الأحزاب السياسية ذات الأجنحة العسكرية
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
الأحزاب السياسية ذات الأجنحة العسكرية
خالد فضل
عيد سعيد ولكن، يكثر في الآونة الأخيرة تداول مسألة علاقة القوى المدنية الديمقراطية بقوات الدعم السريع التي تنخرط في قتال ضارٍ منذ 15 أبريل 2023م ضد القوات المسلحة، وظهيرها من الكتائب المسلحة لجماعات الإسلام السياسي بقيادة المدعو المصباح طلحة.
الفكرة المركزية والواضحة لكل صاحب بصيص من بصيرة هي رمي الآخرين بالداء المقيم في أوساط من يتبنون هذه الفكرة ويروجون لها على سبيل الدعاية المكثفة التي يبرع فيها الشموليون والديكتاتوريون أيما براعة، والدعاية يمكن أن تستند على كذبٍ صريح أحياناً، أو درهم حقيقة في قنطار كذب غالباً، ولكن من شدة كثافتها يمكن كذلك أن تضلِّل الكثيرين وهو المقصد الحقيقي لمهندسيها، فيما تتولى بعض الأبواق ترديدها بوعي أو بغير وعي ويصدقها البعض.
منذ اندلاع الحرب التي خطط لها جماعة الإسلاميين من فلول العهد المباد، انطلقت أبواق الدعاية، ليست ضد الدعم السريع الذي يقاتل جنوده في الميدان، بل ضد القوى المدنية الديمقراطية بصورة هستيرية، ومن منح أقل فسحة من تدبر لأمكنه ملاحظة ذلك، ولعل لسوء حظ مهندسي الدعاية وأبواقها أنّ الحزب الشيوعي كان قد انسحب قبل فترة ليست قصيرة من تحالفاته في قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى الإجماع الوطني، فصارت الدعاية تستخدم لفظ (القحاتة)، ولو كان الشيوعيون ما يزالون جزءاً منه لكانت الدعاية أيسر وأكثر وضوحاً، فعوضاً عن التعمية بمصطلح القحاتة كان سيكون (الشيوعيون) وهي دعاية وفرية أصيلة لدى معظم جماعات الإسلام السياسي برد كل موقف أو رأي لا يلائم فكرهم الضحل وسلوكهم العطن إلى الشيوعيين. أما قحاتة فهذه تمثل لهم ساتراً تمويهياً مناسباً لمهاجمة قوى الثورة والتغيير بمن فيها الشيوعيين. وقد اعتمدوا على جهل الناس أو تجهيلهم المتعمد، أذكر أن أحد إخوتي وهو معلمي في مرحلة من مراحل التعليم العام، ظل يردد ذات الدعاية التي تتداولها الوسائط، سألته بجدية إن كان يعرف مكونات (قحت) الملعونة هذه ؟ فزمجر وغضب بحجة استعلائي عليه بطرح هذا السؤال، وما كنت مستعلياً على من علمني حرفاً فصرت له عبداً، ولكنني كنت أنوي السير معه في نقاش موضوعي حول استحالة اتفاق قوى إعلان الحرية والتغيير بمكوناتها الكثيرة هذه على تأييد الدعم السريع، فمنذ متى كانت القوى السياسية السودانية تتفق؟ بل في الحقيقة الروح الخلافية الحادة هي منقصة قومية هائلة تتفوق على الثروات السودانية المزعومة، لكن أستاذي ذاك تفاجأ بعدم معرفته في الحقيقة بتكوين (قحت) تفاجأ بسؤال بدهي لم يكلف نفسه في يوم من الأيام بالاستعداد له لأنّه وببساطة شديدة مثله مثل الملايين الذين تنطلي عليهم الدعاية الكاذبة فيصدقونها (صم لم) دون تفكير، ولا نبعد كثيراً إذ نشير إلى أن مترادفات (العقل والتفكير والتأمل والنظر) هي الأكثر دوراناً في القرآن الكريم ولكن أكثر الناس لا يعقلون!! وبالفعل فإن الأكثرية لا تعقل مثلما ورد في آيات كثيرة من كتاب الله القرآن! ومع ذلك تزعم جماعات الإسلام السياسي الجاهلة بالدين والمجهلة لمجموعات غير قليلة من المسلمين بريادتها وسيادتها وهي تسمم الفضاء المعرفي لهؤلاء البشر المساكين وعن طريق الدعاية المكثفة يجعلون الرؤوس الخاوية أعضاء مناسبة لوضع الطواقي ولف العمامة بيضاء ومكوية أو ربط عصابات شارة الحرب على الجباه!.
من الثابت في التاريخ السوداني المعاصر والوقائع المستمرة حتى يومنا هذا، أنّ الحزب السياسي الوحيد في السودان الذي يمتلك جناحاً عسكرياً مسلحاً هو تنظيم الإسلاميين، صاحب اللافتات المتنوعة والمتحورة من الإخوان المسلمين إلى التيار الإسلامي العريض، ولعل الذين كانوا في الجامعات من جيلنا عند قيام انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 30 يونيو 1989م، يعرفون جيداً أنّ أول نواة لتكوين الجيش الموازي (الدفاع الشعبي) كانت من عناصر طلبة ما يعرف بالإتجاه الإسلامي، ليصبح بعد ذلك هو الجيش الذي يحارب الكفار في الجنوب تحت دعاوى الجهاد، ولأن أبواق الدعاية الكاذبة يحاربون الحقيقة ولو كانت الشمس في رابعة النهار فإنهم يرمون القوى المدنية الديمقراطية بدائهم لينسلوا هم، مستغلين الجهل العميم وضحالة النظر والتأمل لدى الكثيرين، وينسون أن طبيعة تكوين كتائب مسلحة وجيوش مقاتلة ذات توجه عقائدي أو حزبي تتطلب بداهة وحدة في الفكرة والتنظيم وهو أمر لا يمكن تحقّقه بين قوى سياسية مدنية ديمقراطية متعددة يجمعها اتفاق حد أدنى على أفضل الأحوال، غير أن طبيعة التحالف المدني أساساً لا تعتمد على القوة المسلحة، وقد جربت القوى التي شكلت التجمع الوطني الديمقراطي تكوين قوات مسلحة لمواجهة القوات المسلحة للكيزان في حقبة التسعينات من القرن الماضي فلم تنجح لسبب بسيط هو أن طبيعتها المدنية السلمية لا تتسق مع التكوين العسكري، وهذه الطبيعة العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين تنضح من شعارهم (جهاد- نصر- شهادة) مع السيف أو البندقية عند بعضهم، وهتافهم المدوي (فلترق منهم دماء أو ترق منا الدماء أو ترق كل الدماء) إنها حمامات دم لازمة، منهم ومنا، أو كل دماء الناس، في سبيل الله كما يزعمون، ولا نعلم سبيلاً إلى الإله الحق مرصوفاً بدماء عباده أجمعين، لكنها الدعاية البغيضة وشهوة التسلط والقهر تعمي الأبصار! ومن أسفٍ يصدقها كثير من السودانيين، وتنطلي حتى على من تتوسط جدران صوالينهم الشهادات العلمية البراقة، يصدقون ببساطة أن (قحت) و(تقدم) هي حواضن سياسية لقوات مسلحة قوية وشرسة، أسسها تنظيم الإسلاميين لتكون لهم ذراع بطش وقهر للخصوم ويكون قائدها (حمايتي)، وبكل سهولة ويسر تصبح تحت إمرة المهندس الشاب خالد يوسف (سلك) القيادي في حزب حديث نسبياً، رئيسه شخص بالغ الرقة والتهذيب جزل الخطابة رفيع الكتابة، منذ عرف في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم مشهود له بالاستقامة ومقارعة الديكتاتورية عمر الدقير، يصير بفضل الدعاية ربما المشير الذي يملي تعليماته إلى عثمان عمليات فيدك مقار جيش البرهان/ الكيزان دكاً، يا ربي نحنا هل جنينا أم عقولنا نصاح! أو أنّ نقابة موظفي الفندقة والسياحة المنضوين في التنسيق المدني الديمقراطي (تقدم) هم مجاهدو القينقاع بن قرطمة!!.
إنّ أبواق الدعاية مدفوعة الأجر الذين يظهرون على شاشات الفضائيات ومقاطع الفيديوهات والتسجيلات الصوتية لا يذكرون أبداً أبداً وعيد ونذير وتهديد أنس عمر أو الناجي عبد الله ومحمد علي الجزولي الداعشي وغيرهم من قيادات جيش حزب الحركة الإسلامية وهم يتوعدون الشعب السوداني بالحرب إن تم التوقيع على الاتفاق الإطاري والذي بموجبه سيتم إبعاد الجيش/ الدعم السريع من الحكم، وإلغاء كل قرارات قائد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، وإعادة تفعيل لجنة إزالة التمكين لحزب الحركة الإسلامية منذ 30 يونيو 1989م، وتكوين جيش وطني مهني موحد.
يتجاهل أبواق الدعاية كل ذلك لأن هدفهم هو طمس الحقائق وترويج الأكاذيب فيقولون بإصرار (قحت) ثم (تقدم) هي من أشعل الحرب وهي الجناح السياسي للدعم السريع، وأن الثوار الذين استشهدوا وهم يهتفون في الشوارع العسكر للثكنات والجنجويد ينحل مجرد (فطايس) كما كانوا يتداولون في قروباتهم على الوسائط في وصف ضحايا كل يوم دموي أريقت فيه الدماء منذ الانقلاب وحتى 15 أبريل، كل هؤلاء المدنيين العزل هم الحاضنة السياسية للدعم السريع؟؟؟؟، يقولون إنّك يمكن أن تكذب على كل الناس لبعض الوقت، وعلى بعض الناس كل الوقت ولكن من المستحيل أن تكذب على كل الناس لكل الوقت!!.
الوسومالتحالف المدني الجبهة الإسلامية القومية الجيش الحركات الدعم السريع تقدم حل لجنة إزالة التمكين خالد فضل قحتالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: التحالف المدني الجيش الحركات الدعم السريع تقدم خالد فضل قحت الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
هكذا تبدو مدينة ود مدني بعد استعادتها من قوات الدعم السريع
ود مدني- تبدو مدينة ود مدني الواقعة وسط السودان مدينة شاحبة الوجه بعد أن شردت الحرب أهلها وأحالتها لمدينة أشباح، فلا يوجد بها سوى القليل من الناس الذين أجبرتهم الظروف على البقاء تحت وطاءة الحرب.
وتحولت ود مدني، التي استطاعت قوات الجيش السوداني استعادتها من سيطرة قوات الدعم السريع، من عنوان للجمال والثقافة إلى مدينة مهجورة ينتشر فيها الدواب والكلاب والجوارح التي تتغذى على جثث قتلى الحرب في شوارع المدينة.
مركبتان تابعتان للدعم السريع تم تدميرهما خلال استعادة المدينة (الجزيرة) مدينة الدم والرصاصما يبدو لافتا بمجرد الدخول إلى مدينة ود مدني هو تردد أصوات الرصاص في كل أرجاء المدينة، فثمة احتفالات من جنود القوات المسلحة السودانية بالمدينة، إذ لا توجد وسيلة يعبرون بها عن فرحتهم باستعادة المدينة إلا إطلاق زخات من الرصاص في الهواء الطلق، وبينما يبدو صوت الرصاص مرعبا للقادمين إليها، يتعايش القاطنون بالمدينة معه كونها عانت ويلات الحرب طوال عام ونصف العام.
الرصاص ليس وحده هو العنوان الأبرز في المدينة، فرائحة الدم المنبعثة من الجثث تستقبلك بمجرد الدخول إلى ود مدني، كما أن ثمة جثثا ملقاة على الأرض صارت وجبة للكلاب الضالة التي أصابتها التخمة وهي تعتاش على لحوم البشر الذين سقطوا جراء المواجهات بين الجيش والدعم السريع.
إعلانوقد تزاحمت على الجثث أيضا الجوارح (الصقور) لا سيما بالقرب من كوبري البوليس غرب مدني، حيث توجد أكثر من 30 جثة ملقاة على الأرض لعناصر سقطوا خلال مواجهات استعادة المدينة.
المشهد ذاته يتكرر بالقرب من مدخل حي عووضة حيث لاحظ مراسل الجزيرة نت قيام جنود من الجيش بحفر قبر جماعي لأكثر من 6 جثث لعناصر الدعم السريع، أما في مدخل جسر حنتوب من الناحية الغربية فتوجد أكثر من 3 جثث محترقة تماما لعناصر الدعم السريع، وبالقرب منهم سيارات مدمرة ودبابة معطلة.
مركبة محترقة بعد استهدافها من قوات الجيش (الجزيرة) أحياء مهجورةوخلال جولة في أحياء المدينة التي كانت تعج بالجمال والنشاط السكاني ومزدحمة مروريا، تحولت هذه الأحياء إلى أماكن مهجورة وتغيرت ملامحها بحيث يصعب على العائدين إليها التعرف عليها، فحي الزمالك -أعرق أحياء ود مدني- يبدو كأنه خال من السكان، التجوال في الحي يجعلك تلاحظ سكونه، حيث لا يوجد غير أصوات الطيور وبعض الباحثين عما ينهبونه.
ثمة العديد من الأحياء التي تغيرت معالمها بالكامل، في حين تبدو الأحياء المطلة على النيل أكثر حيوية مثل حي القسم الأول والدباغة والقبة، كما أن المحلات التجارية منهارة في جميع أحياء ود مدني، فلا مخابز تعمل ولا متاجر ولا أسواق صغيرة، جميعها تحولت لأطلال بفعل الحرب.
ملامح الحرب والدمار تعمّ شوارع ود مدني (الجزيرة) أسواق مدمرةود مدني كانت أحد مراكز التجارة المهمة لمعظم مدن الإقليم الأوسط في السودان، وزادت الحركة التجارية في أسواقها بعد اشتعال المعارك في الخرطوم، إذ نقل الكثير من التجار تجارتهم صوب ود مدني التي تعد الأقرب للخرطوم، غير أن جميع محلاتها توقفت بمجرد دخول قوات الدعم السريع إلى المدينة.
وعند مدخل ود مدني هتفت سيدة بشكل هستيري قائلة للجزيرة نت "تعبنا لكن صمدنا"، مشيرة إلى أنها عانت من انتهاكات الدعم السريع لكنها لم تغادر منزلها لظروف أجبرتها على البقاء. الوضع لا يختلف كثيرا عن أخريات تحدثن للجزيرة نت، تقول إحداهن إنها تعرضت للضرب من قوات الدعم السريع لمجرد أنها كانت تعمل في وقت سابق طباخة لدى الجيش.
إعلانوحول كيفية الحياة في ظل انعدام المخابز والكهرباء والماء والمحلات التجارية، يقول مواطن للجزيرة نت فضل حجب اسمه، إن المواطنين كان يشترون احتياجاتهم من أسواق تمبول شرق مدني، وذلك قبل مغادرة قائد قوات درع السودان أبوعاقلة كيكل صفوف الدعم السريع للتحالف مع الجيش.
ويشير المواطن السوداني إلى أن سوق تمبول كان مستمرا في العمل ويوفر الاحتياجات الأساسية من الدقيق والسكر والزيوت، إلا أن شراء هذه المواد الغذائية لا يتم إلا بتصديق من استخبارات الدعم السريع، ودفع ضريبة مالية محددة.
ولفت إلى تعقد الأوضاع الاقتصادية بود مدني بعد انتقال أبوعاقلة كيكل للقتال إلى جوار الجيش، حيث ضيق الدعم السريع على المواطنين وقيد حركتهم، في وقت توقفت فيه الكهرباء والماء والاتصالات عن المدينة منذ اليوم الأول لدخول قوات الدعم السريع في يناير/كانون الثاني 2024.
أحد مظاهر الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة منذ سيطرة الدعم السريع عليها (الجزيرة) خدمات نادرةوخلال فترة سيطرة عناصر الدعم السريع على المدينة، كان المواطنون يتعاملون بالطاقة الشمسية الممملوكة لتلك العناصر لشحن الهواتف المحمولة مقابل مبلغ مالي، ويستخدمون إنترنت الأقمار الاصطناعية "ستار لينك" المملوكة لقوات الدعم السريع للتواصل مع الأهل واستقبال التحويلات البنكية، ويتم إحضار الماء بوسائل نقل تقليدية من النيل عبر العربات التي تجرها الحمير والبغال.
في اليوم الثاني لدخول الجيش السوداني إلى المدينة، حضر الفريق شمس الدين كباشي مساعد قائد الجيش السوداني إلى المدينة، ووجه السلطات بضرورة الإسراع في إعادة الخدمات، كما وجه بتنظيف المدينة وتطهيرها.
وأكد قائد العمليات العسكرية بمدينة ود مدني العقيد أركان حرب عبادي الطاهر للجزيرة نت أنهم يعملون بالتنسيق مع حكومة ولاية الجزيرة لإعادة الماء والكهرباء وإزالة الألغام تمهيدا لعودة السكان إليها، كما تفقد عدد من المهندسين محطة مياه المدينة استعدادا لصيانتها وإعادتها للخدمة، كما تسعى شركات الاتصالات لإعادة خدماتها في المدينة.
إعلان