اللغة الأم موضوعا للنزاع السياسي لأتراك اليونان في تراقيا الغربية
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
رغم تعدد المجموعات السكانية المسلمة في اليونان، مثل الأتراك والبوماك (المسلمين البلغار) والألبان وأتراك رودوس وكوس والغجر المسلمين، إضافة إلى المهاجرين، فإن الأقلية التركية في تراقيا الغربية اليونانية تشكل أبرز مجموعة بين المجتمعات المسلمة في اليونان.
ويعود وجود المسلمين في اليونان لعام 654، وتعاظم خلال الحقبة العثمانية، ليتقلص إثر الحروب اليونانية-التركية (1919-1922) بعد عمليات تبادل السكان؛ حيث غادر اليونان نحو 450 ألف مسلم إلى تركيا.
ويقدر عدد المسلمين من حاملي الجنسية اليونانية والمقيمين في عام 2008 بنحو 350 ألفًا، أو 3.1% من مجموع سكان البلاد البالغ 11 مليون نسمة، حسب دراسة الباحث محمد يوسيتش المختص في قضايا البلقان وشرق أوروبا.
ويقول يوسيتش -في دراسته التي نشرها مركز الجزيرة للدراسات- إن التعددية التي يمتاز بها مسلمو اليونان مكّنتهم من الحفاظ على وجودهم، مع العلم بأن استقرار أوضاعهم رهين بالنزاع السياسي اليوناني-التركي، وانعكاساته على الداخل اليوناني.
المدارس واللغة في قلب النزاعفي صلب ذلك النزاع تبرز قضية الحقوق الثقافية واللغوية في تراقيا الغربية، ويقول البرلماني التركي المولود في تراقيا الغربية خاقان تشاووش أوغلو إن إغلاق اليونان مدارس الأقلية التركية المسلمة يعد انتهاكًا لحق مواطني اليونان من أتراك تراقيا الغربية في التعلم بلغتهم الأم وانتهاك للاتفاقات التاريخية المبرمة بين البلدين، فضلا عن أن هذه الخطوة تهدد السلم الاجتماعي وتعرض مستقبل العاملين في مدارس الأقليات للخطر، حسب تعبيره.
وفي مقابلة مع الأناضول، أضاف خاقان تشاووش أوغلو -الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة الـ65 للجمهورية التركية، ورئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي- أنه في عام 1926 كان عدد مدارس الأقلية التركية المسلمة في تراقيا الغربية (شمال شرقي اليونان) 307 مدارس ابتدائية.
وأشار تشاووش أوغلو إلى أن أثينا أغلقت في 19 يوليو/تموز الماضي 7 مدارس ابتدائية للأقلية التركية في رودوبي، ومدرستين ابتدائيتين للأقلية التركية في اسكجه (كسانثي) بمنطقة تراقيا الغربية، لينخفض عدد المدارس الابتدائية التي توفر التعليم لأبناء الأقلية التركية في تراقيا الغربية إلى 90 مدرسة فقط.
ولفت تشاووش أوغلو إلى أن لإغلاق المدارس عواقب سلبية بالنسبة للمدرسين والعاملين في قطاع التعليم في تراقيا الغربية، وأن المعلمين والموظفين الإداريين في المدارس المغلقة سيتحولون إلى عاطلين عن العمل وسيُجبرون على الهجرة الاقتصادية.
التعليم والتمييزوتعترف اليونان بالإسلام كدين، وأبقت على بعض عناصر "نظام الملة" العثماني الذي يعطي الأقليات شرعية سياسية وقانونية، حسب دراسة يوسيتش منسّق "الشبكة البحثية: الإسلام في جنوب شرق أوروبا".
وتعيّن الدولة مفتي المسلمين؛ مما جعل اختيارهم محل خلاف بين المسلمين والسلطة؛ فأصبح هناك مفتون قانونيون وآخرون لا تترتب على أفعالهم أية نتائج قانونية.
من جانبه، يرى تشاووش أوغلو أن التعليم أحد الأدوات الرئيسية للتمكين الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي للأقليات، فضلا عن أنه أحد الأدوات المتاحة أمام أتراك تراقيا الغربية لنقل تراثهم الثقافي واللغوي إلى الأجيال القادمة.
وذكّر بأن اليونان أجبرت أتراك تراقيا الغربية على إرسال أبنائهم في مرحلة ما قبل المدرسة إلى رياض الأطفال التي تعمل باللغة اليونانية فقط في العام الدراسي 2011-2012، منتقدا ما أسماه "سياسة الاستيعاب".
ورأى تشاووش أوغلو أن السلطات اليونانية تتدخل بشكل مباشر في المناهج التعليمية لمدارس الأقلية التركية في تراقيا الغربية، بشكل يتعارض مع القانون رقم 3065 الذي تم سنه في اليونان عام 1954.
تاريخ متقلبوتتيح مدارس الأقلية التركية في تراقيا الغربية إمكانية التعلم باللغتين اليونانية والتركية. وجراء سياسات الحكومات اليونانية ذات الصلة تراجعت أعداد مدارس الأقلية التركية في تراقيا الغربية من 231 إلى 99 مدرسة خلال السنوات الـ27 الأخيرة.
في الواقع، وكما تقول كتابات المؤرخ كونستانتين تسيتساليكيس، مؤلف كتاب "الوضع القانوني للإسلام في اليونان"، فإن نظام الملة العثماني (وهو نظام فيه استقلالية للمؤسسات المجتمعية-الإثنية والدينية عن المؤسسات الرسمية للدولة) تمت المحافظة عليه، وهو نظام يسمح للأقليات المختلفة أو المنقسمة دينيًا بحصولها على مشروعية سياسية وقانونية.
وهكذا فإن وضع الإسلام في اليونان يحافظ على العناصر العثمانية التقليدية داخل خارطة قوانين الدولة اليونانية العصرية، وتمكنت دار الإفتاء المحلية من الحصول على شبه نظام قضائي يمكّنها من النظر في القضايا التي تتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين. واعترف القانون اليوناني بالمدارس الإسلامية وأوقاف المسلمين التي تشرف عليها مجالس الجماعات المسلمة المحلية، حسب دراسة يوسيتش التي ترجمها كريم الماجري.
وبانتهاء حروب البلقان (1912-1913)، وضم المناطق اليونانية الجديدة (التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية بعد استقلال اليونان)، تمتع سكان تلك المناطق من المسلمين الذين قرروا البقاء فيها بنفس وضع نظرائهم من المسلمين الآخرين ومُنحوا الجنسية اليونانية.
ولكن إثر الحروب اليونانية-التركية (1919-1922)، التي أفضت إلى اتفاقيات "لوزان للسلام" عام 1923، تمت عمليات تبادل للسكان؛ فغادر إثرها نحو 450 ألف مسلم اليونان ليذهبوا إلى تركيا، باستثناء سكان منطقتي "تراقيا" الذين كان عددهم يبلغ 92 ألفًا (كان هؤلاء من المسلمين الذين يتكلمون التركية والبلغارية (البوماك) والذين يحملون الجنسية اليونانية)، و"إيبير" التي بقي فيها 26 ألف مسلم يتحدثون اللغة الألبانية، وأُجبر هؤلاء عام 1945، أثناء الاحتلال الألماني لمناطقهم، على المغادرة إلى ألبانيا.
وفي عام 1947 ضمت اليونان جزر "دوديكانيز" التي كان يسكنها نحو 12 ألف مسلم من الذين يتحدثون اللغتين اليونانية والتركية، ومُنحوا الجنسية اليونانية.
ويتحدث هؤلاء المسلمون الحاملون للجنسية اليونانية اللغة التركية في أغلبهم، إلى جانب اليونانية، في حين أن نحو 20 ألفا من مسلمي اليونان (البوماك) يتكلمون اللغة البوماكية (وهي لهجة بلغارية) إلى جانب التركية أيضا التي يتحدثها كذلك أغلب المسلمين من الأقلية الغجرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الیونان
إقرأ أيضاً:
السيد عبدالملك ومشروع استنهاض الأمّة في زمن الغفلة
محمد الجوهري
إنّ المشروع القرآني بقيادة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – حفظه الله – يمثل اليوم آخر فرصةٍ حقيقيةٍ للأمة العربية كي تنهض من كبوتها، وتكون في مستوى المسؤولية التي حمّلها الله إيّاها، وتستعيد مكانتها التي أرادها الله لها: ﴿كُنتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
فمن يتأمل في خطابات السيد القائد ومواقفه، يلاحظ أنّها تصبّ في هذا الاتجاه: استنهاض الأمة لمعرفة مسؤوليتها أمام الله، وخروجها من حالة الغفلة والفرقة والشتات، التي لا يخدم استمرارها سوى أعداء هذه الأمة. فما نراه من إجرام صريح وعدوان مستمر في فلسطين، ولا سيما في غزة، هو نتيجة مباشرة لتفريط الأمة وتقصيرها في الاستجابة لنداء الحق. وقد صدق الله إذ قال: ﴿وَمَن أعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشةً ضَنكًا﴾ [طه: 124]. فما تعانيه الأمة اليوم من ذلّ وهوان، إنما هو من نتائج الإعراض عن الذكر، وعن المذكرين به.
إنّ السيد القائد، في تذكيره المتكرر، لم يدّخر جهدًا في دعوة الأمة إلى العودة لله، والجهاد في سبيله، والتوحد تحت راية القرآن. وهو على هذه الحال منذ أكثر من عقدين، حتى قبل العدوان السعودي-الإماراتي، وقبل الحروب الست الظالمة على صعدة. وقد كان دائم الدعوة للوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، لا سيما خلال العدوان على غزة في ديسمبر 2008، حيث شدد في خطاباته آنذاك على أن واجب الأمة نصرة المستضعفين لا يسقط بالتقادم أو الظروف.
ويكفي للتدليل على عمق هذه الرسالة وصدقها أن خطابات السيد لا تخلو أسبوعيًا من التذكير بهذه القضايا، كما قال تعالى في وصف الأنبياء: ﴿فَذَكِّر إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: 21]. وهذه الوظيفة النبوية سار عليها السيد عبدالملك، حيث يتخذ من التذكير منهجًا مستمرًا، في زمن عزَّ فيه صوت الحق.
لقد أقام السيد القائد الحجة على الأمة، حتى باتت دعوته تذكّر بما واجهه نبي الله نوح عليه السلام، الذي ظل في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعوهم إلى الله، ولم يؤمن معه إلا قليل. يقول الله: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا ﴾ [نوح: 5].
ومع هذا، فإن كثيرًا من الناس لم يروا في دعوة السيد إلا بحثًا عن سلطة أو حكم، تمامًا كما قال قوم الأنبياء من قبل: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: 24]، وكأنّ سنة الله في خلقه لا تتغير، سواء في حال المؤمنين أو المعاندين.
إن سنن الله تعالى في عباده لا تتبدل، فإن لم يستجيبوا للتذكير، فالبديل هو العقوبة. كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: 15]. وقد بُعث في هذه الأمة من يذكّر، ويُقيم الحجة، فلا عذر لأحد بعد ذلك.
بل إنّ كثيرًا من العرب اليوم قد تجاوزوا في طغيانهم ما كانت عليه بعض الأقوام السابقة، إذ ارتكبوا من الظلم والفساد ما لو قُورن بما ارتكبه قوم لوط أو عاد أو ثمود، لفاقهم في الجرأة والاستخفاف بدين الله وشرعه.
إن دعوة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي هي امتداد لخط الأنبياء، وهي من آخر المنارات التي تضيء في زمن الظلمات. وإنّ تجاهل هذه الدعوة لا يجلب إلا مزيدًا من الويلات، كما هو شأن من سبقنا من الأقوام الذين كذبوا المرسلين. فالعاقبة لمن استجاب، والهلاك لمن أعرض، وعلينا ألا ننسى أن العقوبات الإلهية أسوأ بكثير من أي نتائج قد تصيبنا إذا انطلقنا للجهاد في سبيل الله، وقد تأتي أيام على الأمة يتمنون فيها الموت على يد اليهود لا على يد بعضهم بعضاً، فالمخطط الصهيوني للأمة أن تدخل في موجة من الاقتتال الطائفي والمذهبي يذهب ضحيته الجميع، حتى أولئك الخونة من المطبعين، والواقع يشهد بخطورة التقصير والإعراض، وبعظمة الجهاد في سبيل الله، وكيف أن الشعب اليمني اليوم يسود على سائر الشعوب بفضل الاستجابة لله ولوليه، السيد عبدالملك حفظه الله.