ايادٍ خفية لا تريد الإعمار والبناء فيها.. حمى الفساد تستنزف 1500 مليار دينار من خزينة بابل
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
بغداد اليوم - بغداد
اكد النائب امير المعموري، اليوم الاربعاء (19 حزيران 2024)، بان محافظة بابل خسرت 1500 مليار دينار بسبب حمى الفساد المتغلغلة في مؤسسات الدولة.
وقال المعموري في حديث لـ "بغداد اليوم"، ان "بناء الدولة الصحيح يبدا من مكافحة الفساد التي لا تقل خطورة عن الإرهاب بل هي مسار لخلق الفوضى واستنزاف خيراتها ونهب المال العام بطرق مختلفة وهذا ما تعانيه المحافظات ومنها بابل".
وأضاف ان " بابل ووفق قراءتنا خسرت 1500 مليار دينار بسبب حمى الفساد والتي اخذت اشكالا متعددة منها تخصيص قطع ارضي مميزة في شوارع تجارية مهمة لأشخاص رغم انها قيمتها تصل الى مليارات الدنانير"، لافتا الى ان "بعضها تم إيقافه وفتح تحقيق من قبل النزاهة لان كل الاليات التي اعتمدت مخالفة قانونيا".
وأشار الى ان "كشف الشبكات الفاسدة التي تتلاعب بمقدرات بابل ونهب خيراتها ومنها الأراضي تحتاج الى تضافر الجهود لان ما يحدث هو تخريب متعمد والسعي الى بقاء الأوضاع دون اي تغير حقيقي"، مؤكدا ان "هناك ايادٍ خفية لا تريد الاعمار والبناء في هذه المحافظة وما كشفنا من ملفات فساد كبير وخطير ويحتاج الى جهد حكومي من قبل الفرق الرقابية في كشف كل خفاياه واحالة المتورطين للقضاء العراقي".
وكان استاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام الفيلي، اكد الثلاثاء، (18 حزيران 2024)، ان رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني تقدم على أسلافه من رؤساء الوزراء السابقين بمجال مكافحة الفساد.
وقال الفيلي لـ "بغداد اليوم"، انه "وضمن استراتيجية مكافحة هدر المال العام هو المتابعة الحثيثة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني بأكثر من مفصل من مفاصل الدولة"، مبينا ان "هذا أحرج الكثير من حلفاءه الذين لم يقنعوا بهذا الاتجاه وأصبح الخلاف واضحا، خاصة ان السوداني حد من موازنة المحافظات لمنع استغلالها سياسيا وانتخابيا خلال انتخابات مجلس النواب المقبل لمنع اي شبهات فساد او هدر بالمال العام".
وأضاف، ان "هيئة النزاهة أغلقت الكثير من أبواب هدر المال العام من خلال المحاسبة والمساءلة لكبار المسؤولين، لكن نحن بحاجة لمحاسبة كبار الرؤوس التي لغاية الآن لم تحاسب ولم يطبق بحقها من أين لك هذا".
وبين ان "الوقوف بوجه مافيات الفساد مسؤولية تضامنية تشمل القوى التي تعلم من هو الذي يساهم في هدر المال العام وسرقته والى الآن بعض القوى السياسية لم ترتق إلى مستوى محاسبة الفاسدين، بل تلك القوى تدعم مافيات الفساد".
واكد استاذ العلوم السياسية، ان "السوداني يواجه تحديا كحال أي رئيس وزراء سابق او قادم في مواجهة مافيات الفساد بسبب الحماية السياسية لتلك المافيات بل بعض الأطراف تحاول استخدام الشارع العراقي من اجل الوقوف بالضد من عمليات مكافحة الفساد بشكل او بآخر".
وختم الفيلي قوله ان "السوداني لديه خطوات متقدمة في مكافحة الفساد، لكن المشكلة ان المشهد السياسي في العراق مبني على اساس الفساد وطالما هناك محاصصة فأكيد هناك فساد ولهذا القوى السياسية تقف بالضد من يحاول محاربة الفساد وهذا هو التحدي الحقيقي والأكبر لرئيس الوزراء والأمر ببعض الأحيان يصل الى حد المقاطعة مع بعض القوى السياسية".
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: مکافحة الفساد المال العام
إقرأ أيضاً:
تيار التغيير الجذري في السودان-الإشكالية الأيديولوجية والعزلة السياسية
الثورة والبحث عن البديل الجذري
بعد الإطاحة بنظام البشير عام 2019، برز تيار التغيير الجذري كواحد من أهم القوى السياسية التي سعت إلى تفكيك نظام الحكم القديم وإعادة بناء الدولة وفق رؤية ثورية ترفض التعايش مع العسكر أو القوى التقليدية. لكن رغم مشاركته الفاعلة في الثورة، يواجه هذا التيار – المرتبط عضوياً بالحزب الشيوعي السوداني وحلفائه – أزمات بنيوية تعكس تناقضات اليسار الراديكالي في سياق مجتمعي معقد.
الأسس الأيديولوجية لتيار التغيير الجذري: الماركسية والواقع السوداني
يعتمد التيار على خطابٍ ماركسي لينيني يُركز على:
• تفكيك الدولة الطبقية: بإسقاط الهياكل العسكرية والأمنية المهيمنة منذ الاستعمار.
• محاربة الرأسمالية الطفيلية: عبر تصفية نفوذ كبار الموالين للنظام السابق الذين يتحكمون في الاقتصاد.
• إعادة توزيع السلطة: عبر دعم المجالس الشعبية ولجان المقاومة كبديلٍ عن المركزية البيروقراطية.
لكن هذه الشعارات تصطدم بواقعين:
1. الانفصال عن اللغة الشعبية: فالمصطلحات الماركسية (مثل "الصراع الطبقي"، "الهيكلة المادية") تبقى غريبة على مجتمعٍ تغلب عليه الثقافة الدينية والتركيبة القبلية. مثلاً، الحزب الشيوعي السوداني تاريخيًا واجه صعوبات في كسب التأييد الشعبي الواسع بسبب هذه الفجوة اللغوية والثقافية.
2. التبسيط المفرط للأزمات: إذ يُختزل انهيار السودان في "الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية"، بينما تتشابك الأزمة مع عوامل إثنية وإقليمية ودولية. مثال على ذلك، الصراعات في دارفور وجنوب السودان لم تكن فقط بسبب التفاوت الطبقي، بل تعقدت بسبب النزاعات العرقية والتدخلات الخارجية.
الإشكالية السياسية: بين التشدد الثوري وعزلة التسويات
• رفض التفاوض مع العسكر: يرفض التيار أي حوار مع قادة الجيش أو قوات الدعم السريع، معتبراً أن التسويات السياسية "خيانة للثورة". هذا الموقف عزّز من شعبيته لدى الشباب الثوري، لكنه حوّله إلى طرفٍ خارج المعادلة السياسية الفعلية، خاصة بعد توقيع اتفاقيات إقليمية (مثل اتفاق جوبا) دون مشاركته.
• الانقسام داخل القوى المدنية: أدى التشدد الأيديولوجي للتيار إلى صدام مع تحالفات "قوى الحرية والتغيير" التي تتبنى نهجاً براغماتياً، مما فتح الباب أمام العسكر لاستغلال هذه الانقسامات. يمكن مقارنة ذلك بتجربة الحزب الشيوعي السوداني في الستينيات عندما اصطدم مع القوى الوطنية الأخرى في أعقاب ثورة أكتوبر 1964، مما أدى إلى إضعاف دوره السياسي لاحقًا.
• غياب البرنامج العملي: رغم تشخيصه الدقيق لفساد النظام القديم، يفتقر التيار إلى خطة واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، مثل كيفية تعويض خدمات الدولة المنهارة أو مواجهة اقتصاد الحرب الذي تديره الميليشيات. على سبيل المثال، التجربة التشيلية تحت حكم سالفادور أليندي في السبعينيات أظهرت كيف يمكن لليسار الراديكالي أن يفشل إذا لم يقدّم حلولًا اقتصادية عملية.
الإعلام والخطاب: الماركسية كعقبة أمام التواصل الجماهيري
• الإعلام النخبوي: يعتمد التيار على منصات التواصل الاجتماعي وندوات النخبة المثقفة، بينما تُهيمن القوى التقليدية (الإسلاميون، العسكر) على الإذاعات والقنوات التلفزيونية التي يتابعها عموم السودانيين، خاصة في الريف.
• اللغة الأكاديمية المعقدة: خطاب التيار مليء بمصطلحات مثل "الديالكتيك المادي" و"الاستغلال الرأسمالي"، والتي تتناقض مع لغة الشارع البسيطة المليئة بالمطالب اليومية (الخبز، الوقود، الأمن). يمكن مقارنة ذلك بتجربة الأحزاب اليسارية في الهند، حيث اضطرت بعض الفصائل الماركسية إلى تبسيط خطابها ليصل إلى الفلاحين والعمال.
• الماركسية كـ"تابو" اجتماعي: في مجتمعٍ يرى في الماركسية إرثاً غربياً معادياً للدين، يصعب على التيار تجاوز هذه الصورة دون تبني خطابٍ ديني أو ثقافي مُدمج، كما فعلت قوى إسلامية سابقاً بدمج الشريعة مع الخطاب الاجتماعي. تجربة "لاهوت التحرير" في أمريكا اللاتينية تمثل نموذجًا على كيفية دمج الفكر اليساري مع التقاليد الدينية لكسب التأييد الشعبي.
المستقبل: هل يمكن تحويل التنظير إلى فعل سياسي؟
• خيار التكيف مع الواقع: يحتاج التيار إلى إعادة صياغة خطابه بلغةٍ تلامس الهم اليومي (مثل مكافحة الفقر، دعم التعليم المجاني)، بدلاً من التركيز على الشعارات الثورية المجردة. يمكن الاستفادة من تجربة "حزب العمال" في البرازيل، الذي تبنّى سياسات اجتماعية فعالة جعلته يحظى بتأييد واسع.
• التحالف مع القوى المحلية: قد يُعيد التيار اكتشاف قوته إذا تحالف مع تنظيمات مهنية (مثل اتحادات الأطباء، المعلمين) ولجان المقاومة التي تمتلك قاعدة شعبية، شرط أن يقدّم نفسه كداعم لمطالبها لا كقائد أيديولوجي. مثال سوداني على ذلك هو تجربة الاتحادات المهنية في انتفاضة أبريل 1985، التي استطاعت تنظيم الإضرابات وتوجيه الشارع نحو التغيير.
• الاستثمار في الإعلام الشعبي: تطوير منصات إعلامية بلغات محلية وبلهجات سودانية، والاستفادة من الفنون الشعبية (كالغناء، المسرح) لنقل الأفكار دون الوقوع في فخ التلقين الأيديولوجي. تجربة الفرق المسرحية في السودان مثل "فرقة الأمل" في التسعينيات تقدم نموذجًا ناجحًا في نقل الرسائل السياسية عبر الفن.
• مراجعة الموقف من التسويات: قد يُعيد التيار حساباته إذا أدرك أن رفضه المطلق للتفاوض يخدم العسكر، الذين يستفيدون من انقسام المدنيين ليبقوا مهيمنين على المشهد. تجربة الحزب الشيوعي الإسباني بعد سقوط فرانكو قد تكون مثالًا على كيفية الانخراط في السياسة دون التخلي عن المبادئ.
الثورة الجذرية أم الإصلاح التدريجي؟
تيار التغيير الجذري يقف عند مفترقٍ وجودي: إما أن يظل سجين خطابه الأيديولوجي، مُقتصراً على تأثيرٍ رمزي في أوساط النخب والطلاب، أو أن يخوض مغامرة التحول إلى قوة جماهيرية عبر تبني لغةٍ جديدةٍ توفق بين المبادئ الثورية وواقع المجتمع السوداني. المشكلة أن هذا التحول يتطلب مراجعةً جذريةً لليسار السوداني نفسه، الذي ظل لعقودٍ يعتقد أن "الصواب الأيديولوجي" كافٍ لقيادة التغيير، بينما التاريخ يُثبت أن الثورات الناجحة هي تلك التي تعرف كيف تُحوّل الشعارات إلى خبزٍ وحرياتٍ ملموسة.
zuhair.osman@aol.com