مخاوف كبرى من قيام حرب أهلية فى إسرائيل.. لو أن أحدا حدثك عن هذا الأمر فى أى وقت من الأوقات غير اللحظة الراهنة لتخيلت أن فى الأمر مبالغة وأن هناك نوعا من التفكير بتمنى الشر لتلك الدولة باعتبارها عدوا لدودا للعرب، وهو أمر يعبر عنه أفضل تعبير انتشار فكرة الإيمان بقرب زوال إسرائيل لدى قطاع غير محدود من المواطنين العرب.
ولكن أن يأتى هذا الحديث -فكرة الحرب الأهلية- من نتانياهو رئيس الوزراء هناك، فإن ذلك يعكس عمق الأزمة التى تواجهها إسرائيل على وقع تداعيات ما بعد طوفان الاقصى.
حتى هذا الطرح من قبل نتانياهو قد يحمل قدرا من المبالغة يهدف من خلاله الى توظيف الأمر سياسيا، لكن الفكرة نفسها تبقى ضمن دائرة المخاوف لدى قطاع غير محدود من الإسرائيليين. مؤدى ذلك يستدعى المقولة الشهيرة بأنك لا تنزل النهر مرتين، وفى حالتنا فإنه يعنى أن اسرائيل التى نراها ليست هى إسرائيل التى نعرفها أو نتصور أننا كنا نعرفها!
لسنا من المهولين ولكن الفكرة الرئيسية التى نود التأكيد عليها هى أن عملية 7 أكتوبر ألقت وستقى بأثار قريبة وبعيدة المدى على الأوضاع فى إسرائيل بعضها بدأ يظهر والآخر فى الطريق. لعل أبرز مثال يعزز هذا الطرح الهدنة التكتيكية التى أعلن عنها الجيش الإسرائيلى فى رفح دون أن يعلم عنها رئيس الوزراء نتانياهو عنها شيئا، بل وكذلك وزير الدفاع إلى حد إعلان الأول أنه سمع بالهدنة من الإعلام ما أستدعى طرحه مقولة «أن اسرائيل دولة لها جيش وليس جيش له دولة!» الأمر الذى ربما يصب لجهة التأكيد على عمق الخلافات فى إسرائيل وتراجع حالة المؤسسية بها، وهى حالة يؤكد عليها ذلك الخلاف الحاصل بشأن تبعات مسئولية ما جرى فى ظل اتهمات متبادلة بين الاستخبارات وفرقة غزة بشان التعامل مع وثيقة 7 أكتوبر الاستخباراتية، حيث تشير الاستخبارات الى أنها وزعت الوثيقة فى 19 سبتمبر الماضى لكنها لم ترفع إلى الجهات العليا.
إذا أضفت الى ذلك مجموعة المظاهر التى تشير الى عزلة إسرائيل فى مواجهة المجتمع الدولى سواء أمام مذكرة المحكمة الجنائية الدولية أو العدل الدولية أو حتى اتساع نطاق الاعتراف بدولة فلسطين سواء على صعيد الأمم المتحدة أو عدد من دول أوروبا، لأدركت عمق وحجم التأثير الذى وقع على الكيان العبرى بفعل طبيعة ردها على ما جرى، ما يصح معه توصيف ذك اليوم بأنه زلزال مدمر اعتبره البعض يرتقى فى مستواه لوضع أخطر مما جرى فى 6 اكتوبر 73.
الهدف من التأكيد على ذلك الجانب المتعلق بعمق 7 اكتوبر هو كشف زيف دعاوى بعض العرب ذوى الصوت العالى والانهزامى بعدم جدوى العملية التى قامت بها المقاومة الفلسطينية وأنه لم يكن لها أن تقوم بها.
بالطبع فإن ذلك لا يجب أن يعنى ما ما قد يتصوره بعض أنصاف العقول من أن الصورة على الجانب الفسطينى على أبهى ما تكون. غير صحيح إطلاقا، حيث خسر الشعب الفلسطينى «الجلد والسقط» كما يقال، الى الحد الذى يمكن معه القول بأنه ربما لا يعادل خسارتهم سوى ما حدث فى نكبة 48، إنها نكبة جديدة بدون تهجير، على الأقل حتى الآن. على ارض الواقع قد يكون من الصحيح أنه لم يعد هناك شىء اسمه غزة بالمعنى الطبيعى لمفهوم المكان الذى يمكن للإنسان أن يعيش عليه. لكن إرادة المقاومة وحب الاوطان منذ أن نشأ الإنسان على ظهر البسيطة لا تعنى سوى النضال مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات .. وتلك قضية أخرى!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات حرب إسرائيل الأهلية د مصطفى عبدالرازق الأوقات غير اللحظة الراهنة
إقرأ أيضاً:
قلب الإسلام وقشوره (١)
صديقتي بروفسير في القانون، حاصلة على كم من الشهادات العلمية، ولديها مؤلفات وأبحاث قانونية تحمل اسمها الذى تسبقه عدة مناصب مرموقة، لكن الأهم من ذلك أنها تتمتع بجانب إنساني فضلا عن رقى أخلاقي ندر وجوده.
حكت لي عن طالبة جامعية قابلتها صدفة بعد تخرجها، بدأت الطالبة حديثها بالتحيات المعتادة ثم فاجأتها بقولها: إن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - قد بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، وأشعر أنك يا دكتور قد جئت إلينا من مصر لكى تعلمينا الأخلاق الحقيقية للإسلام، فبالرغم من علمك الغزير إلا أنه - كما ترددين دائما على مسامعنا - موجود في الكتب، لكن تعاملك الراقي معنا علمنا الكثير من الأخلاقيات التي يتجاهلها الكثيرون جهلا أو عمدا.
بالطبع تأثرت صديقتي بهذا المدح الجميل، خاصة حينما شعرت أنها كلمات صادقة نابعة من القلب دون غرض أو شبهة نفاق حيث إن الطالبة لم تعد في حاجة إليها بعد التخرج، واتصلت بي فرحة بهذا الموقف الذى أثبت أن الابتسامة هي الطريق الأسهل للقلوب، وخاصة ابتسامة صاحب المنصب لأنها تشجع الآخرين على طلب ما يحتاجونه منه دون خوف أو تراجع، وتساعد على بناء علاقة ودية، وأضافت ضاحكة أن كوبا من مشروب الأعشاب الذى تقدمه لطالبة مريضة أهم وأشد تأثيرا في علاقتهما الإنسانية من قاعدة "سريان القانون الجنائي من حيث الزمان".
موقف بسيط لكنه يشرح بكل يسر أن المعاملة الطيبة التي تحث عليها كل الأديان السماوية تأتى بثمارها.
وللحديث بقية، ،