أصدر معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI) كتاب "أوروبا في عصر انعدام الأمن"، الذي حرره باولو ماغري وأليساندرو كولومبو، وتصدَّر الكتاب مقالا هاما لأليساندرو كولومبو بعنوان "عسكرة أزمة النظام الدولي"، ترجمه من الإيطالية "المرصد الأوروبي- العربي لدراسات التنمية الاستراتيجية". وأليساندرو كولومبو هو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ميلانو ورئيس برنامج العلاقات عبر الأطلسي في "ISPI"، وهو مؤلف العديد من المقالات حول الجوانب المفاهيمية للعلاقات الدولية وحول تفاصيل مشاكل الأمن الإقليمي في أوروبا.
يطرح المقال مجموعة من المفاهيم والأفكار المتداولة حول النظام الدولي ونظرياته التفسيرية عقب الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الصهيوني على غزة، فيرى أن "السيناريو الدولي الحالي يدحض على نحو مثير للسخرية الوعود الوردية للنظام الدولي الليبرالي، الذي يتمحور حول أسطورة الحكم العالمي وقدرته المتزايدة المفترَضة على منع الأزمات وإدارتها. ولا يمكن لأي مراقب محايد أو دولة طرف ثالث أن يفشل في ملاحظة أن الوضع في أوكرانيا كان يزداد سوءا منذ عام 2014 على الأقل، وأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يقترب بشكل مطرد من نقطة الانهيار مع مرور الأشهر، ولكن هذا لم يكن كافيا لتحريك أي دبلوماسية وقائية فعالة في الحالتين. لقد أدت الجهات الخارجية إلى تفاقم الصراع بدلا من تخفيفه؛ إذا فعلت أي شيء على الإطلاق".
يبرز من كلام "أليساندرو كولومبو" مفهومان هامَّان؛ منع الأزمات وإدارتها، فالدول تتفاوت قدرتها في عمليات تتصل بالأزمة، بدءا من إيجاد الاستقرار الذي يمنع حدوث الأزمة، مرورا باضطرابات قد تؤدي إلى أزمة لكن الدولة تتمكن من منعها، ثم هناك الأزمة العرَضِيَّة/ المفاجئة التي تمكن إدارتها، وهناك الأزمة المتعمَّدَة التي تمكن إدارتها أيضا، وهناك الأزمة الخارجة عن السيطرة، وكل درجة من هذه الحالات تتفاوت الدول في قدرتها على التعامل معها بحسب وزنها الإقليمي أو الدولي. في الحالتين المطروحتين كانت هناك مؤشرات أزمة، لكن يبدو أنه كانت توجد قناعة بإمكانية منعها عند مرحلة قد تصل إلى المواجهة المسلحة، ثم لما حدثت المواجهة المسلحة كانت هناك قناعة بإمكانية إدارة الصراع ليؤدي إلى تشكيل واقع جديد مناسب للنظام الدولي الليبرالي.
الملاحَظ في حالة غزة تحديدا أنها أعطت وضعا مغايرا حتى الآن، فالصهاينة يرفضون الاستجابة إلى الضغوط الدولية، سواء المتعلقة بتحسين الوضع الإنساني، أو "تخفيف" استهداف المدنيين، ومؤخرا التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، ورغم أن الضغوط ما تزال في مرحلة الضغوط السياسية ولم تبلغ مرحلة الفعل المؤلم الذي يجبر العدو الصهيوني على الامتثال للقرارات الدولية، لكن في النهاية هناك ضغوط من حلفاء؛ وبوصف أدق "رعاة" لا يستطيعون ضبط تصرف الدولة التي يرعونها، فالأزمة قد تخرج في لحظة عن نطاق السيطرة، تحديدا في الشمال مع لبنان، أو عمليات إيرانية تجابه الهجمات الصهيونية في سوريا وغيرها، ولا تزال إمكانية توسيع الصراع قائمة مع كل إخفاق للمسار التفاوضي أو تصعيد صهيوني في فلسطين المحتلة.
ربما يتقاطع هذا المثال مع انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، دون وجود ضغوط غربية حقيقية توقف النظم السياسية الديكتاتورية عن استهداف النشطاء الذين يتقاربون مع الدوائر الغربية في مفاهيم حقوق الإنسان أو الأيديولوجيا، وبالطبع لن نذكر هنا النشطاء من التيارات المحافظة أو السياسية الإسلامية، لأن الدوائر الغربية تشيح بوجهها عنهم بتعمد، فالنظم الديكتاتورية تفعل ما تشاء بملفات حقوق الإنسان وحرية الرأي وتداول السلطة، مستفيدة من أوراق ضغط في ملفات أخرى، مثل "الحرب على الإرهاب"، و"مواجهة التطرف الديني"، و"الهجرة غير النظامية".. إلخ.
الحاصل أن الدول الكبرى فقدت قدرتها على إدارة الأزمات أو منعها ابتداء، وهذا أحد مؤشرات تشكيل نظام دولي جديد؛ سيشير إليه مقال "عسكرة أزمة النظام الدولي". ويمكن تفسير قدرة النظم الديكتاتورية في المنطقة على تجاهل الطلبات الغربية في ملفات حقوق الإنسان، بأنها فهمت بعد النجاح المؤقت لثورات عام 2011 أن أنظمة أوروبا وأمريكا قد تتراجع عن دعمهم في أي لحظة، ما أوجد شعورا بالغضب تجاهها، وتولدت قدرة على معاندتها فيما يخص البقاء على كرسي الحكم، ومن هنا فَقَدَ الغرب "جزئيا" قدرته على فرض إرادته في ملفات كان يتحرك فيها بقوة قبيل الربيع العربي.
انتقل المقال للحديث عن القدرة على التنبؤ في العلاقات الدولية، ما يعني الحاجة إلى نظريات تفسيرية جديدة، فيقول: "ليس من المستغرب أن تعمل الحرب في أوكرانيا وتجدد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على تسليط الضوء أيضا على القدرات التنبؤية الهزيلة التي يبدو أنها تبتلي كل اللاعبين الرئيسيين، الأمر الذي يؤدي إلى سلسلة من الإخفاقات المدهشة. ولقد شهدنا ذلك على مدى السنوات العشرين الماضية، في الحسابات الخاطئة القاتلة التي ارتكبتها الولايات المتحدة عندما غزت العراق في عام 2003، (..) وبعد بضع سنوات، استندت روسيا أيضا في قرارها بمهاجمة أوكرانيا إلى توقعات غير واقعية تماما فيما يتعلق بقدرة الدولة والحكومة الأوكرانية على الصمود. وفي العام الماضي، جاء الدور على إسرائيل لتجد نفسها غير مستعدة بشكل صارخ للهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك بسبب تقييم غير كاف على نحو مماثل لبيئتها الأمنية الحالية".
المعلوم أن إحدى وظائف النظريات السياسية هي التنبؤ، إذ لا فائدة كبيرة من النظريات التفسيرية بقدر ما تبرز الحاجة إلى النظريات التفسيرية والمؤدية إلى التنبؤ، وهنا أخفقت الدول في التنبؤ بمستقبل الصراعات المشتعلة في مناطق التماس الساخنة في حدود أوروبا الغربية والمنطقة العربية، كما أخفقت قبلها في التنبؤ بلحظة انفجار الشارع العربي، وإمكانية إسقاط أنظمة مستقرة منذ عقود، وكما أخفقت قبل كل ذلك في انهيار جدار برلين والاتحاد السوفييتي وانتهاء النظام ثنائي القطبية، والانتقال إلى نظام أحادي القطبية. صحيح أن هذه الإخفاقات نادرة في مسار سنوات طويلة مقابلها في التحكم، لكنها إخفاقات محورية تتغير معها شكل الأقاليم أو الموازين العالمية.
هذا الوضع جذب النقاش إلى انعدام الأمن السياسي والإستراتيجي الذي يعكس "أزمة حكم أو وظيفة توجيهية للنظام الدولي"، بحسب المقال. ويتابع "كولومبو" بقوله: "وفي المناقشات الأخيرة، كانت كل التفسيرات المحتملة لاختلال التوازن في النظام الدولي الحالي تدور في الأساس حول هذا التحول في الهيمنة. التفسير الأول -الذي يَعتبِر هذا المنعطف التاريخي جزءا من صورة أكبر من سياق ما بعد الحرب الباردة مباشرة- لا يزال يصر على النظر إلى السياق الدولي الحالي باعتباره أحادي القطب، وبشكل أكثر تحديدا، ووفقا لهذا التفسير، يُنظر إلى القطبية الأحادية التي تقودها الولايات المتحدة (الآن جزئية فقط) باعتبارها القوة الدافعة وراء عدم الاستقرار، وانعدام الأمن على المستوى الذاتي. قد يكون السبب هو أن المعايير والمؤسسات الدولية لا تزال تُقيّد المراجعين، لكن هذه الدول أكثر استعدادا لتحديها، فالولايات المتحدة تبدو حاليا منقسمة داخليا للغاية بحيث لا تتمكن من التعامل بشكل فعال ومتماسك مع هذه التحديات أو حتى أن بعض العضلات الأكثر حيوية للهيمنة الأمريكية (العلاقات بين التحالفات والمؤسسات) قد ضمرت في الماضي القريب، وهي معرضة لخطر القيام بذلك مرة أخرى في المستقبل، أو أنه حتى من دون تقويض البنية الأحادية القطب للنظام الدولي فإن العالم أصبح مكانا أكثر خطورة كثيرا مما كان عليه قبل عشرين عاما".
ويتابع "كولومبو" في بيان التفسيرات الأخرى بقوله: "وتشير تفسيرات أخرى أكثر شيوعا إلى التوترات المتأصلة في أي عملية انتقال من تشكيل قوة إلى أخرى، على الرغم من عدم قدرتها على الاتفاق على أي منها سيظهر ويطفو على السطح، ويتوقف البديل الأكثر شيوعا لهذا التفسير، ليس فقط في أوروبا، على نظام دولي متعدد الأقطاب لم يتم تحديده بعد، يتكون من الولايات المتحدة والصين بالإضافة إلى لاعبين مثل الاتحاد الأوروبي والهند وروسيا، ربما يكونون مدعومين في المستقبل من البرازيل وغيرها من البلدان الناشئة. ويعتقد العديد من أنصار هذه الفكرة أن هذا النظام الدولي سيثبت في نهاية المطاف أنه أكثر توازنا وتنظيما من النظام الأحادي القطب الذي ساد في الماضي القريب. ومع ذلك، خلال المرحلة الانتقالية، سيتطلب الأمر عملية حساسة للغاية ومثيرة للجدل لتكييف السياسات الخارجية وإعادة التفاوض على المعايير والمؤسسات، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي في البداية إلى تفاقم انعدام الأمن بدلا من احتوائه".
قد نكون نشهد في هذه السنوات العصيبة؛ منذ عام 2011، اضطرابات مؤدية إلى تغيرات إقليمية، إما بيد الجماهير أو بأيدي فصائل المقاومة، وهذه التغيرات الإقليمية إذا استطاعت وضع الشعوب على مسار تحرير إرادتها، فستصل إلى تغيرات عالمية لا إقليمية فحسب، وللأسف تخبرنا سِيَرُ التاريخ أن التغيرات الكبرى تكون نتيجة لتضحيات كبرى، ونرجو ألا تضيع تضحيات الفلسطينيين العظيمة، وتضحيات الشعوب في سبيل حريتها، لتصل إلى أيدي المنتفعين والعاملين في الفلك الغربي المعادي لنهضتنا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الأزمات امريكا غزة اوكرانيا أزمات النظام العالمي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الدولی للنظام الدولی حقوق الإنسان الذی ی
إقرأ أيضاً:
بالمورال.. القصر الذي دمّر زواج ديانا وتشارلز!
متابعة بتجــرد: كشف أحد مرشدي قصر بالمورال عن اللحظة التي بدأ فيها زواج تشارلز وديانا “يتدهور” أثناء وجودهما في العقار الاسكتلندي، بعد فترة وجيزة من زفافهما عام 1981.
تم تقديم هذه الادعاءات من جانب جيلي (خبير صيد وصيد الأسماك)، ولكن لم يُذكر اسمه في كتاب المؤلف الملكي توم كوين الجديد Yes, Ma’am: The Secret Life of Royal Servants، والذي من المقرر إصداره الشهر المقبل.
في مقتطف من الكتاب الذي يفصّل روايات الخدم الملكيين على مر السنين، روى المرشد كيف كرهت أميرة ويلز الراحلة بالمورال.
وأوضح أن كراهية الليدي ديانا للمقر الاسكتلندي كانت بسبب الملل من الأنشطة الخارجية التقليدية، على الرغم من نشأتها في الطبيعة وفي كنف عائلة تستمتع بالصيد على أنواعه.
وأضاف أنها كانت تفضّل المدينة وتكره الرياضات الريفية، وهو اعتراف صدم أمير ويلز آنذاك، الذي كان صيّاداً متحمّساً للثعالب.
كان الملك تشارلز يعشق المطاردة في شبابه، وبعد صيده الأول تلطّخ على ما يبدو بدماء أول ثعلب وأول غزال أطلق عليه النار وقتله وفقاً للتقاليد الملكية.
لكن ديانا كانت أقل إعجاباً بهذا النشاط، ولم تستطع الانخراط فيه، وكان ذلك السبب الذي قوّض زواجهما منذ البداية، وليس خيانة زوجها لها.
وقال المصدر: “أعتقد أن هذه كانت بداية تدهور علاقتهما، وليس كما كان يقول الناس من أن السبب هو علاقة الأمير بامرأة أخرى!”.
وفي الوقت نفسه، أدى ملل ديانا إلى طرح بعض النكات الوقحة لتمضية الوقت، وفقاً لما جاء في الكتاب.
وخلال إحدى النزهات عندما كانت ترافق زوجها في إحدى هواياته المفضلة، سمحت الأميرة لمللها بالتغلّب عليها واستفزت مجموعة الصيادين المتحمّسين، إذ أوضح المرشد: “أتذكّر ذات مرة أنها كانت تجلس بهدوء وتشاهد كل ما يجري من مناقشات حول الذباب الذي يجب استخدامه. بدت وكأنها تشعر بالقليل من الملل، وعندما هدأ كل شيء للحظة، نادت الأمير تشارلز قائلةً: “عزيزي، ألن يكون من الأسهل استخدام شبكة فقط!””.
من الواضح أن هوايات الأمير والأميرة الويلزية المختلفة أصبحت نقطة خلاف مستمرة طوال زواجهما.
وفي تسع رسائل كتبتها الأميرة ديانا في السنوات الأولى من زواجها المحكوم عليه بالفشل من تشارلز، والتي تم بيعها بالمزاد العلني في حزيران (يونيو)، أخبرت مود بيندري، مدبّرة منزل عائلتها السابقة، كيف حقق شهر العسل “نجاحاً هائلاً” وقالت إنها وتشارلز أمضيا “وقتاً ممتعاً”.
لكن رسائلها أخفت حقيقة حزينة وكتبت بيني جونور، مؤلّفة كتاب الدوقة، أن الاختلافات بين الزوجين أصبحت واضحة تماماً في شهر العسل.
في حين كان الملك المستقبلي يتخيّل السباحة والقراءة والرسم وكتابة رسائل الشكر، كانت ديانا تتوقع الدردشة: “لقد أخذ معه ألوانه المائية وبعض اللوحات القماشية وكومة من الكتب التي ألّفها الصوفي والكاتب الأفريكاني لورانس فان دير بوست، والتي كان يأمل أن يتشاركها مع ديانا ثم يناقشها في المساء”، كتبت جونور.
وأضافت: “لكن ديانا لم تكن قارئة جيدة. كانت تكره كتبه البائسة وتشعر بالإهانة لأنه قد يفضّل دفن رأسه في أحدها بدلاً من الجلوس معها والتحدث إليها. كانت أيضاً مستاءة من جلوسه لساعات على حامل الرسم الخاص به، وكان هناك العديد من الصفوف المشتعلة. ذات يوم، عندما كان تشارلز يرسم على سطح شرفة بريتانيا، ذهب لينظر إلى شيء ما لمدة نصف ساعة. وحين عاد وجد أنها دمّرت لوحته وكل المواد التي كان يستخدمها”.
وفي عام 2018، كشفت سيرة ذاتية ملكية مذهلة كتبها المراسل الملكي روبرت جوبسون أن الأمير تشارلز كان يعاني من ألم شديد بسبب قراره بإلغاء زفافه إلى ديانا.
ورغم إدراكه أن علاقته بابنة الأرستقراطي غير متوافقة، إلا أنه شعر بالعجز عن فعل أي شيء حيال ذلك. وقال إن فسخ الخطوبة “كان سيكون كارثياً”.
ومن بين القنابل الأخرى التي تم الكشف عنها في أحدث كتاب لتوم كوين، مدى غضب الملك تشارلز.
وتكشف السيرة الذاتية أن الملك “سيفقد أعصابه في ثانية واحدة” إذا لم يتم تلبية مطالبه الخاصة للغاية، كما زعم المطّلعون في الكتاب المقبل.
وأوضحوا أن تشارلز والملكة كاميلا يعاملان موظفيهما دائماً “بشكل جيد”، لكن الملك عُرضة لـ”نوبات غضب صغيرة”.
main 2025-02-20Bitajarod