تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

البابا فرنسيس الذي لا يخجل من أن يقول "نعم أنا إنسان خاطئ"

 كتب- إبراهيم ناجي*

هكذا أقر البابا فرنسيس بالأمر مرتين خلال مقابلته التليفزيونية الأخيرة قبل أكثر من ثلاثة أسابيع والتي أجراها مع المذيعة نورا او دونيل عبر محطة CBS الأمريكية في أول مقابلة يجريها الحبر الأعظم الأرجنتيني مع إحدى محطات التليفزيون الأمريكية.

في محضر الرد على تعليق او دونيل عن كونه بالنسبة للكثيرين أحد أكثر الباباوات بعثاً للأمل كونه أكثر انفتاحاً عنه فما كان من البابا فرنسيس أن يجيبها قائلاً وفي الأمر ما هو أكثر من الاتضاع التليفزيوني" يجب أن نكون منفتحين على الجميع … على كل أحد … على كل أحد … على كل أحد …. فأنا أيضاً خاطئ" (الدقيقة 26 من وقت المقابلة).

ليعود بيرجوليو في نهاية المقابلة مُجزاً ربما غايتها لمن يصارعون ذواتهم والآخرين بشأن صحة أفكارهم ووجهات نظرهم المدافعين عن برهم الذاتي ليؤكد مرة أخرى عن كونه راعيا للآخرين أكثر من كونه حبراً أعظم الكنيسة، كنيسة للأشخاص ذوي المكانة الخاصة وهم الخطأة، وعندها يقول فرنسيس :"الكنيسة للخاطئين وكلنا خطأه" بالنسبة للبابا فرنسيس راعي الناس وخادمهم فالكنيسة يجب أن تكون مفتوحة للمرفوضين و المنبوذين والمهمشين والخاطئين وفي مقدمتهم البابا هم من جاء المسيح من أجلهم ومن أجلهم أسس الكنيسة. (الدقيقة 39 من وقت المقابلة).

مع انشغال الكثيرين بتأكيد البابا خلال المقابلة على رفض مباركة زواج المثليين ورفضه أيضاً لمنح الإناث الرتب الكهنوتية أو الشماسية، فغاب عن الأغلبية أن هذه ليست المرة الاولى التي يقر فيها البابا فرنسيس بكونه خاطئا، خاصة بعدما أصبح حبر الكنيسة الأعظم في العام 2013. ففي رسالته للشباب الصادرة في 31 مارس 2014 أقر البابا الأرجنتيني باقترافه الأخطاء مؤكدا: "اقترفت أخطاء، أنا أقترف الأخطاء." واستطرد البابا في رسالته مظهراً استنكار البعض كيف يمكن للبابا أن يكون خاطئاً، حيث يضيف فرنسيس " أعتقد أن الأخطاء التي اقترفتها في حياتي كانت ولا تزال أعظم من علمني."

في عديد المرات يهاجم البابا فرنسيس كونه راهباً يسوعياً ومعلما للفلسفة وشيخاً روحيا وراعياً لمن لا يلتفت إليهم أحد، يهاجم أولئك من يملكون اليقين المطلق تجاه ما يؤمنون به، لا بل يمتدح من يرتابون متخذين الارتياب طريقاً للإيمان أفضل من أولئك الذين يسقطون في فخ الانتفاخ والكبرياء كونهم لا يخطئون البتة. ومن ثم لا ينفك فرنسيس يدعو الكنيسة إلى أن تفتح أبوابها وقلوب خدامها وكهنتها وأساقفتها وأحبارها تجاه من يرتابون بشأن اختياراتهم وتناقضات حياتهم أكثر من هؤلاء الذين يوقنون أنهم هم فقط الأصحاء الأطباء القضاة بالصواب، ومن هم خارج أبواب وأسوار الكنيسة بالنسبة لهم هم أرباب جهنم، ناسين ما تحدث به المسيح يسوع "وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ." (متى 19: 30).

بالعودة إلى البابا فرنسيس الذي يقترف الأخطاء يستدعي البابا فرنسيس تاريخه الشخصي من أوقات رئاسته للجماعة اليسوعية في الأرجنتين بالتزامن مع أوقات الحرب الأهلية وصعوبة قيادته لاتجاهات اليسوعيين اليساريين حينها أمام قمع الديكتاتورية العسكرية. يتحدث بيرجوليو عن تلك الفترة بعد ذلك بما يقرب من ثلاثين عاماً بعدما أصبح رئيس أساقفة بيونس ايريس قائلاً: "كانت إدارتى للأمور كيسوعى في بداياته قد شهدت العديد من المآخذ. لقد كنت في السادسة والثلاثين من العمر. لقد كان الأمر جنونياً. كان عليّ اجتياز مواقف عصيبة، وكنت أتخذ قراراتى بأسلوب حاد وفردى، أدت طريقتى المندفعة والسلطوية في اتخاذ القرارات إلى حدوث العديد من المشكلات الخطيرة اتهامى بأننى مُغالى فى التحفظ. بكل تأكيد لم أكن قديساً، لكننى أبداً لم أكن يمينى الاتجاه. طريقتى المتسلطة فقط فى اتخاذ القرارات هي التي صنعت المشكلات." كانت تلك اعترافات بيرغوليو عن تلك الفترة.

في كلمته أمام الكرادلة المجتمعين قبيل انتخاب البابا الذي سيخلف بنيدكتوس السادس عشر يوم السابع من مارس 2013 تحدث الكاردينال خورخيه ماريو بيرجوليو  "البابا فرنسيس بعد ذلك بأيام قليلة بدأ بيرجوليو خطابه؛ قائلًا: "بالرجوع إلى أساس إعلان بشارة الإنجيل، وهذا الأساس هو السبب في وجود الكنيسة: يتحدث البابا بولس السادس عن حلاوة وتعزية التبشير.' أنه يسوع المسيح بذاته ومن الداخل هو الذي يدفعنا لذلك، التبشير بالنسبة للكنيسة يعني [الشجاعة الرسولية] للخروج من ذاتها؛ فالكنيسة مدعوة للخروج عن ذاتها وإلى الذهاب إلى الأماكن والأطراف البعيدة، ليس فقط البعيدة والمتطرفة جغرافيًّا ولكن أيضًا البعيدة في وجودها وطبيعتها، حيث هناك يكمُن سر الخطيئة وأصل المعاناة ومنابع الظلم والتجاهل ونقص الدين، هناك حيث كل أنواع البؤس".مضى بيرجوليو في كلماته مُحذرًا الكنيسة بأنها إذا لم تفعل ذلك فأنها ستصبح بحسب كلماته ‘ذاتية المرجعية‘، وتمرض على مثال صورة المرأة المنحنية في لوقا 13:11" ثم مضى في تشخيص الداء بشأن الأوضاع الخاطئة في الكنيسة، طارحًا نظرته الثاقبة التي كان قد تحدث عنها قبل ذلك بشهرين في رياضة هيئة كاريتاس ببيونس أيريس؛ حيث "الشيطان الذي يظهر في مؤسسات الكنيسة مُتجذرًا في مرجعيتها الذاتية، كنوع من النرجسية الدينية. في سفر الرؤيا، يقول المسيح هأنذا واقف على الباب أقرع، ولكن من الواضح أن النص يشير إلى أنه يقف خارج الباب ويقرع طالبًا الدخول، ولكنني - في بعض الأحيان - أفكر في أن المسيح يقرع علينا من الداخل؛ لأجل أن ندعه يذهب إلى الخارج. الكنيسة ذاتية المرجعية تزعم الاحتفاظ بالمسيح لنفسها، ولا تدعه يخرج بعيدًا عنها".

يوم انتخابه حبراً أعظم في 13 مارس 2013 وبعد الانتهاء من احتساب بطاقات الاقتراع، كان بيرجوليو قد حصل على أكثر من خمسة وتسعين صوتا. ومن ثم توجه الكاردينال جيوفاني باتيستا ري إلى الكاردينال بيرجوليو وسأله هل يقبل الانتخاب الكنسي له حبرا أعظم؟ كانت الساعة حينها السابعة وخمس دقائق مساء عندما أجاب خورخيه بيرجوليو "أقبل" باللغة اللاتينية، أضاف إليها "علي الرغم من أنني خاطئ عظيم".

*باحث في شئون الفاتيكان

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: البابا فرنسيس خاطئ الاناث الديكتاتورية البابا فرنسیس أکثر من

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شعبان يكتب: قراءة في عقل ترامب

عرف الرأي العام الأمريكي دونالد ترامب قبل قرابة 35 عاما بالضبط، بعد كتابه الشهير "فن الصفقة"، باعتباره ملك العقارات في نيويورك القادر على إنهاء صفقات ضخمة في وقت قياسي، حتى بدون دراسات وأبحاث مكلفة تستهلك وقتا كبيرا. 

فهو يتحرك نحو الصفقة وفق ما نقله الصحفي الأمريكي الأشهر بوب وودورد عنه بدافع الغريزة، وكما قال له نصا في كتابه الجديد "حرب" الذي صدرت له نسخة مترجمة في القاهرة:"أنا أذهب مع اللكمات مثل أي ملاكم في حلبة القتال" مضيفا:"إذا علم الناس أنك شخصا ضعيفا.. سيلاحقونك"!

ونقل عنه بوب وودورد فلسفة حياته عندما التقاه للمرة الأولى بقوله: "عليك أن تعرف جمهورك.. بالنسبة لبعض الناس كن قاتلا، وبالنسبة لبعض الناس كن كالحلوى.. وبالنسبة لآخرين كن كليهما".. واختصر وودورد قائلا:" قاتل أو لطيف أو كليهما .. هذا هو دونالد ترامب".

وانطلاقا من كتابه فن الصفقة، الذي أصدره في بدايات حياته، وانتهاء لصفقة الفوز بالرئاسة الأمريكية للمرة الثانية، فإن ترامب يتحرك بغرائزه وجمع معه في كلتا ولايتيه رجال يعرفهم جيدا عليهم في ميدان العقارات وهو ميدان عمله طوال حياته، وليس مهما أن يكونوا قد اشتغلوا بالسياسة من قبل، ومنهم مبعوثه للشرق الأوسط ويتسكوف، وهو أحد أبرز رجالات إدارته الجديدة والذي أنهى صفقة غزة.

وخلال الأيام الأولى الماضية منذ بدء فترته الرئاسية، هز ترامب العالم انطلاقا من طريقة تفكيره في كل القضايا السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها انطلاقا من فن الصفقة، فهو يقيس كل قضاياه بمنطق المكسب والخسارة، هل تكسب الولايات المتحدة من وجودها في منظمة الصحة العالمية؟ .. لا؟ إذن ننسحب منها، هل تكسب الولايات المتحدة من اتفاقية تغير المناخ؟ .. لا اذن ننسحب منها، وحتى حلف الناتو.. فالولايات المتحدة تدفع أضعاف ما يدفعه الآخرون لذلك هدد سابقا بالانسحاب من الناتو وترك أوروبا عارية أمام بوتين والجميع ينتظرون.

ترامب الذي أصدر عددا من الأوامر التنفيذية المهولة خلال الأيام القليلة التي قضاها في البيت الأبيض، اصطدم بالجميع تقريبا، لكنه يعلم يقينا ما يفعله انطلاقا كما قلنا من غريزته نحو الأشياء.

وطوال الفترة الماضية، فإن تصريحاته لا تمت للسياسة والدبلوماسية بصلة، ولكن صفقة يبحث من وراءها عن المكسب، وهو يرفع شعار عودة الولايات المتحدة الأمريكية عظمي مرة أخرى، ويتخذ قرارات صادمة.. فمن سيزورهم عليهم أن يستثمروا في الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات، ومن لا يستجيب سيعاقب على الفور بعقوبات اقتصادية يعلن يقينا أنها مؤلمة انطلاقا من قوة الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأعظم في العالم،  والتي تسيطر وحدها على ربع اقتصاد العالم، ويهدد بفرض رسوم جمركية عنيفة سيظهر الكثير منها بداية فبراير المقبل.

وعندنا في منطقة الشرق الأوسط، جاءت تصريحات ترامب حول رغبته في نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن، لتثير اعتراضات حادة داخل الأوساط المصرية والأردنية والعربية، ليس فقط لأنها قرارات تطهير عنصري لنحو 2 مليون فلسطيني داخل القطاع، ولا أحد يعلم كيف يمكنه أن ينفذ ذلك، دون أن يصطدم بدول ذات سيادة في مقدمتها مصر، التي أعلنت مرارا وتكرارا أنها ضد تهجير الفلسطينيين طوال 15 شهرا من الحرب على غزة، رغم إلحاج نتنياهو وتصرفات حكومته المتطرفة والدفع لتهجيرهم خارج القطاع بعد جعله غير قابلا للحياة. 

إن ما يقوله ترامب خط أحمر ومرفوض جملة وتفصيلا من القيادة السياسية المصرية ومن الشعب المصري، وقنبلة حارقة تكاد تقلتع شعبا من أرضه.

المثير أن، تهجير الفلسطينيين وتداول هذه السيناريوهات الجهنمية بخصوصهم، لم يقف عند تصوراته بنقلهم لمصر والأردن، لقد قال ترامب أنه يفكر في نقل 100 ألف منهم إلى دولة ألبانيا في أوروبا، وجزء منهم إلى أندونيسيا!

أفكار ترامب التصادمية، ظهرت منذ لحظة دخوله البيت الأبيض، لم تترك أحد سواء ما يتعلق بحرب أوكرانيا عندما توجه إلى بوتين بالأمر أن ينهي الحرب، وإلا فإنه سيجد نفسه مضطرا لفرض عقوبات اقتصادية قاسية تضر اقتصاده المنهك، وفي الوقت نفسه لم يلتفت لأوكرانيا بأي مساعدات أو يعد بشىء منها على عكس إدارة بايدن تماما.

ترامب، اصطدم بدول الجوار المكسيك وكولومبيا بخصوص إعادة المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، إلى دولهم الأصلية وتغيير اسم خليج المكسيك ليصبح خليج أمريكا، واصطدم بكندا جارته في أمريكا الشمالية.

الخلاصة.. ترامب الذي يتحرك بسرعة كبيرة ويصدر عشرات من القرارات التنفيذية في مجالات عدة، يبدوا واعيا تماما بما يفعله، حتى لو داس بقدميه على ثوابت دولية وإقليمية، وأمام هذه الإدارة، لابد تماما من اليقظة والتحرك معها ونحوها بخطوات تنفيذية، فالرجل مؤمن تماما بفن الصفقات حتى في مجال السياسية والعلاقات الدولية، ومن سيتعامل مع ادارته وعناصرها بهذا المنطق سيفوز كثيرا، صفقة أمام صفقة.. هو مؤمن تماما بذلك.

وكلمة أخيرة.. بخصوص الوضع في غزة، فإن ما يطرحة ترامب خطير للغاية على الأمن القومي المصري أولا وعلى القضية الفلسطينية، ولا يمكن لاحد أن يقبله، وعلى الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم حتى يساعدوا من يريد مساعدتهم، فالفرقة الفلسطينية الموجودة حتى اللحظة، والخلاف العلني بين ما جرى في 7 أكتوبر وتبعاته الكارثية على الشعب الفلسطيني وعلى المنطقة برمتها كبيرا للغاية.

كما أن تحركات ترامب وإدارته منذ اللحظة الأولى، لا توحي بأنه سيتحرك في إطار حل الدولتين وما طرح سابقا وعلى مدى عقود.

عقل ترامب يحمل الكثير، والمؤكد أنه مختلف ومخيف للكثير من دول العالم، وصدق رئيس الوزراء الفرنسي فرانسو بايرو، الذي قال:"إن أوروبا قد تسحق اذا لم تفعل شىء أمام ترامب والسياسة المعلنة لإدارته".

مقالات مشابهة

  • خلال استقبال البابا لسفيرها بالقاهرة.. خدمات طبية ومدرسة فنية من الكنيسة باسم مصر لكوت ديفوار
  • البابا فرنسيس: لقائي بالمرجع السيستاني مؤشر هام بالنسبة للعالم
  • البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
  • إبراهيم شعبان يكتب: قراءة في عقل ترامب
  • مناقشة ديوان "ظلي الذي يخجل من الاعتراف بموت صاحبه" بمعرض الكتاب
  • الخازن: كلام البابا فرنسيس عن لبنان نافذة أمل
  • رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للمريض 2025: الرجاء لا يخيب
  • الأب رفعت بدر يقدم لوحة لكنيسة معمودية المسيح للبابا فرنسيس
  • اختاره السيد المسيح.. الكنيسة تحتفل بذكرى نياحة القديس بروخورس أحد 70 رسولا
  • البابا فرنسيس: الوضع في لبنان سيتغيّر نحو الأفضل