القمع الصحفي: ليس في العالم الثالث فقط.. بل ربما في كندا أيضًا
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
في صباح يوم 15 أبريل/نيسان، توجّهتُ إلى فرع بنك سكوتيا في وسط مدينة مونتريال لتغطية احتجاج مؤيّد لفلسطين، وسبب اختيار الناشطين لهذا المكان بالذات، أن هذا البنك الكندي لديه استثمارات في شركة الدفاع الإسرائيلية Elbit Systems. وقد قام المتظاهرون بإغلاق أجهزة وأكشاك الصراف الآلي التابعة للبنك، وما تلا ذلك من استدعاء للشرطة.
لقد ظهر ضباط الشرطة بملابس مكافحة الشغب، وعندما تمّ الإعلان عن نيّتهم اعتقال بعض الناشطين، لم أتوقّع أن أكون من بينهم.
استهداف الصحفيينلكن، على الرغم من تعريفي بنفسي كصحفية عدّة مرات، وإبراز تصريحي الصحفي للضباط، فقد تم القبض عليّ مع الناشطين الـ 44 الذين كنت أقوم بتغطية نشاطهم، وجرى التحقيق معي داخل البنك، ثم أُطلق سراحي في النهاية بعد ساعات من الاحتجاز.
ومن المحتمل الآن أن أواجه اتّهامات جنائية؛ لأني وببساطة كنت أقوم بعملي.. حيث قد تنجم عنها عقوبة بالسجن لمدة عامين كحد أقصى، وغرامة تصل إلى 5000 دولار كندي، كما يمكن أيضًا أن يتمّ منعي من مغادرة البلاد.
تقتصر مهمة الشرطة الكندية على اقتراح الاتهامات، أما الادعاء فهو الذي يتعين عليه أن يقرّر ما إذا كان سيتم توجيه الاتهام إليّ أم لا، ويمكن أن تستغرق هذه العملية وحدها من بضعة أشهر إلى سنة.
إنني ثانية صحفية يتم اعتقالها في كندا أثناء ممارسة عملها منذ بداية عام 2024، ففي يناير/كانون الثاني، ألقي القبض على الصحفية براندي مورين، ووُجّهت لها تهمة إعاقة العمل في مقاطعة ألبرتا أثناء تغطيتها مداهمة قامت بها الشرطة لمخيم للمشرّدين كان العديد من المقيمين فيه من السكان الأصليين. واستغرق الأمر شهرين من الضغط حتى تم إسقاط التهم الموجّهة إليها.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ظهر نمط جديد من الاعتقالات، استهدفت خلاله الشرطة على وجه التحديد الصحفيين الذين يعملون لحسابهم الخاص، أو مع وسائل إعلام أصغر، وكان العديد من هؤلاء الصّحفيين يغطّون احتجاجات يتزعمها السكّان الأصليون. وكثيرًا ما يزعم رجال الأمن أنّ العاملين في مجال الإعلام الذين يلاحقونهم "ليس هناك ما يدل على أنهم صحفيون".
إسكات وترهيبتواصل الشرطة الكندية استخدام الاحتجاز؛ لإسكاتنا وترهيبنا على الرغم من حقنا في حرية التعبير بموجب الميثاق الكندي للحقوق والحريات. ولمزيد من التّوضيح، وبموجب المادة الثانية من الميثاق، فإنّ حقوق الكنديين في حرية الفكر والمعتقد والتعبير محمية، وفي هذا الميثاق تحدّد مسؤولية وسائل الإعلام بوصفها طريقة حيوية لنقل الأفكار والآراء، وحماية حقّ الصحفيين ووسائل الإعلام في التعبير عن آرائِهم.
علاوة على ذلك، أكد حكم أصدرته محكمة كندية في عام 2019 على حماية الصحفيين من الخضوع للأوامر القضائية في المواقف التي يؤدون فيها واجباتهم المهنية.
وقد تم اتخاذ قرار المحكمة في قضية الصحفي جاستن بريك، الذي ألقي القبض عليه في عام 2016 أثناء توثيقه احتجاجات كان يقودها مدافعون عن أراضي السكان الأصليين في موقع مشروع شلالات موسكرات، في نيوفاوندلاند ولابرادور. وقد واجه بريك اتهامات جنائية بالإيذاء وعصيان أمر من المحكمة، عندما رافق المتظاهرين إلى الموقع، ناهيك عن إجراءات الازدراء المدني.
وعلى الرغم من انتصار بريك في القضية أمام المحكمة، فلا يزال عدد من الصحفيين مشمولين بأوامر قضائية، ففي عام 2021، تمَّ اعتقال آمبر براكن، ومايكل توليدانو – وهما صحفيان كنديّان بارزان – في غرب البلاد، عندما كانا يوثّقان حراك المدافعين عن أراضي السكان الأصليين الذين يحمون منطقة ويتسويتين – بالقرب من هيوستن، كولومبيا البريطانية – من بناء خط أنابيب غاز لينك الساحلي، عندما تمّ القبض عليهما.
لقد احتجزتهما شرطة الخيالة الملكية الكندية (RCMP) لمدة ثلاثة أيام قبل أن تطلق سراحهما، وفي مقابلة له، قال توليدانو: إنه وبراكن تم وضعهما في زنزانة مضاءة على مدار 24 ساعة في اليوم، وتم إطعامهما بالحد الأدنى، وحرمانهما من فرشاة الأسنان والصابون، وأوضح توليدانو: "لقد تلقينا معاملة عقابية في السجن"، وواجه الاثنان تهمًا بالازدراء المدني، تمّ إسقاطها عنهما بعد شهر من ذلك.
ضغوط نفسيةوعلى الرغم من أنني كنت على علم بهذه الحالات، وقمت بتحليل العديد من انتهاكات حرية الصحافة في كندا على مدى السنوات القليلة الماضية، وبحثتُ في الطرق المختلفة التي يمكن أن يتعرّض من خلالها الصحفيون للمضايقة أو الترهيب، فإنّني لم أكن مستعدة معنويًا لخوض هذه التجربة، فمنذ أن تم اعتقالي، لم يعد لدي نفس الشعور بالأمان الذي كنت أشعر به من قبل. فالضغط النفسي، والشعور بأن ثمة من يراقبني طوال الوقت ناهيك عن ترقب ما قد يوجه إليّ من تهم، كل ذلك أثر عليّ نفسيًا. وهذا ليس مرهقًا فحسب، بل إنه يصرفني عن العمل المهم والأساسي الذي أقوم به كصحفية.
ومع ذلك، فقد تلقيت أيضًا الكثير من الدعم، حيث بادر الصحفيون الكنديون والدوليون بالالتفاف حولي بعد اعتقالي، ولا شك أن تضامن الصحفيين في مثل هذه الحالات أمر بالغ الأهمية، فإذا تم اعتقال صحفي واحد، فهذا يعني أنه لا أحد منا في أمان، وأن حرية الصحافة باتت في خطر.
أدرك أنني لم أرتكب أي خطأ وأن التهم الموجهة إليّ ظالمة، لذا لن يرهبني الاعتقال أو يمنعني من تغطية الاحتجاجات التي يقودها السكان الأصليون أو غيرهم، غير أن مبعث الشعور بالقلق لديّ أن يكون اعتقالي مثبّطًا لصحفيين آخرين عن القيام بما يتوجّب عليهم تجاه مثل هذه القضايا.
لقد قمت بتغطية النشاط المؤيد لفلسطين في مونتريال لمدة ثماني سنوات، وبشكل أكثر كثافة خلال الأشهر الثمانية الماضية؛ بسبب الحرب على غزة. ولسنوات كنت واحدة من الصحفيين القلائل الذين شاركوا في تغطية هذه الاحتجاجات، وفي كثير من الأحيان كنت الوحيدة التي تتابع مجريات هذه الأحداث.
وبغض النظر عن موقفهم مما يحدث، فإن للكنديين الحق في معرفة ما الذي يحتج من أجله مواطنوهم، وما إذا كانوا يواجهون انتهاكات من قبل الشرطة، فقد يكون وجود الصحفي في بعض الأحيان هو الضمان الوحيد لمحاسبة الشرطة والمؤسسات في حالة وجود تجاوزات.
صمت وتقصيربيدَ أن هناك افتقارًا واضحًا للإرادة السياسية لدى المسؤولين لحماية الصحفيين، والتأكد من أنهم يستطيعون القيام بعملهم دون إزعاج، فلم تستنكر – مثلًا – عمدة مونتريال فاليري بلانت اعتقالي، بل بدلًا من ذلك، عندما طلب منها التعليق على الأمر، ذكر مكتبها أنّ الحريات الصحفية مهمة، لكنهم لا يعيقون قيام الشرطة بإجراء تحقيقاتها.
وكتب أحد أعضاء مجلس المدينة إلى مكتب عمدة المدينة يحثها على التنديد باعتقالي. كما التزم السياسيون المحليون الصمت إلى حد كبير فيما يتعلق باعتقال الصحفيين الآخرين، مع استثناءات قليلة.
ويعكس التعليق الصادر عن مكتب عمدة المدينة موقف معظم السياسيين في كندا، الذين ما فتئوا يعلنون، في حالات أخرى، احترامهم حريةَ التعبير.
ففي 3 مايو/أيار، اليوم العالمي لحرية الصحافة، أصدر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بيانًا قال فيه: إنّ "الصحفيين هم حجر الأساس لديمقراطيتنا"، ومع ذلك، لم يتخذ أبدًا موقفًا للدفاع عن مورين، وبراكن، وتوليدانو، والعديد من الأشخاص الآخرين الذين تم اعتقالهم أثناء قيامهم بمهمة ما، فهو، مثل العديد من السياسيين الآخرين، مقصر سواء في الكلمات أو الأفعال.
وإلى أن يتم اتخاذ خطوات ملموسة لمنع موظفي إنفاذ القانون من تخويف أو إسكات الصحفيين من خلال الاعتقال، ستظل حرية الصحافة معرضة للخطر في كندا. ويجب حماية الصحفيين وعدم تجاهل حقوقهم القانونيّة عند تغطية موضوعات معينة. وإذا استمر الصحفيون في التعرض للمضايقات لمنعهم من أداء عملهم، فإن الجميع سيكون معرضًا لخطر البقاء في الظلام بشأن الأحداث والتطوّرات المهمّة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حریة الصحافة على الرغم من العدید من فی کندا
إقرأ أيضاً:
بعد خطف معارض أوغندي من كينيا.. أمنستي تدين القمع العابر للحدود
عبرت منظمة العفو الدولية عن "القلق العميق" إزاء اختطاف المرشح الرئاسي السابق المعارض الأوغندي، كيزا بيسيغي، من كينيا.
وقالت العفو الدولية إن اختطافه "جزء من اتجاه متنام ومقلق للقمع العابر للحدود الوطنية مع انتهاك الحكومات لحقوق الإنسان خارج حدودها"، مشيرة إلى أن هذه "ليست المرة الأولى التي يتم فيها اختطاف معارض أجنبي على الأراضي الكينية".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تهديد خطير.. رايتس ووتش تدين قرار واشنطن تزويد كييف بالألغام الأرضيةlist 2 of 2ضحية قرار جديد للكنيست.. أصغر أسير بسجون الاحتلال طفل مقدسيend of listووفق المنظمة فإن زعيم حزب منتدى التغيير الديمقراطي، الذي مثل أمام محكمة عسكرية في العاصمة كامبالا أمس الأربعاء، جرى خطفه من نيروبي بكينيا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووصف تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في شرق وجنوب أفريقيا، الحكومة الأوغندية بأنها "تتمتع بسجل حافل من القمع المنهجي للأحزاب السياسية المعارضة من خلال عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني بتهم ملفقة".
وعبرت المنظمة عن اعتقادها "الراسخ" بأن اختطاف بيسيغي "يهدف إلى إرسال رسالة مخيفة إلى أولئك الذين تختلف آراؤهم مع الحكومة الأوغندية"، مضيفة أنه "يجب أن تتوقف هذه الممارسات".
حكومة موسيفيني اتهمت مرارا بارتكاب انتهاكات حقوقية واسعة ضد زعماء المعارضة وأنصارها الأوروبية)وشوهد يسيغي، وفق محاميه، آخر مرة مساء في 16 نوفمبر/تشرين الثاني في مجمع سكني في نيروبي بكينيا، ولم يكن من الممكن الوصول إليه بعد ذلك حتى أكد أفراد الأسرة أنه محتجز في سجن عسكري في كمبالا من دون إمكانية الوصول إلى أسرته أو محاميه.
ويرى محامو بيسيغي أن الاختطاف نتيجة تواطؤ بين السلطات الكينية والأوغندية، لكن الحكومة الكينية نفت تورطها.
وبيسيغي الذي كان ذات يوم الطبيب الشخصي لموسيفيني في الثمانينيات خلال الحرب الأهلية في أوغندا بين الحكومة وقوات المتمردين، أصبح في ما بعد منتقدا صريحا ومعارضا سياسيا للرئيس، وهذا تسبب في اعتقاله عدة مرات خلال السنوات الماضية.
وقد خاض بيسيغي 4 مرات الانتخابات ضد موسيفيني، الذي يحكم الدولة الواقعة في شرق أفريقيا منذ عام 1986، وخسر فيها كلها، لكنه كان يرفض النتائج ويتهم السلطات بالتزوير وترهيب الناخبين.
وعلى مدى عقود، اتُهمت حكومة موسيفيني بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ضد زعماء المعارضة وأنصارها، ومن ذلك الاعتقالات غير القانونية والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء.
وترفض السلطات في أوغندا هذه الاتهامات، وتقول إن المعتقلين يحتجزون بشكل قانوني ويخضعون للإجراءات القانونية الواجبة في النظام القضائي.