أطلق ناشطون وشخصيات عربية في بريطانيا "نداء" لدعم حملتي "الصوت العربي" و"الصوت المسلم" في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في الرابع من تموز/ يوليو القادم، داعين انتخاب ودعم المرشح الذي تزكّيه الحملتان "لضمان تحقيق تمثيل فعّال ومؤثر".

وكانت حملة "الصوت المسلم" قد حددت حتى الآن 90 دائرة انتخابية تتجاوز فيها نسبة الناخبين المسلمين 10 في المئة من مجموع الناخبين، حيث تم أو سيتم اختيار مرشح لدعمه في كل دائرة.

وبين هؤلاء المرشحين مستلقون أو من ينتمون للأحزاب الصغيرة.

وحددت الحملة التي تدعمها حملة "الصوت العربي" ثلاثة معايير لتأييد أي مرشح، وهي موقفه بشأن دعم وقف إطلاق النار في غزة، ودعم قضايا المسلمين، والتمتع بالشعبية في الدائرة الانتخابية التي ينتمي إليها.

وقررت الحملة أخيرا عدم دعم أي مرشح من حزب العمال بغض النظر عن مواقفهم، مع التزام الحياد في 12 منطقة لمرشحين عماليين كان يُتوقع أن يتم دعمهم.

من جانبه، دعا "النداء" الذي وقعته الشخصيات العربية في بريطانيا "جميع المرشحين من الأصدقاء الذين لم يُعتمدوا في الحملة للانسحاب الفوري لمصلحة المرشحين المعتمدين؛ وذلك لتجنب تشتيت الأصوات"، وحث "جميع الناخبين على تبني الحملات الانتخابية للمرشحين المعتمدين والتضامن معهم" إلى جانب "التأكيد على ضرورة ممارسة حق الانتخاب، سواء بالحضور الشخصي أو عبر الطرق الأخرى التي يتيحها القانون البريطاني"، كما حذر من أن "عدم ممارسة حق الانتخاب يعني دعم المرشح الأكثر سوءًا بطريقة غير مباشرة".

وبينما أشار النداء إلى "أولوية تبني وقف الإبادة في غزة"، إلا أنه أكد أن هذا "لا تعني بالضرورة إهمال القضايا المحلية"، متحدثا عن الـ"توازن بين الاهتمام بالقضايا الدولية والمحلية".

وأعادت الانتخابات المحلية التي جرت في بريطانيا الشهر الماضي؛ النقاش حول مدى تأثير أصوات المسلمين والعرب في الانتخابات، خصوصا أن البلاد على أبواب انتخابات عامة.

وفي العادة، فإن غالبية المسلمين في بريطانيا يصوتون لحزب العمال، لكن موقف الحزب بقيادة كير ستارمر المؤيد لإسرائيل بشدة، بما في ذلك تأييده قطع إمدادات الماء والغذاء والكهرباء عن سكان غزة، والرافض للدعوة لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، وهو موقف حكومة المحافظين أيضا، أثار غضب شرائح واسعة من ناخبي الحزب، خصوصا المسلمين.

ورغم أن حزب العمال حقق تقدما في الانتخابات المحلية الأخيرة مقابل تراجع المحافظين، فإن الحزب واجه تحديا في المناطق التي تزيد نسبة المسلمين فيها على 20 في المئة، حيث شهد تراجعا بنحو 21 في المئة من الأصوات مقارنة بنتائج انتخابات 2021.

وقالت النائبة البارزة إيلي ريفز، وهي نائبة منسق حملة حزب العمال، إن حزبها يحتاج إلى إعادة بناء الثقة مع الناخبين المسلمين، وسط رد فعل "عنيف" وواضح ضد موقفه من غزة. كما أقرت بأن حزبها بحاجة إلى الكثير من العمل قبل الانتخابات العامة المقبلة.

الجالية العربية

وفي هذا السياق، يقول رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا صباح المختار، وهو أحد الموقعين على النداء: "ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ليس كما بعده.. في السنين الماضية الجالية العربية في غالب الأحيان كانت لا تشارك في العمل السياسي، لا تنتخب، أغلبها لا يسجلون لغرض الانتخاب، إما لأسباب تعود لتجاربهم السابقة في الوطن الأم (..) أو لشعورهم بأنه لا أهمية لصوتهم".

وأضاف لـ"عربي21": "هناك الآن عالم مختلف"، مشيرا إلى المظاهرات حول العالم للاحتجاج على الإبادة الجماعية في غزة.

وشدد المختار على أهمية "تكوين رأي لدى الجالية العربية بأنه يجب أولا المشاركة في هذا المجال، وثانيا ألا نصوت لحزب العمال ولا لحزب المحافظين، وبالتالي بدأ موضوع لمن نصوت؟ وهذه المرة الأولى -على ما أذكر- في تاريخ الانتخابات البريطانية هذا العدد الكبير من المستقلين الذين رشحوا أنفسهم (..) والعرب دخلوا في هذا المجال".

ورغم التركيز على قضية غزة، لكن "المرشح للبرلمان سيتحدث عن المصالح البريطانية، والمصالح البريطانية جزء منها هو السياسة الخارجية وسياسة الحروب أو دعم الدول التي تدخل في معارك"، مشيرا إلى رفض قطاع كبير من البريطانيين للدعم البريطاني لأوكرانيا، والأمر ذاته "حصل مع التدخل في غزة، خصوصا أن الموقف الذي يتعلق بغزة غير أخلاقي وغير إنساني وغير قانوني"، وفق تأكيد المختار.

وأوضح أن المرشحين الذين يحظون بدعم حملتي "الصوت المسلم" و"الصوت العربي" سيهتمون بالقضايا الداخلية منها "التي تشمل التعليم والصحة والمساعدات الاجتماعية وقوانين الهجرة (..) إضافة إلى ما يتعلق بموقف بريطانيا فيما يتعلق بدعم الحروب".

وفي حين أنه "تاريخيا غالبية العرب يصوتون لحزب العمال، والأغنياء منهم أو قلة منهم يصوتون لحزب المحافظين"، فإنه هذه المرة قررت الحملتان "عدم التصويت للمحافظين لأنهم مؤيدون لإسرائيل بالكامل، وعدم التصويت للعمال لأنهم رفضوا وقف إطلاق النار (..)"، لافتا إلى أن "الأحزاب الصغيرة والمستقلون إن لم ينجحوا (في الانتخابات) فهنالك ما يسمى بالتصويت التكتيكي وهو تخفيض نسبة نجاح الأحزاب (الكبرى). بالتأكيد سيكون هناك عدد من المحافظين سيفوزون وأيضا من حزب العمال، ولكن المقصود هو تخفيض عدد الأصوات التي يحظون بها"، لإعطاء "رسالة واضحة".

وحول إمكانية أن تتطور مثل هذه الحملات لتكون بمثابة جماعة ضغط فاعلة حتى خارج فترة الانتخابات، وخصوصا بالنسبة لحملة "الصوت العربي"، قال المختار: "هذا الأمر له علاقة بما يسمى الجالية العربية.. الجالية العربية في حزيران/ يونيو 2023 عقدت الاجتماع الأول لعدد من النشطاء العرب، والفكرة أنه يجب أن تتكون هناك جالية عربية وفق التنظيم الذي يعتبر العرب جالية".

وقال: "بريطانيا، على مختلف المستويات؛ البرلمان والإعلام والسياسيون، تعتبر الجالية العربية كتلة، هي أقلية اسمها الجالية العربية.. المشكلة أن الجالية العربية نفسها لا تتصرف كجالية، وإنما تتصرف كفلسطينيين وأردنيين وسوريين وعراقيين.. الخ"، مضيفا: "الفكرة الأساسية هي أنه يجب أن نعمل على تشكيل جالية عربية.. الجالية العربية ليست حركة سياسية؛ هي مجرد مظلة لجمع العرب تحتها وتكوين مختلف أنواع اللجان" (موضوع الانتخابات، رعاية الشباب، الهجرة، توعية العرب، مساعدة من يحتاج منهم.. الخ)".

وأشار إلى أن هناك توجها قبل نهاية العام، ربما في تشرين الأول/ أكتوبر أو تشرين الثاني/ نوفمبر، لعقد المؤتمر الأول للجالية العربية"، وقال: "وبالرغم من أن اسمه المؤتمر الأول، لكن هو في الحقيقة هذا هو المؤتمر الرابع"، حيث كان المؤتمر الأول عام 1991، والثاني في 1994، والثالث في 1997، "والآن هناك محاولة لإعادة تكوين الجالية، خصوصا أن الجيل الجديد هو المهم، والأمل فيهم، والتنظيم لهم والعمل يكون من خلالهم"، وواحدة من القضايا ستكون "اللوبي السياسي"، كما قال.

مشروع سياسي تغييري

من جانبه، قال رئيس مركز قرطبة لحوار الحضارات أنس التكريتي، وهو أيضا أحد الموقعين على هذا النداء، إن "هذا النداء نوع من التأكيد على أن مثل هذه الحملات ليست حملات طارئة، وتهدف لبناء قاعدة صلبة يمكن من خلالها بناء مشروع سياسي تغييري إصلاحي على المدى البعيد".

وأكد التكريتي أن "التفاعل مع هذه الحملة يكاد يكون غير مسبوق، ومن عدة جوانب"، مضيفا: "الانتخابات القادمة تشهد عددا غير مسبوق من المرشحين المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي من الأحزاب الكبيرة، كما أن العدد الهائل من هؤلاء الذين يتجاوزون 1300 أو 1400 من جميع أنحاء بريطانيا؛ يرفعون العلم الفلسطيني في حملاتهم وينطلقون من مواقفهم الرافضة للإبادة التي ارتكبت بحق غزة ويطالبون بتعديل وإصلاح بشكل جذري للنظام السياسي البريطاني".

ولفت التكريتي في حديثه لـ"عربي21" إلى أن هناك "حالة من الانسجام والتنسيق بين الصوت العربي والصوت المسلم"، مشيرا إلى أن المعايير الرئيسة للمرشحين الذين حازوا على دعم الصوت العربي؛ هي معايير صعبة أو طويلة"، ومنها "أن يكون المرشح موقفه واضح من قضية غزة" حتى لو كان منتميا لأي حزب، ابتداء من التصويت لصالح مشروع وقف إطلاق النار في البرلمان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

كما أن "هناك حزمة من السياسات التي تتعلق بالمواطن البريطاني العربي أو البريطاني المسلم، ومنها قضية العنصرية، والإسلاموفوبيا، وإجراءات (برنامج) بريفنت الأمنية والتي تؤثر على الأطفال والكبار.. القضايا التي تتعلق بالمسلمين والمجتمع العربي"، وفق التكريتي.

كما يلفت التكريتي إلى قدرة المرشح الذي يحظى بالدعم "على العمل مع الجميع في كافة القضايا المجتمعية، ولذلك نحن ننسق على مستوى كبير مع حزب العاملين برئاسة جورج جالاوي وكذلك مع بعض الأحزاب الصغيرة والمجموعات الصغيرة، والذين كانوا مثلا في حزب العمال وخرجوا، وكذلك القبول من المجتمع المحلي (المساجد، اللجان المجتمعية، رجال الأعمال.. الخ)، "عبر تواصل المرشحين مع هذا المجتمع والتفاعل مع قضاياه".

وحول قرار حملة "الصوت المسلم" عدم دعم أي مرشح عمالي بغض النظر عن موقفه تجاه حرب غزة أو علاقته بالجالية المسلمة، قال التكريتي إن هذه القضية أثارت "جدلا كبيرا، وانتهى الجدل إلى أنه في الدوائر التي فيها أعضاء من حزب العمال مواقفهم إيجابية وجيدة وربما تنطبق عليهم المعايير التي ذكرتها، فحينئذ ورفضا لحزب العمال فقط وموقف كير ستارمر إزاء ما حدث في غزة، فلن ندعم أي مرشح في تلك الدوائر؛ سنترك تلك الدوائر دون ترشيح أو دعم لأي مرشح".

وذكر التكريتي أن هذا النداء "ينبع من حالة من الالتزام بالوعود التي أطلقنا من بداية حرب الإبادة في غزة، وهي أن معاقبة الأحزاب الكبيرة ومعاقبة كافة المرشحين مع المجرم الذي ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية في غزة ومكافأة الذي عارض هذه الجريمة ووقف مع الضحايا، وكذلك موضوع الخدمات الصحية والتعليمية والمجتمعية والحالة الاقتصادية المزرية في بريطانيا (..) وهذه أيضا من جملة القضايا التي يجب أن يعتني بها المرشح"، بحسب التكريتي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية بريطانيا العربي الانتخابات المسلمين المرشحين الحملات بريطانيا العرب انتخابات المسلمين مرشحين المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجالیة العربیة فی الانتخابات الصوت العربی لحزب العمال فی بریطانیا حزب العمال أی مرشح فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

إذا لـم تُـناصِـر الديمقراطية العمال فمصيرها إلى زوال

حتى لو لم تندلع الموجة المتطرفة الـمُـخيفة الـمُـنـتَـظَـرة في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الشهر بالدرجة المتوقعة لها من القوة، فقد كان أداء اليمين المتطرف جيدا في إيطاليا والنمسا وألمانيا، وبشكل خاص في فرنسا. علاوة على ذلك، جاءت أحدث مكاسبه في أعقاب تحولات كبرى نحو أحزاب اليمين المتطرف في المجر وإيطاليا والنمسا ونيذرلاند والسويد، بين دول أخرى.

في فرنسا، لا يمكن اعتبار الانتصار الساحق الذي حققه حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) بقيادة مارين لوبان مجرد تصويت احتجاجي. ذلك أن الحزب يسيطر بالفعل على عدد كبير من الحكومات المحلية، وقد دفع نجاحه هذا الشهر الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة -وهي مقامرة قد تمنحه أغلبية برلمانية.

على مستوى ما، لم نشهد جديدا هنا. فقد كنا نعلم بالفعل أن الديمقراطية أصبحت مُـنـهَـكة على نحو متزايد في مختلف أنحاء العالم، مع تزايد شِـدّة التحديات من جانب الأحزاب الاستبدادية.

وتُظهِر الاستطلاعات أن حصة متزايدة من السكان تفقد الثقة في المؤسسات الديمقراطية. بيد أن التوغلات التي يحرزها اليمين المتطرف بين الناخبين الأصغر سنا مثيرة للقلق بشكل خاص.

لا أحد يستطيع أن ينكر الآن أن هذه الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة نداء تنبيه صارخ. ولكن ما لم نفهم الأسباب الجذرية وراء هذا الاتجاه، فمن غير المرجح أن تنجح الجهود الرامية إلى حماية الديمقراطية من الانهيار المؤسسي والتطرف.

التفسير البسيط لأزمة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم الصناعي هو أن أداء النظام لم يرق إلى مستوى الوعود التي بذلها. في الولايات المتحدة، لم ترتفع الدخول الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) عند أسفل ووسط جدول التوزيع إلا قليلا منذ عام 1980، ولم يفعل الساسة المنتخبون شيئا يُـذكَر حيال ذلك. على نحو مماثل، كان النمو الاقتصادي في قسم كبير من أوروبا باهتا، وخاصة منذ عام 2008. وحتى لو انخفضت معدلات البطالة بين الشباب مؤخرا، فإنها كانت لفترة طويلة تشكل قضية اقتصادية كبرى في فرنسا وبلدان أوروبية أخرى عديدة.

كان من المفترض أن يوفر النموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية فرص العمل، والاستقرار، والمنافع العامة عالية الجودة. ورغم نجاحه إلى حد كبير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد جاء أداؤه مقصرا في كل المجالات تقريبا منذ عام 1980 أو نحو ذلك. واستمر صناع السياسات من اليسار واليمين في الترويج لسياسات صممها خبراء وأدارها تكنوقراط مؤهلون تأهيلا عاليا.

لكن هذه السياسات لم تفشل في تحقيق الرخاء المشترك فحسب؛ بل تسببت أيضا في إيجاد الظروف التي أفضت إلى اندلاع الأزمة المالية عام 2008، والتي أزالت أي غطاء رقيق متبق من النجاح. وخلص أغلب الناخبين إلى أن الساسة يهتمون بدرجة أكبر بالمصرفيين مقارنة باهتمامهم بالعمال. يظهر عملي مع نيكولاس أجزينمان، وسيفات جيراي أكسوي، ومارتن فيزبين، وكارلوس مولينا أن الناخبين يميلون إلى دعم المؤسسات الديمقراطية عندما تكون لديهم خبرة مباشرة تتمثل في ديمقراطيات قادرة على تحقيق النمو الاقتصادي، وممارسة الحكم غير الفاسد، وجلب الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتوفير الخدمات العامة، وخفض مستويات التفاوت. وعلى هذا فليس من المستغرب أن يُـفضي الفشل في تلبية هذه الشروط إلى خسارة الدعم.

علاوة على ذلك، حتى عندما رَكَّـزَ القادة الديمقراطيون على سياسات من شأنها أن تسهم في تحسين ظروف المعيشة لصالح معظم السكان، فإنهم لم يبرعوا في التواصل بشكل فعّال مع جماهير الناس. على سبيل المثال، من الواضح أن إصلاح نظام معاشات التقاعد ضروري لوضع فرنسا على مسار نمو أكثر استدامة، لكن ماكرون فشل في تأمين الدعم العام لحله المقترح.

لقد فقد القادة الديمقراطيون على نحو متزايد القدرة على إدراك مخاوف السكان الأشد عمقا. وفي الحالة الفرنسية، يعكس هذا جزئيا أسلوب القيادة المتغطرس الذي ينتهجه ماكرون. لكنه يعكس أيضا انحدارا أعرض لمستوى الثقة في المؤسسات، فضلا عن الدور الذي تؤديه وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها من تكنولوجيات الاتصال في تعزيز المواقف الاستقطابية (على اليسار واليمين) والدفع بقسم كبير من السكان إلى غرف صدى أيديولوجية. كان صناع السياسات والساسة المنتمون إلى التيار السائد أيضا غافلين إلى حد ما تجاه أشكال من الاضطرابات الاقتصادية والثقافية التي تجلبها الهجرة بأعداد ضخمة.

في أوروبا، أعربت نسبة كبيرة من السكان عن مخاوفهم بشأن الهجرة الجماعية من الشرق الأوسط على مدار العقد الأخير، لكن الساسة الوسطيين (وخاصة قادة يسار الوسط) تباطأوا في التعامل مع هذه القضية. وقد خلق ذلك فرصة كبيرة للأحزاب المتطرفة المناهضة للهجرة مثل حزب الديمقراطيين السويديين في السويد وحزب من أجل الحرية النيذرلاندي، والتي أصبحت منذ ذلك الحين شركاء ائتلاف رسميين أو غير رسميين للأحزاب الحاكمة.

الواقع أن التحديات التي تعوق الرخاء المشترك في العالم الصناعي ستصبح أشد إلحاحا في عصر الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي (الأتمتة) -وهذا في وقت حيث تحول تغير المناخ، والجوائح الـمَـرَضية، والهجرة الجماعية، وتهديدات مختلفة عديدة للسلام الإقليمي والعالمي إلى مخاوف متنامية جميعها. لكن الديمقراطية تظل النظام الأفضل تجهيزا للتعامل مع هذه القضايا.

توضح الأدلة التاريخية والحالية أن الأنظمة غير الديمقراطية أقل استجابة لاحتياجات سكانها، وأقل فعالية في مساعدة المواطنين المحرومين. أيا كان ما قد يَـعِـد به النموذج الصيني، فإن الأدلة تظهر أن الأنظمة غير الديمقراطية تعمل في نهاية المطاف على تقليص النمو في الأمد البعيد. مع ذلك، تحتاج المؤسسات الديمقراطية والقادة السياسيون إلى الالتزام المتجدد ببناء اقتصاد عادل. وهذا يعني إعطاء الأولوية للعمال والمواطنين العاديين قبل الشركات متعددة الجنسيات، والبنوك، والمخاوف العالمية، مع العمل على تعزيز الثقة في النوع الصحيح من التكنوقراطية. لن يكون من المجدي أن يفرض مسؤولون منعزلون سياسات تصب في مصلحة شركات عالمية. ولمعالجة تغير المناخ، والبطالة، والتفاوت بين الناس، والتعامل مع الذكاء الاصطناعي والارتباكات التي أحدثتها العولمة، تحتاج الديمقراطيات إلى المزج بين الخبرة والدعم الشعبي العام. لن تكون هذه بالمهمة السهلة، لأن كثيرا من الناخبين أصبحوا لا يثقون في الأحزاب الوسطية.

ورغم أن اليسار المتشدد -كما يمثله جان لوك ميلينشون في فرنسا- يتمتع بقدر أكبر من المصداقية مقارنة بالسياسيين المنتمين إلى التيار السائد عندما يتعلق الأمر بالتزامه بصالح العمال والاستقلال عن مصالح البنوك وشركات الأعمال العالمية، فمن غير الواضح ما إذا كانت السياسات الشعبوية اليسارية قادرة حقا على تسليم الاقتصاد الذي يريده الناخبون.

يشير هذا إلى طريق واحد إلى الأمام يجب أن تسلكه الأحزاب الوسطية. بوسعها أن تبدأ ببيان يرفض الولاء الأعمى لشركات الأعمال العالمية والعولمة غير المنظمة، ويقدم خطة واضحة وقابلة للتطبيق تجمع بين النمو الاقتصادي وتقليص فجوات التفاوت. ينبغي لها أيضا أن تعمل على إيجاد توازن أوثق بين الانفتاح والسماح بحدود معقولة للهجرة. إذا أيد عدد كاف من الناخبين الفرنسيين الأحزاب المؤيدة للديمقراطية ضد حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، فقد تنجح مقامرة ماكرون. ولكن حتى لو نجحت، فإن العودة إلى العمل كالمعتاد ممارسة من غير الممكن أن تستمر. لكي تستعيد الديمقراطية دعم جماهير الناس وثقتهم، يجب عليها أن تصبح أكثر مُـناصَـرة للعمال وتأييدا للمساواة.

دارون عاصم أوغلو أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف مشارك (مع جيمس أ. روبنسون) لكتاب لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر (الملف الشخصي، 2019).

خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • حزب المؤتمر مع اقتراب ذكرى 30 يونيو: يجب إعادة التذكير بأهمية ما حدث
  • بـ9 محافظات.. ايران تهيئ 14 مركزاً انتخابيا في العراق
  • الجامعة العربية تؤكد ضرورة تكثيف الجهود الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي على فلسطين
  • الجامعة العربية تؤكد ضرورة تكثيف الجهود الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي
  • باسيل عرض مع زكي لدور الجامعة العربية في المساعدة لانجاز الانتخابات الرئاسية
  • آيات لفك الكرب الشديد.. احرص على تلاوتها بيقين للتخلص من الهموم
  • إذا لـم تُـناصِـر الديمقراطية العمال فمصيرها إلى زوال
  • الجزائر وفرنسا يدرسان التعاون بسوق الأدوية والمركبات
  • فاينانشيال تايمز: غياب النزاهة في الانتخابات البريطانية من شأنه أن يقوض الديمقراطية نفسها
  • سفير سريلانكا لدى المملكة يشيد بنجاح موسم الحج