رغم تعدد المجموعات السكانية المسلمة في اليونان، مثل الأتراك والبوماك (المسلمين البلغار) والألبان وأتراك رودوس وكوس والغجر المسلمين، إضافة إلى المهاجرين، فإن الأقلية التركية في تراقيا الغربية اليونانية تشكل أبرز مجموعة بين المجتمعات المسلمة في اليونان.

ويعود وجود المسلمين في اليونان لعام 654، وتعاظم خلال الحقبة العثمانية، ليتقلص إثر الحروب اليونانية-التركية (1919-1922) بعد عمليات تبادل السكان؛ حيث غادر اليونان نحو 450 ألف مسلم إلى تركيا.

ويقدر عدد المسلمين من حاملي الجنسية اليونانية والمقيمين في عام 2008 بنحو 350 ألفًا، أو 3.1% من مجموع سكان البلاد البالغ 11 مليون نسمة، حسب دراسة الباحث محمد يوسيتش المختص في قضايا البلقان وشرق أوروبا.

ويقول يوسيتش -في دراسته التي نشرها مركز الجزيرة للدراسات- إن التعددية التي يمتاز بها مسلمو اليونان مكّنتهم من الحفاظ على وجودهم، مع العلم بأن استقرار أوضاعهم رهين بالنزاع السياسي اليوناني-التركي، وانعكاساته على الداخل اليوناني.

المدارس واللغة في قلب النزاع

في صلب ذلك النزاع تبرز قضية الحقوق الثقافية واللغوية في تراقيا الغربية، ويقول البرلماني التركي المولود في تراقيا الغربية خاقان تشاووش أوغلو إن إغلاق اليونان مدارس الأقلية التركية المسلمة يعد انتهاكًا لحق مواطني اليونان من أتراك تراقيا الغربية في التعلم بلغتهم الأم وانتهاك للاتفاقات التاريخية المبرمة بين البلدين، فضلا عن أن هذه الخطوة تهدد السلم الاجتماعي وتعرض مستقبل العاملين في مدارس الأقليات للخطر، حسب تعبيره.

وفي مقابلة مع الأناضول، أضاف خاقان تشاووش أوغلو -الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة الـ65 للجمهورية التركية، ورئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي- أنه في عام 1926 كان عدد مدارس الأقلية التركية المسلمة في تراقيا الغربية (شمال شرقي اليونان) 307 مدارس ابتدائية.

وأشار تشاووش أوغلو إلى أن أثينا أغلقت في 19 يوليو/تموز الماضي 7 مدارس ابتدائية للأقلية التركية في رودوبي، ومدرستين ابتدائيتين للأقلية التركية في اسكجه (كسانثي) بمنطقة تراقيا الغربية، لينخفض عدد المدارس الابتدائية التي توفر التعليم لأبناء الأقلية التركية في تراقيا الغربية إلى 90 مدرسة فقط.

ولفت تشاووش أوغلو إلى أن لإغلاق المدارس عواقب سلبية بالنسبة للمدرسين والعاملين في قطاع التعليم في تراقيا الغربية، وأن المعلمين والموظفين الإداريين في المدارس المغلقة سيتحولون إلى عاطلين عن العمل وسيُجبرون على الهجرة الاقتصادية.

التعليم والتمييز

وتعترف اليونان بالإسلام كدين، وأبقت على بعض عناصر "نظام الملة" العثماني الذي يعطي الأقليات شرعية سياسية وقانونية، حسب دراسة يوسيتش منسّق "الشبكة البحثية: الإسلام في جنوب شرق أوروبا".

وتعيّن الدولة مفتي المسلمين؛ مما جعل اختيارهم محل خلاف بين المسلمين والسلطة؛ فأصبح هناك مفتون قانونيون وآخرون لا تترتب على أفعالهم أية نتائج قانونية.

من جانبه، يرى تشاووش أوغلو أن التعليم أحد الأدوات الرئيسية للتمكين الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي للأقليات، فضلا عن أنه أحد الأدوات المتاحة أمام أتراك تراقيا الغربية لنقل تراثهم الثقافي واللغوي إلى الأجيال القادمة.

وذكّر بأن اليونان أجبرت أتراك تراقيا الغربية على إرسال أبنائهم في مرحلة ما قبل المدرسة إلى رياض الأطفال التي تعمل باللغة اليونانية فقط في العام الدراسي 2011-2012، منتقدا ما أسماه "سياسة الاستيعاب".

ورأى تشاووش أوغلو أن السلطات اليونانية تتدخل بشكل مباشر في المناهج التعليمية لمدارس الأقلية التركية في تراقيا الغربية، بشكل يتعارض مع القانون رقم 3065 الذي تم سنه في اليونان عام 1954.

تاريخ متقلب

وتتيح مدارس الأقلية التركية في تراقيا الغربية إمكانية التعلم باللغتين اليونانية والتركية. وجراء سياسات الحكومات اليونانية ذات الصلة تراجعت أعداد مدارس الأقلية التركية في تراقيا الغربية من 231 إلى 99 مدرسة خلال السنوات الـ27 الأخيرة.

في الواقع، وكما تقول كتابات المؤرخ كونستانتين تسيتساليكيس، مؤلف كتاب "الوضع القانوني للإسلام في اليونان"، فإن نظام الملة العثماني (وهو نظام فيه استقلالية للمؤسسات المجتمعية-الإثنية والدينية عن المؤسسات الرسمية للدولة) تمت المحافظة عليه، وهو نظام يسمح للأقليات المختلفة أو المنقسمة دينيًا بحصولها على مشروعية سياسية وقانونية.

وهكذا فإن وضع الإسلام في اليونان يحافظ على العناصر العثمانية التقليدية داخل خارطة قوانين الدولة اليونانية العصرية، وتمكنت دار الإفتاء المحلية من الحصول على شبه نظام قضائي يمكّنها من النظر في القضايا التي تتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين. واعترف القانون اليوناني بالمدارس الإسلامية وأوقاف المسلمين التي تشرف عليها مجالس الجماعات المسلمة المحلية، حسب دراسة يوسيتش التي ترجمها كريم الماجري.

وبانتهاء حروب البلقان (1912-1913)، وضم المناطق اليونانية الجديدة (التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية بعد استقلال اليونان)، تمتع سكان تلك المناطق من المسلمين الذين قرروا البقاء فيها بنفس وضع نظرائهم من المسلمين الآخرين ومُنحوا الجنسية اليونانية.

ولكن إثر الحروب اليونانية-التركية (1919-1922)، التي أفضت إلى اتفاقيات "لوزان للسلام" عام 1923، تمت عمليات تبادل للسكان؛ فغادر إثرها نحو 450 ألف مسلم اليونان ليذهبوا إلى تركيا، باستثناء سكان منطقتي "تراقيا" الذين كان عددهم يبلغ 92 ألفًا (كان هؤلاء من المسلمين الذين يتكلمون التركية والبلغارية (البوماك) والذين يحملون الجنسية اليونانية)، و"إيبير" التي بقي فيها 26 ألف مسلم يتحدثون اللغة الألبانية، وأُجبر هؤلاء عام 1945، أثناء الاحتلال الألماني لمناطقهم، على المغادرة إلى ألبانيا.

وفي عام 1947 ضمت اليونان جزر "دوديكانيز" التي كان يسكنها نحو 12 ألف مسلم من الذين يتحدثون اللغتين اليونانية والتركية، ومُنحوا الجنسية اليونانية.

ويتحدث هؤلاء المسلمون الحاملون للجنسية اليونانية اللغة التركية في أغلبهم، إلى جانب اليونانية، في حين أن نحو 20 ألفا من مسلمي اليونان (البوماك) يتكلمون اللغة البوماكية (وهي لهجة بلغارية) إلى جانب التركية أيضا التي يتحدثها كذلك أغلب المسلمين من الأقلية الغجرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی الیونان

إقرأ أيضاً:

مجلس حكماء المسلمين يشارك في مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية

شارك مجلس حكماء المسلمين في أعمال الدورة السادسة عشرة لمؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، المنعقدة في مدينة جنيف تحت عنوان «الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة»، خلال الفترة من 20 إلى 23 أكتوبر الجاري، بمشاركة واسعةٍ من الخبراء والمسؤولين وممثِّلي المؤسسات الدوليَّة من مختلف أنحاء العالم.

مجلس حكماء المسلمين يرحِّب بمخرجات “قمة شرم الشيخ للسلام”

وخلال كلمته في الجلسة التي حملت عنوان «تسخير الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية الشاملة والمستدامة»، أكَّد سعادة المستشار محمد عبد السلام، أنَّ الذكاء الاصطناعي ليس مجرد قضيَّة علميَّة أو اقتصاديَّة، بل قضيَّة أخلاقية وإنسانية تمسُّ جوهر الوجود الإنساني وكرامته، لافتًا إلى ضرورة أن تبقى التكنولوجيا في خدمة الإنسان لا على حسابه.

وأوضح أنَّ إدارة التحول الرقمي تتطلب تعاونًا صادقًا بين العلماء والفلاسفة ورجال الدين وصنَّاع القرار، لضمان أن تكون التكنولوجيا أداة لتعظيم الخير الإنساني، لا وسيلة لإعادة إنتاج التفاوت والهيمنة بين الشعوب، مشيرًا إلى أنَّ الدول النامية يمكنها الاستفادة من فرص الذكاء الاصطناعي عبر ثلاث إستراتيجيات رئيسيَّة، هي: الاستثمار في رأس المال البشري، وبناء بيئة ابتكار عادلة وشاملة، وإقامة شراكات دولية متوازنة تقوم على تبادل المعرفة والخبرات، وتعزِّز التنمية المشتركة في إطار من المسؤولية الإنسانية المتبادلة.

وأشاد في هذا السِّياق، بالدَّعم الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة للدول النامية، من خلال تأهيل البنية التحتية وتدريب الكفاءات الشَّابة لتمكينها من مواكبة التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة عالميًّا.

ودعا مجلس حكماء المسلمين إلى ضرورة تبنِّي حوكمة أخلاقية شاملة للذكاء الاصطناعي، تحقق التوازن بين حرية الابتكار وحماية الإنسان، عبر مفاهيم الابتكار المسؤول، والعدالة الرقمية، والشفافية والمساءلة، مؤكدًا أن «التقنية مهما بلغت لا تملك ضميرًا، ولا تعرف معنى الرَّحمة»، موضحًا أنَّ «الذكاء الاصطناعي ليس نهاية مسيرة الإنسان، بل مرحلة جديدة من رحلته نحو اكتشاف ذاته وقدراته»، وأنَّ «الذكاء وحده لا يكفي لبناء عالمٍ أفضل، ما لم يُوجَّه بروحٍ من الحكمة والإنسانيَّة».

وثيقة مشتركة حول أخلاقيَّات استخدام الذكاء الاصطناعي

واستعرض المستشار محمد عبد السلام مبادرة مجلس حكماء المسلمين بعنوان: «وثيقة مشتركة حول أخلاقيَّات استخدام الذكاء الاصطناعي»، التي يعمل عليها المجلس بالتعاون مع الأزهر الشريف والكرسي الرسولي في الفاتيكان، انطلاقًا من مسؤوليتهم الأخلاقيَّة والرُّوحيَّة في مواجهة التَّحديات التكنولوجيَّة الكبرى، بما يضمن بقاء الإنسان في قلب التحول الرقمي مع ترسيخ مبادئ الكرامة والعدالة والمسؤولية في تطوير التكنولوجيا الحديثة.
واختتم بالتَّأكيد على أنَّ «التقدُّم بلا أخلاق هو ربح بلا هدف»، مشيرًا إلى أنَّ القادة الدينيين، وفي مقدِّمتهم الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لطالما أكَّدوا أنَّ التوازن الأخلاقي ليس عائقًا أمام التنمية، بل هو أحد أعمدتها الأساسية، وأضاف: «حين تُوجَّه مسيرة الابتكار بروح الأخوة الإنسانية والحكمة الأخلاقية، فإنَّ الذكاء الاصطناعي لن ينهض باقتصاداتنا فحسب، بل سيرتقي بكرامة الإنسان معها».

مقالات مشابهة

  • بعد حرب حدودية دامية: تايلند وكمبوديا تضعان حداً للنزاع في قمة ماليزيا
  • شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين يزور إيطاليا اليوم
  • ضوابط أوروبية صارمة لقطع مصادر تمويل الإخوان المسلمين
  • «حكماء المسلمين» يدين بشدة مصادقة الكنيست الإسرائيلي لفرض السيادة على الضفة الغربية
  • حكماء المسلمين يُدينُ مصادقة الاحتلال الإسرائيلي على قانونين لفرض السيادة على الضفة
  • مجلس الأمن يقترب من دعم خيار المغرب للصحراء والجزائر تلوح بالامتناع عن التصويت
  • قبرص اليونانية تؤجج التوترات بين تركيا وإسرائيل
  • مجلس حكماء المسلمين يشارك في مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية
  • احتفال مصري مهيب في أثينا يجسد عمق العلاقات المصرية اليونانية (فيديو)
  • عبد الستار بركات: احتفال مصري مهيب في أثينا يجسد عمق العلاقات المصرية اليونانية