ترامب يريد أصوات الناخبين العرب والمسلمين
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، يعول دونالد ترامب على جذب وإغراء الناخبين الأمريكيين من المسلمين والعرب، مع العلم أنه هو الذي فرض في 2017 في أعقاب انتخابه رئيسا للبلاد، مرسوما رئاسيا يمنع مواطني بعض الدول الإسلامية، على غرار الصومال والسودان واليمن، من السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولنيل دعم المسلمين، كلف ترامب حمى ابنته تيفاني، اللبناني الأصل مسعد بولس “باصطياد” أصوات الناخبين العرب والمسلمين الذين يبلغ عددهم نحو 3.
ورغم تواضع عددهم، إلا أنهم قادرون على حسم النتائج في بعض الولايات التي تعتبر مفتاحية ومهمة.
ومن بين هذه الولايات، يمكن ذكر ميشيغان التي زاراها ترامب الأسبوع الماضي في إطار حملته الانتخابية. في هذه الولاية يحاول مساعدو ترامب جذب الناخبين العرب والمسلمين إليه.
اختار ترامب هذه المدينة بعد أن فشل فيها في 2020. فقد صوتت لصالح جو بايدن الذي فاز على منافسه بفارق 154 ألف صوت.
ويبلغ عدد العرب الأمريكيين الذين يصوتون في هذه الولاية حوالي 310 ألف الأمر الذي جعل مسعد بولس يزورها عدة مرات ويلتقي بسكانها لإقناعهم بمنح أصواتهم هذه المرة لصالح دونالد ترامب.
أكثر من هذا، قررت جمعية العرب المساندين لترامب فتح مكتب في هذه الولاية بمساعدة مالية من مسعد بولس. فيما نظم هذا المكتب اجتماعه الأول في 21 مايو/أيار الماضي بهدف رسم استراتيجية واضحة لإقناع الناخبين العرب للتصويت لصالح ترامب ولجمع الأموال.
وبالنسبة للخبراء الاستراتيجيين في الحزب الجمهوري، أن يصوت العرب لصالح المرشح الجمهوري ليس أمرا جديدا، بل يشكل عودة إلى تقاليدهم الانتخابية لأنهم “إلى غاية 2000، كانوا يصوتون بشكل عام لصالح الحزب الجمهوري المحافظ”، حسب دومنيك كادينو، المتخصص في المجتمعات المسلمة وعرب أمريكا في مركز الدراسات والبحوث المتخصص في شؤون العالم الأنكلوسكسوني بجامعة مارسيليا جنوب فرنسا.
فوفق هذا الباحث “عرب أمريكا ينظرون بشكل إيجابي إلى بعض أفكار المحافظين الأمريكيين لا سيما تلك المتعلقة بالدفاع عن القيم العائلية التقليدية أو بالحرية الاقتصادية والاستثمار دون قيود”، موضحا في الوقت نفسه أن “اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول والحرب على العراق و أفغانستان غيرت تقاليد التصويت لديهم إذ اصبحوا يساندون أكثر الديمقراطيين في السنوات الأخيرة”.
لكن دعم بايدن لإسرائيل في حربها ضد حماس في غزة خلط الأوراق من جديد. لهذا السبب أصبح دونالد ترامب ومقربون له ينظرون إليهم (إلى عرب أمريكا) من جديد بنوع من الجشع لا سيما بعدما ابتعدوا قليلا عن جو بايدن.
هذا، ووفق استطلاع للرأي نشرته جريدة نيويورك تايمز في منتصف مايو/أيار الماضي، ملف غزة هو الذي سيحدد طريقة تصويت 70 بالمئة من عرب أمريكا في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأضاف دومنيك كادينو:” لو رشح الجمهوريون شخصية أخرى أكثر اتزانا من دونالد ترامب لكان الحزب الجمهوري أكثر جاذبية للعرب الأمريكيين”.
والسؤال المطروح هل سيتمكن مسعد بولس من إقناع عرب أمريكا بالتصويت لصالح ترامب بالرغم من أنه يساند هو أيضا إسرائيل؟ على أية حال هذا الملياردير اللبناني باشر مشروعه منذ 2022 مستخدما ورقة مهمة ورابحة ألا وهي المال. فمسعد بولس يعتبر من بين أبرز الأغنياء اللبنانيين حيث يملك شركة ضخمة لبيع السيارات في نيجيريا.
لكن أسامة سبلاني، مدير مجلة عرب أمريكا يعتقد “أن المال وحده لن يكون كافيا لإقناع العرب الأمريكيين بالتصويت لصالح ترامب. فهم يحتاجون إلى شيء أخر أكبر وأهم من ذلك” دون أن يكشف طبيعة هذا الشيء.
اقرأ أيضاًتقاريرسعيًا لتحقيق أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030.. “أداء” يُقيّم 81 خدمة حكومية بموسم الحج الجاري
كما تبدو مهمة مسعد بولس صعبة التحقيق باعتباره غريبا نوعا ما عن الجالية المسلمة في أمريكا ولا يعرفها جيدا.
لكن هذا لا يعني أن المسلمين في أمريكا لن يصوتوا لصالح ترامب. بل بالعكس هناك أقليات مسلمة تنحدرمن باكستان والهند تدعم الجمهوريين”، حسب دومنيك كادينو.
ربما ما سيقوم به مسعد بولس، هو إقناع عرب أمريكا بعدم التصويت لصالح بايدن أو مقاطعة الانتخابات.
ففي ولاية ميشيغان مثلا، المقاطعة قد تخدم دونالد ترامب أكثر من منافسه الديمقراطي وتجعله يفوز بأصوات الولاية وبالتالي بالانتخابات. فهل سيتحقق هذا السيناريو؟
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الناخبین العرب دونالد ترامب لصالح ترامب عرب أمریکا
إقرأ أيضاً:
فرصة تاريخية أمام أمريكا في الشرق الأوسط
ترجمة - نهى مصطفى -
لطالما شكل الشرق الأوسط مقبرةً للطموحات الدبلوماسية الأمريكية، إذ يغادر الرؤساء المتعاقبون السلطة تاركين المنطقة في وضع أكثر تعقيدًا مما سبق.
سعى بيل كلينتون لتحقيق اختراق في عملية السلام، لكن جهوده انتهت باندلاع الانتفاضة الثانية. أطاح جورج دبليو بوش بصدام حسين، فتحول مشروعه إلى مستنقع عزز نفوذ إيران. حاول باراك أوباما استثمار الربيع العربي ووقّع اتفاقًا نوويًّا مع طهران، لكن صعود تنظيم داعش وحرب سوريا عرقلا مساعيه. انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي وقُتل قاسم سليماني، لكنه ترك إيران أكثر جرأة. أما جو بايدن، فركز على تحقيق الاستقرار، ليجد نفسه في عامه الأخير يواجه تداعيات هجمات 7 أكتوبر 2023 والحرب في غزة.
يجد ترامب نفسه اليوم أمام فرص حقيقية في الشرق الأوسط، قد تمنحه نفوذًا، لكنه في المقابل قد يفاقم أزمات المنطقة، كما بدأ بالفعل عبر خفض المساعدات ودعوته لإخلاء غزة. خلال ولايته، سيعتمد مصير الشرق الأوسط إلى حد كبير على قراراته، بين اغتنام الفرص أو تبديدها باندفاعه.
ترِكة ترامب الأولى تتعلق بإيران، التي كانت لعقود في صميم أزمات الشرق الأوسط. اليوم، تبدو طهران أضعف من أي وقت منذ ثورة 1979، مع محاصرة حماس وحزب الله عسكريًّا، وفشل صواريخها الباليستية في مواجهة الدفاعات الإسرائيلية، وفقدانها السيطرة الفعلية على سوريا، التي باتت تحت تحالف مناهض لها. في حين يعاني اقتصادها من سوء الإدارة والعقوبات وتراجع أسعار النفط.
في ظل هذه الأوضاع، بدأ القادة الإيرانيون يلمحون إلى انفتاح على اتفاق نووي جديد، إذ تبدو البدائل أكثر سوءًا. انتُخب الرئيس مسعود بيزشكيان عام 2024 ببرنامج يركز على تحسين الاقتصاد، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون اتفاق مع واشنطن وتخفيف العقوبات. أما المرشد الأعلى علي خامنئي، فرغم تشدده، يدرك تراجع قدرة إيران على الردع، في مقابل استعداد أمريكي-إسرائيلي متزايد للضربات الهجومية، خاصة في ظل حكومة نتنياهو وترامب غير المتوقعة.
أبدى ترامب اهتمامًا بالاتفاق، وقد يدفعه المشهد الاستراتيجي الجديد للحصول على تنازلات إيرانية غير متوقعة، تشمل قيودًا مشددة على التخصيب النووي، وضوابط دائمة، وحدودًا على الصواريخ الباليستية والتدخل الإقليمي.
رغم ذلك، تبقى حدود للتنازلات الإيرانية، وقد يتجاوز ترامب السقف المطلوب. لكن إبرام اتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ويحدّ من نفوذها الإقليمي يبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى. وإذا نجح ترامب في هذا، فسيتمكن من التباهي بـ«صفقة أفضل» من اتفاق أوباما، وبيعها للكونجرس.
الفرصة الثانية المتاحة لترامب في المنطقة هي إنهاء حرب غزة، التي تُعد أكبر انتكاسة للسلام والاستقرار منذ حرب العراق، وبدء عملية تحقيق الاستقرار في «اليوم التالي». فمنذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وردّ إسرائيل العنيف، غرقت غزة في مأساة غير مسبوقة. لكن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن، الذي تم التوصل إليه في 15 يناير بعد محاولات فاشلة وبمساعدة فريق ترامب القادم، قد يوفر مسارًا لإنهاء الحرب. وبعد 15 شهرًا من الدمار، أوقفت إسرائيل العمليات الكبرى، وبدأت حماس بإطلاق سراح الرهائن، وبدأ سكان غزة بالعودة إلى ديارهم.
المرحلة الأولى من الاتفاق محدودة زمنيًّا، ولا ضمان لاستمراريتها. ويعتمد الانتقال إلى المرحلة الثانية على قرارات صعبة بشأن إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين، والسجناء الفلسطينيين، ومصير حماس. كانت صور الرهائن الهزيلين الذين أُطلق سراحهم في 8 فبراير تذكيرًا لإسرائيل بضرورة التوصل لاتفاق جديد قبل وقوع المزيد من الوفيات. وفي المقابل، تدرك حماس أن رفض الصفقة قد يكون مكلفًا، خاصة بعد تهديد ترامب بـ«الجحيم» وغياب أي دعم مرتقب من إيران أو حزب الله، مما دفعها أساسًا للموافقة على الاتفاق. إذا تمكن ترامب من تمديد الهدنة أو منع استئناف القتال، فسيكون أمامه فرصة لوضع أسس استقرار جزئي في غزة والضفة، وتمهيد الطريق لاتفاق «التطبيع» بين إسرائيل والسعودية، وتوسيع اتفاقيات أبراهام. غير أن هذا يتطلب إنهاء الحرب، إلى جانب التزام إسرائيلي بمسار يقود إلى دولة فلسطينية، وهو أمر مستبعد مع الحكومة الحالية، لكنه قد يصبح ممكنًا تحت ضغط ترامب، خاصة إذا رأى فيه فرصة للفوز بجائزة نوبل للسلام.
ورث ترامب أيضًا فرصًا في لبنان، حيث كانت آفاق البلاد قاتمة حتى قبل حرب غزة، لكنها ازدادت سوءًا مع اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، ما أسفر عن آلاف الضحايا ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين. عانى لبنان لعقود، وتفاقمت أزمته منذ 2011 مع تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري. غير أن إضعاف حزب الله منح البلاد أخيرًا فرصة للتحرر من النفوذ الإيراني وبناء دولة أكثر استقرارًا وسيادة.
جاءت هذه الفرصة نتيجة للخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله منذ أن أخطأ في الانخراط بالحرب مع إسرائيل عقب هجمات 7 أكتوبر. رغم دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين لعملية عسكرية كبرى ضد الحزب، تردد نتنياهو في البداية تحت ضغط إدارة بايدن لتجنب التصعيد الإقليمي. وبحلول أواخر 2024، صعّدت إسرائيل ضرباتها ضد حزب الله، مستهدفة قادته ومقاتليه عبر عمليات اغتيال دقيقة، بما في ذلك مقتل حسن نصر الله، إضافة إلى غارات جوية دمرت بنيته التحتية العسكرية. وفي نوفمبر 2024 وافق حزب الله على وقف إطلاق النار دون شرط إنهاء حرب غزة، وسحب قواته إلى شمال الليطاني، ما أتاح انتشار آلاف الجنود اللبنانيين في منطقة عازلة بالجنوب.
كما فتح الاتفاق الباب أمام تغييرات سياسية كبرى، حيث تم انتخاب قائد الجيش السابق جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، والفقيه نواف سلام رئيسًا للوزراء، وكلاهما ملتزم بتحسين الحكم وتعزيز استقلال لبنان. لا يزال حزب الله مؤثرًا في السياسة اللبنانية، لكن نفوذه تراجع بشكل ملحوظ، لا سيما مع تزايد سخط اللبنانيين من قيادته. كما أن قدرة إيران على دعمه ضعفت بفقدانها لنفوذها في سوريا. في ظل هذه الظروف، قد تحصل الحكومة اللبنانية الجديدة على دعم سياسي واقتصادي وعسكري دولي، بما في ذلك من الولايات المتحدة. وإذا تمكن ترامب من تجاوز معارضته التقليدية للمساعدات الخارجية، فستكون لديه فرصة لتعزيز قدرات الحكومة والجيش اللبنانيين، ما قد يسهم في مزيد من تهميش حزب الله والحد من النفوذ الإيراني في لبنان.
وأخيرًا، تأتي الفرصة الأكثر إثارة للدهشة في سوريا، التي كانت واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في الشرق الأوسط على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية. فبعد سنوات من محاولات عزل بشار الأسد أو الإطاحة به، بحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تقبلوا إلى حد كبير واقع استمرار حكمه. لكن مع انشغال العالم بأزمة غزة، ومع إضعاف إيران وروسيا بسبب صراعاتهما مع إسرائيل وأوكرانيا، وجدت المعارضة السورية، بقيادة هيئة تحرير الشام، فرصة للتحرك. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تشن الهيئة هجومها العسكري مباشرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، الذي منع الجماعة اللبنانية من التدخل لإنقاذ الأسد كما فعلت عام 2011 عندما كان نظامه على وشك الانهيار.
المفاجئ بنفس القدر أن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، أعلنت التزامها بحقوق الإنسان واحترام الأقليات، ونأت بنفسها عن ماضيها المتشدد. فجأة، اختفى النظام السوري الذي كان حجر الزاوية لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، وشريان الدعم لحزب الله، ومستضيفًا للقوات الروسية، ومصدرًا رئيسيًّا لتجارة المخدرات، ليحل محله احتمال قيام سوريا جديدة. ولا يزال على الرئيس الجديد، أحمد الشرع، إثبات التزامه بتحقيق تغيير حقيقي، لكن مجرد وصوله إلى الحكم كان أمرًا لا يمكن تصوره قبل أشهر فقط.
ورغم أن السياسة الأمريكية لن تكون العامل الحاسم في تحديد نجاح أو فشل الوضع في سوريا، فإن واشنطن قادرة على التأثير. فقد يقرر ترامب رفع تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية في مقابل التزامها بالحكم الرشيد والتعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الإبقاء على وجود عسكري أمريكي متفق عليه في الشمال الشرقي لمنع عودة تنظيم داعش. كما قد يخفف العقوبات ويدعم الاقتصاد السوري إذا التزمت الحكومة الجديدة بإغلاق القواعد البحرية الروسية. وقد يساعد سوريا في إيجاد بدائل للحبوب والنفط لتعويض خسارة الإمدادات الروسية والإيرانية. إضافة إلى ذلك، قد يستخدم ترامب نفوذ واشنطن لدى تركيا والأكراد السوريين لتسهيل اتفاق سياسي بينهم وبين النظام الجديد في دمشق.
لا تزال التحديات والمخاطر في الشرق الأوسط هائلة، بدءًا من الحكومات الضعيفة والصراعات العرقية والطائفية، وصولًا إلى التداعيات المستمرة لحرب غزة. لكن سيكون من الخطأ تجاهل الفرص التي خلقها المشهد الاستراتيجي الجديد، والتي بدت قبل عام أو حتى بضعة أشهر فقط بعيدة المنال. ولا شك أن ترامب سيرغب في تحقيق نجاح حيث فشل غيره من الرؤساء الأمريكيين، وهو ما يجعل أي شخص مهتم بالمنطقة يأمل في أن يتمكن من اغتنام هذه الفرصة.
فيليب جوردون دبلوماسي أمريكي وباحث في العلاقات الدولية.
نشر المقال في Foreign Affairs