تداعيات طوفان الأقصى تطال مطاعم إسرائيلية بألمانيا
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
برلين – نُشرت تقارير متعددة في الصحافة الألمانية منذ بدء الحرب على غزة، حول مضايقات تتعرض لها مطاعم إسرائيلية في البلد، حسب وصفها. ومن حين لآخر، تتحدث الصحف الألمانية مع ملاك بعض هذه المطاعم حول "اعتداءات" يتعرضون لها، في غياب إحصائيات من جهات مستقلة تؤكد حجم الضرر ونوعية هذه الحوادث وعدد المطاعم التي تعرضت لها.
ويعدّ التضامن مع إسرائيل في ألمانيا أمرا شائعا، ورفعت جل البلديات الألمانية الأعلام الإسرائيلية بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، واستمر ذلك لعدة أسابيع. في المقابل، يبدو الصوت الألماني، سواء في الحكومة أو الأحزاب الكبرى ضعيفا جدا في التضامن مع الجانب الفلسطيني، لدرجة احتشام مطالب وقف إطلاق النار في قطاع غزة رغم عشرات الآلاف من الضحايا في القطاع.
ونشر موقع قناة "زد دي إف" الأسبوع الماضي عن معاناة عدد من المطاعم الإسرائيلية من تراجع المداخيل، والتهديدات المستمرة، والحاجة الدائمة لحماية الشرطة. واستشهدت القناة بقرار مطعم "بليبيرغس" في برلين الذي أعلن ملاكه إغلاقه بشكل دائم بسبب "أحداث السابع من أكتوبر".
وذكرت صفحة المطعم على فيسبوك، في وقت سابق، أن المطعم أضحى خاليا من الزبناء، كما أعلنت نهاية العام الماضي إغلاقه لأجل الإصلاحات، لكنها ذكرت في الأسابيع الماضية أنه سيغلق، ثم أعلنت لاحقا عن حملة تبرعات لأجل عودة المطعم إلى العمل.
كما تم الاستشهاد في تقرير القناة الألمانية بمطعم آخر، هو "دوداس ديلي" الذي غيّر مكانه من حي إلى آخر في برلين، قرب كنيس يهودي، لأجل حماية أكبر. ويقول أصحاب المطعم إن السبب الذي دفعهم للانتقال هو وضعهم لصور المختطفات الإسرائيليات في غزة، في يوم عيد المرأة، مما جعل بعض المارة يرمون عليهم قنينات البيرة، فضلا عن أن هناك من كتب على إحدى طاولات المطعم: "تبا لإسرائيل.. الحرية لغزة".
"مقاطعة المطاعم الإسرائيلية ظاهرة جديدة، وسببها الرئيسي هو ما يحدث في غزة من قتل وتدمير، خصوصا أن استطلاعات الرأي تؤكد أن جزءا كبيرا من سكان ألمانيا ضد الحرب على غزة"، يقول جورج رشماوي، عضو المكتب التنفيذي للجالية الفلسطينية في ألمانيا، للجزيرة نت.
ويستدرك رشماوي، وهو كذلك رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا "هذا النوع من المقاطعة خطوات شخصية، ونحن لا نطالب بها، فملاك هذه المطاعم هم مواطنون يسكنون في ألمانيا، لهم حقوق وواجبات، بغض النظر عن دينهم وجنسياتهم الأصلية، ومن حقهم أن يكون لهم نشاط اقتصادي" مشددا أن هذا النوع من المقاطعة "لا يفيد القضية الفلسطينية ولا يجلب لنا التضامن المطلوب".
لا للتواطؤويؤكد دوريس غنام، من فرع حركة مقاطعة إسرائيل، (بي دي إس)، في ألمانيا أنه لا توجد أيّ دعوة من طرف الحركة عبر العالم لمقاطعة المطاعم الإسرائيلية لمجرد أن أصحابها إسرائيليون، بحكم أن هذا الشكل من المقاطعة لا يدخل ضمن المعايير التي تعمل بها الحركة.
ويوضح للجزيرة نت "نحن نستهدف التواطؤ، وليس العرق. على سبيل المثال، إذا قام مطعم ما بجمع الأموال للجيش الإسرائيلي لدعم الإبادة الجماعية في غزة، فإن المطعم متواطئ على هذه الجريمة، وبالتالي يكون هدفا محتملا للمقاطعة كما حدث لمجموعة ماكدونالدز".
ويصف الإعلام الألماني مقاطعة المطاعم الإسرائيلية بأنها شكل من أشكال معاداة السامية، خصوصا أن البرلمان الألماني مرّر قبل سنوات قرارا يجرّم حركة "بي دي إس". ومن المبرّرات هي المقارنة بين دعوات مقاطعة إسرائيل وبين سلوكيات قديمة انتشرت في عهد النازية تطالب بعدم الشراء من التجار اليهود لمجرد أنهم يهود، لكن أحكاما قضائية متعددة في ألمانيا رفضت تجريم الحركة، لا سيما منع أفرادها من إقامة أنشطتهم الداعمة لفلسطين.
ويوضح دوريس غنام، أن "مقاطعة المطاعم الإسرائيلية لا تدخل في إطار معاداة السامية، إلا إذا كان سبب هذه المقاطعة، بشكل واضح، هو أنه تتم إدارتها من طرف يهود، فحينئذ يمكن لهذه المقاطعة أن تكون ما يطلق عليه الناس معاداة للسامية".
وتعرف ألمانيا حضور أكبر جالية فلسطينية في أوروبا، بأكثر من مئتي ألف شخص، كما تشهد قرابة 20 ألف إسرائيلي، لكن رقم الحاصلين منهم على الجواز الألماني أكبر، ويتجاوز حسب تقديرات 100 ألف. والعام الماضي لوحده وضع حوالي 9 آلاف إسرائيلي طلب الحصول على الجنسية الألمانية، فيما يعدّ عدد اليهود في ألمانيا مساويا تقريبا لعدد الفلسطينيين.
ومقارنة بالمطاعم العربية المشرقية، يبقى عدد المطاعم الإسرائيلية قليلا في ألمانيا. لكن هناك مطاعم مشتركة بين الجانبين، يرى أصحابها أنها تشكل جسرا للسلام وتقليل التوتر، ومن ذلك مطعم "كنعان" في برلين الذي يستفيد من تغطية إعلامية كبيرة.
كما تشهد ألمانيا حضورا قويا لليهود والإسرائيليين اليساريين الذين يرفعون أصواتهم دفاعا عن الفلسطينيين، مما جعلهم عرضة لمضايقات من الشرطة في ألمانيا، وهناك من تعرض منهم لاتهامات بـ"معاداة السامية" من طرف ألمان مسيحيين داعمين بقوة لإسرائيل.
و يرتبط بالمطاعم الإسرائيلية نقاش آخر، لا علاقة له بشكل مباشر بالحرب على غزة، هو ما تقدمه من أطباق، فإلى جانب أكلات يهودية، تقدم بعض هذه المطاعم أكلات ذات أصول عربية وفلسطينية منها وجبة الفلافل الشهيرة، التي سبق للجانب الإسرائيلي أن اعتبرها أكلة وطنية، رغم أن الطبق مشهور في المنطقة العربية منذ قرون، وكثيرا ما يتم تقديم الفلافل والحمص والشكشوكة (عجة البيض بالطماطم) في المطاعم الإسرائيلية دون الإشارة إلى أصلها الحقيقي.
تقديم أطباق فلسطينية وعربية على أساس أنها إسرائيلية "أمر يحدث طوال الوقت، وهو شكل من أشكال الاستيلاء الثقافي، بل وحتى النهج الاستعماري"، يقول دوريس غنام للجزيرة نت، مؤكدا أن "كل حركة استعمارية استيطانية لديها أيديولوجية لجعل ثقافة السكان الأصليين تختفي، كما لو أنهم لم يكونوا هناك من قبل".
وفي رأي جورج رشماوي، فإن جانب الأطباق هو "جزء من الصراع، وإن الطرف الإسرائيلي يريد صقل هويته على حساب الثقافة الفلسطينية، ما يعد سرقة"، ويشير إلى أن الأمر لا يخص فقط الأكل، بل جوانب ثقافية أخرى، إذ ترتدي مضيفات شركات الخطوط الإسرائيلية أثوابا بتطريز فلسطيني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی ألمانیا
إقرأ أيضاً:
تحقيق “الشاباك” يكشف الإخفاقات الكبرى قبل ملحمة طوفان الأقصى
يمانيون../
أقرّ رئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني “الشاباك”، رونين بار، بالفشل الذريع في التعامل مع ملحمة طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، وذلك في تحقيق داخلي نشر ملخصه يوم الثلاثاء، كشف عن سلسلة من الإخفاقات الاستخباراتية والإدارية التي سبقت العملية.
فشل استخباراتي وغياب التحذيرات المسبقة
بحسب التحقيق، فإن “الشاباك” لم يتمكن من إصدار تحذير مبكر بشأن الهجوم رغم وجود إشارات تحذيرية تلقاها الجهاز عشية 6 أكتوبر، إلا أنه لم يتخذ أي خطوات احترازية كبرى. كما أكد أن القوة الصغيرة من ضباط “الشاباك” والشرطة المنتشرة على حدود غزة لم تتمكن من التصدي للهجوم الواسع الذي شنّته المقاومة، مما أدى إلى انهيار سريع لمنظومة الأمن الصهيونية في المستوطنات القريبة من القطاع.
أسباب الإخفاق: غياب التنسيق والاستخفاف بالمقاومة
وأشار التحقيق إلى عدة عوامل رئيسية ساهمت في الفشل، أبرزها:
ضعف التنسيق بين “الشاباك” والجيش الصهيوني، إذ لم يكن هناك تقسيم واضح للمسؤوليات حول من يجب أن يقدم التحذيرات بشأن اندلاع الحرب، خاصة في ظل تحول حركة حماس إلى قوة عسكرية متكاملة.
سوء تقدير نوايا المقاومة الفلسطينية، حيث ظن “الشاباك” أن المقاومة تركز على التصعيد في الضفة الغربية فقط، ولم تكن تخطط لعملية كبرى من داخل قطاع غزة.
الثقة المفرطة في قوة التحصينات الأمنية، حيث اعتمد العدو على تصور خاطئ بأن السياج الأمني الحدودي مع غزة والمراقبة العسكرية كفيلة بمنع أي هجوم واسع.
فشل استخباراتي في استيعاب الخطة العسكرية للمقاومة، إذ أن الجيش الصهيوني كان قد حصل على وثيقة “أسوار أريحا” التي تضمنت خطة حماس للهجوم البري، إلا أن هذه المعلومات لم يتم التعامل معها بجدية كافية ولم تُترجم إلى سيناريوهات تدريبية أو إجراءات دفاعية.
كيف تمكنت المقاومة من تنفيذ العملية؟
كشف التحقيق عن عوامل عديدة مكّنت المقاومة الفلسطينية من تنفيذ ملحمة طوفان الأقصى، أبرزها:
تآكل الردع الصهيوني بشكل مستمر، حيث اعتقدت المقاومة أن كيان الاحتلال أصبح ضعيفًا من الداخل، بسبب الانقسامات السياسية والأزمات الداخلية.
السياسة الصهيونية تجاه غزة، التي اعتمدت على فترات من التهدئة المؤقتة، مما منح المقاومة فرصة لبناء قوتها العسكرية بعيدًا عن الضربات الاستباقية.
عدم استهداف قادة المقاومة بشكل كافٍ، حيث ذكر التحقيق أن “الشاباك” كان لديه إدراك تام لخطر حركة حماس، لكنه لم يتخذ خطوات حاسمة للقضاء على قيادتها أو إضعاف بنيتها التحتية.
الدعم المالي المقدم من قطر، والذي اعتبره التحقيق عاملاً مساعدًا في تقوية قدرات المقاومة العسكرية واللوجستية.
رئيس “الشاباك” يعترف بالفشل لكنه يرفض الاستقالة
في بيان رافق التحقيق، اعترف رونين بار بأن “الشاباك” أخفق في توقع الهجوم ومنعه، مشيرًا إلى أن الهجوم كان من الممكن تجنبه لو تم اتخاذ إجراءات مختلفة خلال السنوات السابقة وعشية الهجوم. وقال:
“هذا ليس المعيار الذي توقعناه من أنفسنا، ولا الذي توقعه الإسرائيليون منا. رغم أننا لم نستخف بحركة حماس، إلا أننا فشلنا في منع هجومها الكاسح.”
ورغم الضغوط السياسية، أعلن بار أنه لا يعتزم الاستقالة حاليًا، لكنه سيغادر منصبه قبل انتهاء ولايته، تاركًا القرار النهائي في يد رئيس الحكومة.
نتنياهو يضغط لإقالة بار خلال أيام
في الوقت نفسه، كشفت وسائل إعلام عبرية أن مكتب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يسعى لدفع رئيس “الشاباك” للاستقالة خلال الأيام المقبلة، وإن لم يحدث ذلك، فإنه سيطرح الأمر في اجتماع الحكومة لاتخاذ قرار بشأنه.
وأكدت مصادر مقربة من نتنياهو أن التحقيق الذي قدمه “الشاباك” لا يجيب على أي تساؤلات جوهرية، بل جاء لتبرير الفشل دون تقديم حلول واضحة، مشيرة إلى أن بار كان “أسيرًا لمفاهيم خاطئة أدت إلى الفشل الذريع”.
خلاصة التحقيق: انهيار منظومة الأمن الصهيوني أمام المقاومة
يكشف هذا التحقيق الداخلي عن مدى الهشاشة الأمنية والاستخباراتية لدى العدو الصهيوني، ويؤكد أن ملحمة طوفان الأقصى لم تكن مجرد هجوم مفاجئ، بل كانت نتيجة سنوات من الإخفاقات الاستراتيجية والتكتيكية. كما يبرز أن المقاومة الفلسطينية استطاعت اختراق كل التحصينات الصهيونية، متجاوزةً الجيش وأجهزة الاستخبارات، وهو ما يمثل ضربة قاسية لصورة الردع الصهيونية التي تآكلت بشكل غير مسبوق.