مواطنون يروون تفاصيل بيت الإعدام بأم درمان والدعم السريع يكذّب الاتهامات
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
أم درمان – "لم نتخيل أن تصبح البيوتُ قبورا"، هكذا يصف المواطن السوداني بمدينة أم درمان طارق عثمان مشهد رؤيته بيت جاره بمنطقة ود نوباوي. ولم يدُر بخلده وهو يتفقد المنزل بعد سيطرة الجيش السوداني على المنطقة، أن يجده قد تحوّل إلى "محكمة ميدانية عُلقت على سقفه مشنقة لإعدام المدنيين من نساء ورجال من قبل قوات الدعم السريع".
ويقول عثمان للجزيرة نت إن المنازل تحوّلت إلى قبور لدفن الجثث، وتم نقل رفاة أكثر من شخص، وما زالت روائح الجثث تفوح من بعض البيوت والمناطق.
لم يكن تفقّد بيوت المواطنين منازلهم في ود نوباوي بالأمر اليسير، حيث توجد جثث أمام المنازل وداخلها، وبيوت فارغة إلا ما تبقى من آثار نهب محتوياتها.
مشنقة معلقة على سقف غرفة أحد المنازل بمنطقة ود نوباوي بأم درمان (الجزيرة) دمار لا يوصفويقول المواطن الصادق سليمان محمد ابن أم درمان للجزيرة نت إن الحرب اضطرته للخروج من منزله في ود نوباوي "خاصة بعد اعتداءات الدعم السريع على البيوت والأعراض".
وأضاف أنهم عادوا بعد تحرير أجزاء من منطقة أم درمان ليجدوا دمارا لا يمكن وصفه، حيث تمت سرقة كل ما في منازلهم من أثاث ومستندات وشهادات. ويقول "لم نجد خيارا إلا التعايش مع ما ذهب، ونعيد تأهيل حياتنا كأننا لم نعش في هذه المنازل من قبل ولم نؤسس بها حياة".
وعاد محمد بعد عام من اندلاع الحرب قضاه متنقلا بين ولاية نهر النيل ومصر والسعودية. وأضاف أنه تم دفن جثث كثيرة أمام المنازل أو داخلها أو في ميدان قريب لتعثّر الوصول للمقابر وعدم وجود مشيعين وصعوبة التحرك خاصة في أم درمان القديمة.
بدوره، يُعبّر طارق سليمان من سكان مدينة ود نوباوي عن دهشته وهو يتفقد بيت جاره وقد تحول إلى "مقر نُصبت في سقفه مشنقة لإعدام المدنيين".
ويقول سليمان الذيّ يعمل محاميا -للجزيرة نت- إن شعورا رهيبا يتملّكه، وإن الملابس كانت متناثرة على الأرض، وإن شعور الخوف يسيطر على الإنسان داخل هذا المنزل الذي بات يعرف الآن "ببيت المشنقة". وتحدث عن وجود مدرسة أيضا بالحالة ذاتها قرب هذا المنزل.
ملابس متناثرة وحفرة داخل ما قيل إنها غرفة إعدام في أحد منازل أم درمان (الجزيرة) بيت الإعداموتُظهر صور وفيديوهات حصلت عليها الجزيرة نت مشاهد لمشنقة في إحدى غرف المنزل في ود نوباوي بجانب حفرة على الأرض. وتوثق الفيديوهات وجود بعض الحفر وتناثر الملابس على أرضية المنازل وأوراق "المحكمة الميدانية" التي دُونت فيها أسماء مواطنين، إضافة إلى قبور خارج المنزل تناثرت قربها رفاة جثث.
من جانبه، قال مصدر رفيع -رفض الكشف عن هويته- للجزيرة نت إنه بعد تقدم الجيش نحو مناطق في أم درمان تم العثور على مفرمة كهربائية كانت في سوق المدينة، استخدمتها قوات الدعم السريع كأداة للتعذيب في مدرسة بحي ود البصير واتخذتها مقرا لها للأسر والاستجواب.
وبحسب المصدر ذاته، فقد تم العثور على هياكل عظمية لأياد وأصابع قرب هذه المفرمة، وأوراق مُهرت بتوقيع قائد استخبارات الدعم السريع في ود نوباوي. وأضاف أن عددا من الأسرى الذين تم اعتقالهم بالمدرسة وفروا لاحقا، قالوا إن المفرمة كانت أداة للتحقيق، وإنهم سمعوا صوتها وصراخ أشخاص، وإنهم كانوا يشعرون بالسعادة عند انقطاع الكهرباء وتوقف عمل المولد الكهربائي مما يعني عدم تشغيل المفرمة.
مقابر مدنيين بأم درمان (إعلام الجيش السوداني)من جهته، قال مصدر أمني للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع كان تقوم في مناطق سيطرتها بأم درمان باختطاف أشخاص، ومطالبة ذويهم بفدية لإطلاق سراحهم، وأحيانا تقوم بتصفية من لا تدفع عائلاتهم المبالغ المطلوبة. كما منعت المدنيين من دفن جثث ذويهم في المقابر، واضطر عدد منهم إلى الدفن في البيوت خاصة في حي المسالمة غربي أم درمان.
في المقابل، وصف مستشار قائد الدعم السريع الباشا طبيق الحديث عن نصب الدعم السريع مشانق إعدام في منازل مواطنين بالاتهامات الباطلة. وقال للجزيرة نت إنها اتهامات لا أساس لها من الصحة، وإن لقوات الدعم السريع مستشارين قانونين وسجونا معلومة للجميع، ولا يوجد سبب واحد يجعلها تستخدم بيوتا لإعدام المواطنين.
بقايا ملابس ووثائق من داخل أحد المنازل بأم درمان (الجزيرة) عودة حذرةيُذكر أن الجيش السوداني تقدّم عبر عملية عسكرية وبسط سيطرته في أحياء وسط مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم منذ منتصف فبراير/شباط الماضي. وتشهد أحياء فيها عودة تدريجية لمواطنين بعد تقدم الجيش، رغم وقع القصف العشوائي للدعم السريع على مناطق في المدينة.
ويعود بعض السكان لتفقد منازلهم ونقل ما تبقى فيها من ممتلكات إلى مناطق أخرى بأم درمان. ووصف شاهد عيان عودة المواطنين بالخجولة.
وقال للجزيرة نت إن عودة المواطنين تأتي لتفقد منازلهم في ظل عدم استقرار الخدمات، وآخرون لم يكن أمامهم خيار سوى العودة بعد نزوح للولايات وقلة فرص العمل وارتفاع أسعار الإيجار، في حين انتقل بعض المواطنين العائدين لمناطق شمال محلية كرري، حيث تسيطر قوات الجيش وتوصف بالأكثر أمانا.
ويؤكد شاهد العيان انتشار السلاح في عدد من الأحياء، ووجود مسلحين مجهولين، وتنفيذ الجيش عددا من الحملات أسفرت عن القبض على عدد من قوات الدعم السريع.
يُشار إلى أنه في مايو/أيار الماضي، أعلنت قوات الشرطة اكتمال الاستعدادات لمزاولة قسم أم درمان شمال مهامه المعتادة في فتح البلاغات وأعمال الشرطة.
ويتوزع سكان أم درمان بين أحياء تتبع للجيش وأخرى للدعم السريع، وتسيطر قوات الجيش على محلية كرري وشمالي محلية أم درمان فيما يعرف بوسط أم درمان، في حين يسيطر الدعم السريع على أجزاء من الجانب الجنوبي من أم درمان وأجزاء من محلية أمبدة.
ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023، يُعد السودان بؤرة لأكبر أزمة نزوح في العالم. ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة نزح نحو 10.7 ملايين شخص، منهم 9 ملايين داخل البلاد. وبحسب تقديرات ولاية الخرطوم، يبلغ عدد سكانها 15 مليونا فر منهم 5 ملايين بسبب الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع بأم درمان أم درمان
إقرأ أيضاً:
أين تقف .. مع مليشيات الجيش أم مليشيا الدعم السريع؟
طلعت محمد الطيب
رأينا ومنذ بدء هذه الحرب القذرة كيف ظل إعلام الفلول يثابر في إلصاق تهمة إنحياز تنسيقية تقدم إلي قوات الدعم السريع وإتهامها بأنها جناح سياسي له، ولكن دون تقديم حجج مقنعة.
الواقع ان تقدم وغيرها من قوي سياسية ومدنية وافراد ومنظمات تبذل ما تستطيع من جهد لوقف العدائيات وعودة الفريقين إلي طاولة المفاوضات. هذا المقال لا يهدف إلى مناقشة هذا الأمر، بل هو محاولة لتقديم رؤية أقرب لواقع الوجدان السوداني تجاه الفريقين المتحاربين وهي حرب نعلم جميعا إن الوطن والمواطن هو من يدفع تكلفتها الباهظة جدا ويسعى كل العقلاء إلى إيقافها، بل يتوق الناس إلى العودة لحياتهم الطبيعية قبل الحرب رغم ما كان بها من معاناة وشقاء.
حتي نفهم مشاعر الناس تجاه الفريقين المتقاتلين لا بد من الاستعانة بنظرية التطور والحداثة الثانية (استخدمها في مقابل الحداثة الاولي)، لأنها تبنت موقف يرتكز علي حقيقة أن المعرفة ثنائية وهي معرفة العقل مقابل الفطرة. والاستعانة بالتطور لا علاقة له بالقضايا الوجودية الكبري مثل الإيمان والإلحاد بل إنها استعانة ذات طابع معرفي أو ابستمولوجي ودليلي علي ذلك هو وقوف العديد من الدعاة الإسلاميين بحماس شديد مع نظرية التطور بحكم ان العلم الحديث والحفريات ظلت تؤكد صحتها في مجملها. هناك مثلا الشيخ عدنان ابراهيم في أوروبا وهناك عبد الصبور شاهين في مصر وهو للمفارقة كان ممن قدموا دعوة ضد الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد يكفره فيها ويؤيد ضرورة التفريق بينه وبين زوجته!.
بل حتي رموز الإسلام السياسى من أمثال القرضاوي كان قد صرح في لقاء تلفزيوني شهير فيما يتعلق بنظرية التطور، أنه علي إستعداد لإعادة تأويل النصوص الدينية لتستوعب نظرية التطور. وقبل ذلك كان الشهيد محمود محمد طه له موقف واضح مؤيد لنظرية تشارلز داروين بمعني أن أبو البشرية آدم كان له اب وام.
التطور يعني أن اسلاف الإنسان عاشوا ملايين السنين قبل ان يظهر الإنسان بشكله الحديث قبل عشرات الالاف إلي مائة الف سنة تقريبا. ومن المعروف أن غرائز الإنسان تطورت لتعزيز تناسله وتطوره وانطبعت تلك الغرائز في تلافيف الدماغ وهي قوية جدا لأنها ارتبطت ببقاء الإنسان. ومن المعروف ايضا أن الإنسان كان قد عاش آلاف السنين في مجموعات صغيرة ومن الغرائز القوية لديه هي غريزة الانتماء لمجموعته وحمايتها لأن في ذلك حماية لنفسه ولذلك أصبحت غريزة ( نحن) ضد ( الآخرين ) لحماية أنفسنا منهم ، قوية جدا ، بحيث لا يقل تاثيرها علي سلوك الإنسان عن غرائزه الجنسية والبيولوجية الأخري.
تطور العقل بمعني السببية والمنطق كان تطورا لاحقا وبطيئا في مقابل الفطرة intuition حتي ان أحدهم قال أن نمو ريش الطيور بعد أن تطورت من الزواحف كان بغرض التدفئة وليس الطيران وإن الطيران جاء عرضا. عقل الإنسان لانه مازال ضعيفا واسيرا لفطرته الحيوانيه يحتاج إلي روافع مثل المؤسسات والقيم وكل ما شانه تعزيز وترقية التفكير الجماعي. وقد شبه عالم النفس الامريكي الشهير جوناثان هيدت العقل براكب الفيل، والفيل في هذه الحالة هي الفطرة، وإنت لا تملك سوي توجيه ذلك الفيل الضخم إلي الوجهات الصحيحة ولا يمكنك تجاهله لانه سيكون من يقودك في هذه الحالة. مشكلة الحداثة الاولي إنها اعتقدت بقدرة العقل علي السيادة بل تحول دعاتها حتي إلي شئ شبيه ب " عبادة السبب" وهذا ما فعله الناس اثناء الثورة الفرنسية حينما دخلوا إحدى كاتدرائيات باريس وقاموا بتكسير تصاوير العذراء والسيد المسيح وكل الرموز الدينية واستبدلوها بشعارات تمجد السبب reason والعقل.
مع أن الواقع يقول أن القيم الدينية وكل القيم الإنسانية هي ضالة المجتمعات الإنسانية التي تسعى إلي الإستقرار والاحساس بالأمان والسعادة.
غريزة ( نحن) و( هم) هي المتحكمة بقوة الآن في الشهد السوداني، فهناك من يميل وجدانه إلى تأييد مليشيات الجيش لانه ينتمى إلي مجموعات وسط وشمال السودان المهدد ب ( الآخر) او حتي وهم إفتراض قومية الجيش رغم ان كل الدلائل تشير وبقوة الي غير ذلك. هناك من يقف مع قوات الدعم السريع ايضا بحكم الانتماء الجغرافي لغرب السودان وهناك من ينطلق من الانتماء إلي( قبيلته الايديولوجية ) في انحيازه إلي هذا الفريق أو ذاك .
ولذلك علينا أن نساعد عقلنا علي التحكم في ( فيل المعرفة الفطرية ) وتوجيهها إلي الطريق الصحيح ، طريق التفاوض من اجل السلام والامن والتفاهم والاستقرار.
talaat1706@gmail.com