ذهب الصحابي الجليل حكيم بن حزام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه من الأموال، فأعطاه. ثم سأله مرة ثانية، فأعطاه. ثم سأله مرة ثالثة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال له مُعلِّمًا: (يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حلو (أي أن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوة اللذيذة).

فمن أخذه بسخاوة نفس (بغير سؤال ولا طمع) بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبَارك له فيه.

وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا (التي تعطي) خير من اليد السفلي (التي تأخذ). “متفق عليه”.

فعاهد حكيم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يأخذ شيئا من أحد أبدا حتى يفارق الدنيا. فكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يطلبه ليعطيه نصيبه من المال، فيرفض أن يقبل منه شيئا، وعندما تولى عمر -رضي الله عنه- الخلافة دعاه ليعطيه فرفض حكيم، فقال عمر: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء (الغنيمة)، فيأبى أن يقبله.

وهكذا ظلَّ حكيم قانعًا، لا يتطلع إلى المال بعد نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تعلَّم منها ألا يسأل أحدًا شيئًا؛ حتى إنه كان يتنازل عن حقه، ويعيش من عمله وجهده

المصدر: النهار أونلاين

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

وهج الزهد.. حين تضيء القناعة طريق الحياة الزوجية

 

 

 

محمد حسين الواسطي **

 

في زحمة الحياة المعاصرة - حيث تتشابك الأحلام مع الطموحات، وتختلط القيم بالمظاهر - يقف الإنسان حائرًا أمام سيل من المغريات المادية التي تغشي البصر عن نور البساطة والاعتدال. «حفلات الزواج» هذه المناسبات التي كان يفترض أن تكون واحة للفرح الصادق، أضحت للأسف مسرحًا للبذخ والتفاخر؛ حيث تقايض السعادة الحقيقية بمظاهر زائفة لا تدوم.

«الزهد» هو ذلك المنهج الذي يحرر القلب من التعلق بالماديات، ويجعله أكثر قربًا من القيم الإنسانية والروحية. فهو ليس فقرًا ولا حرمانًا؛ بل هو فن التوازن بين الروح والمادة، هو إدراك أن السعادة ليست فيما نملك؛ بل فيما نعيش. 

وإن الدعوة إلى تطبيق مفهوم الزهد الذي دعانا الله ورسوله إليه لا تعني التقشف، ولا البخل، ولا التقتير، ولا التضييق على الأهل والعيال، فهذه صفات مذمومة في منظومتنا الأخلاقية؛ بل المقصود هو التحرر من التعلق المفرط بالماديات، والبعد عن الإسراف والتبذير، مع التمتع بنعم الله باعتدال وحكمة.

نحن اليوم أمام واقع يشهد فيه الزواج تحولًا من رباطٍ مقدسٍ إلى منافسة اجتماعية؛ حيث تنفق الأموال الطائلة على ليلة واحدة، وتثقل كاهل الأسر بأعباء الديون. كم من شاب أضناه البحث عن الاستقرار، وكم من عروس تألمت لأن فرحتها أحيطت بأعباء مالية لا تنتهي! 

علينا أن نذعن بأن جوهر الزواج يكمن في النفوس المتآلفة، لا في الموائد المترعة، وفي المحبة الصادقة، لا في البريق الخادع. فليست حفلات الزواج مقياسًا لقيمة الحب؛ بل هي انعكاس لحالة من التفاهم والانسجام بين روحين اختارتا أن تسيرا معًا في درب الحياة. وما أجمل أن نعود إلى جوهر هذه المناسبات؛ حيث يكون الفرح في القلوب لا في الأضواء، وحيث تكون البساطة عنوانًا للبركة. 

وكما قال الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77] وقال أيضًا: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 27] فكيف لمن يسرف ويبذر في ليلة واحدة أن يحسن كما أحسن الله إليه وكيف له أن يبرر هذا التبذير وهو يعلم أن الله لا يحب المفسدين.

نعم؛ السعادة الحقيقية لا تقاس بما نملك؛ بل بما نحمله من رضا وقناعة. وكما قال أبو العتاهية (130هـ -211 هـ): 

لَيسَ عَلى المَرءِ في قَناعَتِهِ // إِن هِيَ صَحَّت أَذىً وَلا نَصَبُ 

مَن لَم يَكُن بِالكَفافِ مُقتَنِعًا // لَم تَكفِهِ الأَرضُ كُلُّها ذَهَبُ 

لذلك نؤكد أن القناعة هي الأساس لحياة مليئة بالبركة والسكينة. ومن الضروري أن نؤمن بأن العودة إلى النظرة الزاهدة المعتدلة إلى الحياة وتطبيقها في حفلات الزواج ليست رجعية؛ بل هي استعادة للتوازن، وإحياء لقيم فطرية تجعل الحياة أكثر سكينةً وبهجة. فالزواج ليس استعراضًا للأموال؛ بل هو ميثاق غليظ، وأساسه المودة والرحمة، لا الإسراف والتفاخر. إنه فن تحقيق السعادة الداخلية من خلال القناعة والرضا، لا من خلال الخيلاء والتفاخر. 

والمعنى الحقيقي للزهد قد اختصرته هذه الآية العظيمة: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: 23] فكم من إنسان يبالغ في الإنفاق، لا لأنه بحاجة إلى ذلك؛ بل لأنه يريد أن يظهر للناس مظهر الغنى والتفاخر، فيسرف في حفلات الزواج والمناسبات فقط ليقال إنه فعل، ولكن هل حقًا هذا ما يجلب السعادة أم أن السعادة تكمن في البساطة والرضا.

لنتأمل في حقيقة أن الحياة الحقيقية لا تقاس بما نجمعه من أموال أو مظاهر؛ بل بما نزرعه في قلوب الآخرين من خير وحب فما أجمل أن نجعل من حفلات زواجنا نموذجًا للاعتدال؛ حيث تكون كل لحظة فيها شهادة على قيمنا، وكل تفصيل فيها انعكاسًا لروحنا لنخرج من قيد الإسراف إلى رحابة الزهد، ومن عبودية المظاهر إلى حرية الجوهر.

الفرح الحقيقي لا يشترى، والبركة لا تباع، والسعادة الحقيقية تبنى على أرضية من الحب الصادق، والاحترام المتبادل، والاعتدال في كل شيء فلنكن نحن التغيير الذي نريد أن نراه في مجتمعنا، ولنجعل من حفلات الزواج فرصة لإظهار قيمنا النبيلة، لا لتكريس عاداتنا المرهقة لأن السعادة الحقيقية هي تلك التي تنبع من الداخل، وتضيء طريقًا طويلًا من الحياة المشتركة، بعيدًا عن وهج الأضواء الزائل.

** كاتب عراقي

مقالات مشابهة

  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
  • سنن ليلة الجمعة الثابتة .. 8 أمور أوصى بها النبي
  • علي جمعة: قراءة السيرة والصلاة على النبي وتدبر القرآن مفاتيح محبة وتعظيم رسول الله
  • علي جمعة: قراءة السيرة والصلاة على النبي وتدبر القرآن مفاتيح محبة وتعظيم الرسول
  • في عيد العمال.. كيف حث سيدنا النبي على إعطاء حقوقهم؟
  • دعاء لمن تعسر عليه الرزق .. احرص عليه يرزقك الله من حيث لا تحتسب
  • دلّنا عليها النبي.. 4 أعمال عظيمة ثوابها وأجرها مثل الحج والعمرة
  • دعاء تسهيل الأمور الصعبة وقضاء الحاجة.. احرص عليه في جوف الليل
  • ماذا فعل النبي عند العواصف الترابية والرياح .. تأسوا بسنته الشريفة
  • وهج الزهد.. حين تضيء القناعة طريق الحياة الزوجية