تكررت الموجات الحارة فى الآونة الأخيرة فى بلادنا، بصورة لم تكن ملحوظة من قبل، نتيجة التغير المناخى الحادث فى العالم، فكما هو معروف، فإن انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى زادت خلال السنوات الأخيرة نتيجة التطور الصناعى الهائل، لتحمل آثارا خطيرة على مستقبل الإنسان فى كافة أنحاء العالم.
ومنذ عام 1970 فإن درجات الحرارة شهدت أعلى زيادة لها على مدار ألفى عام، واعتبر العلماء السنوات العشر الأخيرة هى الأكثر حرارة على الاطلاق.
وكشفت دراسة، نشرتها مؤخرا مؤسسة «تقدم العلم»، أن تغير المناخ يخلق موجات حارة هائلة تزحف ببطء فى أنحاء العالم وتؤثر على عدد أكبر من الأشخاص لفترات أطول من خلال درجات حرارة أعلى على مساحات أكبر.
وأوضحت الدراسة أن الموجات الحارة تزداد سوءا منذ زمن، لكن الموجات الحارة، أصبحت أكثر شمولًا وأطول فترة، إذ تستمر فى بعض الأنحاء إلى إثنى عشر يومًا، بينما كان المعدل العالمى السابق لهذه الموجات لا يزيد على ثمانية أيام.
ولاشك أن هذه القضية تمثل تحديًا مهمًا وخطيرًا أمام مصر خلال الفترة القادمة على المستوى التنموي، فلا عبرة لأى تنمية تتحقق دون استدامة واهتمام بالجوانب الصحية للبشر.
وكما عرضت مصر مرارا من قبل، خلال مؤتمرات دولية، وندوات إقليمية، وأوراق عمل بحثية، فإن الدول النامية هى التى تدفع فاتورة ارتفاع الانبعاثات، إذ تتأثر محاصيلها الزراعية، ومن ثم تتأثر صادراتها وإقتصادها، فضلًا عن ارتفاع الأعباء الملقاة على قطاع الخدمات الصحية لديها، وهو ما يُلقى بمسئولية أخلاقية على عاتق الدول الكبرى المتسببة فى هذه الانبعاثات.
وسبق أن طالبت منظمة الأمم المتحدة، الدول الكبرى بأن تلتزم بدفع مئة مليار دولار سنويًا إلى البلدان النامية لتتكيف مع التحول للاقتصاد الأخضر، غير أن هذه الدول لم تفِ بعد بالالتزامات تجاه دول العالم النامي.
وخيرا اتجهت مصر قبل عدة سنوات للاهتمام بهذه القضية، وأعدت لها العدة، فأنشئت بالفعل مجلس وطنى للتغيرات المناخية تكون مهمته متابعة التغيرات، وعمل الدراسات الوافية والمتخصصة عن السيناريوهات المستقبلية، ووضع الخطط لمواجهة التغيرات، وتحفيز التوجه للمشروعات الخضراء، صديقة البيئة.
وفى نوفمبر 2022 استضافت مصر بشرم الشيخ قمة المناخ العالمي، وسعت بقوة إلى إلزام الدول الكبرى بالوفاء بتعهداتها السابقة بضخ ما يلزم لمساعدة الدول النامية فى استيعاب آثار الأزمة.
ولا شك أن قضية التغيرات المناخية تدفعنا للاهتمام الكامل بما تتعرض له المساحات الخضراء من عدوان وإهمال. ومما هو لازم الآن أن تتوقف تماما عمليات قطع الأشجار فى المحافظات والمدن حتى لو كان الهدف هو تنمية الموارد للمحليات اذ تعتبر قضية المناخ قضية مصيرية للإنسان المصري.
كذلك، فإننا فى حاجة لحملات توعية وتشجيع للمستثمرين للتوجه إلى المشروعات الخضراء لتصبح أساس كافة المشروعات فى المستقبل، فضلا عن حملات الدعم اللازمة للتشجيع على إضافة مساحات خضراء فى كل موقع ومكان عمرانى جديد.
إن التغيرات المناخية ليست قضية ترفيه، وإنما هى تحد كبير يواجه مصر، ويجب الاهتمام الكامل به.
وسلامٌ على الأمة المصرية
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الموجات الحارة تغيرات المناخ الآونة الأخيرة الموجات الحارة
إقرأ أيضاً:
«COP 29»: حصاد الأسبوع الأول.. وعودة ترامب تقلق الجميع
في باكو، مرّ الأسبوع الأول من مؤتمر الأطراف حول المناخ وسط مخاوف واسعة و بطء في التقدّم من أجل الالتزام باتفاق باريس و تأمين الموارد المالية لتمويل معالجة قضايا المناخ.
وزيرة البيئة الفرنسية تلغي مشاركتها في المؤتمر بسبب اتهامات الرئيس الأذربيجاني لبلادها والأرجنتين تسحب مفاوضيها من القمة بعد فوز ترامب في الرئاسة الأميركية، فكيف تنعكس مثل هذه المعطيات وغيرها على مؤشرات نجاح المؤتمر و إنقاذ اتفاق باريس؟
تتصدّر الانتخابات الرئاسية الأميريكية المخاوف و تثير القلق حول إمكانية الوصول إلى حلول فاعلة، فعلى الرغم من تصاعد وتيرة كوارث المناخ حول العالم، تبقى عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حجر عثرة أمام أي تقدّم ملحوظ. ترامب الذي وعد منح شركات الوقود الأحفوري حرية التصرّف، اختار كريس رايت وزيرا للبيئة. هذا الرجل الذي عرف بتشكيكه في مشكلة المناخ و عدم اعترافه بها و دفاعه المستميت عن استخدام الوقود الأحفوري.
في الوقائع، أوروبا و أميركا الشمالية هي المسؤولة عن 60% من الانبعاثات العالمية و أكبر مصدّر لها في حين أن إقريقيا و أميركا الجنوبية هي من تدفع اغلى الأثمان من بيئتها و سلامتها و صحة شعوبها و سبل العيش فيها. فهل يرضى من دفع فواتير الازدهار و التطور في بلاده، بدفع فاتورة الكوارث و آثار الوقود لدول يعتبرها قيد النمو؟ و هل يلتزم بالإجراءات التي قد تتخذ في حق ممارساته التي يتغنّى ليلا ونهارا كإنجازات عظيمة؟ حتى في المناخ و الطبيعة، لا عدل في الثروات و لا حتى الآلام.. .
المخاوف التمويلية تطغى على كافة الأصعدة في الأروقة و على المنابر في باكو، فعلى الرغم من الجهود الكثيفة في توجيه هذه الدورة "كوب 29" على أن تكون مالية بامتياز لمناقشة هيكلية صندوق الخسائر والأضرار الذي أسّس في كوب 27، تبقى آمال ضخّ المال ضئيلة بحسب المراقبين و الناشطين الذين عبّروا عن شعورهم بالخذلان و الكثير من الأحباط أمام تهديدات كارثية تحتاج إلى ترليون دولار أميركي في العام الواحد للدول النامية لإبقاء درجة حرارة الأرض تحت الدرجتين مئوية حيث أنّ خسائر المناخ في الدول الصغيرة تتراوح بين 100 و 500 مليار دولار سنويا و تطلّعات هذه الدول هي الحصول على المنح و الهبات و ليس القروض، بقيم و أرقام حقيقية تتلاءم مع التكاليف المتوقّعة. فهل من نوايا جديّة في تفعيل التمويل مع تداخل القضايا السياسية و حتى تشابكها مع كل جوانب الحياة و منها المناخ و سبل العيش الكريم؟ و هل تتسارع الخطى الإنقاذية قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض؟
إفريقيا، القارة الأكثر تضررا و الجهة الأولى المعنية بتفعيل الحلول، عبّرت على لسان المجموعة الإفريقية عن قلق كبير حول تحقيق هدف جديد لتمويل المناخ بالتزامن مع دعوات لتشكيل لجنة وزارية للمساعدة في دفع المفاوضات الحاسمة لتخصيص الأموال المناخ المطلوبة. من ضمن المقترحات أيضا، فرض ضريبة تقدّر ب 15 مليار دولار أميركي سنويا على شركات النفط و الغاز التي تجني أرباحا طائلة. بمعنى آخر، إلزام الملوّثين من الدول الثرية إلى دفع ثمن تأثيرات نشاطاتهم على التغيّر المناخي من خلال تغذية صندوق الاضرار و الخسائر. فلعلّ هذه الدعوات و المقترحات تطمئن شعوب و أنظمة القارة السوداء وتبشّر بفجر بيئي جديد و حياة كريمة.
تبقى الإجابات و الحلول رهينة القوى العالمية و مدى تعاونها في أن تكون جزءا من الحل، و هي في الأصل، أساس المشكلة و على رأسها الصين التي تتصدّر قائمة الدول الأكثر إنتاجا للغازات المسبّبة للاحتباس الحراري في ستة من مدنها على رأسها العاصمة شنغهاي و تليها ولاية تكساس الأميركية.
للطفولة حصّة ملفتة في فعاليات المؤتمر، فلعلّ ما أخفق به الكبار يستطيع الأطفال، ورثة هذه الأرض، ببراءة و عفوية و خوف من و على المستقبل أن يؤثّروا في الحاضرين و من بينهم أكثر من 132 شركة نفط عالمية مدعوة. لعلّها الفرصة الذهبية لأجيال سرقت منها الطفولة و هدّدت بصحتها و غذائها و أمنها وعلمها أن تصرخ بألم ووجع و ترفع يد الظلم عن شعوبها المستضعفة. جورجينا، من تنزانيا، اعتلت مسرح المؤتمر لتحمّل الحاضرين مسؤولية خياراتهم التي دمّرت العالم و كانت لسان حال ملايين الأطفال حول العالم وصوتهم الضعيف، لتبهر المجتمعين بمبادرة زراعية قامت بها في بلدها لتبرهن عن قدرة الأطفال الحالية و المستقبلية في المساهمة في الحلول. ومن باكستان، عرضت زونيرا، ابنة ال14 عاما، واقعا مأساويا مريرا حيث أضحت الفياضانات في بلادها جزء من يوميات الكبار و الصغار و أنّها تعطّل كل شيء في الحياة و تعرّض سلامة الأطفال للخطر و تمنعهم من ممارسة حياة طبيعية، خاصة الفتيات لأنّهن، بسبب الموارد المالية المعدومة للعائلة، لا يستطعن الالتحاق بالمدرسة و الحصول على التعليم.
فكيف سيكون الردّ ممن يسعون إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتواجدين بين الحضور؟
أسبوع مضى وبقيت الكلمة الفصل لأيام المؤتمر الأخيرة و ما ستحمل من إجابات لعالم ينتظر. فهل تنعكس الكلمات المدوّة لرئيس المناخ في الأمم المتحدة، سيمون ستيل " الفرق بين الحياة و الموت"، على فعالية النتائج معبّرا عن صعوبة الموقف. وهل يستجيب أصحاب القرار لتحذيرات العلماء، الذين أصبحوا بمثابة شهود عيان، حول احتمال ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 2.5 درجة مئوية في ظل انقسام الدول مع الاعتراف بضرورة زيادة التمويل؟
نحو الولايات المتحدة الأميركية و رئيسها الجديد تتوجّه الاتهامات و الأنظار بحيث بات جليا و واضحا أن هذه الدولة هي جزء من المشكلة لا الحل.
يتبع.. .
* أستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة، وزير البيئة الأسبقاقرأ أيضاًمصطفى بكري لـ «العربية»: مصر ثالث دولة عالميا من حيث استقبال اللاجئين بتكلفة 10 مليارات دولار «فيديو»