الشعور بالقلق المتزايد إزاء التقدم الانتخابي لأحزاب اليمين العنصري في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، والانتخابات المحلية التي حملت الحزب الفاشي في إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني إلى السلطة قبل عامين، ونجاح فيكتور أوروبان في المجر في البقاء بمنصبه، والتقدم الملحوظ لحزب ماري لوبين في فرنسا وحزب البديل لأجل ألمانيا، مع العودة المنتظرة للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بزعامة الرئيس السابق دونالد ترامب للسلطة.
ورغم حداثة الظاهرة في بعض البلدان، سواء على المستوى الأوروبي أو عبر الأطلسي (في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية)، إلا أن شبكة العلاقة بينهما أقوى بكثير مما كانت عليه في الماضي والتي تربط العالم الأنجلو ساسكسوني بأوروبا وحتى مع إسرائيل بالاعتماد على الأسس المشتركة لأحزاب اليمين العنصري، فيتم استخدام وتطوير برامج مشتركة لهذه الأحزاب ومبادئ توجيهية ليس في خطاب الحملات الانتخابية، ولكن في السياسة العامة؛ يوافقون عليها أو يتقدمون بها على المستوى التشريعي عندما تكون الأحزاب موجودة في البرلمان أو في الحكومة. وهذا عنصر مهم جدا لتغذية شهية الناخبين التي تمكن قادة اليمين المتطرف من استخدامها بمهارة كبيرة واجتهاد، وبفضل المال الكثير الذي تغدقه شخصيات وشركات تدعم أفكار اليمين المتطرف، فضلا عن أهمية استثمار وسائل التواصل الاجتماعي كعنصر مهم لانتشار هذه الأفكار.
بعد 87 عاما من سقوط النازية، لا يزال هناك خطر كبير من أن يتحول عنف اليمين المتطرف إلى عنف مؤسسي في دول الاتحاد الأوروبي، مع تصاعد خطاب ونقاش نظرية "الاستبدال العظيم" على وسائل الإعلام بتطوير خطاب معادٍ للأجانب والإسلاموفوبيا
وفي فرنسا مثلا عندما سُمح في العام 1995 لحزب الجبهة الوطنية بافتتاح موقع الكتروني لنشر أفكاره والتغلب على انسداد وسائل الإعلام في وجهه، كان له فترة الانتشار الفيروسي بالتركيز على "الأخبار المزيفة" وعلى نظرية المؤامرة والتي تستخدم اليوم على نطاق واسع من قبل معظم اليمين المتطرف في أوروبا ومن قبل الرئيس السابق في أمريكا دونالد ترامب بطريقة عاطفية وصادمة لجذب الانتباه ولتثبيت هدف من شقين؛ الأول زيادة استقطاب الشارع، وزيادة عدم الثقة بالمؤسسات، مع إضافة الأسباب الهيكيلية التي تفسر لماذا تمكنت الأحزاب السياسية لليمين المتطرف من إحراز تقدم انتخابي في بلدانها على مدار عقدين.
هناك آلية مبسطة أثبتت نفسها بالعثور على كبش فداء، وهذا يعني الإشارة المستمرة إلى الجاني المثالي (الأجنبي) كمصدر لكل الأزمات والمشكلات التي تعاني منها تلك المجتمعات، وهذه عناصر مشتركة مع الفاشية التاريخية التي سادت في ثلاثينات القرن الماضي في ألمانيا وإيطاليا وانتشرت في ظل حكم الجنرال فرانكو في إسبانيا. واليوم على وجه الخصوص نجد في خطاب اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا وفي الولايات المتحدة، أن العدو هو المهاجر، لشرح كيفية تعزيز "المجتمع الوطني" بالكشف المستمر عن العدو المفترض أو المُخترَع الذي يهدد روابط المجتمع، وهو ما عبر عنه حزب ماري لوبان بعد تحقيقه الفوز الكاسح في انتخابات البرلمان الأوروبي في التاسع من حزيران/ يونيو الحالي، حين قال مرشح اليمين المتطرف جوردان بارديلا إنه لم يتغير برنامج الحزب بشأن الهجرة. ولا يزال مشروعه يتضمن تدابير لتجفيف (مضخات شفط) الهجرة المفترضة، مثل إلغاء المساعدات الطبية الحكومية للأجنب و"الأفضلية الوطنية".
بعد 87 عاما من سقوط النازية، لا يزال هناك خطر كبير من أن يتحول عنف اليمين المتطرف إلى عنف مؤسسي في دول الاتحاد الأوروبي، مع تصاعد خطاب ونقاش نظرية "الاستبدال العظيم" على وسائل الإعلام بتطوير خطاب معادٍ للأجانب والإسلاموفوبيا.
عجز من النخب التقليدية على معالجة المشاكل الهيكلية لسنوات طويلة، خاصة في الخلل الناشئ من النموذج الاقتصادي النيوليبرالي وتراجع الطبقات الوسطى، وعدم استقرار العمل، وضعف رفاهية المجتمعات الغربية، والحد من السياسات الاجتماعية، فضلا عن الإخفاق الكبير في التعاطي مع أزمات حول العالم كالغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار النفاق الضخم بالتعامل مع القضية الفلسطينية والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، وفرض سياسات إمبريالية ودعم الديكتاتوريات في العالم العربي وحول العالم
هناك عجز من النخب التقليدية على معالجة المشاكل الهيكلية لسنوات طويلة، خاصة في الخلل الناشئ من النموذج الاقتصادي النيوليبرالي وتراجع الطبقات الوسطى، وعدم استقرار العمل، وضعف رفاهية المجتمعات الغربية، والحد من السياسات الاجتماعية، فضلا عن الإخفاق الكبير في التعاطي مع أزمات حول العالم كالغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار النفاق الضخم بالتعامل مع القضية الفلسطينية والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، وفرض سياسات إمبريالية ودعم الديكتاتوريات في العالم العربي وحول العالم.. كل ذلك يفتح الأعين على ظاهرة واضحة تجعل من القرن الحادي والعشرين واحدا من أعظم قرون القبح السياسي، كما وصفه لوران دي سوتر، أستاذ النظرية القانونية بجامعة "vriie" في بروكسل ومؤلف كتاب "وجهات نظر نقدية"، والذي يضيف فيه أن صعود أحزاب اليمين العنصري بالانتخابات ووصولها للسلطة تعبير عن فاشية ناعمة ومراوغة بالشعبوية من خلال إظهار الازدراء للمبادئ التي تزعم الاستناد لها.
أخيرا، حين يعبر بعض الأوروبيين عن القلق من سياسات محلية تسمح بصعود اليمين المتطرف ويصف بعضهم هذه السياسة بأنها تنجز خرابا كامل لقارة بأكملها، فذلك فهمٌ لسياسة الدوران في فراغ لا يتصل مع العالم الملموس ومشكلاته إلا بنظرة استعمارية واستعلائية، والتظاهر بإيجاد أسباب لهذيان التطرف والعنصرية لتدجين المجتمعات وتذكيرها بالانتماء لعائلة واحدة من الفاشية تعمل على إنقاذها من حكومات ومؤسسات أجندتها خفية، وبإبقاء شعار "أوروبا ليست ملكا لكم" أنتم شعوب أوروبا، وهي لا تنتمي إلى الحكومات التي انتخبتموها، إذا لم تتحرك بالسرعة التي نود أن نراها، أو من خلال الالتفاف حول شعار دونالد ترامب لتنفيذ أكبر عملية ترحيل في التاريخ عبر الحدود في حال فوزه بالسلطة للحفاظ على :عظمة أمريكا".
لكن تبقى الحقيقة التي يدركها الجميع أن الأزمة التي تمر بها المجتمعات الغربية والأمريكية لا علاقة لها بمسألة رأسمالية واقتصادية فقط، إنها مسألة قوة وفرضها الاستعماري على الآخرين، فهي من تتحكم بالعقل الفاشي والعنصري، وفي منطقتنا العربية نموذج دموي لها في المؤسسة الصهيونية وبرامجها وسياساتها الفاشية.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفاشية الأحزاب اليمين المتطرف أوروبا أوروبا أحزاب اليمين المتطرف المهاجرين الفاشية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیمین المتطرف
إقرأ أيضاً:
سعود بن صقر: الثقافة من أهم ركائز التنمية في المجتمعات الإنسانية
رأس الخيمة/وام
أكد صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، أن مهرجان «فن رأس الخيمة»، يعكس رؤية الإمارة الطموحة لإثراء مشهدها الثقافي من خلال استضافة وتنظيم كبريات الفعاليات الفنية، التي تسهم في تعزيز مكانتها بصفتها حاضنة للإبداع والفنون والمواهب العالمية.
جاء ذلك خلال افتتاح سموه النسخة الـ13 من مهرجان «فن رأس الخيمة»، الحدث الثقافي الرائد في المنطقة، الذي تنظمه مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة العامة، تحت شعار «الذاكرة»، في قرية الجزيرة الحمراء التراثية، بحضور الشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة، ومارتينا سترونغ، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الدولة، وإدوارد هوبارت، سفير المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية لدى الدولة، وعدد من كبار المسؤولين في الدولة والإمارة، ومشاركة أكثر من 100 فنان محلي، وعالمي من دول العالم المختلفة، يعرضون أعمالهم الفنية المتميزة خلال فعاليات الحدث التي تستمر حتى 28 فبراير الجاري.
وقال سموه: «يجسّد مهرجان فنّ رأس الخيمة، الحدث الفني المميّز على أجندة الفعاليات الثقافية في المنطقة، الإرث الثقافي والتاريخي للإمارة، ويحتفي بالمبدعين، والموهوبين من جميع أنحاء العالم، كما يشجّع على الارتقاء بأشكال الفنون الإبداعية المختلفة التي تعكس حضارات الشعوب والتراث الإنساني الغني بالقيم الحضارية والفكرية».
وأوضح صاحب السمو حاكم رأس الخيمة، أن الثقافة من أهم ركائز التنمية في المجتمعات الإنسانية، كونها تعبّر عن الهوية الوطنية، والتاريخية، والتنوع الاجتماعي، وتعزّز التواصل، والتبادل الثقافي بين الشعوب، مؤكداً مكانتها باعتبارها رافداً مهمّاً للازدهار الاقتصادي، والسياحي، ومحفّزاً لنمو قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية.
وأضاف سموه: «دعم المواهب الشابة والطاقات الواعدة من أبناء الإمارات والمقيمين في مجال الفنون يمثل أولوية لإمارة رأس الخيمة، خاصة أن المهرجان بات منصة ثقافية تمكّنهم من الإسهام والمشاركة في الفعاليات المحلية والدولية، وتؤدي دوراً فاعلاً في تنمية مهاراتهم، وإبداعاتهم وسط بيئة خلاقة وداعمة».
ورحّب سموه، بالفنانين المشاركين من دول العالم، مؤكداً حرص رأس الخيمة على مواصلة دعم الحركة الثقافية، والفنية، ورعاية المبدعين، واستضافة الفعاليات الإبداعية، التي تسهم في جعل الإمارة منارة للإبداع، وملتقى للفنانين من الثقافات المختلفة.
وقام صاحب السمو حاكم رأس الخيمة، بجولة تفقدية في أجنحة المهرجان؛ حيث اطلع على الأعمال الفنية المعروضة، واستمع إلى شرح من الفنانين حول طبيعة أعمالهم التي تعكس أفكارهم، وعواطفهم، وذكرياتهم الشخصية.
وتعرّف سموه إلى برنامج المهرجان الذي يضم ورش عمل تفاعلية، وعروضاً حية، وتجارب تعليمية ملهمة، إضافة إلى المناقشات العامة، والورش الفنية، والحرفية، ما يسهم في تقديم تجربة ثقافية ثرية تجمع بين التراث والحداثة لجميع أفراد المجتمع.
ويعد مهرجان «فن رأس الخيمة»، الذي يُنظّم في «قرية الجزيرة الحمراء التراثية» التي يعود تاريخها إلى القرن الـ17، منصة ثقافية تحتفي بالمبدعين من أنحاء العالم المختلفة؛ إذ أسهم منذ انطلاقته في ترسيخ مكانة الإمارة بصفتها وجهة إقليمية وعالمية للفن والإبداع الإنساني.