بين الصين “القادمة” وأمريكا “المتقادمة”
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
يمانيون/ بقلم/ مطهر الأشموري|
منذ انضمام جمهورية الصين الشعبية للأمم المتحدة ودخولها التلقائي في عضوية مجلس الأمن، أقرت الأمم المتحدة مبدأ «الصين الواحدة» وأمريكا تعترف بمبدأ الصين الواحدة.. ولكن!
أمريكا تشجع على انفصال تايوان وتدعم الانفصاليين بالسلاح، غير الدعم السياسي، وهي بكل هذا تدفع تايوان إلى الرفض القاطع للوحدة مع الصين، ورفض مبدأ الصين الواحدة المقر أممياً.
وحين تضمن أمريكا هذا الموقف من تايوان الرافض للوحدة ولمبدأ الصين الواحدة فحينها تقول: إنها لا تعارض مبدأ «الصين الواحدة»، ولكنها ترفض ضم تايوان للصين بالقوة، بل وتؤكد أنه في حال استعمال القوة صينياً لضم تايوان، فأمريكا ستتدخل عسكرياً لمنع توحيد الصين كحرب ومواجهة عسكرية مع الصين، وأياً كانت نتائج وعواقب هذه الحرب.
أمريكا – وليس تايوان- هي من يرفض مبدأ الصين الواحدة، وتهدد بحرب مع الصين وهي حرب عالمية إذا سعت الصين لتطبيق مبدأ الصين الواحدة من طرفها!.
من المعروف أن أشرس وأطول حرب خيطت في أمريكا كانت حرب الحفاظ على الوحدة الأمريكية، وكانت عدد من ولاياتها قد شرعت بل وشرعنت للانفصال، فتصوروا لو أن الصين أو غير الصين تدخلت لتشجيع أو التهديد بحرب من أجل إبقاء انفصال كان فعلاً قد تحقق، فهل من أحد في العالم يذكر أمريكا بهذا؟، وهل تعرف أمريكا أن الصين هي أمة وهي حضارة ولم يستوطن أبناؤها أرض غيرهم، وأن الوحدة الصينية كتاريخ وحضارة وأرض وجغرافيا وأصالة ومعاصرة هي ذات قدسية ومقدسة أكثر من الوحدة الأمريكية وهي بين لفيف من البشر، وهي فرضية استعمارياً أساساً وتأسيساً!.
الموضوع ليس في فرض الوحدة بالقوة صينياً، ولو أن أمريكا لم تتدخل بكل السبل والوجوه وتركت الشعب الصيني للتعاطي مع هذه المسألة، لكانت الصين توحدت منذ زمن وأصبحت تايوان أهم مرتكزات التوحد والوحدة.
المشكلة هي في القوة الأمريكية الداعمة للانفصال والرافضة واقعياً لمبدأ الصين الواحدة، بل وهي تهدد بالحرب إن تحققت وحدة الصين، أو أريد تحقيقها.
هل تثق أمريكا في الانتصار إن وصلت التطورات إلى الحرب التي تهدد بها الصين؟
أجزم أن أمريكا تدرك أنها ستنهزم في حرب كهذه، ولكن نقطة ضعف الصين هي أنها لا تريد الحرب لتحقيق وحدة الصين وتراهن على سلمية تحققها، وأمريكا تضغط على نقطة الضعف –التي ليست ضعفاً- لتمنع تحقق الوحدة الصينية إلى أي مدى، أو بأي سقف زمني ممكن.
أمريكا إذاً بيدها وبمقدورها تعطيل التنفيذ لمبدأ الصين الواحدة، كما بيدها وبمقدورها التهديد بالحرب في حال استعمال القوة لضم تايوان، كما تزعم.
ولكن قرار الحرب لضم تايوان أو لمواجهة أمريكا في آسيا وبحر الصين الجنوبي هو قرار صيني يراقب التطورات، وقد يؤخذ أو يتخذ على ضوء هذه التطورات، وبالتالي فالاستراتيجية وحتى التكتيك الصيني غير الحالة والآلية الأمريكية بابتزاز وخداع واستعمال أوراق.
وبالتالي فالصين لا تنفعل ولا تمارس مجرد ردود أفعال بقدر أمريكا التي تمدد أو تمطط السقف الزمني لإبقاء هذا الانفصال في الصين والتلاعب بمبدأ الصين الواحدة، فالصين في تقديري قد حسمت أمرها في تحقيق سقف زمني لتحقيق الوحدة سلمياً أو بالقوة، وهذا السقف سيظل سراً غير ما يقال سياسياً وإعلامياً حتى وإن من قبل مسؤولين صينيين، ولا أتصور أن الصين تستطيع تحمل هذا التمديد والتمطيط أمريكياً ربطا بتهديد الصين في البحر الجنوبي وعبر أدوات أمريكية، كما الفلبين والمسألة بضع سنوات وقبل انتهاء العقد الحالي تكون وحدة الصين.
ليس أمام أمريكا إلا أن تنسحب من بر الصين وبحرها، أو تنهزم في بر الصين وبحرها، وعلى كل من يعنى بالتطورات أن يستحضر ويتذكر بسقف بضع سنوات وكما يقال: “من عاش خبر”.
الصين معروفة ومشهورة بالحكمة والحلم والصبر، والمثل يقول: “احذر من صبر الحليم إذا نفد”.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
بعد ثلاث سنوات من الحرب.. كيف خذلت أمريكا أوكرانيا؟
يمانيون../
في الذكرى الثالثة للحرب الأوكرانية، تجد كييف نفسها وحيدة في مواجهة روسيا بعد أن تراجعت واشنطن عن دعمها، وبدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب بفرض شروط قاسية على أوكرانيا، ما يجعل الحديث عن نصر أوكراني حلماً بعيد المنال. فكيف تحولت أمريكا من الحليف الأقوى إلى العائق الأكبر أمام طموحات كييف؟
من الدعم المطلق إلى التخلي التدريجي.. كيف بدأت القصة؟
عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، كان الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، يقف إلى جانب أوكرانيا بكل ثقله. تحركت واشنطن بسرعة لدعم كييف بالمساعدات العسكرية، والمالية، والاستخباراتية، وسارعت بفرض عقوبات قاسية على روسيا، بهدف شل قدراتها العسكرية والاقتصادية.
اعتمدت إدارة الرئيس جو بايدن استراتيجية واضحة لدعم أوكرانيا، تمثلت في أربعة محاور رئيسية:
الدعم العسكري: شمل تزويد أوكرانيا بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية، مثل منظومات الدفاع الجوي باتريوت، والدبابات الحديثة، والصواريخ بعيدة المدى، مما ساعدها على الصمود في وجه القوات الروسية.
الدعم المالي: بلغ إجمالي المساعدات الأمريكية 130 مليار دولار خلال عامين ونصف، تم توجيهها لدعم الاقتصاد الأوكراني، ودفع رواتب الجنود، وتمويل مشتريات الأسلحة.
الاستخبارات والمعلومات الحربية: كانت واشنطن تقدم لكييف بيانات استخباراتية دقيقة عن تحركات القوات الروسية، ما ساهم في نجاح العديد من العمليات العسكرية الأوكرانية.
الدبلوماسية والعقوبات: فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزم عقوبات اقتصادية على موسكو، مستهدفة البنوك والشركات الروسية، إضافة إلى تقييد صادرات النفط والغاز.
كان الهدف من هذه السياسات هو إضعاف روسيا وإجبارها على التراجع عن الحرب، لكن مع مرور الوقت، بدأ موقف واشنطن بالتغير، خاصة بعد تصاعد الأصوات المعارضة لاستمرار الدعم المفتوح لكييف داخل الولايات المتحدة.
ترامب يعود إلى البيت الأبيض.. بداية التخلي عن أوكرانيا
مع فوز دونالد ترامب بولاية ثانية في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، تغيرت أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بشكل جذري. فمنذ حملته الانتخابية، أبدى ترامب عدم حماسه لدعم أوكرانيا، ووجه انتقادات لاذعة إلى حلف الناتو، معتبرًا أن دول أوروبا لم تقدم ما يكفي لدعم كييف، مطالبًا بتوزيع الأعباء المالية بشكل أكثر إنصافًا.
وبمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، بدأ ترامب بتقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا تدريجيًا، وفرض شروطًا جديدة لمواصلة المساعدات العسكرية والمالية، كان أبرزها:
مشاركة واشنطن في ثروات أوكرانيا: طالب ترامب كييف بتوقيع اتفاق يمنح الولايات المتحدة حصة من الموارد الطبيعية الأوكرانية، مثل معادنها الثمينة وموانئها الاستراتيجية، مقابل استمرار الدعم العسكري.
وقف دعم انضمام أوكرانيا إلى الناتو: اعتبر ترامب أن دخول أوكرانيا إلى الحلف غير ضروري، وهو ما شكل ضربة قوية لطموحات كييف، التي كانت تأمل في الانضمام إلى الحلف كوسيلة لضمان أمنها.
الضغط على كييف لقبول تسوية مع موسكو: بدأت إدارة ترامب مفاوضات سرية مع روسيا، دون إشراك أوكرانيا أو دول أوروبا، لبحث إمكانية إنهاء الحرب عبر تسوية تفرض على كييف تقديم تنازلات إقليمية.
هذا التغير الحاد في الموقف الأمريكي أربك زيلينسكي وحكومته، الذين كانوا يعتمدون بشكل كامل على الدعم الغربي لمواصلة الحرب ضد روسيا.
زيلينسكي تحت الضغط.. بين رفض الإملاءات الأمريكية والخوف من العزلة
واجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مأزقًا حقيقيًا بعد تغير السياسات الأمريكية، خاصة أن أوروبا وحدها لن تكون قادرة على تعويض الفجوة التي سيخلفها تراجع الدعم الأمريكي.
زيلينسكي رفض بشكل قاطع الشروط الأمريكية الجديدة، واعتبرها ابتزازًا سياسيًا، قائلاً:
“أوكرانيا لن تكون رهينة صفقات سياسية تُبرم في غرف مغلقة.. هذه حرب وجودية، ولا يمكننا التنازل عن أراضينا تحت أي ظرف”.
لكن في الوقت ذاته، يدرك زيلينسكي أن مواجهة روسيا بدون دعم أمريكي قد يكون مستحيلاً، خاصة أن الحرب استنزفت موارد أوكرانيا، ودمرت بنيتها التحتية، وأثرت على اقتصادها بشكل خطير.
مفاوضات سرية بين موسكو وواشنطن.. أوكرانيا خارج الحسابات
مع تصاعد الضغوط على إدارة ترامب لإنهاء الحرب، بدأت محادثات سرية بين مسؤولين أمريكيين وروس، دون إشراك الحكومة الأوكرانية.
وفقًا لتقارير إعلامية، فإن المفاوضات تتضمن:
اعتراف أمريكي ضمني بسيطرة روسيا على بعض الأراضي الأوكرانية، خاصة في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.
تعهد روسي بعدم التوسع أكثر في الأراضي الأوكرانية، مقابل تخفيف بعض العقوبات الغربية.
التزام كييف بالبقاء خارج حلف الناتو، وهو ما يمثل انتصارًا دبلوماسيًا لموسكو.
هذه التسريبات أثارت غضبًا واسعًا في كييف، حيث اعتبرت الحكومة الأوكرانية أن واشنطن باتت تتفاوض على مصير أوكرانيا من وراء ظهرها.
تراجع الدعم الشعبي الأمريكي لأوكرانيا
أحد العوامل التي دفعت إدارة ترامب إلى تغيير موقفها، هو التراجع الكبير في تأييد الأمريكيين لاستمرار دعم أوكرانيا.
وفقًا لاستطلاعات رأي أجرتها مؤسسة غالوب، فإن:
50% من الأمريكيين يفضلون إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، حتى لو كان ذلك يعني تقديم أوكرانيا تنازلات لروسيا.
48% فقط يؤيدون استمرار الحرب حتى تتمكن كييف من استعادة أراضيها المحتلة.
هذا التحول يعكس الإرهاق الذي أصاب الرأي العام الأمريكي بسبب التكاليف الباهظة لدعم أوكرانيا، في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من مشاكل اقتصادية داخلية.
ما هي السيناريوهات القادمة؟
في ظل هذا التحول الكبير، تبدو أوكرانيا أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
القبول بالشروط الأمريكية: وهو ما يعني تقديم تنازلات لموسكو، وفقدان جزء كبير من الأراضي الأوكرانية المحتلة.
الاعتماد على الدعم الأوروبي فقط: وهو خيار صعب، لأن الدول الأوروبية ليست قادرة وحدها على تقديم الدعم العسكري والمالي بنفس حجم المساعدات الأمريكية.
استمرار الحرب رغم الضغوط الدولية: لكن في هذه الحالة، ستكون أوكرانيا في وضع عسكري أكثر صعوبة، مع نقص الذخيرة والمعدات الحديثة.
الخاتمة
بعد ثلاث سنوات من الحرب، يبدو أن أمريكا لم تعد الحليف الذي يمكن لأوكرانيا الاعتماد عليه، فقد تغيرت المصالح السياسية، وتحولت الأولويات، وباتت كييف تواجه خيارًا صعبًا: إما الاستمرار في القتال وحدها، أو القبول بصفقة قد تجعلها تخسر جزءًا من أراضيها للأبد.
ويبقى السؤال: هل ستتمكن أوكرانيا من الصمود في ظل هذا التخلي الأمريكي، أم أن مصيرها بات مرهونًا بصفقات سياسية تُبرم خلف الكواليس؟