د. أحمد عبدالظاهر يكتب: القاضي الأخير وزيف العدالة الأمريكية
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
«جون جريشام» كاتب وروائى أمريكى معروف برواياته المتعلقة بالدراما القانونية. وهو الابن الثانى لأبوين بروتستانتيين من ولاية أركنساس فى الجنوب الأمريكى. وفى عام 1977م، تخرّج بدرجة فى المحاسبة من جامعة ولاية المسيسبى الحكومية، ثم عاد إلى الجامعة ليتخصّص فى قانون الضرائب، ومن ثم غيّر تخصّصه إلى القانون الجنائى، حيث تخرّج فيها عام 1981م.
وقد عمد «جون جريشام» فى الكثير من رواياته وكتاباته إلى تعرية النظام القضائى الأمريكى. ولعل ذلك بدا واضحاً جلياً منذ روايته الأولى، التى كانت نقطة البداية فيها عندما اشتعلت فى رأسه الأفكار التى ألهمت قلمه عند سماعه شهادة فتاة فى الثانية عشرة من عمرها، كانت ضحية جريمة اغتصاب. وهكذا، راح جون جريشام يتخيل فى بناء العمل، كيف ستكون الأحداث لو أن الطفلة سوداء البشرة، والمغتصبين من البيض، فماذا، حينها، لو قرّر والد الطفلة أن ينطلق فى رحلة انتقام من مغتصبى ابنته، بعد أن تفشل العدالة فى إقرار معاقبتهم؟
وفى عام 1992م، وبعد ثلاث سنوات من صدور روايته الأولى، خرجت إلى النور روايته المعنونة «قضية البجع»، التى تم تحويلها إلى فيلم ظهر على شاشات السينما فى عام 1993م، وهو من بطولة جوليا روبرتس ودنزل واشنطن. وتبدأ الرواية باغتيال اثنين من قضاة المحكمة العليا الأمريكية، حيث قُتل القاضى الليبرالى روزينبيرج فى بيته، بينما قُتل القاضى المحافظ جنسن فى دار السينما. وقد كانت الظروف التى صاحبت مقتلهما، وعمليات القتل نفسها، سبباً فى الكثير من مشاعر الدهشة والحيرة لدى المجتمع الأمريكى، حيث بدأ الرأى العام بالتساؤل عمن ارتكب هذه الجريمة وأسباب قتلهما فى هذا الوقت. وهنا، تُقرر الشخصية الرئيسية «داربى شو»، وهى طالبة حقوق فى الجامعة، أن تبحث فى سجلات وقضايا القاضيين القتيلين. وتشكّك «داربى» فى أن الدافع وراء قتلهما مجرد طمع شخصى، وليست دوافع سياسية. وتكتب «داربى» ملفاً وفيه تطرح تخميناتها التى تشير إلى أن عمليات الاغتيال تمت بأمر من فيكتور ماتيس، وهو رجل أعمال ثرى يعمل بالنفط، ويريد الحفر من أجل النفط فى مستنقعات لويزيانا، التى تُشكّل موطناً مهماً لنوع مهدّد بالانقراض من أنواع البجع. وقد قام هذا الرجل نفسه سابقاً بالتقدّم للمحكمة من أجل أن ينال رخصة الوصول إلى هذه الأرض وبدء الحفر بها، حيث كان من المتوقع أن تبدأ أولى جلسات هذه الدعوى فى وقت لاحق على حدوث جريمة القتل. وقد لاحظت «داربى» أن للقاضيين القتيلين تاريخاً زاهراً يشهد على دعمهما قضايا المحافظة على البيئة، وهو الرأى السياسى المشترك الوحيد بينهما. ولهذا السبب، تفترض «داربى» أن «ماتيس»، الذى توجد له أعمال مشتركة مع رئيس الدولة، أراد أن يرجّح فرص صدور الحكم لصالحه فى هذه القضية، وذلك من خلال إزهاق روح القاضيين القتيلين، وبالتالى يصبح باستطاعة الرئيس تعيين قاضيين جديدين بدلاً منهما. وتعرض «داربى» الملف، الذى يصبح معروفاً باسم «ملف البجع»، على حبيبها البروفيسور توماس كالاهان، الذى بدوره يعرضه على صديقه فى واشنطن، جافين فيرهيك، وهو محامٍ يعمل لمكتب التحقيقات الفيدرالى، ولكن كلا الرجلين يُقتلان بعد ذلك. وعلى أثر ذلك، تلوذ «داربى» بالفرار، وهى خائفة من أن تكون هى الهدف التالى. ولكن، وفى نهاية المطاف، تقوم بالاتصال بالصحفى جراى جرانثام، الذى يعمل لصالح «واشنطن بوست»، ويبدأ الاثنان محاولة إثبات الشكوك المطروحة بشأن هذه القضية. ورداً على ذلك، يبدأ رئيس الولايات المتحدة ورئيس الطاقم التابع له، فليتشر كول، بمحاولة إخفاء علاقاته مع «ماتيس»، الأمر الذى من شأنه أن يقوّض الرئيس سياسياً. ويعمل مكتب التحقيقات الفيدرالى على حماية «داربى» والتأكد من قصتها. وبالمقابل، يحاول حلفاء «ماتيس» أن يقتلوها من أجل إخفاء الاتهامات. وفى النهاية، تتضح المسألة بأكملها، حيث يجد جرانثام شريط فيديو من محامٍ يُدعى «جارسيا»، ويجد أيضاً وثيقة تبين تورط شركة جارسيا التى كانت بعلاقة عمل مع «ماتيس». ومع وجود هذا الإثبات فى جعبته، يذهب جرانثام وداربى إلى رئيس التحرير فى صحيفة مشهورة، حيث تنشر القصة فى العدد التالى من الصحيفة مع صور لكول وماتيس فى الصفحة الأولى، ويذهب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى دينتون فويلز إلى منزل كول باكراً فى الصباح، ويواجهه بخصوص هذه الاتهامات.
وفى روايته «القاضى الأخير»، يروى جون جريشام حكاية الشاب الشمالى ويلى، الذى وصل فى سنة 1970م إلى كلانتون فى ولاية المسيسبى، مع كثير من الطموحات، وخلال عام واحد يجد نفسه مالكاً للصحيفة الرئيسية فى مقاطعة فورد. وفى وقت تمر فيه البلاد بكثير من التحديات كحرب فيتنام ومطالبة المواطنين الأمريكيين من أصل أفريقى بحقوقهم، يبدأ «ويلى» بإجراء تغييرات جذرية فى الصحيفة، مستهلاً ذلك بتحقيقات مختلفة، مما أثار غضب البعض. وفى ذلك الوقت، تُفاجأ البلدة بوقوع جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها أم شابة، ليجد «ويلى» نفسه فى منتصف عاصفة هوجاء، حيث بدأ بنشر تحقيقات جريئة تمس عائلة نافذة فى المنطقة، مما أكسبه الكثير من الأصدقاء والأعداء فى الوقت ذاته. وخلال عقد من الزمان، تظل هذه الجريمة تؤرق مضجعه هو والكثيرين من أهالى البلدة، خاصة حين يعود الرعب للبلدة وتبدأ جرائم قتل بحق المحلفين الذين شاركوا بمحاكمة المجرم.
وفى روايته «طريق شجرة الجميز» (Sycamore Row)، الصادرة عام 2013م، يعيدنا جون جريشام إلى أجواء عمله الروائى الأول «وقت للقتل»، حيث تحملنا أحداث الرواية إلى المحكمة الشهيرة فى كلانتون، عندما يجد «جيك بريجانس» نفسه، متورطاً فى مرافعة مثيرة للجدل، ضمن محاكمة من شأنها فضح مجموعة من التوترات العرقية القديمة، التى ستُجبر مقاطعة فورد على مواجهة تاريخها من جديد. وتبدأ الأحداث عندما يشنق «سيث هوبارد»، الرجل الثرى الذى يعانى سرطان الرئة نفسه من خلال الاستعانة بشجرة الجميز، تاركاً وصية مكتوبة بخط اليد، ستكون السبب فى نقل أولاده الكبار وخادمته السوداء وجيك، إلى ساحة القضاء. وتُثار فى البداية أسئلة غامضة حول وصية هوبارد، التى ترك فيها كل أملاكه لخادمته، وحول ما إذا كان بقوته العقلية عندما كتبها، أو أن أدوية العلاج الكيماوى والمسكنات، أثرت فى قدراته العقلية. ويبدأ «جيك» فى كشف الغموض تدريجياً، بعد عمليات بحث حثيثة عن إجابات مقنعة.
ولم يقتصر الأمر عند حد الروايات، حيث استمر جون جريشام فى هذه النزعة نحو تعرية النظام القضائى الأمريكى فى كتاباته غير الأدبية. ففى كتابه «البرىء»، هاجم جون جريشام بضراوة النظام القضائى الأمريكى، الذى يؤدى، برأيه، وفى كثير من الأحيان، إلى إدانة الأبرياء، وإطلاق سراح مرتكبى الجرائم. وفى الحياة العامة، وفى شهر سبتمبر 2010م، أدان جريشام حملة القس تيرى جونز ومركز حمامة التواصل مع العالم لحرق القرآن الكريم، حيث قال «هذه حملة لشخص غير متسامح للغاية، إنه مجنون ومتعصّب دينياً ينشر الكراهية بدلاً من الوفاء بواجبه كقسيس». وقد باع أكثر من 60742288 نسخة من كتبه، مما جعله أكثر الكتّاب مبيعاً فى التسعينات.
وإذا كانت الروايات والكتابات والمواقف سالفة الذكر تركز على العدالة داخل المجتمع الأمريكى، كاشفة الكثير من أوجه الجور والظلم التى يتعرّض لها بعض الفئات المنتمية لهذا المجتمع، فإن السلوكيات الأمريكية على الصعيد الدولى لا تختلف كثيراً. وقد تكشف ذلك بشكل واضح وجلى من خلال الكثير من الوقائع والأحداث، ولعل آخرها موافقة مجلس النواب الأمريكى فى السادس من شهر يونيو 2024م على مشروع قانون يسمح بمعاقبة قضاة المحكمة الجنائية الدولية. وجاء مشروع القانون المقدّم من قِبل نواب الحزب الجمهورى، رداً على طلب المدعى العام للمحكمة من قضاتها إصدار مذكرة اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت. وينص مشروع القانون على فرض عقوبات على الأفراد «المشاركين فى أى جهود للتحقيق أو اعتقال أو احتجاز أو محاكمة أى شخص محمى من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها»، وتشمل العقوبات حظر المعاملات العقارية الأمريكية وحظر وإلغاء التأشيرات.
إن من شأن السلوكيات سالفة الذكر هدم الصورة الذهنية العالمية عن الولايات المتحدة الأمريكية منظوراً إليها باعتبارها دولة ظلت لعقود طويلة تروّج لنفسها على أنها بلد الديمقراطية ودولة الحقوق والحريات، فإذا بها تتصرف غير آبهة بأبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أمريكا الديمقراطية الکثیر من
إقرأ أيضاً:
أحمد يحيى يكتب: صاروخ أوريشنيك الروسي.. تهديد جديد أم مجرد تصعيد؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صاروخ "أوريشنيك" هو أحدث إضافة إلى ترسانة الأسلحة الروسية، وقد آثار ضجة كبيرة بعد استخدامه في الصراع مع أوكرانيا.
ويتميز هذا الصاروخ بسرعته الفائقة التي تفوق سرعة الصوت، مما يجعله صعب الاعتراض، ويحمل رؤوس حربية متعددة يمكن أن تسبب دمارًا هائلًا.
ما هي أهم خصائص صاروخ "أوريشنيك"؟
سرعة فائقة.. يتحرك الصاروخ بسرعة تفوق سرعة الصوت بكثير، مما يجعله صعب التتبع والاعتراض بواسطة أنظمة الدفاع الجوي التقليدية.
مدى واسع.. يتمتع الصاروخ بمدى يصل إلى آلاف الكيلومترات، مما يمنحه القدرة على ضرب أهداف بعيدة.
رؤوس حربية متعددة.. يمكن للصاروخ حمل رؤوس حربية متعددة وقادر على حمل رؤوس نووية تكتيكية، مما يزيد من قدرته التدميرية.
دقة عالية.. يتميز الصاروخ بدقة عالية في ضرب الأهداف، مما يجعله سلاحًا فتاكًا.
ما هو تأثير صاروخ "أوريشنيك" على الصراع مع الغرب؟
تصعيد الصراع.. يمثل إطلاق هذا الصاروخ تصعيدًا خطيرًا في الصراع مع الغرب، حيث يظهر عزم روسيا على تطوير قدراتها العسكرية.
سباق تسلح جديد.. قد يؤدي انتشار هذه التكنولوجيا إلى اندلاع سباق تسلح جديد بين الدول الكبرى، مما يزيد من حدة التوتر الدولي.
ضغوط على الغرب.. يهدف إطلاق هذا الصاروخ إلى الضغط على الغرب لتغيير سياساته تجاه روسيا.
مستقبل الصراع مع الغرب
من الصعب التنبؤ بمستقبل الصراع مع الغرب، ولكن من الواضح أن إطلاق صاروخ "أوريشنيك" يمثل نقطة تحول مهمة، قد يؤدي هذا التطور إلى حوار جديد بين الأطراف المتنازعة بهدف تخفيف التوترات.
كما قد يؤدي هذا التطور إلى تصعيد الصراع واندلاع مواجهات عسكرية مباشر تغير موازين القوى في المنطقة والعالم. في النهاية، يبقى مستقبل الصراع مع الغرب مرهونًا بالقرارات التي ستتخذها القوى الكبرى في الفترة المقبلة.