رائحة الكتب.. سيرة ذاتية وفكرية للقراءة
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
لا تزال المنافسة بين الورقي والإلكتروني لم تحسم بعد، لكل منهما قراؤه الذين يدافعون عنه بشراسة.
ولعل هذه المسألة يناقشها الكاتب والصحفي الإيطالي جيامبييو موغيني في كتابه "رائحة الكتب: تفاصيل حميمة في الثقافة الإيطالية"، حيث يقول: "إنها كتب وكتيبات من القرن العشرين، مغلفة بتغليف ورقي رقيق أو سميك، ويتكون كل منها من صفحات قليلة، أو مطويات مطبوعة من الجانبين.
يصف موغيني في هذا الكتاب الصادر عن دار المدى بترجمة دلال نصر الله أن ما يحدث اليوم من منافسة بين الورقي والإلكتروني يشبه جيش رقمي لم يصمم لاعتقال الأسرى، بل للتدمير والقتل، جيش دمر صناعة التسجيلات، التي كانت جوهرية في الستينيات والسبعينيات. كما خرب ودمر التصوير والمصورين، ودور النشر التي أصدرت الصحف اليومية، والمجلات الأسبوعية، كما دمر الصحفيين الذين كتبوا في تلك المطبوعات، ساء حال الكتب، وأغلق أصحاب المكتبات المستقلة أبواب متاجرهم.
سيرة للقراءةكل ذلك، لم يثن موغيني عن المغامرة بتحرير كتاب هو عبارة عن سيرة للقراءة أو عملية توثيق للأعمال الأدبية الإيطالية التي صدرت منذ أمد طويلة ولم يتبق منها إلا عدد قليل من النسخ.
وفي خضم الصراع بين الورقي والإلكتروني، أجرى العاملون في دار مارسيليو للنشر عملية حسابية ووجدوا أن 25% من مشتري الكتب في إيطاليا قد اختفوا إلى الأبد، لن يعودوا وليس لهم أثر.
وتحدث موغيني عن ردة فعل دار بومبياني عندما تقدم لها بهذا الكتاب الذي هو عبارة عن دليل للكتب الإيطالية ومن إصدارات القرن العشرين، ولكن مع إضافة تعليق يشبه أسلوب التقارير الرياضية على التلفزيون، لأنه يؤمن أن تقديم الكتاب الورقي للعالم والترويج له، بما يضمن له نجاحا، يشبه الفوز في مباراة رياضية.
ويضيف: "الكتب الموجودة في الكتاب لم أخترها لشهرتها وانتشارها فقط، بل لخطورتها، ولأن أغلب الناس قد هجروها، فهل سيهتم بها أحد؟".
يؤمن موغيني بأنه لا يوجد توثيق أكثر تأثيرا من تذكر لحظات قراءاتنا لتلك الكتب، ومقابلة كُتابها أحيانا. مع كل قراءة يُكتشف شيئا جديدا، ويصبح المرء أكثر وعيا بالعالم والمجتمع المحيط بي.
ويتابع: "اخترت كتبا قرأها قلة قليلة من الناس، تركز أحيانا على أشخاص مهمشين، لا يمكن نبذهم في كل الحالات".
يرى موغيني أن الكثير من الكتب المهمة في تاريخنا الثقافي لم تلق رواجا في البداية، ابتاعها عدد قليل من الناس على سبيل المثال كتاب "ميناء مردوم" الذي يعتبر من أبرز كتب الشعر الإيطالي الحديث للشاعر جوسيبي أوناغريتي، نشر عام 1916، وطبع منه 80 نسخة.
إن معيار تقييم نجاح الكتاب يختلف اليوم اختلافا تاما، ذلك أن نجاح الكتاب يتحدد بمبيعاته، ووجوده في لائحة الكتب العشرة الأكثر مبيعا لهذا الأسبوع أو الشهر، وهذا معيار لم يهيمن على سوق النشر فحسب، بل على الرأي الثقافي السائد.
حياةومن الروايات التي تحدث عنها موغيني، رواية "حياة" للكاتب إيتالو سفيفو، التي تعد أول رواية في ثلاثية كتبها على مدار 30 عاما من حياته، وتعتبر ركيزة أساسية في روايات القرن العشرين الإيطالية. ويكاد يكون العثور على نسختها الأولى من المستحيلات.
وعندما لم يرغب الناشرون في مدينة ترييستا معرفة أي شيء عن تفاصيل كتابتها، دفع إيتالو سفيفو ثمن ألف نسخة من جيبه الخاص، وللأسف لم يبع منها إلا عدد قليل.
أهدى الكاتب جزءا من النسخ للأصدقاء، لكن يبدو أن لا أحد اهتم بالرواية، وباقي النسخ احتفظت بها العائلة في قبو المنزل وتمزقت أثناء قصف التحالف للمدينة العام 1945. والنسخة الوحيدة التي عثر عليها موغيني من بائع كتب في مدينة ترييستا، كان يحتفظ بها باعتبارها رواية عظيمة من وجهة نظره، وقرر بيعها فقط لأن موغيني كتب كتابا عنوانه "ترييستا وقضية سفيفو".
ويحدثنا موغيني عن كتاب لا تعرف طريقة حمله، ولا طريقة قراءته، هل سنقرؤه لأنه أثر باقِ من فاشية مهلكة في العشرينيات والثلاثينيات وهو كتاب "الوكر" للكاتب جوسيبي باغانو، رئيس الحركة المعمارية العقلانية، الذي بدأ عضوا في الحزب الوطني الفاشي ليموت في معتقل للنازية قبل وقت قصير من نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويذهب الكاتب بعيدا في تشريح تأثير الفاشية، التي في عامها الـ11 ولدت في كنفها إحدى أجمل المجلات الإيطالية في القرن العشرين من مجموعة طابعات وفناني التصميم من خلال إستوديو في ميلانو، حيث نشأت مؤسسات ربطت مختلف أنواع الذائقة المعاصرة.
رسائليعترف موغيني، أن أهم قراءاته كانت في عمر الـ19 في غرفة صغيرة في منزل جده، وهنا يشير إلى أن كتاب "رسائل من السجن" للكاتب أنطونيو غرامشي أحد أهم تلك الكتب التي بالإمكان أن نطلق عليها "الكتاب الذي غير حياتي بلا مبالغة، وترك فيها بصمة لن تزول".
ويصف الكتاب الأول "فلسفة الحرية" للكاتب أمبرتو إيكو الصادر عام 1958، وهو عبارة عن كتاب صغير الحجم يتضمن عدد من المقالات وطبع منه 500 نسخة بأنه كتاب جاد وظريف يسرد فيه إيكو تاريخ فلاسفة الغرب بمقاطع شعرية. إيكو يعرف قصة الفلاسفة ويشبعها أثناء سردها بكمية هائلة من السخرية. هنا ويطرح موغيني سؤاله حول الكتاب، فيقول: كتاب لا تعرف ما الأهم فيه، إلمام الكاتب بالمحتوى، أم تهكمه عليه؟
"رائحة الكتب: تفاصيل حميمة في الثقافة الإيطالية" رحلة أدبية تغوص في تفاصيل وحكايات عن أدب إيطاليا وثقافتها على امتداد القرن العشرين، رحلة يحاول خلالها موغيني مطاردة النسخ الوحيدة المتبقية من روايات شكلت جزءا من تكوينه المعرفي، وفي الوقت ذاته كانت شاهدة على التحولات المختلفة التي مرت بها بلاده، وهي كتب لم تحظ بشهرة كبيرة في الإعلام وتواجه اليوم عصر الرقمنة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القرن العشرین
إقرأ أيضاً:
ما علاقة المافيا الإيطالية بإيقاف تشالهان أوغلو وإنزاغي؟
قال الاتحاد الإيطالي لكرة القدم -الخميس- إنه عاقب سيموني إنزاغي مدرب إنتر ولاعب الوسط هاكان تشالهان أوغلو بالإيقاف مباراة واحدة مع فرض غرامة مالية على إنتر وغريمه المحلي ميلان بسبب علاقاتهم بمشجعين متعصبين.
وتأتي العقوبات الرياضية بعد أن شهد سبتمبر/أيلول من العام الماضي اعتقال 19 من مشجعي كرة القدم البارزين المرتبطين بناديي إنتر وميلان مع الاشتباه في أن العديد منهم على صلة بمافيا ندرانجيتا، أكبر عصابة جريمة منظمة في أوروبا.
وتعني هذه العقوبات غياب إنزاغي عن مقاعد البدلاء وغياب شالهان أوغلو عن صفوف إنتر أمام ضيفه فيرونا يوم السبت المقبل.
ويحتل إنتر، حامل اللقب، المركز الثاني في دوري الدرجة الأولى الإيطالي، بفارق 3 نقاط خلف نابولي المتصدر.
وفُرضت غرامة قيمتها 70 ألف يورو (79 ألف دولار) على إنتر بسبب القضية، كما جرى تغريم ميلان 30 ألف يورو.
وقال الاتحاد في حيثيات قراره إن العقوبات فُرضت بسبب وجود علاقات مع مجموعات مشجعين غير مرخص لها مثل "كورفا نورد" الداعمة لإنتر و"كورفا سود" التابعة لميلان.
وقالت صحيفة "لا غازيتا ديلو سبورت" الإيطالية إن العقوبات جاءت بعد مفاوضات تضمنت اعترافات من المتورطين للسلطات الرياضية.
إعلانوإلى جانب إيقافه لمباراة واحدة، يتعين على شالهان أوغلو دفع غرامة 30 ألف يورو، بينما جرى تغريم إنزاغي 15 ألف يورو.
وكان خافيير زانيتي، الذي لعب في صفوف إنتر لمدة عقدين ويشغل الآن منصب نائب رئيس النادي، من بين الذين عوقبوا أيضا، إذ جرى تغريمه 14 ألفا و500 يورو.