مسؤول أممي: قادة العالم خذلوا المتضررين من النزاعات في غزة وحول العالم
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
شدد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، على أن قادة العالم خذلوا المتضررين من النزاعات في قطاع غزة وحول العالم، موضحا أن والعدد الكبير من الناس الذين يعانون هو الدليل الأوضح عن فشل النظام الدولي.
وقال غريفيث في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" وترجمته "عربي21"، إن قادة العالم خذلونا.
قضى غريفيث "الأشهر الثلاث الأولى من عمله، في النزاع الإثيوبي بمنطقة التيغراي والجهود لإيصال الطعام القليل وغير ذلك من المساعدات الإنسانية لحوالي خمسة ملايين نسمة قطعهم القتال الشرس عن العالم الخارجي. وفي شباط/فبراير 2022، قامت روسيا بغزو شامل لأوكرانيا، حيث تحركت الدبابات الروسية باتجاه العاصمة كييف وانتشرت التقارير عن الإعدامات الفورية والعنف الجنسي في المدن والبلدات، وأجبر القتال الشرس في الشرق والجنوب ملايين الناس على الهروب من بيوتهم والقصف الذي لا يتوقف على العمارات والبنايات السكنية، المدارس والمستشفيات وبنى الطاقة والمستمرة حتى هذا اليوم"، وفقا للمقال.
وبعد عام اندلع النزاع في السودان، حيث تنافس جنرالان على السلطة وقتل الآلاف وشرد الملايين واندلع العنف الإثني والمجاعة، ثم جاءت أحداث تشرين الأول /أكتوبر والقصف المستمر على غزة والذي حول القطاع المحاصر إلى جهنم على الأرض، حسب المقال.
وبحسب أرقام وزارة الصحة في غزة، فقد استشهد أكثر من 37,000 شخصا وتم تهجير كامل السكان، حيث أجبر الكثيرون على النزوح أكثر من مرة. وأصبح إيصال المساعدات الإنسانية للسكان الذين يعيشون على حافة المجاعة مستحيلا، فيما استهدف عمال الإغاثة الإنسانية وموظفي الأمم المتحدة وقتلوا وبأعداد غير معقولة، حسب مقال المسؤول الأممي.
وأضاف غريفيث أن "هناك ملايين الناس حول العالم يعانون من حروب ونزاعات طويلة بدون حل، ولم تعد حاضرة في عناوين الأخبار، وتضم القائمة سوريا واليمن وميانمار وجمهورية الكونغو الديمقراطية ودول الساحل والصحراء وغيرها. وهذا هو الوضع الذي كان يجب أن يمنعه النظام الدولي الحديث الذي أنشئ في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
وشدد على أن العدد الكبير من الناس الذين يعانون هو الدليل الأوضح عن فشل النظام الدولي. ويعتقد غريفيث أن هذا الفشل لا تتحمل مسؤوليته الأمم المتحدة، ففي النهاية، فالأمم المتحدة جيدة في التزاماتها والمصادر والجهود التي تخصصها و "بالنسبة لي فالفشل هو فشل القادة في العالم، فهم من خذل الإنسانية من خلال كسرهم العهد بين الناس العاديين ومن هم في مركز السلطة". وهذا واضح بين القادة الذي يتعاملون بلا إبالية وقلة اهتمام بالتداعيات على شعوبهم والآخرين ويبحثون بدون ندم عن السلاح وليس الحلول الدبلوماسية.
وأشار إلى أنه من أكبر الفظائع هي خيانة الأعضاء الدائمون بمجلس الأمن واجباتهم. ويعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو عمل ينتهك ميثاق الأمم المتحدة، المثال الأوضح. كما أن خذلان القيادة واضح في أفعال بعض الدول ودعمها غير المشروط لحروب حلفائها، رغم ما يوجد من أدلة بأن هذا الدعم يسهم في المعاناة وإمكانية خرق القانون الدولي الإنساني. ويمكنك مشاهدة هذا في غزة، حيث تضررت البنى التحتية وحياة المدنيين. ويمكنك رؤية هذا في إعاقة وتسييس المساعدات الإنسانية، في وقت انتشر فيه الجوع وعانى فيه عمال الإغاثة الإنسانية والصحة والصحافيين خسائر غير مقبولة، وفقط انظر إلى الأسلحة التي استمرت بالتدفق على إسرائيل من الولايات المتحدة وعدة دول أخرى، ورغم الأثر المروع للحرب على المدنيين.
وشدد المسؤول الأممي على أن "فشل القيادة واضح، في محاسبة حتى من يحاولون انتهاك القانون الدولي، بشكل يشجع من يرون في أحكامنا وأعرافنا عقبة أمام جشعهم للسلطة والمصادر. وفي عمل غريفيث، هذا واضح كل عام من تراجع التمويل للإغاثة الإنسانية والذي لا يصل للحد المطلوب، في وقت تزيد فيه ميزانيات الدول الدفاعية. ففي 2023، وصلت فيه قيمة النفقات الدفاعية للدول حول العالم إلى 2.4 تريليون دولارا مقارنة مع نفقات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى على المساعدات الإنسانية إلى 24 مليار دولار، وهي نسبة لا تزيد عن 43% من الميزانية المطلوبة لإطعام وتوفير احتياجات الناس حول العالم".
وتابع غريفيث أنه "مع ذلك فلديه أمل، فرغم أوجه القصور الكثيرة في القيادة العالمية إلا أن التعاطف والتراحم والشعور الإنساني والتصميم والرغبة على المساعدة قوي. وقد رأى في الأزمات حول العالم وفي الدول التي لديها القليل لتقدمه، ومع ذلك عبرت عن استعداد لمشاركة ما لديها مع الهاربين والنازحين من نزاعات أخرى وعلى مدى شهور أو سنين قادمة".
وقال إنه "شهد خلال سبع جولات كمسؤول في الأمم المتحدة القدرات الاستثنائية والعمل ومحاولة إدارة أوضاع من الصعب إدارتها، مشيرا إلى الجهود التي قام بها عام 2022، لتأمين اتفاق الحبوب من البحر الأسود. كما وقاد نفس الجهود للتفاوض مع رئيس النظام السوري بشار الأسد من أجل السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى شمال- غرب سوريا بعد الزلزال المدمر في شباط/فبراير 2023. وكذا دفع المتحاربين في السودان للموافقة على إعلان الالتزام بحماية المدنيين، ما سمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى البلد".
وأضاف غريفيث الذي يحضر لتسليم مهامه بعد ثلاثة أعوام كمسؤول عن الجهود الإنسانية في الأمم المتحدة، أنه "يأمل بمستقبل أفصل وسلمي ومتساو، ولن يتحقق هذا بدون جهود لقادة العالم من أجل توحيد الناس لا البحث عن طرق لتقسيمهم ونحن بحاجة لقادة قادرين ومستعدين لتحفيز الإنسانية الجمعية وإنعاش ثقتنا بالقوانين العامة والأعراف والمؤسسات ومن لديهم الرؤية والدافعية لتقديم الأمل وتحقيق طموحات ميثاق الأمم المتحدة".
وناشد المسؤول الأممي "قادة العالم بالإنابة عن مجتمع الإغاثة الإنسانية وكل الناس الذي يقدم الخدمة إليهم: نحو مصالحكم الضيقة والخلافات والانقسام، وقدموا الإنسانية والتعاون وتطلعات الناس من أجل عالم أفضل ومتساو والعودة إلى مركز العلاقات الدولية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية مارتن غريفيث غزة فلسطين غزة الاحتلال مارتن غريفيث صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المساعدات الإنسانیة فی الأمم المتحدة قادة العالم حول العالم
إقرأ أيضاً:
مقرر أممي سابق: محكمة غزة تحاكم مرتكبي الإبادة بطرق غير تقليدية
قال المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك إن "محكمة غزة" تعمل بعيدا عن الحواجز التي تفرضها المحاكم الوطنية والدولية التقليدية.
وأضاف فولك -في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت- أن محكمة غزة، وهي مبادرة مستقلة تتخذ من لندن مقرا لها، تسعى لتجاوز المعوقات التي تؤثر على الولاية القضائية والنطاق الجنائي واتخاذ القرارات المتعلقة بهذه المحاكم، لافتا إلى أن إسرائيل حساسة بما يكفي تجاه تأثير الأحكام السلبية من قبل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وهي تستخدم كل نفوذها لتخفيف هذه التأثيرات، بما في ذلك التشهير المبالغ فيه، مثل وصف الأمم المتحدة بأنها "مستنقع حقير لمعاداة السامية".
وتأتي تصريحات فولك في وقت أصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية اليوم الخميس مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وقالت إن هناك "أسبابا منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وفولك يهودي أميركي، وأستاذ فخري للقانون الدولي في جامعة برنستون، ومقرر سابق للأمم المتحدة معني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعُرف بمواقفه المناهضة للسياسات الإسرائيلية والمؤيدة للحقوق الفلسطينية، ووصفته الخارجية الإسرائيلية بأنه غير "مرحب به في إسرائيل".
وإلى تفاصيل الحوار..
محكمة غزة بدأت عملها في بداية الشهر الحالي بمشاركة العديد من النشطاء حول العالم (الجزيرة) كيف جاءت فكرة إنشاء "محكمة غزة"؟فكرة إنشاء محكمة شعبية أو محكمة مجتمع مدني بشأن الاعتداء المستمر على المدنيين الفلسطينيين المحاصرين كان ينظر إليها منذ فترة طويلة بوصفها مبادرة قيمة، ومع ذلك لم نتوصل إلى اقتراح محدد مع تمويل كاف إلا في مايو/أيار الماضي، عبر مجموعة من المشاركين في منتدى التعاون الإسلامي للشباب الذي عقد في تركيا، ودعَوني لأكون رئيسًا له.
درسنا هذا الاقتراح بعناية، وأصررنا على تعهد صارم بالاستقلال السياسي عن جميع الحكومات والسياسيين والدبلوماسيين.
وفي أغسطس/آب 2024، عندما تصاعدت الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وبدا أن الأمم المتحدة غير قادرة على إيقاف وقف إطلاق النار، وأن الولايات المتحدة غير راغبة في ذلك؛ قبلنا هذه الدعوة وبدأنا التخطيط لتنظيم هيكل المشروع منذ ذلك الحين.
وعُقد اجتماع ناجح لإطلاق مشروع "محكمة غزة" في لندن في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبداية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي بمشاركة العديد من العلماء والنشطاء البارزين واهتمام كبير من قبل المنظمات الفلسطينية المجتمعية التي تعمل في ظل ظروف قاسية في فلسطين المحتلة.
لماذا لندن؟السبب الرئيسي لاختيار لندن لتكون موقعا لإطلاق المبادرة هو تأكيد رغبتنا في أن نكون عالميين بدل أن نبدو أتراكا أو فلسطينيين أو غير ذلك.
كما أن الخلفية المتنوعة للمشاركين في لندن أعطت تعبيرا كاملا لهذه القضية المتعلقة بالهوية، وكانت لندن مريحة من الناحية اللوجستية، حيث إننا نخطط لاجتماعات مستقبلية في عدة أماكن وطنية.
محكمة غزة مقرها لندن لكنها ستعقد جلسات لها في مناطق مختلفة (الجزيرة) ما الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة؟أعتقد أن هناك إجماعًا على أننا نرغب في تنظيم المحكمة بطريقة تُعطى فيها الأولوية للتفاصيل المتعلقة بالإبادة الجماعية كما حددها القانون الدولي واتفاقية الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى جملة من الأهداف الأخرى:
نسعى إلى تكملة جهود محكمة العدل الدولية، من خلال العمل بسرعة أكبر وإنتاج نصوص تتمتع بالكفاءة الفنية ويمكن لأي شخص قراءتها بعيدا عن التعقيدات القانونية الغامضة. "محكمة غزة" ستعمل بعيدا عن الحواجز التي تفرضها المحاكم الوطنية والدولية التقليدية، خاصة تلك التي تؤثر على الولاية القضائية والنطاق الجنائي واتخاذ القرارات التي سيتم النطق بها. الهدف العام يتمثل في إنتاج سجل دقيق وشامل لما حدث في غزة -وما تلاه من توسع القتال إقليميا- منذ هجوم (حركة المقاومة الفلسطينية) حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. إنشاء نموذج مجتمع مدني لفهم نقدي ومعالجة القانون الدولي، بما في ذلك أهمية تجربة غزة في النظام العالمي من أجل تطوير نموذج تعليمي بديل لفهم القانون الدولي الذي يسعى لنقد الأساليب والمناهج القانونية التقليدية، ويكون أكثر توافقا مع بناء روابط بين القانون والعدالة. في الوضع الحالي، وعلى الرغم من أن اسمها يحتوي على كلمة "العدل"؛ فإن محكمة العدل الدولية تنحرف بشكل حاد نحو إطار قانوني بحت وبشأن المسائل التي يُطلب منها حلها، بينما في ظروف قاسية مثل غزة تميل المناهج القانونية والشعبوية إلى التقارب في التعامل مع القانون الدولي. تفسير وتبرير إجراء "قضائي" لا يمنح المتهم أو الخصم الإجراءات القانونية الواجبة، ومن ثم ملء الفجوة التي تخلقها أوجه القصور في العمليات القضائية بين الحكومات حتى عندما تعمل بعيدا عن التدخل الجيوسياسي. هل يمكن تحقيق هذه الأهداف وجني ثمارها؟نعم، إذا كانت جودة الأداء في مختلف مراحل "محكمة غزة" تتماشى مع التطلعات والإمكانات المتنوعة. ورغم أن محكمة المجتمع المدني تفتقر إلى أي قدرات تنفيذية مباشرة، فيمكنها أن تشجع المبادرات التضامنية التي تمارس الضغط، ويبدو أن هذا كان له دور حاسم في حالة حركة مناهضة الفصل العنصري، -رغم اختلاف الوضع الفلسطيني- لأن الأمم المتحدة مارست تأثيرًا على نزع الشرعية.
كما كانت العناصر المنظمة في المجتمع المدني -بما في ذلك الجماعات الدينية، والنقابات العمالية، وأنشطة الاحتجاج الجامعية الداعمة لسحب الاستثمارات، ومجموعة من الفاعلين المدافعين عن حقوق الإنسان المناهضين للعنصرية- مهمة في نزع الشرعية عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وأحد هذه الجهود الراسخة في النضال الفلسطيني هو حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات "بي دي إس" (BDS) التي أُطلقت عام 2005 من قبل ائتلاف من النشطاء الفلسطينيين والمنظمات المدنية.
وإن حكما قويا من "محكمة غزة" سيضيف شرعية لمثل هذه المبادرات المجتمعية، ويؤدي إلى ظهور مبادرات غير حكومية أخرى ذات مغزى مثل المقاطعات الثقافية والرياضية.
بالطبع، إن نجاح أو خيبة أمل جهودنا سيعكس الوضع السياقي، خاصة إذا كان هناك استمرار للقلق الواسع بشأن سلوك إسرائيل تجاه الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وكذلك إذا كانت إسرائيل ستستمر تحت القيادة الحالية أو قيادة مماثلة.
ومن الممكن إذا نفذت إسرائيل خططها المتزايدة والمعلنة لضم الضفة الغربية وإنكار أي احتمال للموافقة على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، فإن التأثير قد يكون كبيرًا.
ومن الممكن أيضًا أن يكون هناك رد فعل مضاد تقوده الحركة الصهيونية ضد "محكمة غزة" عبر استخدام تكتيكها المعروف بـ"معاداة السامية".
يوجد بدرجات متفاوتة ممثلون عن العديد من المنظمات النشطة والمؤثرة في عمل "محكمة غزة"، بما في ذلك ممثلون بارزون في المجتمع المدني الفلسطيني، مثل: "الحق" و"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" و"الضمير" و"مركز الميزان لحقوق الإنسان".
ولدينا مجموعة عمل خاصة تتكون من ممثلين عن منظمات المجتمع المدني والمتضامنة مع القضية الفلسطينية، وسنستعين بهم دائما للحصول على التوجيه المناسب طوال عمل المحكمة.
وكيف يتم التنسيق مع كل هذه المنظمات؟كمبادرة مجتمع مدني موجهة لدعم النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير والحقوق الأساسية الأخرى، سعينا لمشاركة مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وشجعتنا استجابتهم الإيجابية القوية كما ظهر من مشاركتهم.
وأنشأنا مجموعة عمل للمجتمع المدني الفلسطيني، بالإضافة إلى مجلس استشاري عالمي للمجتمع المدني لضمان وجود قنوات واضحة للمشاركة والتأثير.
وحتى الآن، هناك تعاون ممتاز بين المنظمات الفلسطينية المشاركة، وكذلك بين المنظمات المدنية العالمية، ونأمل أن يستمر هذا التعاون وأن ينعكس في الحكم النهائي "لمحكمة غزة".
إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (أسوشيتد برس) في السياق العالمي الحالي، قد يفقد بعض الناس الأمل في نجاح مثل هذه المبادرات، فكيف ترد عليهم؟مثل هذه المبادرات كان عليها دائما أن تسبح ضد تيارات القوة الجيوسياسية وتوجهات وسائل الإعلام الرئيسية التي كانت تستخف بهذه المبادرات وتعاديها منذ تطورها الجاد في محكمة "راسل" في منتصف الستينيات.
وليست "محكمة غزة" الحالة الأولى من محاكم الشعوب التي تثمر تأثيرا واضحا على سلوك الولايات المتحدة في الحرب، فسبق أن أنعشت مثل هذه المبادرة إلى حد ما الأنشطة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة وأوروبا، وابتكرت نموذجا تم تطبيقه في العديد من الحالات اللاحقة، بما في ذلك المبادرات القضائية المتعلقة بالتدخلات في الجنوب العالمي، والمساواة بين الجنسين، وحماية البيئة، وأخطاء الشركات الكبرى.
وبهذا المعنى، ظهر هذا الشكل المجتمعي كنموذج مدني تربوي لمقاومة القوة الناعمة بتأثيرات تعليمية وإعلامية وأنشطة متغيرة حسب القضية والسياق السياسي العام.
والنضال الفلسطيني والإبادة الجماعية الإسرائيلية هما في العديد من النواحي حالة خاصة، مما يجعل التأثير المحتمل إما أقل مما هو مأمول أو أكبر.
ومن جانب إسرائيل، فإنها تعلمت من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عبر استخدام موارد كبيرة لتشكيل خطاب عام متعلق بسلوكها، بما في ذلك اللجوء إلى "سياسة الإلهاء" لتحويل الانتباه عن الادعاءات والانتقادات الجوهرية من خلال شن هجمات تشهيرية على المرسل لتشتيت الانتباه عن الرسالة.
علاوة على ذلك، فإن الخلفية التاريخية لاضطهاد اليهود التي بلغت ذروتها في الهولوكوست تعيق النقد أو التعاطف مع النضال الفلسطيني، خاصة في ألمانيا، وأيضا في الديمقراطيات الغربية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية مع ضمير مذنب لأنها لم تفعل الكثير لمعارضة معاداة السامية النازية قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.
هذا الشعور بالذنب الليبرالي أدى إلى تكملة استعمارية في سياق ما بعد الحرب، حيث تمت معالجة مشاكل أوروبا على حساب دولة من الجنوب العالمي، مما جعل الفلسطينيين العرب غرباء مضطهدين في وطنهم.
وحتى إذا فشل التأثير المباشر على سلوك إسرائيل، فنحن واثقون من التأثيرات الثانوية لمحكمة عالية الجودة فيما يتعلق بالثقافة القانونية في المستقبل، وجمع سجل تاريخي وأرشيفي، من أجل الإسهام في نهج موجه نحو الشعوب لدراسة وتطبيق القانون الدولي في سياقات الأمن العالمي.
وأخيرا، أشك في أن معظم أولئك الذين "فقدوا الأمل" لم يكن لديهم أمل في "مثل هذه المبادرة" من الأساس.
هذه المبادرة "رمزية".. فهل ستترتب عليها التزامات قانونية لمعاقبة الجناة؟عندما تتعارض التزامات القانون الدولي مع المصالح الإستراتيجية القوية للفاعلين الجيوسياسيين، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحرب والسلام، فإن تأثيرات حتى المؤسسات الحكومية أو الدولية الرسمية تكون رمزية في الأساس. فإسرائيل تتحدى القانون الدولي والأمم المتحدة ولا توجد إرادة سياسية لمواجهة مثل هذا السلوك.
ومع ذلك، فإن إسرائيل حساسة بما يكفي لتأثير الأحكام السلبية من قبل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والجمعية العامة، وهي تستخدم كل نفوذها لتخفيف هذه التأثيرات، بما في ذلك التشهير المبالغ فيه، مثل وصف الأمم المتحدة بأنها "مستنقع حقير لمعاداة السامية"، ومحاولة استخدام نفوذها في الغرف المغلقة لتجنب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد القادة الإسرائيليين كما أوصى المدعي العام كريم خان.
وكما كتب المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف "ليس كل نقد ضد إسرائيل معاديا للسامية (…) اللحظة التي تقول فيها إنه كراهية معادية للسامية (…) تسحب كل الشرعية من النقد وتحاول سحق النقاش". وهذا يعد الوصف الدقيق لتكتيكات نتنياهو في الأمم المتحدة عندما وصف هذه المنظمة بأنها "جمعية الأرض المسطحة المعادية لإسرائيل"، واصفًا الأمم المتحدة بأنها "مستنقع من الحقد المعادي للسامية".
وفي هذا النوع من سياق الفوضى المدعومة جيوسياسيا، يكون كل قانون رمزيا، ولكن التأثيرات الرمزية للجهات السياسية الفاعلة، سواء كانت حكومية أو لا، هي حقيقية.
لقد جادلت طويلا بأن الساحات الرمزية لصنع القوانين لا ينبغي التقليل من شأنها أو السخرية منها، وسأستمر في فعل ذلك بشكل قاطع فيما يتعلق بوجود "محكمة غزة" ونشاطها.