لماذا تكتسب المناظرات الانتخابية لرئاسيات إيران أهمية كبيرة؟
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
طهران- تصنف المناظرات التي يبثها التلفزيون الرسمي الإيراني مباشرة بين المرشحين لانتخابات الرئاسة كل 4 أعوام، بأنها البرنامج الأكثر مشاهدة. وتجمع المناظرات المرشحين، وتتسم عادة بالجدلية، وتظهر فيها بوضوح الاتجاهات المعاكسة للتيارات السياسية في إيران.
يقول الإصلاحيون إن المناظرات فرصتهم الوحيدة للتعبير عن آرائهم ومواقفهم عبر التلفزيون الرسمي الذي يهيمن عليه الأصوليون.
وتحتل المناظرات جزءا مهمّا من الذاكرة السياسية لدى الشعب الإيراني، فينتظرها في كل انتخابات رئاسية، وتفرغ الشوارع ويجلس الجميع أمام الشاشات، ويسمع صوتها من جميع أجهزة الإذاعة في إيران، وتخلق -بعد انتهائها- موجة كبيرة من النقاشات في المشهد الانتخابي.
وانطلقت مساء الاثنين 17 يونيو/حزيران أولى مناظرات الانتخابات الإيرانية المرتقبة بمحاور اقتصادية. وتحدث المرشحون الستة حول خططهم في الشأن الاقتصادي وأجابوا على أسئلة الخبراء.
وتنتظر إيران انتخابات رئاسية مبكرة من المقرر إجراؤها يوم 28 يونيو/حزيران الجاري، بعد أن رحل الرئيس إبراهيم رئيسي في 19 مايو/أيار الماضي إثر تحطم المروحية التي كانت تقله شمالي غربي البلاد.
ويتنافس في هذه الانتخابات 4 مرشحين أصوليين وهم محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي وعلي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، ومرشح إصلاحي وهو مسعود بزشكيان، ومرشح مستقل وهو مصطفى بور محمدي.
"ظاهرة" المناظرةورأى المحلل السياسي الإصلاحي مصطفى فقيهي أن المناظرات لعبت في دورات مختلفة من الانتخابات، دورا مهمّا في تحديد بنية التصويت في البلاد وأنتجت ظواهر مهمة، وعلى وجه الخصوص، وصلت إلى ذروتها في انتخابات 2009 و2013 و2017.
وتابع -في حديثه للجزيرة نت- أنه في عام 2021، وبسبب حالات الاستبعاد الواسعة وانخفاض المشاركة، وصل قبول برامج المناظرة إلى الحد الأدنى، ولكن مع تزايد التفاعل بين أفراد المجتمع بالأيام الأخيرة، يمكن التوقع أن تكون المناظرات المقبلة حاسمة، على غرار مناظرات عامي 2013 و2017.
ورأى فقيهي أن المناظرة الأولى، لم تكن مثيرة للاهتمام بسبب سوء تنظيمها من قبل التلفزيون، وتسببت في بعض الأحيان بالشعور بالملل لدى الجمهور، مشيرا إلى غياب أي تأثير من قبل المرشحين الأصوليين الأربعة. فالإيرانيون -يضيف فقيهي- يعرفون آراء قاليباف وأفكار جليلي الحادة والنمطية، ويعرفون أيضا لغة زاكاني الحادة، وكذلك وعود قاضي زاده المستحيلة، كوعده في الانتخابات السابقة بحل أزمة سوق الأوراق المالية خلال 3 أيام.
لكن آراء الناس كانت مغايرة تجاه الوجهين غير المألوفين، وهما: بور محمدي، الذي ظهر قويا جدا وأظهر أنه يكن احتراما كبيرا لقضايا البلاد، وبزشكيان الذي انتقد الوضع القائم، وفق المتحدث.
ورأى المحلل السياسي فقيهي أن بزشكيان كان الأنجح في المناظرة الأولى، وتوقع أنه سيظهر بشكل أفضل في المناظرات القادمة، وأنه سيتمكن من الفوز باستقطاب جزء من الأصوات الرمادية.
ارتفاع نسبة المشاركة
من جهة أخرى، أوضح أستاذ العلاقات الدولية محمد علي صنوبري، وهو أكاديمي يحمل أفكارا أصولية، أن المناظرة في الانتخابات الإيرانية تحمل خلفية نوستالجية (معاناة تسببها الرغبة غير المشبعة للعودة والحنين للماضي) بالنسبة للشعب وتذكر بانتخابات عام 1997 و2009.
واعتبر -في حديثه للجزيرة نت- أن أهم مناظرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية هي المناظرة الثنائية التي جمعت بين الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد والمرشح للرئاسة آنذاك مير حسين موسوي عام 2009، إذ حددت نتيجة الانتخابات وتركت آثارها في السياسة الإيرانية لسنوات.
وأضاف أنه بعد تلك المناظرة واعتراض بعض السياسيين على نتيجة الانتخابات وبالتالي حدوث أزمة 2009، قرر النظام أن لا تكون المناظرات ثنائية، بل تجمع كل المرشحين، كي يتجنب إيجاد القطبين المختلفين، معتبرا أن ذلك "قلل من نسبة المشاركة لكن في نهاية المطاف فالأمن القومي والاستقرار أهم من نسبة المشاركة".
وقال صنوبري إن تأثير المناظرات ودورها بالانتخابات الإيرانية كبير للغاية ولا مثيل له "فكلما حملت كلاما مهمّا ارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات".
مناظرة غير جدليةورأى أستاذ العلاقات الدولية أن المناظرة الأولى لم تعجب كثيرا من الإيرانيين، لا سيما أنها كانت حول الاقتصاد، وهذا الموضوع ليس شعبويا بل نخبويا، ومن جانب آخر، اعتاد الناس على مناظرات جدلية.
وفي تقييمه لمضمون المناظرة، قال صنوبري إن قاضي زاده أشار إلى ملاحظات عامة، بينما قدم قاليباف ملاحظات عملية، وقدم جليلي خطة لكنها قد لا تكون قابلة للتنفيذ، فيما حاول زاكاني أن يخلق اتجاهات معاكسة بالمناظرة.
بالمقابل، يضيف المتحدث، اعتمد بزشكيان "الشعبوية الخفية"، فيما كان بور محمدي الأقوى بالخطابة، لأنه رجل دين ولديه تجربة في حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، لكنه لم يتناول الموضوع الرئيسي (الاقتصاد) كثيرا. وخلص صنوبري إلى أن مناظرة الاثنين لم تكن جدلية ولم تقنع الشعب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات نسبة المشارکة
إقرأ أيضاً:
الفقر في ألمانيا مشكلة غابت عن الحملة الانتخابية!
كيل"أ.ف.ب": بعدما عملت لسنوات طويلة، تعاني الألمانية ريناته كراوزه من الفقر وهي على أبواب التقاعد، موضحة أنه من "الصعب" عليها احتمال "ازدراء" السلطات السياسية حيال الذين يعيشون في ظروف هشة.
وهذه المرأة البالغة 71 عاما هي من ضمن 13.1 مليون شخص يطالهم الفقر في القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، ما يعني شخصا من أصل سبعة بحسب الإحصاءات الرسمية.
وإذا ما أضيف إليهم عدد الأشخاص المهددين بالفقر، عندها يرتفع الرقم إلى 17 مليونا، إي خمس التعداد السكاني الإجمالي، معظمهم نساء عازبات وعاطلون عن العمل لفترات طويلة، وعدد متزايد من المتقاعدين.
غير أن ريناته كراوزه تشير إلى أن الأحزاب السياسية الكبرى التي تتنافس في الانتخابات التشريعية المقررة في 23 فبراير "تتجاهل بصورة إجمالية" هذا الموضوع، فيما تسيطر مسألتا الهجرة والأمن على الحملة.
وترى هذه الأم لأربعة أولاد التي التقتها وكالة فرانس برس في شقتها الصغيرة عند أطراف مدينة كيل على ضفاف بحر البلطيق، أن ذلك يعكس "حملة ضد الفقراء" من قبل بعض الأحزاب، ولا سيما المحافظين الذين يتصدرون نوايا الأصوات، باعتبارها الفقر "قدرا شخصيا لا يجب الأخذ به في أي قوانين".
قالت "استخدمت مداخيلي لتمويل حياتي وضمان تعليم جيد لأولادي".
وروت المرأة التي تتقن الخياطة والحياكة أنها بعدما كانت تعمل في مكتبة، قررت في الثمانينات العمل لحسابها ففتحت محلّ نسيج، ثم باعت منتجاتها في الأسواق.
لكن هذا لم يكن كافيا للاستثمار في تأمين خاص للتقاعد، وهو ما كان يجدر بها أن تفعل بصفتها عاملة مستقلة.
وبعد طلاقها عام 2001، وإصابتها بورم سرطاني في عينها حدّ من رؤيتها، تخلت عن حياتها النشطة في 2015، قبل بضع سنوات من سن التقاعد المحدد بـ67 عاما.
وهي تتقاضى من خلال معاشها التقاعدي الأساسي والمساعدات الاجتماعية 1065,91 يورو في الشهر، وهو مبلغ دون عتبة الفقر.
وبعد حسم الإيجار والتدفئة، يبقى لها 678,51 يورو. وهي تؤكد أن كل الكماليات التي تملكها الآن من تلفزيون وأدوات كهربائية اكتسبتها قبل انحدارها إلى الفقر.
وتوضح أن الفقر يجعل الشخص يعيش في عزلة. فلا يمكنها مثلا أن تجلس في مقهى لتناول فنجان قهوة، ولا سيما مع تزايد الأسعار بسبب التضخم. وبما أن عائلتها مبعثرة في أنحاء المانيا، لا يمكنها "زيارة أحفادها السبعة".
واعتمد زعيم المحافظين فريدريش ميرتس الذي يرجح أن يكون المستشار المقبل لألمانيا، خطا متشددا بشأن المساعدات الاجتماعية، مستهدفا بصورة خاصة "معاشا أساسيا" بقيمة 563 يورو يقدم للعاطلين عن العمل منذ فترة طويلة، إحدى الإصلاحات الرئيسية التي أقرتها حكومة وسط اليسار المنتهية ولايتها.
ومن بين حوالى 5,5 مليون شخص يتقاضون هذه المساعدة، هناك أكثر من 60% "ذوي أصول مهاجرة" بحسب البيانات الرسمية، وهي نسبة عالية مردّها أن العديد من اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا مؤخرا يستفيدون منها.
وجعل اليمين المتطرف من هذه الأرقام أحد محاور حملته.
واعتبر ميرتس أن هذه المساعدة سخية أكثر مما ينبغي وقال هذا الأسبوع إن "الذين لا يعملون في حين أنه يمكنهم مزاولة وظيفة لن يتلقوا مساعدة البطالة في المستقبل".
غير أن هذا يشمل عددا ضئيلا من الاشخاص بحسب ميكايل دافيد، عالم الاجتماع في منظمة "دياكونيه" الخيرية البروتستانتية، وأوضح "لا نحارب الفقر بمحاربة الفقراء" داعيا بالأحرى إلى أنظمة طويلة الأمد لإعادة دمج العاطلين عن العمل في الحياة النشطة.
وكان مجلس أوروبا وجه تحذيرا العام الماضي إلى برلين بسبب مستوى الفقر والتفاوت الاجتماعي في ألمانيا معتبرا أنه "غير متناسب مع ثروة البلد".
كما يواجه البلد الذي يعاني من شيخوخة سكانه، تحدي تزايد عدد المتقاعدين المهددين بالفقر. وقدرت دراسة نشرت مؤخرا بـ2,8 مليون نسمة عدد المعنيين من جيل "طفرة المواليد" (منتصف القرن العشرين) عند تقاعدهم بحلول 2035.
وغالبا ما تدلي ريناته كراوزه بشهادة في إطار "المؤتمر حول الفقر"، وهو ائتلاف منظمات غير حكومية ينشط من أجل التوعية في هذا المجال.
وإن كان العديد من الفقراء يعتزمون مقاطعة الانتخابات، فهي مصممة على القيام بـ"واجبها الديموقراطي" لأن "الذين لا يصوتون، فهم أذعنوا".