررة للمستويين العسكري والسياسي.

عنات هوشبيرغ ماروم خبيرة الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، ذكرت أن "حماس الابنة الشرعية لجماعة الإخوان المسلمون، وانطلقت مع بداية الانتفاضة الأولى في ديسمبر 1987، وباعتبارها حركة المقاومة الإسلامية فقد نقشت على رايتها تدمير إسرائيل، ومحوها، وتكثفت هذه الظاهرة عقب تثبيت قبضتها ومكانتها كدولة شبه ذات سيادة في قطاع غزة منذ 2007، إلى أن زاد ذلك بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة من التكثيف السياسي والعسكري والاستخباراتي والعملياتي".


وأضافت في مقال نشره موقع "زمن إسرائيل" العبري، وترجمته "عربي21"، أن "حماس سعت في السنوات الأخيرة لإنشاء آليات مراقبة وحكم مستقلة، وبنى تحتية عسكرية متقدمة، بمساعدة هائلة من إيران وقطر والدول ومصادر التمويل والمساعدة الأخرى في العالم الإسلامي، وخارجه، مما جعل من حماس، خاصة بعد هجوم أكتوبر، واحدة من أخطر وأبرز المنظمات المسلحة في الشرق الأوسط، بما في ذلك العالم الإسلامي".

وأوضحت أنه "بعيدا عن حجم الكارثة التي حلّت بالاحتلال بسبب هجوم أكتوبر، فإن حجم القتل والدمار الذي سببته حماس، بجانب معارضتها الحازمة له، ورفضها الاعتراف به، وإجراء المفاوضات معه، فهي تحمل قيما أساسية تشكل سبباً لوجودها، وضاربة بجذورها في وعي الجمهور الفلسطيني، وهي نقطة من المهم توضيحها للرأي العام الإسرائيلي، ومفادها أن حماس تنظيم وطني فلسطيني تعارض بأغلبية ساحقة التحركات والاتفاقات مع الاحتلال مثل "اتفاقيات إبراهيم" والتطبيع مع السعودية".

وأشارت إلى أن "حماس مع الزيادة الكبيرة في قواعد قوتها، فمن الواضح أن القضاء على بنيتها التحتية الحكومية والعسكرية والتنظيمية، والإضرار بمرافقها ومواردها وقدراتها التشغيلية، مهما كانت خطيرة، فإنه لا يمكنها تدمير أو محو تراثها الديني بالكامل، أو القاعدة الأيديولوجية التي تغذيها، بل على العكس من ذلك، فإن هذه التحركات ستؤدي فقط لتعزيز أبعاد الكراهية التي تغذي ظاهرة المقاومة في قطاع غزة، وتهدد بإضعاف السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأرض، وتدفع بزيادة مصادر "القوة الناعمة" لحماس التي من شأنها تسريع وزيادة أبعاد تجنيد المقاتلين في صفوفها، وتطرف موقف قياداتها العاملة في غزة والشتات، ومزيد من التصعيد في الصراع ضد الاحتلال، مع تفاقم أبعاد الأزمة الأمنية في الشرق الأوسط".


وبيّنت أن "هذه الخلفية مهمة للجمهور الإسرائيلي كي يفهم بعمق مسالة تنظيم حماس على كافة مستوياته وفروعه: العسكرية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، مع التمييز بين أبعادها القيمية الأيديولوجية، والعسكرية الأمنية والسياسية، والتفريق بينها وبين التنظيمات الجهادية والإسلامية الأخرى، خاصة المتشددة".

من الواضح أن تكرار مثل هذه القراءات الإسرائيلية فضلا عن كشفها عن فشل ذريع للقضاء على حماس، فإنها في الوقت ذاته تعبر عن عدم وجود استراتيجية واضحة "لليوم التالي"، ما يعزز ضرورة تجنب استخدام الشعارات والمناورات والعبارات الغبية مثل تحقيق "النصر الشامل"، وكأن هاغاري وسواه من مسئولي الاحتلال، حطّم، ولكن بطريقته الخاصة، الأوهام والتصورات الكاذبة عن قدرة الاحتلال على تدمير الكيان الأيديولوجي لحركة حماس الذي يمثل لها "أنبوب الأوكسجين" للبقاء والحياة.

مقالات مشابهة

  • المخرج نبيل مكاوى ينتهي من تصوير أحدث أعماله الغنائية "أنا مش سعيد" 
  • الشاعرة والروائية بدرية البدرية: على الكاتب أن يتبرأ من أعماله حتى ينظر لها بعين النَّاقد
  • توليد الفكرة وحل المشكلة
  • «لعبة مصائر» هلال البادي.. تكوين لمسارات مختلفة
  • حماس فكرة هل أدركت إسرائيل أخيرا أنها لا تستطيع القضاء عليها
  • المصير الفلسطيني نحو مضمون غير ملتبس
  • لا يمكن تدميرها.. تواصل الاعترافات الإسرائيلية بـغباء فكرة القضاء على حماس
  • وثائق تكشف كيف شكّل الاحتلال الرواية الأمريكية بشأن غزة باستخدام المال
  • تفاصيل سورية كبيرة.. الوثائقية والفانتازيا في رواية داريا الحكاية
  • وثاثق تكشف كيف شكّل الاحتلال الرواية الأمريكية بشأن غزة باستخدام المال