من يُصدّق إدارة الكذب والجهل والغطرسة والعنصرية؟! من يصدّق إدارة بايدن؟!
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
في آذار/ مارس الماضي، قالت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي بايدن؛ إنّها درست الخرائط وتبيّن لها أنّه لا يوجد مكان يذهب إليه الفلسطينيون في رفح هربا من القصف الإسرائيلي. كان ذلك في سياق تحذريها "إسرائيل" من تبعات عملية كبيرة في رفح لا تأخذ المدنيين بعين الاعتبار.
يمكن استخلاص مجموعة من الأفكار، حول النخبة السياسية الأمريكية الفاسدة باستدعاء هذا التصريح القديم نسبيّا، ثمّ مقارنته لاحقا بآخر مواقف هاريس المتعلقة بغزّة والمذبحة الإسرائيلية الجارية فيها، بدعم الولايات المتحدة الأمريكية، ومشاركتها فيها إلى درجة يمكن القول فيها إنّها حرب أمريكا قبل أن تكون حرب "إسرائيل".
تنمّ تصريحات هاريس تلك التي كانت في آذار/ مارس عن الطبيعة المركّبة للنخبة الأمريكية الفاسدة من الجهل والغطرسة، فبعد أكثر من خمسة شهور على المذبحة الإسرائيلية اهتمّت كاميلا هاريس بأن تنظر إلى خريطة قطاع غزّة لتفحص إن كان هناك مكان يفرّ فيه 2.3 مليون فلسطيني في شريط ساحليّ ضيق لا تزيد مساحته على 365 كيلومترا مربعا، والحرب مفروضة عليه كلّه بلا استثناء، وما بين بداية الحرب وتصريحات هاريس تلك كانت التقديرات تتحدث عن 32 ألف شهيد فلسطينيّ و74 ألف جريح.
ماذا يعني أخذ المدنيين بعين الاعتبار؟! يمكن ترجمة هذه التصريحات الأمريكية إلى ما يلي: اقتلوا المدنيين الفلسطينيين ولكن بأعداد أقلّ، لا تقتلوهم وهم جوعى، اقتلوهم وهم شَباعى، دمّروا رفح كما دمّرتم ما قبلها من مدن القطاع واجعلوها غير صالحة للحياة، دمّروا مساكنها ومدارسها ومستشفياتها وجامعاتها ومخابزها وصيدلياتها ومساجدها ولكن اجعلوا عدد القتلى أقلّ!
شهور من المذبحة وهاريس تنام مطمئنة تماما، ولا تزورها أشباح الضحايا من النساء والأطفال، وقد كان رئيسها في تلك الشهور الأولى يكذب المعلومات حول أعداد الضحايا الفلسطينيين ويغطي المذبحة الإسرائيلية الظاهرة للعين المجرّدة؛ دون الحاجة إلى محاكم دولية أو تحقيقات لوصفها بأنّها عملية إبادة جماعية ممنهجة، ولم يكن ما نشرته الواشنطن بوست في كانون الأوّل/ ديسمبر 2023 عن كون بايدن لا يتعاطف مع الفلسطينيين بالرغم من أنّه يتعاطف مع الكثير من الناس؛ ليزيد سويّا في عقله وبصيرته معرفة بهذا العنصريّ المتغطرس!
هل كان يحتاج الأمر أصلا للنظر في خريطة غزّة التي لا تزيد على كونها نقطة غير مرئية على خريطة العالم ليتبين لنائبة رئيس أمريكا أن حربها مفروضة على كلّ ذرة رمل في قطاع غزّة؟! وهل كانت تخوض دولتها، وهي نائبة الرئيس فيها، حربها على تلك النقطة دون النظر في خريطة ساحة الحرب؟!
بالإضافة إلى ما في هذا التصريح من الدلالة على الجهل والغطرسة، ينبغي التذكير بأنّه كان في سياق تحذير "إسرائيل" من تبعات الهجوم على رفح في حال لم تأخذ المدنيين بعين الاعتبار. من نافلة القول إنّ ذلك كلّه تبخر، وهجمت "إسرائيل" على رفح، وتفهّمت إدارة الكذب والجهل والغطرسة والحرب والعنصرية ذلك.
وهنا يتساءل المرء: ماذا يعني أخذ المدنيين بعين الاعتبار؟! يمكن ترجمة هذه التصريحات الأمريكية إلى ما يلي: اقتلوا المدنيين الفلسطينيين ولكن بأعداد أقلّ، لا تقتلوهم وهم جوعى، اقتلوهم وهم شَباعى، دمّروا رفح كما دمّرتم ما قبلها من مدن القطاع واجعلوها غير صالحة للحياة، دمّروا مساكنها ومدارسها ومستشفياتها وجامعاتها ومخابزها وصيدلياتها ومساجدها ولكن اجعلوا عدد القتلى أقلّ!
بالتأكيد ليست مشكلة أمريكا في أعداد القتلى، فالدولة التي قتلت آلاف المدنيين في غارات "خاطئة" في العراق وسوريا وأفغانستان، بحسب آلاف التقارير الصادرة عن البنتاغون والتي نوهت إلى بعضها نيويورك تايمز في كانون الأول/ ديسمبر 2021 ونيسان/ أبريل 2022، والدولة التي شاركت أخيرا إلى جانب "إسرائيل" في اقتراف مذبحة هائلة في النصيرات ذهب ضحيتها أكثر من ألف فلسطيني بين شهيد وجريح؛ فقط لأجل استنقاذ أربعة أسرى إسرائيليين، بالتأكيد لا تقيم أدنى وزن للآمنين من النساء والأطفال إن كانوا في ساحة حرب أمريكية.
هاريس فقط كانت تبدي ضمنيّا ضيقها من فشل ربيبة دولتها في إنجاز المهمّة سريعا، ولو بالإبادة الجماعية، كي يعود بايدن، الرئيس الأمريكي الأكثر عنصرية وصهيونية في تاريخ أمريكا، قبل الانتخابات بوقت مناسب لاستئناف مشروعه التطبيعي بدمج "إسرائيل" في تحالف عربيّ يقوم على تصفية القضية الفلسطينية. طالت الحرب أكثر مما توقعت هذه النخبة الفاسدة والجاهلة والعنصرية، والتي رأسمالها فقط تلك القوّة الأسطورية لهذه الدولة الإمبريالية!
هاريس فقط كانت تبدي ضمنيّا ضيقها من فشل ربيبة دولتها في إنجاز المهمّة سريعا، ولو بالإبادة الجماعية، كي يعود بايدن، الرئيس الأمريكي الأكثر عنصرية وصهيونية في تاريخ أمريكا، قبل الانتخابات بوقت مناسب لاستئناف مشروعه التطبيعي بدمج "إسرائيل" في تحالف عربيّ
ينبغي التذكير أيضا هنا، أنّه وفي ذلك الشهر، أي آذار/ مارس، أصدر مجلس الأمن قرارا (متأخرا) لوقف الحرب مؤقتا في شهر رمضان الذي كان في طور الانتهاء، ورحّبت به حماس، ورفضته "إسرائيل"، فليُضم ذلك إلى سجل الأكاذيب الأمريكية المفضوحة وهي تزعم أنّ حماس هي من يعطّل وقف إطلاق النار! لكن لماذا إدانة "إسرائيل" دون راعيتها أمريكا، فهذه الإدارة الأمريكية هي التي ظلّت لشهور طويلة من عمر هذه الحرب وهي تقول "لا نؤيد وقفا دائما لإطلاق النار"؟! ولماذا تتورع هذه الإدارة عن الكذب المفضوح والاستخفاف بالعالم ورأسمالها هو القوّة المتغطرسة والجهل الفاحش؟!
لماذا استدعاء تصريح هاريس ذاك الآن؟! لأنّها (هاريس) أخيرا أقامت في البيت الأبيض حفل استقبال لأسيرة إسرائيلية خرجت في صفقة تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 مع حركة حماس. جرى تجنيد الأسيرة من الاستخبارات الإسرائيلية لترويج دعاية الاغتصاب والعنف الجنسي. هاريس زايدت على الأسيرة الإسرائيلية بالنفخ أكثر في هذه الدعاية الكاذبة والبيّن كذبها ببديهة العقل، فقالت مثلا: "وارتكبت حماس عمليات اغتصاب جماعي في حفل نوفا"، وبقطع النظر عن علمنا الضروري باستحالة أن تفعل حماس ذلك لأسباب لا يمكن إلا وأن تجهلها هاريس، لكن هذه التي تذكّرت أن تنظر لخريطة غزة بعد أكثر من خمسة شهور من الحرب، هلا فكّرت كيف يمكن إقامة حفلة اغتصاب جماعي أثناء المعركة وتحت القصف الإسرائيلي؟!
لكن أليست هاريس كغيرها من أقطاب هذه الإدارة الفاسدة، التي نصّب كلّ واحد منها نفسه ناطقا باسم "إسرائيل" بحيث يزايدون على نتنياهو في إسرائيليته وفي صهيونيته؟ ثمّ أليست هاريس هذه كرئيسها المهووس بدعاية العنف الجنسي، حتى يتساءل المرء: لِمَ هذا الرجل لا تكاد تكون له قضية سوى هذه الدعاية؟! وهنا لا ينبغي أن يفوتنا أن الذراع القانونية للهيمنة الغربية على العالم، مدعي عام الجنائية الدولية كريم خان، قد ضمّن هذه الأكاذيب في قراره الأخير، لأنّه لا يمكن لنظام الهيمنة العنصري المتغطرس وهو يسعى للتوازن الشكلي المتأخر دفاعا عن مبرر وجوده بعد عقود من المذابح الإسرائيلية؛ إلا وأن يدين الضحية إذا اضطر للإشارة لجرائم الجلاد والذي هو بدوره من أدوات الهيمنة تلك!
بعد هذا العرض الموجز لطرف يسير من أكاذيب هذه الإدارة في فترة وجيزة، من هذا الذي يمكنه أن يصدّق هذه الإدارة، أو أن يتفاءل بأيّ خطوّة لها تُقدّم تلميحا إيجابيّا؟!
لا يقلّ عن ذلك أهمّية التنبّه لطبيعة النخب الفاسدة الحاكمة للولايات المتحدة لتنتقل بذلك إلى الهيمنة على العالم، هذه نخب محكومة بالمال السياسي الفاسد، ولا شيء يؤثّر فيها أكثر من أموال الممولين، ومصالح المجمع الصناعي العسكري، وكلّ شيء بعد ذلك يصير هامشا، وهو ما حاولنا بيانه في مقالة سابقة موسومة بـ"لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟"، فيبقى أنّ هذا العالم يُدار بالمال الفاسد والكذب والجهل والغطرسة والعنصرية.
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بايدن الإسرائيلي غزة إسرائيل امريكا غزة بايدن الإبادة الجماعية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الإدارة أکثر من
إقرأ أيضاً:
???? مجلة أمريكية متخصصة: فريق بايدن يدفع باتجاه تصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية
تقول مجلة “ناشونال سيكيورتي ديلي” الأمريكية المتخصصة في أخبار البيت الأبيض و السياسة الأمنية و الخارجية الأمريكية، إن إدارة الريئس بايدن، في أيامها الأخيرة “تدفع بقوة صوب إطلاق حملة في اللحظات الأخيرة لمعالجة الحرب الأهلية المدمرة في السودان والتي تحولت إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية المستمرة في العالم”.
وتضيف المجلة التي تعرف نفسها بأنها أداة لتمكين المتخصصين الأمريكيين في السياسات والمواد الاستخبارية اللازمة في تشكيل أولويات الحكومة، إن مسؤولي الإدارة الأمريكية يدرسون حالياً “خططاً لإعلان الفظائع التي ترتكب في السودان إبادة جماعية وإصدار حزمة من العقوبات الجديدة على ميليشيا سودانية تتنافس على السلطة في الحرب” ، وفقاً لما قاله أربعة مسؤولين حاليين وسابقين مطلعين على الأمر لصحيفة “نات سيك ديلي”.
وتشير المجلة إلى أن هذه الإجراءات العقابية تتضمن فرض عقوبات على رأس “ميليشيا ما يُسمى بقوات الدعم السريع، محمد حمدان “حميدتي” دقلو ومؤسسات أخرى تابعة لقوات الدعم السريع”. كما تشير المجلة إلى أن الولايات المتحدة سبق و اتهمت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، لكنها “اتهمت قوات الدعم السريع بالتطهير العرقي” في السودان.
ويشير الكاتبان السيد روبي جرامر و السيدة نهال توسي إلى أن مسؤولين وخبراء آخرين خارج الإدارة الأمريكية يضغطون على فريق الرئيس جو بايدن لتعيين مسؤول كبير في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “للإشراف على استمرار تدفق المساعدات الأمريكية والدولية إلى السودان المنكوب بالحرب في وقت تستعد واشنطن لتبادل كراسي الحكم بين إدارة جو بايدن وإدة دونالد ترامب”.
ويأتي هذا الضغط – وفق المجلة – في الوقت الذي يسافر فيه وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى نيويورك اليوم (الخميس) ليترأس اجتماعاً رفيع المستوى للأمم المتحدة بشأن السودان. وقبل اجتماع الأمم المتحدة، دفع المسؤولون الأمريكيون لإنشاء ممرات إنسانية جديدة إلى المناطق المتضررة بشدة في السودان، بما في ذلك الخرطوم، عاصمة البلاد.
و تقول المجلة إن هذه التدابير مجتمعة تعكس الدفعة الأخيرة التي يبذلها فريق بايدن لدفع التقدم نحو إنهاء الحرب الأهلية السودانية بعد جولات متعددة من محادثات السلام الفاشلة والضغوط المتزايدة من المشرعين الأميركيين والجماعات الإنسانية لبذل المزيد من الجهد خلال شهرهم الأخير في مناصبهم.
و تضيف المجلة أنه، وعلى الرغم من أنها لا تحظى إلا بجزء ضئيل من الاهتمام العام أو تتلقى إلا اليسير من تمويل الإغاثة الإنسانية مقارنة بما تحظى به الحروب في غزة أو أوكرانيا، إلا أن الصراع في السودان دفع الملايين من الناس إلى شفا هوة المجاعة.
” لقد أصبح السودان برميل بارود جيوسياسي”، حيث تتنافس القوى الأجنبية بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا على النفوذ بين الأطراف المتحاربة بينما تطيل الحرب وتزيد من تفاقمها.
وتقول المجلة إن إدارة بايدن تلقت انتقادات حادة من المشرعين الأمريكيين من أمثال السناتور جيم ريش (جمهوري من أيداهو)، الرئيس المقبل للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لعدم بذلها ما يكفي من الجهد حتى الآن لمحاسبة من يحركون الحرب الأهلية السودانية.
ويقول الكاتبان إن “منظمات حقوق الإنسان انتقدت إدارة بايدن لعدم محاسبة الإمارات العربية المتحدة علنًا على دورها في الصراع أيضًا. وجرى اتهام الإمارات العربية المتحدة، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على نطاق واسع بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع بينما تنفذ حملة من القتل الجماعي والاغتصاب في جميع أنحاء السودان.”
وقال السناتور بن كاردين (ديمقراطي من ماريلاند)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ المنتهية ولايته، لصحيفة نات سيك ديلي: “على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهد. وعلى الإمارات العربية المتحدة التوقف عن تأجيج النار هناك”.
ونقلت المجلة عن كاميرون هدسون، الخبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن أي إجراءات نهائية من جانب إدارة بايدن بشأن السودان يمكن أن “تحرر ترامب من الاضطرار إلى اتخاذ هذه القرارات” وتمكين المشرعين الذين يركزون على الصراع من “استخدام هذا كوقود لمواصلة دفع ترامب لمواصلة القيادة الأمريكية في السودان”. وقال: “أي زخم يمكن أن يأتي من هذا يصبح أمراً جيداً إذ سينتقل إلى الإدارة القادمة”.
وتشير المجلة إلى أن النظر في توصيف المليشيا بارتكاب الإبادة الجماعية أو الفظائع المتجددة على أنها أداة سياسية مهمة لحشد انتباه المجتمع الدولي إلى الأزمة.
ووفقاً للمجلة فقد أكد مسؤولان إن وزارة الخارجية الأمريكية ما زالت تدرس إعلان الإبادة الجماعية، وهو ما يتطلب مراجعات قانونية وفنية داخلية مكثفة، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بلينكين سيؤيد مثل هذا الإجراء. وقد حذر خبراء الأمم المتحدة بالفعل من أن الصراع في السودان يشبه بشكل متزايد الإبادة الجماعية.
ورفضت وزارة الخارجية التعليق على الأمر على وجه التحديد، قائلة إنها لا تناقش العقوبات أو القرارات الجديدة علنًا ومسبقًا. وقالت إنها تدفع من أجل وقف فوري للأعمال العدائية وفتح ممرات إنسانية إلى السودان للوصول إلى المدنيين الأكثر ضعفًا في البلاد. ورفض مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض التعليق، وفقا للمجلة.
نيويورك – المحقق
إنضم لقناة النيلين على واتساب