تشعر القومية الهندوسية بالحنين إلى عصر ذهبي سابق على المسلمين والاستعمار البريطاني، لم يكن له وجود قط، وهي ترى أن وضع ورثة الأمة لا يستحقه إلا من يرون الهند أباهم وأمهم وأرضهم المقدسة، لا من يتذبذب ولاؤهم كالمسلمين الذين لديهم أماكن مقدسة في بلاد أخرى.

بهذه الجمل لخصت مجلة لوبوان ما رست عليه الأيديولوجية الهندوسية الحديثة، منطلقة من خطاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في افتتاحه معبدا هندوسيا ضخما مخصصا لـ"رام لالا" في مدينة أيوديا، ليجعل بحضوره من بناء هذا المعبد لحظة تأسيسية في تاريخ الجمهورية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2دبلوماسي إسرائيلي: هذا ما يمكن أن يفعله حزب الله بنا في 3 أيامlist 2 of 2هل ستغير حكومة جنوب أفريقيا الجديدة موقفها من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟end of list

كان في موقع هذا المعبد -حسب مقال الكاتب أنويش ساتباثي الذي ترجمته المجلة- مسجدا من العصور الوسطى بني في عهد الإمبراطور المغولي بابور، وهو موضع نزاع قديم بين المسلمين والهندوس، حيث أخذ المسجد في البداية مكان معبد رام، وفي نهاية الثمانينيات، جعل حزب بهاراتيا جاناتا (الحاكم الآن) منه قضية سياسية كبرى وقام بتعبئة حركة جماهيرية انتهت في عام 1992 بأعمال شغب وتدمير المسجد، لتصدر المحكمة العليا الهندية حكما يسمح بإعادة بناء المعبد.

غير أن هذا المبنى في حد ذاته لم يكن ليثير الكثير من القلق لو لم يترأس مودي حفل افتتاحه، ليجعل منه بوضوح لحظة تأسيسية في تاريخ الهند، وحتى لا ينظر إلى رام باعتباره إلها دينيا فحسب، بل ليكون تجسيدا لأسس الهند ومعبدها وضميرها الوطني.

رؤية للتاريخ والهوية

وأبرز مودي في خطابه رؤية للتاريخ والهوية الوطنية مستوحاة من أيديولوجية قومية هندوسية تعود أصولها إلى الفترة الاستعمارية، وكان رام موهان روي، الفيلسوف والمصلح الاجتماعي الذي عمل في شركة الهند الشرقية، أحد مهندسيها الرئيسيين.

في ذلك الوقت، كان المبشرون الإنجيليون، مثل الأسكتلندي كلوديوس بوكانان، يصفون الهندوسية بأنها ديانة بدائية متعطشة للدماء، وخالية من أي بوصلة أخلاقية.

وبالغ بوكانان في تصوير الأبعاد الجنسية والخرافية للمجتمع الهندوسي، وصور الهندوس كعباد لمولوخ، وهو إله كنعاني كان لا يرضيه إلا قرابين الأطفال، مشيرا إلى ممارسات بدائية أشدها تطرفا "ساتي" التي تفرض إحراق الأرامل حيات في محارق جنازات أزواجهن.

وقد سعى روي إلى التوفيق بين النصوص المقدسة الهندوسية والحداثة، وأصبحت ممارسة ساتي محظورة عام 1829، إلا أن تأثير المسيحية عليه كان بارزا، رغم أنه مجّد كتاب الفيدا، واعتبر أن الهندوسية في شكلها الأصلي كانت توحيدية وقائمة على المساواة بشكل عميق، مما دفعه إلى الدفاع عن إصلاح المجتمع الهندوسي وحرية الصحافة وحقوق المرأة.

وحث روي على العودة إلى العصر الفيدي الذهبي، وهو الوقت الذي كان فيه الدين خاليا من الخرافات، ولكن هندوسيته التي شكلت رفضا للمسيحية الإنجيلية، ظلت تفتقر إلى العنصر المركزي الذي سيحدد لاحقا القومية الهندوسية -حسب الكاتب- ألا وهو الشك العميق في المسلمين.

دور اليهود الألمان

ولم تتبلور القومية الهندوسية بالشكل الذي نعرفه اليوم إلا في بداية القرن العشرين، كرد فعل على المهاتما غاندي ورغبته في توحيد المجتمعات الهندوسية والمسلمة من خلال دعم حركة الخلافة التي عارضت السلطات البريطانية وحربها ضد الإمبراطورية العثمانية.

وكانت كتابات الهندي في. دي. سافاركار هي التي شكلت أساس القومية الهندوسية المعاصرة، وخاصة في كتيبه "أساسيات هندوتفا"، الذي اعتبر فيه أن ورثة الأمة هم فقط من ينظرون إلى الهند باعتبارها أباهم وأمهم وأرضهم المقدسة، مقصيا المسلمين والمسيحيين لأن لديهم أرضا مقدسة في أماكن أخرى.

وقد اعترف سافاركار بالمسيحيين كأقليات مدنية دون "مخططات سياسية خارج الحدود الإقليمية"، ورأى في الزرادشتيين مجتمعا مواليا للهند وقريبا من الهندوس بلغتهم وثقافتهم ودينهم، فكان هدفه الوحيد السكان المسلمين الذين رأى أن ولاءهم يتذبذب.

وقد أصبح سافاركار معاديا للمسلمين لأنه اشتبه في ولائهم المزدوج، وبإلهام من الحركات القومية الأوروبية، اعتقد أن الهند يجب أن تكون أرضا متجانسة، يتحد سكانها في عبادة البلاد مؤلّها بذلك الأمة، في تناسق مع عقيدة الفاشية عند بينيتو موسوليني، باعتبارها خلق أسطورة الأمة وإخضاع كل شيء آخر لخدمتها.

ورأى سافاركار في خطاب ألقاه عام 1937 لحزبه السياسي المهاسابها الهندوسية، أن الأمة بحاجة إلى العودة إلى أغلبيتها الديموغرافية، وقارن المسلمين الهوند باليهود الألمان، وحذر من أن المسلمين سيلعبون دور اليهود الألمان مع تعزيز الهوية الهندوسية.

وقد دعا بهاي بارماناند رفيق سافاركار المقرب، إلى جعل هذا الخطاب بمثابة "كفاحي"، والنظر إلى سافاركار على أنه "الفوهرر"، وكتب بي إس مونجي، وهو زعيم آخر من حزب سافاركار "إن فكرة الفاشية تسلط الضوء على الوحدة بين الناس. إن الهند، وخاصة الهند الهندوسية، تحتاج إلى مثل هذه المؤسسة من أجل التجديد العسكري للهندوس".

دولة الحزب الواحد

وعندما انبثقت حركة بهاراتيا جانا سانغ (سلف حزب بهاراتيا جاناتا) من منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، حاولت إعطاء شكل مختلف قليلا من القومية الهندوسية، يمكنه التعايش مع حكومة العلماني والاشتراكي جواهر لال نهرو، في وقت كان فيه الاعتدال، ولو سطحيا، ضروريا للبقاء السياسي.

واليوم، لا تستغل القومية الهندوسية كراهية الآخرين فحسب، بل إنها تشعر بالحنين إلى العصر الذهبي الأسطوري، الذي يؤكد للهندوس أن مشاكلهم الحالية تنبع من أعمال النهب التي ارتكبها الغزاة التاريخيون، المسلمون أولا ثم البريطانيون.

 ميهتا: القوميون الهندوس لا يريدون دولة ثيوقراطية وإنما يريدون دولة تشبه الصين، دولة الحزب الواحد، حيث التوافق الإيديولوجي الكامل حتى لا يجادل أحد في أن الهند أمة هندوسية.

وقد اعتبر مودي أن القومية الهندوسية تتطلب من الهنود أن يتبنوا موقفا روحانيا عميقا تجاه الأمة، وقد حث في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح معبد رام، الهنود على احتضان البلاد في وعيهم بالألوهية، وقدم المعبد كأساس للهند للسنوات الألف القادمة.

ومع ذلك، فإن القوميين الهندوس لا يريدون دولة ثيوقراطية، بل كما أشار الأكاديمي براتاب بهانو ميهتا، يريدون دولة تشبه الصين، دولة الحزب الواحد، حيث التوافق الأيديولوجي الكامل حتى لا يجادل أحد في أن الهند أمة هندوسية.

وعلى النقيض من أنصار الدولة الفاشية، الذين يسعون إلى فرض النظام من خلال إبادة أعدائهم، يريد القوميون الهندوس أن تظل الهند في حالة صراع دائم، لأنه من دون ذلك، ومن دون أعداء داخليين يشيطنونهم، تنهار أيديولوجيتهم في لحظة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات یریدون دولة أن الهند

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يُهدِي رئيس الوزراء الماليزي درع «حكماء المسلمين»

استقبل فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الخميس بمقر إقامة فضيلته بمملكة البحرين، السيد أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، لبحث سبل تعزيز التَّعاون المشترك.

وفي بداية اللقاء، قال رئيس الوزراء الماليزي، "نقدِّر دعوة فضيلة الإمام الأكبر لعقدِ هذا الحوار في هذا التوقيت المهم، وحرص فضيلته على مشاركة كلِّ المذاهب الإسلامية دون إقصاء لأي طرف، لقد استمعت لكلمتكم في افتتاح مؤتمر الحوار الإسلامي - الإسلامي، وطلبت ترجمتها إلى اللغة الماليزية لتعميمها على الوزارات والهيئات ذات الصلة، والمساجد والمؤسسات الإسلامية في بلدنا، هذه الكلمة تحدثت عما يفترض مناقشته وهو "الخطوة التالية" للمؤتمر، وما يجب علينا فعله لترجمة كل ما يتم تناوله في جلسات الموتمر على أرض الواقع؛ لتستفيد الأمة بأكملها من هذا العمل المهم".

وأكَّد أنور إبراهيم، استعداد ماليزيا لدعم كل مخرجات مؤتمر الحوار الإسلامي - الإسلامي، وضمان وصول رسالته والتعريف بها عالميًّا، وبخاصة في دول جنوب شرق آسيا، مؤكدًا حرص بلاده للعمل على وحدة الأمة ونبذ الفرقة والشقاق، مصرحًا "فضيلتكم لديكم مصداقية ومكانة كبيرة والجميع يحترمكم ويقدركم في العالم الإسلامي، وعلينا الاستفادة من ذلك وتسخير هذه المكانة لإقناع عموم المسلمين بأهميَّة الحوار والتقارب بين كل المذاهب الإسلامية، وغلق الأبواب في وجه كل مَن يريدون تمزيق الأمة وتشتتها عن أهدافها".

من جانبه، قال فضيلة الإمام الأكبر، إنَّ وحدة المسلمين هي الحل الأوحد لاستقرار الأمة ونهوضها واستعادتها لثقتها، وقدرتها على مواجهة كل الأزمات مهما بلغت حدة شوكتها، وهو ما شجَّعنا لعقد هذا المؤتمر الذي يلامس طرفا علمائيًّا، متعلِّق برؤية الآخر، وهو بُعدٌ مُهمٌّ ومؤثِّرٌ في تصور الآخر في عقول مَن يعتنقون مذهبًا مختلفًا، هذا الطرف القادر للعبور بالأمة إلى بر السلام، والتأثير في السلوكيات وتبني أفكار التقارب والحوار والوحدة بين كل مدارس الفكر الإسلاميَّة، والقضاء على توظيف الدين في المعتركات والصراعات التي تستهدف شق وحدة الشعوب، مشيرًا إلى قدرة المجتمع العلمائي على وضع ضوابط ومحددات للحوار، ويبقى التعويل على السياسيين في إيجاد آلية للتنفيذ.

وأكَّد شيخ الأزهر ضرورة تنسيق الجهود، وفتح قنوات الحوار بين علماء الدين والقادة السياسيين، لا بدَّ من تغليب الأخوة الإسلامية ومستقبل الأمَّة على المصالح السياسية الوقتية، وأن يجمع العالم الإسلامي مشروع موحد، مؤكدًا أنَّ الوحدة هي الجدار الذي لن يستطيع أحد أن يدق فيه مسمارًا واحدًا، وبدونها لن يستطيع أي طرف أن ينهض مهما بلغ من القوة والتقدم، فالشِّقاق مرض وضعف لن يعالجه إلا الاتحاد والحوار والإيمان بحتمية المصير المشترك بين كل أبناء الأمة، ولنا في قضية فلسطين وغزة العبرة والعظة، فما يحدث الآن من قتل للأبرياء والأطفال لأكثر من 16 شهرًا، ومخططات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، لم يكن كل هذا ليحدث لو كان هناك وحدة إسلامية حقيقية.

وفي نهاية اللقاء، أهدى شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين رئيس الوزراء الماليزي درع «حكماء المسلمين» تقديرًا لجهوده في خدمة الإسلام ودعم قضايا الأمة.

مقالات مشابهة

  • لاعب الهلال السوداني: لا يوجد منافس للأهلي في أفريقيا
  • شيخ الأزهر يُهدِي رئيس الوزراء الماليزي درع «حكماء المسلمين»
  • تقرير يحذّر من ارتفاع في جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا
  • مصطفى وزيري يرد على وسيم السيسي: لا يوجد وادي ملوك آخر في أطفيح
  • بفستان ذهبي.. أحدث ظهور لبوسي بإطلالة أنيقة
  • سارة الطوخي لبودكاست «يبان عادي»: لا يوجد مقاييس ثابتة للجمال
  • المالية النيابية: العقوبات الأمريكية ستفاقم أزمة الدولار.. ولا يوجد خطة حكومية
  • هل يوجد فن منحطّ؟ النازية كانت ترى ذلك وفرنسا تفْرد له معرضا خاصا في متحف بيكاسو في باريس
  • شيخ الأزهر يحذر من بث الفرقة بين المسلمين: "خطر على أبناء الأمة"
  • عاجل| لافروف: اتفقنا مع الجانب الأميركي على تهيئة الظروف لاستعادة تعاوننا بالكامل