كشفت الحرب الصهيو- أمريكية على غزة وعموم فلسطين عن بُعد جديد قديم لمسألة الحب والكراهية، الموالاة والمعاداة، الصداقة والخيانة، الولاء والبراء، الوفاء والغدر.
فقد كنت حذرا في مسألة تخوين بعض الحكام وعمالتهم لأن الأمر يحتاج ليس إلى دليل بل إلى يقين، ولكن جاءت الحرب الصهيو- أمريكية على فلسطين والتي بدأت بعد طوفان الأقصى لتكشف عن جملة من الحقائق التي لا تجعل المرء حذراء أو مترددا في ذلك الأمر أبدا.
في عالم السياسة هنالك دوما اتفاقيات ومعاهدات وتحالفات، وهي عادة ما تكون معلنة للكافة لأنها تمر -أو هكذا يجب أن يكون- عبر بوابات المجالس التشريعية التي تناقشها بندا وبندا وتبدي رأيها قبل اعتمادها، هذه الاتفاقيات يجب احترامها طالما احترمها الطرف الآخر، وتصبح هي والعدم سواء إذا ما نقضها الطرف الآخر أو قام بالعبث ببعض بنودها وتصرف تصرفا أحاديا أو قدم تفسيرات لا يحتملها النص المكتوب في العقود والاتفاقيات.
ليس هناك أي اتفاقية بين العرب المطبعين أو العرب المنتظرين على رصيف التطبيع تفيد أو تشير إلى أنه يتعين عليهم مساعدة دولة الكيان في حربها على الشعب الفلسطيني.. قد تتعجب وتسأل: وهل وصلنا إلى مرحلة مناقشة قانونية دعم العرب المتصهينين للعدو؟
تفرض الضرورة إعادة النظر في الاتفاقيات بمرور الزمن وتغير الظروف، وهذا ما جرى حين اتفقت مصر ودولة الكيان على ضرورة تواجد قوى مصرية في سيناء لمكافحة ما سمي بالإرهاب، حتى أنه قد سُمح لطيران العدو بالتحليق فوق سيناء والإغارة على شعبنا أكثر من مائة مرة، كما ذكر الصحفي الأمريكي ديفيد كيرباتريك في مقالاته المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز والتي تحولت إلى كتاب بعنوان بين أيدي العساكر أو الجنود.
ليس هناك أي اتفاقية بين العرب المطبعين أو العرب المنتظرين على رصيف التطبيع تفيد أو تشير إلى أنه يتعين عليهم مساعدة دولة الكيان في حربها على الشعب الفلسطيني.. قد تتعجب وتسأل: وهل وصلنا إلى مرحلة مناقشة قانونية دعم العرب المتصهينين للعدو؟ أوَ ليس من الأَولى مناقشة الاتفاقيات العربية المشتركة والتي بموجبها يتعين على كافة الدول العربية دعم فلسطين خصوصا وهي في حالة حرب وعدوان من دولة الكيان الصهيوني؟
طبيعي أن تتساءل ونتساءل عن تفعيل بنود اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وُقعت في 18 حزيران/ يونيو 1950؛ لماذا لم يتم تفعيلها في الحروب المتعددة على غزة والقطاع وعلى لبنان مثلا؟
هذا سؤال أصبح تاريخيا ومن الماضي، والسؤال اليوم هو ما ذكرته قبل قليل عن طبيعة الاتفاقيات غير المعلنة التي تدفع الدول العربية لدعم دولة الكيان في حربها على شعب فلسطين!
في أي اتفاقية سرية أو علنية جاء ذكر وجوب دعم الحرب على المقاومة وغزة والزعم بأن الحرب التي شنتها المقاومة تمت بغير إذن ولي الأمر السعودي، وكأن ولي الأمر السعودي يملك أمر العرب جميعا وأمر المقاومة تحديدا، فلا حرب إلا بإذنه تماما كما أنه لا حج إلا بإذنه؟!
في أي اتفاقية سرية أو علنية تخصص السعودية جيشا من المشايخ للهجوم على المقاومة وعلى حماس بالنيابة عن دولة الكيان، في حملة تبدو هي الأغرب في التاريخ، إذ نفر من بين المسلمين طائفة ليسفهوا أحلام المقاومين ويشيدون بالعدو الذي لم يعتدِ على بلاد الحرمين؟ وبالتالي فالأمور واضحة: العدو هو الصديق، والأخ والقريب هو العدو، في تغيير دراماتيكي لمعان لطالما تربينا عليها لأجيال عديدة.
في أي اتفاقية سرية أو علنية يتم حذف آيات الجهاد من القرآن وتغيير قصص التاريخ أو مسحها؟ وكل ذلك يصب في مصلحة العدو ويبدو ولو كان جزءا من المجهود الحربي المعنوي لتخفيف العداء الشعبي ضد دولة الكيان.
في أي اتفاقية مكتوبة بالحبر السري تقوم قوات الدفاع الجوي بصد الصواريخ الإيرانية أو اليمنية المتجهة نحو العدو الذي قتل (حينها) ما يزيد عن 35 ألف نفس بريئة في غزة وما حولها؟
في أي اتفاقية مكتوبة أو غير مكتوبة تتحول قناة عربية بتمويل سعودي إلى منصة إطلاق الاتهامات والتخوين ضد الفلسطينيين وخصوصا المقاومة، ومنصة تبرير لجرائم العدو في فلسطين؟
في أي اتفاقية عربية أو عبرية نص على إعاقة عمل جامعة الدول العربية وعدم تفعيل قراراتها التي صدرت في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، والتي نص بعضها على التحرك لوقف العدوان وفتح المعابر والتحرك على مستوى المحاكم الدولية وإغاثة شعب فلسطين وإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1976؟
في أي اتفاقية كُتبت باللغة العربية أو بما سواها يتم النص على تعويض العدو بالغذاء والدواء بسبب حصار أهل اليمن لسفن التمويل القادمة من كل صوب وحدب إلى دولة الكيان، بينما تمتنع تلك الدول عن دعم المحاصرين والمحاربين في غزة؟ لماذا تصدر مصر والأردن والإمارات الغذاء لدولة الكيان، بينما يُحرم أهل القطاع من كل شيء يبقيهم على قيد الحياة؟
وحتى اتفاقية المعابر التي وقعتها مصر مع الكيان الصهيوني بعد حسم حماس في 2007؛ لا تمنح الصهاينة أي سيطرة على معبر رفح تحديدا، فلماذا سمحت ولا تزال تسمح مصر للعدو بالسيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر؟ ولماذا لا تلغي الاتفاقية؟ ولماذا لا تذهب الى الأمم المتحدة؟ انقلبت الأمور وكشفت الحرب عن الحب المكنون في قلوب بعض الحكام العرب للصهاينة ودعمهم لهم بطريقة مفضوحة، ولولا الحرب لربما ظل هذا الحب طي الكتمان، وظلت الجماهير العربية غافلة أو مستغفلة ومقتنعة بخطابات الزعماءولماذا لا تذهب كما وعدت إلى محكمة الجنايات الدولية ومحمكة العدل الدولية، وتفعل كما فعلت دولة جنوب أفريقيا العظيمة التي لا تربطها حدود وليس بينها وبين فلسطين صلة رحم ولا دين ولا لغة ولا تاريخ ولا جغرافيا؟ السر في مقدمة هذا المقال.
انقلبت الأمور وكشفت الحرب عن الحب المكنون في قلوب بعض الحكام العرب للصهاينة ودعمهم لهم بطريقة مفضوحة، ولولا الحرب لربما ظل هذا الحب طي الكتمان، وظلت الجماهير العربية غافلة أو مستغفلة ومقتنعة بخطابات الزعماء وبما يستخدمونه من آيات وأحاديث نبوية عن الحب في الله والكره في الله.
كشفت الحرب عن عداء طائفة من مسلمي وعرب الجزيرة العربية وما حولها للجهاد في سبيل الله، وكشفت عن حب عميق للأعداء وود غير مسبوق لبني صهيون ما كان لنا لنكتشفه لولا هذه الحرب.
أخطر ما في هذه المرحلة التي نعيشها هو الفجور في خصومة الشعوب المسلمة، وفي إعلان الحرب على الشعوب المسلمة من قبل طائفة تزعم أنها مسلمة ومؤمنة بالله ورسوله وتدعي أنها حامية حمى المقدسات.. لم يترك لنا هؤلاء شيئا غامضا يحتاج إلى تفسير أو تأويل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة غزة العالم العربي الصهيونية تحالفات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی أی اتفاقیة دولة الکیان
إقرأ أيضاً:
منصور عباس: هذه مواصفات نتنياهو ومتطلبات المرحلة الحالية
قال منصور عباس، رئيس القائمة العربية الموحدة بالكنيست الإسرائيلي، إن "المطلوب في الوقت الحالي ترتيب البيت الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة لما لذلك دور كبير في إنهاء الحرب".
وذكر عباس في لقاء خاص مع عماد الدين أديب على قناة "سكاي نيوز عربية": "العرب الفلسطينيون في إسرائيل تعدادهم يتجاوز 2 مليون إنسان، ينقسمون إلى قسمين، القسم الأول هم المواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل وتعدادهم حوالي مليون و600 ألف، هؤلاء عرب فلسطينيون هم البقية الباقية من شعبنا الفلسطيني الذي هُجر في العام 1948، نسبتهم من مجموع الفلسطينيين في عام 1948 كانت حوالي 15 بالمئة، بمعنى من مليون ونصف فلسطيني بقي حوالي 150 ألف فلسطيني في مناطق الـ48".
وتابع: "بقاؤهم في أرضهم في وطنهم دفعوا ثمنه بالمواطنة بمعنى وضعوا أمام معادلة، إما أن تقبل المواطنة الإسرائيلية وتحمل الهوية وجواز السفر الإسرائيلي، أو أن ترحل من بلادك، كما رُحل وهُجر 85 بالمئة من الشعب الفلسطيني في العام 1948".
وأكمل قائلا: "كانت هذه هي المعادلة التي اضطرت العرب المقيمين في إسرائيل أن يقبلوا من أجل المحافظة على وجودهم في أرضهم ووطنهم، ويبقوا هذه البقية اللي اليوم تطورت وتضاعفت عشر أضعاف من الناحية السكانية".
وتابع: "أما القسم الآخر من العرب في إسرائيل هم العرب الفلسطينيين سكان مدينة القدس، التي تم احتلال الجزء الشرقي منها في العام 1967، إسرائيل ضمت في قانون خاص ضمت القدس إليها وإلى السيادة الإسرائيلية بخلاف الضفة وغزة، منحت السكان الفلسطينيين في القدس الهوية الزرقاء يعني الإقامة صفة الساكن في إسرائيل ولكن لم تمنحهم المواطنة وبالتالي أيضا العرب الفلسطينيون في مدينة القدس وضعوا أمام خيار إما قبول الهوية الزرقاء وتبقى القدس أو أن ترفض هذه الهوية الزرقاء وتصبح مهددا بالتهجير والترحيل من القدس".
وأوضح: هذا التعقيد الفلسطيني نحياه بشكل يومي يفرض علينا الكثير من الخصوصية من جهة والصعوبة من جهة أخرى في حرب قائمة في قطاع غزة، نتألم ونتضامن لأجل شعبنا، ولكننا مواطنون في إسرائيل نلتزم بقوانين المواطنة، لأننا تريد أن نبقى في أرضنا".
الصوت العربي داخل المعادلة السياسية الإسرائيلية
ذكر منصور عباس: "كل مشروعنا السياسي في داخل مناطق الـ48 أو في داخل إسرائيل كمواطنين وعرب فلسطينيين؛ ينصب في مصلحة تحقيق تسوية سياسية ضمن دائرة حل الدولتين وإحلال السلام والأمن والاستقرار لشعبنا الفلسطيني، ودولته المستقلة ذات السيادة في غزة والضفة والقدس ولنا مواطنة كاملة الحقوق ومساواة بين المواطنين في داخل دولة إسرائيل".
وأضاف: "الكتلة السياسية العربية التي تصل في حدود 15 بالمئة، حوالي مليون و600 ألف صوت الآن، هي بيضة القَبَّان بين اليمين وبين المركز واليسار، في الانتخابات الأخيرة وقبلها، القائمة العربية الموحدة التي أرأسها هي القائمة العربية الأولى والوحيدة التي استطاعت أن تخترق صفوف الأحزاب اليهودية، وأن تفرض نفسها كشريك وكلاعب سياسي في الملعب السياسي الإسرائيلي".
وأكمل: "في حكومة التغيير السابقة التي كنا شركاء فيها نحن كنا حزب من ضمن 8 أحزاب ولنا حضورنا ولنا تأثيرنا واستطعنا أن ننجز العديد من الإنجازات لصالح مجتمعنا العربي في عدة مرافق، كاعتراف بقُرى غير معترف بها، ميزانيات اقتطعناها لصالح مجتمعنا العربي، ومجموعة قوانين تخفف من وطأة العنصرية ضد المواطنين العرب، وأيضاً حكومة التغيير انفتحت في علاقتها أيضا على المستوى السياسي مع السلطة الفلسطينية".
ولفت إلى أن "المشاركة في الكنسيت ثم المشاركة في الائتلاف والحكومة؛ ليست خيانة للقضية الفلسطينية، أو للصوت العربي أو للحقوق العربية؛ بل بالعكس هي وسيلة من أجل تمكين المواطن العربي في داخل إسرائيل وأيضاً هي وسيلة من أجل تعزيز فرص السلام وإحقاق الحق للشعب الفلسطيني".
كيف تدار المفاوضات في الكنيست؟
وبهذا الخصوص، قال عباس: "التجربة التي خضناها في المرة السابقة، لأول مرة يكون حزب عربي شريك في إدارة مفاوضات ائتلافية، ونقطة القوة التي كانت بين أيدينا أننا أدرنا مفاوضات مع أكثر من طرف، يعني كان في شخصيتين أو ثلاث شخصيات مرشحات لرئاسة الحكومة السابقة فالقائمة العربية الموحدة أدارت مفاوضات مع بنيامين نتنياهو، ومع يائير لبيد ومع نفتالي بينيت، كلما كانت لك مساحة مناورة وخيارات أكثر كلما كانت فرصتك لإنجاز أكثر في المحصلة في الاتفاق الائتلافي".
ماذا قال عباس عن شخصية نتنياهو؟
وعلى اعتبار أن عباس فاوض نتنياهو، فقال عنه: "نتنياهو حالته معقدة جدا، من تجربتي الشخصية هو شخص يمكن أن تأخذ وتعطي معه ويمكن أن تصل إلى حلول معه، المشكلة في نتنياهو بالائتلاف المحيط به، بمعنى عندما تكون في حكومة شركاؤك فيها من أقصى اليمين يعني متشددين أكثر فيضعون له القيود والخطوط الحمراء التي يتحرك فيها، والحرب في غزة دليل على ذلك".
وتابع: "نتياهو الحدث المركزي بالنسبة له هو المحافظة على رئاسة الحكومة، أيضا لأجل الأوضاع الخاصة به خوفا من أن يقف أمام المحاكم في إسرائيل، وموقع رئيس الحكومة يعطيه نوعا من القوة في مواجهة المحاكم في إسرائيل، فبالتالي التعامل مع نتنياهو يجب النظر إلى البعد الخاص الشخصي وما هي محركاته الذاتية الشخصية ويجب أن تنظر إلى التركيبة السياسية التي حوله".
وأكمل: "يستطيع نتنياهو أن يدير ظهره للحلفاء الطبيعيين في اليمين، وفعل ذلك في 2020 عندما ائتلف مع بيني غانتس في ظل جائحة كورونا، وفعل ذلك من قبل في العام 2013 عندما اختلف مع يائير لبيد، فالرجل لديه براغماتية يتمتع بها وهو من فصيلة الواقعية السياسية".
وأشار إلى أن "نتنياهو لو منهجه السياسي الدوغمائي فما طالت فترة حكمه لإسرائيل والتي وصلت إلى 16 سنة وما زالت، حتى أنه تفوق على مدة حكم بن غوريون نفسه، البراغماتية السياسية التي يتحلى بها تغطيه الفرصة للمناورة بين القوى السياسية في اليمين واليسار".
إلى أين تأخذنا صورة الائتلاف اليوم؟
قال رئيس القائمة العربية الموحدة بالكنيست الإسرائيلي لـ"سكاي نيوز عربية": "القوى السياسية المشكلة الآن للائتلاف متماسكة إلى حد كبير لأن مصلحتها مع بعضها البعض، هناك مجموعة قضايا تحدث شروخا بين الفصائل السياسية في إسرائيل.. إحدى هذه القضايا هي مسألة إيقاف الحرب أو عدم إيقافها.. واضح تماما أن الصهيونية الدينية بقيادة سموتريش وبن غفير لا تريد إنهاء الحرب في غزة ولا في لبنان مما اضطر نتنياهو إلى أن يذهب لمعادلة وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 60 يوما".
وأكمل: "في حين توجد قوى سياسية في داخل الحكومة الإسرائيلية تريد إيقاف الحرب وهم الحريديم وهم يوازون الصهيونية الدينية في القوة، يريدون إنها الحرب ليس لإنهاء الحرب بل لكي يستطيعوا إقرار قانون يعفيهم من الخدمة العسكرية الإجبارية فهم لا يستطيعوا تمرير القانون في ظل استمرار حالة الحرب".
وأكد على أن "المطلوب في هذه المرحلة حتى نستطيع أن نتقدم في مسار وقف الحرب، إيجاد حلول سياسية أوسع من فكرة صفقة التبادل يعني مطلوب ترتيب البيت الفلسطيني خاصة في قطاع غزة هذا له دور كبير في إنهاء الحرب".