قال الدكتور أيمن غنيم، الأستاذ بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية والخبير المصرفي، إن القيادة السياسية المصرية تتمتع برؤية شاملة لحل المشكلة الاقتصادية، فهي تضع الأهداف واضحةً نصب عينيها وهي إخراج المصريين مما أسمته حقاً وصدقاً بدائرة "العوز" وتحقيق التنمية المستدامة، وهي قدرة الاقتصاد على تحقيقي معدلات نمو مرتفعة ومستمرة ومستقرة، مع الحفاظ على البيئة والموارد، لضمان استمرارية تلك المعدلات، مع عدالة توزيع ثمارها، وبناء الإنسان وتأهيله للتعامل مع مستجدات العصر، بحيث تصبح مصر فاعلاً ومشاركاً في مسيرة التقدم الإنساني.


وأضاف غنيم، أنه لتحقيق تلك الأهداف، فإن الرئيس السيسي يتبنى نهجاً منفتحاً وفكراً مرناً يستقي توجهاته الاقتصادية - بما يلائم الحالة والأوضاع المصرية، من أهم ٣ مدارس اقتصادية موجودة الآن على الساحة العالمية، وهي: ١) مدرسة السوق الحرة، ٢) ومدرسة سوق الرفاه الاجتماعي، ٣) ومدرسة الرأسمالية الموجهة.
فبالنسبة لمدرسة "السوق الحرة"، فهي المسيطرة على ما يُسمَّى بالعالم الأنجلو ساكسوني والذي يتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا والدول التي اختارت نهجها. وتعتمد تلك المدرسة على تحرير أسعار السلع، لضمان إتاحتها في الأسواق وترى أن السعر يجب أن يتحدد عن طريق إطلاق قوى العرض والطلب، وذلك للوصول لأكفأ توزيع للموارد. وتنتهج الجمهورية هذا النهج في حرية الأسعار وأبرزها تحرير سعر صرف العملة المحلية، لضمان إتاحة العملة الأجنبية في السوق الرسمي بسعرها العادل، حتى يطمئن المستثمر الأجنبي لقدرته على دخول السوق والخروج منه دون عوائق، وحتى تستطيع الصناعة المحلية استيراد ما يلزم من مستلزمات الإنتاج، وتسعير المنتج النهائي بما يعكس قيمته الحقيقية.
والمدرسة الثانية هي "سوق الرفاه الاجتماعي" وهي المسيطرة على ألمانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وبدرجة أكبر على الدول الإسكندنافية. وتعتمد هذه المدرسة على إتاحة الخدمات الأساسية، لاسيما الصحة والتعليم، بتكلفة في متناول يد المواطن، كما تهتم بند مظلة الحماية الاجتماعية، لحماية الشعب من الحاجة، ولكن تلك النفقات تظل دائماً محددة بموارد حقيقية، للحفاظ على الانضباط المالي للدولة. وتنعكس هذه المدرسة في فكر الرئيس السيسي في مبادرة "حياة كريمة" للقرى الأكثر احتياجاً وفي التوجيهات المستمرة للحكومة لدعم برامج الرعاية الاجتماعية، والتي وصلت مخصصاتها إلى ٦٣٦ مليار جم في موازنة العام المالي المنتهي في ٣٠ يونيو ٢٠٢٥، مقارنة ب٥٢٩ مليار جم في ٢٠٢٤، مع الحفاظ على عجز الموازنة عند ٦٪؜ من الناتج المحلي وتحقيق فائض أولي بلغ حوالي ٢٪؜ في ٢٠٢٤.
أما المدرسة الثالثة، فهي "الرأسمالية الموجهة" والتى طبعت جنوب شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية وصنعت نجاحات النمور الآسيوية. وتعتمد هذه المدرسة على تشجيع الدولة للمنتجين ولاسيما الصغار والاستثمار الكثيف في البنية الأساسية. ولاشك أن إصدار القانون رقم (١٥٢) لسنة ٢٠٢٠ الخاص بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر ومبادرات البنك المركزي في هذا المجال قد تأثرت بالتجارب آنفة الذكر، كما أن برنامج المشروعات القومية الطموح الذي غير وجه الحياة في مصر وسوف يغيرها مستقبلاً فد أوجد فرصاً هائلة، لاسيما لقطاعات التشييد والبناء والصناعات المغذية والخادمة له.
وبهذا العرض، نستطيع أن نؤكد مطمئنين أن الجمهورية الجديدة، التي يقود بناءها اليوم الرئيس السيسي، تبني أيضاً مدرستها الاقتصادية الخالصة التي تتفق مع ظروفها واحتياجاتها، في انفتاح علمي وفكري على جميع مدارس العالم.

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي واستهداف السيارات الكهربائية

 

تشو شيوان **

أصدرت المفوضية الأوروبية في الأسبوع الماضي حكمها الأولي بشأن التحقيق في مكافحة الدعم للسيارات الكهربائية في الصين، وكشفت أنها تخطط لفرض رسوم تعويضية مؤقتة على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، وبعد ذلك أكدت وزارة التجارة الصينية أن الصين تشعر بقلق بالغ وغير راضية بشدة عن هذا الأمر، وأن الصناعة الصينية تشعر بخيبة أمل شديدة وتعارض ذلك بشدة، وأكدت وزارة الخارجية الصينية أن الصين تحث الجانب الأوروبي على الالتزام بالتزامه بدعم التجارة الحرة ومعارضة الحمائية، والعمل مع الصين لحماية الوضع العام للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي.

في السنوات الأخيرة، تطورت بسرعة صناعة الطاقة الجديدة في الصين؛ مما دفع تصدير هذه المنتجات واسع الانتشار عالمياً، وعلى وجه الخصوص، فإن "المنتجات الثلاثة الجديدة" المتمثلة في السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية باتت مطلوبة في السوق العالمية بشكل كبير، وفي عام 2023 تجاوزت الصادرات تريليون يوان لأول مرة، بزيادة تقارب 30%، وأجدُ أن السبب في ذلك هو أن التطور السريع لصناعة الطاقة الجديدة في الصين يعتمد على الابتكار التكنولوجي المستمر، وتحسين نظام الإنتاج وسلسلة التوريد، والمنافسة الكاملة في السوق، والمكانة الرائدة التي تم تحقيقها هي نتيجة العمل المبتكر وفق قواعد السوق العالمي.

والسيارات الكهربائية هي صناعة عالمية، ولا يمكن تحقيق المنفعة المتبادلة والنتائج المربحة إلّا من خلال تقسيم العمل والتعاون، ويعتمد السببُ وراء الشعبية الكبيرة للسيارات الكهربائية الصينية على الابتكار التكنولوجي والجودة الممتازة التي تشكل منافسة قوية في السوق العالمية، ويتم تحقيق ذلك من خلال المنافسة الحرة في السوق ولا يتم دعمها بأي حال من الأحوال، وفي الوقت نفسه رفعت الصين القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في قطاع التصنيع بشكل كامل، وفتحت أبوابها أمام شركات السيارات العالمية، ووجدنا شركات السيارات من جميع أنحاء العالم تتمتع بشكل كامل بأرباح السوق الصينية الكبيرة.

ويُعدُ مصنع شركة تِسلا في شانغهاي، مركزَ التصدير الرئيسي لشركة تِسلا في العالم، وتحظى السيارات المنتجة بشعبية كبيرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا ومناطق أخرى. وفي عام 2023، احتلت الصين المرتبة الثانية كأكبر سوق لشركة تِسلا في العالم، وتجاوزت مبيعات التجزئة لها في الصين 600 ألف وحدة، بزيادة سنوية قدرها 37.3%، وبلغت الإيرادات السنوية 21.75 مليار دولار أمريكي. وإضافة إلى تِسلا، قد أصبحت "مرسيدس بنز" و"بي إم دبليو" و"فولكس فاجن" علامات تجارية مألوفة للسيارات منذ فترة طويلة للشعب الصيني، وتواصل زيادة استثماراتها في السوق الصينية.

ويعتمد تطوير السيارات الكهربائية الصينية على مهارات حقيقية، والتي لا تضخ زخمًا جديدًا في النمو الاقتصادي العالمي فقط؛ بل تساهم في التحول الأخضر العالمي أيضاً، ولقد أشاد العديد من الأشخاص الدوليين بجهود الصين في التحول الأخضر ومنخفض الكربون، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاهلت الحقائق وقواعد منظمة التجارة العالمية لفرض الرسوم الجمركية على الواردات من الصين على السيارات الكهربائية.

وإذا أخذنا هذا التحقيق في مكافحة الدعم كمثال، فإن النتائج التي تم الكشف عنها في حكم الاتحاد الأوروبي تفتقر إلى أساس واقعي وقانوني، وتبني وتُبالغ بشكل مُصطنع فيما يسمى بـ"مشاريع الدعم"! وهو سلوك حِمائِيّ سافر وغير مقبول، ويخلق تصاعدًا لحِمَائِية تجارية باسم "الحفاظ على المنافسة العادلة"، وهو في الواقع "تقويض للمنافسة العادلة". والحقيقة تقول إن اتهامات الاتحاد الأوروبي لا أساس لها من الصحة؛ فهي لا تُلحِق الضرر بالحقوق والمصالح المشروعة لصناعة السيارات الكهربائية في الصين فقط؛ بل إنها ستؤدي أيضًا إلى تعطيل وتشويه سلسلة صناعة السيارات العالمية وسلسلة التوريد؛ بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وسوف تُلحِق الضرر في نهاية المطاف بمصالح أوروبا الخاصة.

في الواقع، منذ قرار المفوضية الأوروبية بإطلاق تحقيق بشأن مكافحة الدعم ضد السيارات الكهربائية الصينية في أكتوبر من العام الماضي، كان هناك انقسام كبير داخل أوروبا؛ حيث عارضت ألمانيا والمجر ودول أخرى ذلك معتقدة أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تضر بصاحبها، كما إن تأثير السيارات الكهربائية الصينية على أوروبا ليس بالخطورة التي يُبالغ فيها بعض الناس، فلماذا يُصر الجانب الأوروبي على رفع التعريفات الجمركية لقمع السيارات الكهربائية الصينية على الرغم من الأصوات المعارضة؟ السبب وراء ذلك يرجع إلى صراع المصالح المعقد داخل الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى عقليات البعض في أوروبا، والتي تدعو لقمع تطور الصين خوفا من المنافسة العادلة وتميل إلى الانقياد وراء رغبات واشنطن.

لقد أثبتت التجارب التاريخية مرارًا وتكرارًا أن التعريفات الجمركية لا تفضي إلى زيادة القدرة التنافسية، ولا يوجد فائزون في الحروب التجارية. وإذا أصرَّ الاتحاد الأوروبي على السير في طريقه الخاطئ، فإن الصين ستتخذ حزم التدابير اللازمة لحماية قواعد مُنظمة التجارة العالمية ومبادئ السوق الحرة، وحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • «البترول» تعلن دخول شركة عالمية جديدة في السوق المصرية
  • الحجاوي يمثل الأردن بمهرجان عالمي
  • لماذا يتخلف اقتصاد أوروبا كثيرا وراء الاقتصاد الأمريكي؟
  • أستاذ بكلية الاقتصاد: مشروع توشكى يسهم في تحقيق «الأمن الغذائي»
  • لإنعاش القطاع الصحي.. وفود طبية ومستشفى مقدسي إلى غزة قريبا
  • نائب: مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي يعكس ثقة العالم في اقتصاد الدولة
  • مطالبة بتسليم القاتل.. ما جديد آخر حادثة اغتيال في عين الحلوة؟
  • الاتحاد الأوروبي واستهداف السيارات الكهربائية
  • كيف يُحدث الذكاء الاصطناعي فوضى في أنظمة الطاقة العالمية؟
  • أمريكا في الحرب العالمية الثالثة.. إلى أين؟