سودانايل:
2025-03-15@12:22:01 GMT

معمار سياسي حداثي

تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT

بقلم عمر العمر

علينا إعادة إعمال الذهن لبلورة مصطلحات متداولة على نحو مغلوط. ففي هذه الحرب اللعين تكشّف خلطنا بين الوطن والمواطنة، بين الدولة والحكومة فذهبنا في الغفلة لجهة الخلط عمدا بين الدين والدولة حتى بلغنا المماهاة بين الحق والباطل ،كما بين الطهر والعهر.فأزمتنا المذلة نتاج مراكمة خرقاء لخمول فكري -لا أقول فجور سياسي- بلغ دركه إبان سني الإنقاذ ثم استفحل فيما تلاها.

أليس قوام الفجور الكذب، الخداع ،المكر والظلم والخيانة ؟عوضا عن النجاح في لجم التدهور ساهم الجميع عقب الثورة في دحرجته- كلٌ حسب جهده- لجهة الأسفل . ما يحدث أبعد ما يكون عن الصراع السياسي.كما هو ليس بالصراع العسكري وإن امتشق السلاح.فهو أقرب إلى العهر لأن زبانيته كجنوده يجدون أو يبحثون عن متع عابرة مقابل ثمن بخس.
*****
فالوطن (عش المرء الذي فيه درج ومنه خرج،مجمع أسرته ومقطع سرته)حسب التعريف المبسط لرفاعة الطهطاوي.أما الوطنية فهي الشغف العاطفي بالانتماء لتلك الرقعة الجغرافية و الاعتداد بشعبها حد الاستعداد للتضحية من أجله وفي سبيل مصالحه. بينما الدولة هي نظام الحكم المتفق عليه لتسيير الحيويات السياسية ،الاقتصادية والاجتماعية لذلك الشعب في ذاك الوطن.أما الحكومة فهي آلية إدارة سلطة تلك الدولة. من هنا يجب الحديث بوضوح عن الدفاع عن الوطن والحفاظ على مؤسسات الدولة وتطوير أداء الحكومة دونما وجل . فنقد الإدارة الحكومية لا مساس له بأمن الدولة.كما أن اتهام قيادة الجيش بالتقصير يوازي مثله في حق إدارة ضمؤسسة المصارف -مثلا-أو العدل،غايته إصلاح حال الوطن. تلك الممارسة نقيض فاقع للخيانة الوطنية.
*****
مأزق الجماعة الإسلامية لا يتجسد فقط في منهجها الاجتراري .بل في تناقضها البنيوي.فهي تستهدف مقارعة خصومها بكسوة الدولة بالدين بينما يرتكز مشروعها الإلهي إلى إلغاء الوطن ومن ثم الدولة وصولا إلى أممية إسلامية.فكل دعاة الحركة الإسلامية يستهدفون تذويب الروابط الحزبية، الوطنية والقومية تحت وهج عصبية الوحدة الإسلامية. ربما من المفارقة اتساق هذه الرؤية مع الحلم الماركسي بذبول الدولة وصولا إلى دكتاتورية البروليتاريا. لكن على نقيض مفكري اليسار ينأى الإسلاميون عن مصطلحات سياسية مثل الديمقراطية، الانتخابات ، البرلمان ، الليبرالية والاشتراكية. بل يدمغها غالبيتهم بالإلحاد! ربما يناقض هذا الفكر حقيقة تاريخية. فمشروع الدولة الإسلامية ارتكز على محور قبلي إذ نشأ وترعرع في ظل قريش . ثم اتخذت محاولات الخروج علي القبيلة والعشيرة أشكال الصراع السياسي منذ التجاذب على خلافة الرسول الكريم مرورا بالدولة العباسية ثم الأموية إلى الإمبراطورية التركية.
**** *
نظام الإنقاذ يعج بكل هذه التناقضات.لعل أبرزها إعادة إذكاء عصبية القبيلة.هذا نهج ليس يضاد فقط مشروع الدولة الإسلامية بل داء يفت في جهود إقناع الشعب بقيادة تستحدث منظومة سياسية لصهر التنوع داخل بوتقة عدلية إنمائية جاذبة. كما لم يستوعب هذا المنهج تاريخ الدولة الإسلامية ، لم يواكب مفردات العصر السياسية فساهم في استفحال المحنة الراهنة. من المضحك المبكي انفجار الاقتتال الدموي الكارثي بين معسكرين يدعيان الانتماء إلى جذر قبلي واحد. فوفق أكثر الدعاوى ترويجا تصوير الحرب اللعين بأنها صراع بين عرب الغرب من جهة وعرب الوسط والشمال على الجبهة المقابلة. لعلها ادعاء فيه شيء من حقيقة لكنه ينطوي على كثير من الجهل. فالأكثر صدقًا وموضوعية إنها حرب زبانية نظام واحد تدثّر زورا وبهتانا بكساء الإسلام. بين العربيْن غانمون وخاسرون لكنهم ليسوا أكثر ضحاياها.
*****
ما لم نُعد قولبة مصطلحاتنا وفق رؤى حداثية لن ننجح في إعادة تأسيس دولة أفضل استقرارا.وقف الحرب هي الخطوة الأولي الملحة على هذا الدرب .المناداة ب(مخاطبة جذور الأزمة) في هذه المرحلة تستهدف القضية في مستنقع المحنة.فمن الممكن لك إعادة بناء بيت لكن من المستحيل عليك إعادة بناء حي سكني واحد في المدينة - تتباين امكانات ساكنيه - خلال الوقت نفسه. فما بالك حينما ترتبط المهمة بوطن كامل! النجاح في اسكات الحرب يمهد لاعادة بناء العقليات قبل الأحياء . من ثم تفكيك الأوهام المتخيلة العالقةبالمصطلحات كالربط بين المواطنة والإلحاد! دون تجذير المواطنة لن نستطيع بناء منظومة ديمقراطية.لا خلاف على أهمية القبيلة في المعمار المجتمعي.لكنها هي بؤر للتشظي ،الارتياب والتكتل خارج مركزية الدولة.
*****
اقصر الطرق لإعادة البناء الوطني يأتي عبر إسناد هذه المهمة إلى وجوه جديدة من غير النخب المتورطة في لعبة لحرب القذرة . فهذه قيادات ذات عقليات خربة حاملة انتماء ات ضيقة ،رؤى سياسية رومانسية ساذجة وأطماع فردية .لهؤلاء باع طويل في استفحال المحنة.كما تؤكد التجربةالمعيشة توغلهم في الإخفاق أكثر من جنوحهم إلى بر النجاح منذ قبولهم تقرير مصير الثورة بمحاورة العسكر.تلك لخطة تاريخية استوجبت وجود قيادات أنفذ رؤية وأكثر جرأة وأشد وفاءًا لشعارات الثورة.هذه نفسها شروط تأهيل قيادات الخروج من تحت ركام الحرب وانقاض الأزمة . فإعادة بناء معمار سياسي حداثي يسبق حتما إعادة بناء الدولة .

 

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إعادة بناء

إقرأ أيضاً:

الإعلان الدستوري السوري: خطوة على طريق بناء الدولة الديمقراطية

#الإعلان_الدستوري_السوري: خطوة على طريق #بناء_الدولة_الديمقراطية

بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

وسط الخراب الذي خلّفه النظام المستبد الذي حكم سوريا لعقود، جاء الإعلان الدستوري السوري ليضع حجر الأساس لمستقبل جديد، يحمل معه قيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ووحدة التراب السوري، ومدنية الدولة. هذا الإعلان ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو تعبير صادق عن تطلعات شعبٍ قدّم تضحيات جسامًا لينتزع حريته، ويؤسس لدولة قائمة على العدالة والمساواة، بعيدًا عن الاستبداد والهيمنة الفردية.

من أبرز ما يميّز الإعلان الدستوري أنه يعكس إرادة شعبية حقيقية تسعى إلى إقامة دولة حديثة تُحترم فيها الحقوق والحريات، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون دون تمييز. لقد أرسى الإعلان مبادئ الديمقراطية كركيزة أساسية للحكم، من خلال التأكيد على سيادة الشعب، وحقه في اختيار ممثليه بحرية، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية قادرة على إدارة الدولة وفقًا لإرادة الشعب، وليس وفقًا لرغبات فردٍ أو حزبٍ متسلط.

مقالات ذات صلة تصاعد الخلافات بين نتنياهو ورئيس جهاز “الشاباك” بسبب هزيمة الـ”7 أكتوبر” 2025/03/14

كما شدد الإعلان على حماية حقوق الإنسان، وصون كرامة المواطن السوري، بعد عقودٍ من القمع والتهميش. لقد عانى السوريون من نظامٍ استبدادي صادر الحريات، وأقام دولته على الخوف والقمع، ولكن هذا الإعلان جاء ليعيد الاعتبار لكل من حُرم من حقوقه، ويؤسس لعهدٍ جديد تكون فيه الكلمة العليا للعدالة، وليس للأجهزة الأمنية القمعية.

لم يغفل الإعلان الدستوري عن أهمية وحدة سوريا، خاصة بعد محاولات التقسيم والتفتيت التي تعرضت لها البلاد خلال سنوات الحرب. فقد أكد الإعلان على أن سوريا دولة موحدة، لا تقبل التجزئة، وأن جميع مكوناتها متساوون في الحقوق والواجبات، مما يمهد الطريق لبناء دولة قوية متماسكة، لا مكان فيها للطائفية والانقسامات المصطنعة.

كما أرسى الإعلان مبدأ مدنية الدولة، وهو ما يشكّل قطيعة تامة مع النظام السابق الذي استغل الدين والطائفية لتعزيز سلطته. إن التأكيد على مدنية الدولة يعني أن سوريا الجديدة ستكون دولة يحكمها القانون، وتقوم على المواطنة، وتحترم التعددية، مما يفتح الباب أمام نظام ديمقراطي حديث، يستوعب الجميع دون إقصاء أو تهميش.

لقد كان أحد أكبر التحديات التي واجهت سوريا هو النظام البائد الذي دمّر المجتمع، وأضعف الدولة، وتركها عرضة للفوضى والانهيار. ولذلك، فإن الإعلان الدستوري يُعتبر خطوة أولى في اقتلاع جذور الاستبداد، وإقامة نظام جديد مبني على المؤسسات، وليس على حكم الفرد أو الحزب الواحد.

إن بناء مؤسسات الدولة الحديثة هو مفتاح الاستقرار والازدهار، وهذا الإعلان يضع اللبنة الأولى في هذا المسار. فبدون مؤسسات قوية، لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية، ولا عن اقتصاد مزدهر، ولا عن مجتمع متماسك. ولهذا، فإن تطبيق المبادئ التي وردت في الإعلان الدستوري سيسهم في تأسيس دولة قانون، يكون فيها القضاء مستقلاً، والسلطة التنفيذية خاضعة للمحاسبة، والمجتمع المدني شريكًا أساسيًا في بناء المستقبل.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن الدستور القادم يجب أن يأتي بصيغة أكثر ديمقراطية، تعكس بوضوح إرادة الشعب السوري، استنادًا إلى مبدأ أن السيادة للأمة باعتبارها مصدر السلطات. لا بد أن يكون هذا الدستور ضامنًا للفصل والتوازن بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، بحيث لا تتركز السلطة في يد جهة واحدة، مما يضمن عدم تكرار الاستبداد الذي حكم سوريا لعقود. إن تحقيق هذا التوازن هو السبيل الوحيد لمنع الطغيان، وضمان أن تكون الدولة قائمة على حكم القانون، وليس حكم الأفراد. يجب أن يتأسس الدستور الجديد على مبادئ الشفافية والمساءلة، بحيث يكون كل مسؤول في الدولة خاضعًا للمحاسبة، ولا يُسمح بأي شكل من أشكال الانفراد بالسلطة أو إعادة إنتاج أنظمة قمعية تحت أي مسمى.

إن هذا الإعلان، رغم كونه خطوة أولى، يمثل بارقة أمل لسوريا ولشعبها الذي عانى لسنوات طويلة. فهو يُعيد رسم ملامح المستقبل، ويضع خارطة طريق لبناء دولة تحترم حقوق مواطنيها، وتصون حرياتهم، وتحمي وحدتهم.

نأمل أن تكون سوريا الجديدة دولة يسودها العدل، وتُحترم فيها كرامة الإنسان، وتنطلق نحو مستقبل من التنمية والازدهار، بعيدًا عن الدمار الذي خلفه النظام البائد. إن بناء دولة حديثة ومستقرة يحتاج إلى جهود الجميع، وإلى إيمان راسخ بالمبادئ الديمقراطية التي أرساها هذا الإعلان.

سوريا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، والمسؤولية كبيرة في تحويل هذه المبادئ إلى واقع ملموس. فالإعلان الدستوري هو البداية، ولكنه يحتاج إلى إرادة حقيقية لترسيخ قيمه، وتحقيق أحلام السوريين في دولة عادلة، ديمقراطية، ومستقرة.
[10:25 م، 2025/3/14] د محمد تركي بني سلامة: عندما يصبح الفساد قاعدة والصمت الرسمي فضيحة أكبر!
بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة

في زمنٍ يُكافأ فيه الفاسد، ويُحارب فيه الشرفاء، نقرأ عن فضيحة مدوية تهز جامعة …، فتُضاف حلقة جديدة إلى مسلسل الانهيار الممنهج لمؤسساتنا الوطنية. جامعة … التي شُيّدت بدماء الأردنيين وعرقهم، والتي كانت يومًا منارة للعلم والفكر، تُساق اليوم إلى غرفة الإنعاش بسبب إدارة لا تُجيد سوى تكديس الديون، وإغراق المؤسسة في مستنقع المحسوبية والفساد.

رئيسٌ يدير جامعة … كما لو كانت مزرعته الخاصة، ديون تتضاعف بشكل مخيف، تعيينات مشبوهة، وابتعاثات تُفصّل على مقاس المحاسيب والأقارب، بينما يُحرم المستحقون الحقيقيون لأنهم لا يملكون واسطة أو اسمًا عائليًا نافذًا. والأدهى من ذلك، أن هذه القرارات تُصاغ في غرف مغلقة، لا تمر عبر المجالس الأكاديمية، وكأننا في دولة لا مؤسسات فيها، وكأن النزاهة أصبحت تهمة، والاستحقاق أصبح جريمة!

أما الدولة، فصامتة صمت القبور! هل هو العجز أم التواطؤ؟ هل هو الإهمال أم رسالة بأن الفساد مسموح، بل وربما مرحّب به؟! كيف تُترك جامعة … بهذا الحجم لتنهار أمام أعين الجميع دون مساءلة؟ كيف يتم تعيينات وابتعاثات على أسس الكيدية والمحسوبية دون تدخل؟

أمام هذه الكارثة، لدينا خياران لا ثالث لهما: إما أن تتحرك الدولة فورًا للتحقيق في هذه الفضيحة، وكشف جميع المتورطين، وتحويلهم إلى القضاء، أو أن يتم تكريمهم ومنحهم أوسمة في زمن الرداءة والتفاهة، كما يُفعل مع المفسدين في عصور الانحطاط. في كلتا الحالتين، نحن أمام لحظة فارقة؛ إما أن تُثبت الدولة أن هناك قانونًا يُطبّق، وأن المؤسسات الوطنية ليست للبيع، أو أن تُعلن صراحة أن الفساد هو النهج الرسمي، وأن على الأردنيين التعايش مع واقعٍ جديد عنوانه “البقاء للأكثر فسادًا.”

المؤلم أن جامعة … ليست وحدها في هذا النفق المظلم، بل هي نموذج لحالة عامة تسود مؤسسات الدولة، حيث يُكافأ الوصولي والانتهازي، ويُهمّش أصحاب الكفاءة. وما يحدث اليوم في هذه المؤسسة العريقة هو ليس مجرد فساد مالي أو إداري، بل هو اغتيالٌ لمستقبل أجيال قادمة، كانت تحلم بمؤسسة تنصفهم بالعلم والعدالة، لا بصفقاتٍ مشبوهة وابتعاثات على مقاس أبناء الذوات.

إذا لم تتحرك الجهات الرسمية اليوم، فإن الغد سيكون أسوأ، وسنقرأ عن مؤسسات أخرى تُدار بالعقلية نفسها، وسنشهد انهيارًا متسارعًا لمنظومة التعليم العالي بأكملها. فهل ننتظر حتى يتحول الفساد إلى عرف؟ أم أن هناك بقية من ضمير، بقية من دولة، قادرة على وقف هذا النزيف قبل فوات الأوان؟

جامعة … اليوم ليست مجرد مؤسسة، بل اختبار للدولة كلها. فإما أن تنتصر العدالة، أو أن نترحّم على آخر ما تبقى من مؤسساتنا الوطنية.

مقالات مشابهة

  • الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي تسهم بمليون درهم في حملة "وقف الأب"
  • الإعلان الدستوري السوري: خطوة على طريق بناء الدولة الديمقراطية
  • ثلاثية بناء الدولة: التعليم، العمل، والثقافة
  • "الشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة" تنظم مؤتمر الوقف والمجتمع
  • «الشؤون الإسلامية» تضيء على مسيرة رجل الإنسانية
  • «الشؤون الإسلامية» تنظم مؤتمر الوقف والمجتمع
  • الجامعة الإسلامية تطلق مبادرة “سواعد بناء” لدعم مشروعات الخريجين في تنمية بلدانهم ومجتمعاتهم
  • محافظ الغربية: بناء وعي الشباب قضية أمن قومي
  • باحث سياسي: اجتماع وزراء الخارجية العرب بالدوحة يدعم شرعية مفاوضات واشنطن وحماس
  • محلل سياسي: المملكة سعت منذ بداية اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لتخفيف التوتر .. فيديو