رسالة صمود جنوبية في العيد.. سيناريوهات المواجهة تتعزّز؟!
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
كما كان متوقّعًا، لم تهدأ الجبهة الجنوبية كليًا في عطلة عيد الأضحى المبارك، ولو انحسرت نسبيًا، تمامًا كسائر الأعياد والمناسبات التي مرّت منذ بدء الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، وما تفرّع عنها من حربٍ إسرائيلية على جنوب لبنان، بعدما كرّس العدو الإسرائيلي منذ أكثر من ثمانية أشهر، بأنّ لا مكان لـ"هدنة العيد" في قاموسه، حيث يمعن في سياسة القتل التي يمارسها من دون توقف، وبلا حسيب أو رقيب، من غزة إلى لبنان.
ولعلّ المفارقة التي حملها العيد هذه المرّة أنّه جاء بعد أسبوع يصحّ وصفه بـ"الأعنف" على الإطلاق منذ بدء الاشتباكات بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي في الثامن من تشرين الأول، في ضوء التصعيد غير المسبوق الذي شهدته الجبهة بعد اغتيال القيادي في "حزب الله" طالب سامي عبد الله، أو "الحاج أبو طالب"، وما أعقبها من عمليات نوعيّة نفذها الحزب ثأرًا لدم "قائده"، واعتُبِرت الأعلى مستوى منذ حرب تموز 2006.
وإذا كان تصعيد "حزب الله" جرّ الإسرائيلي إلى تصعيد مضاد، كان المدنيّون ضحيته كالعادة، بوصفهم ربما "الهدف الأسهل" بالنسبة للعدو، فإنّ عطلة العيد حملت رسالة "صمود" جنوبية أكثر من لافتة، مع إصرار الجنوبيين على قضاء العيد في قراهم، من دون التأثّر بحجم التهويل والتهديد، إصرار رفع المعنويّات ربما، لكنه لم يحجب السؤال الكبير: هل تعزّزت سيناريوهات "المواجهة الكبرى"، التي بات البعض يصفها بـ"الحتمية"؟!
تصعيد تصاعدي
صحيح أنّ المواجهات على الجبهة الجنوبية انحسرت نسبيًا خلال عطلة عيد الأضحى، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ اليد بقيت على الزناد، إن جاز التعبير، لمواكبة المتغيّرات التي فرضها أسبوع كامل من التصعيد الميداني، بدا أنّ سببه المباشر كان الاغتيال الإسرائيلي للحاج "أبو طالب"، الذي صُنّف واحدًا من قادة الصف الأول في "حزب الله"، على المستوى العسكري، ولعلّه القائد الأعلى رتبة الذي يتمّ اغتياله منذ عملية "طوفان الأقصى".
لكن، بعيدًا عن عملية الاغتيال التي اعتبرها البعض "موجِعة"، فكانت الردود عليها "أكثر إيلامًا"، وأبرزها الهجوم المركّب الذي نفّذه "حزب الله" ضدّ سلسلة من المواقع العسكرية الإسرائيلية دفعة واحدة، يبقى الثابت أن ما يجري على الجبهة الجنوبية يأتي في سياق ما يصطلح على وصفه بـ"التصعيد التصاعدي"، باعتبار أنّ وتيرة الجبهة ترتفع منذ فترة غير قصيرة وفق وتيرة "تصاعدية"، بحيث يأتي كلّ أسبوع "أعنف"، إن صحّ التعبير، من الذي سبقه.
ويترافق كلّ ذلك مع "تصعيد" في مستوى التهديدات أيضًا، وهو ما تجلّى في التسريبات الإعلامية الإسرائيلية التي تحدّثت عن توصية من الجيش للمستوى السياسي بالانتهاء من عملية رفح سريعًا، من أجل التقدّم بالهجوم على لبنان، في وقتٍ يبدو واضحًا أنّ الأزمة الداخلية للحكومة الإسرائيلية تلعب دورًا في رفح مستوى "المزايدات"، التي قد تكون جبهة لبنان مسرحًا لها، على وقع ما يُحكى عن تآكل قوة الردع الإسرائيلية على هذه الجبهة بالتحديد.
أميركا "تمنع" الحرب؟
لا يعلّق "حزب الله" على التهديدات الإسرائيلية، ويقول العارفون بأدبيّاته إنّ موقفه لا يزال ثابتًا، فهو لا يريد سيناريو "المواجهة"، ولا يسعى لتوسيع المعركة، وصولاً إلى حدّ "الحرب الشاملة"، بدليل أنّ معظم عملياته النوعية لا تزال تندرج في خانة "الرد" على الانتهاكات الإسرائيلية المتمادية، ولكنّه في الوقت نفسه يؤكد للقاصي والداني أنّه جاهز لخوض الحرب، إذا ما فُرِضت عليه، وبعد أن يحرّر نفسه من كلّ القيود والضوابط التي كبّل نفسه بها.
مع ذلك، لا يبدو أنّ احتمال الحرب أصبح "حتميًا"، ولو أنّ العارفين يؤكدون أنّ ما بات يوصَف بـ"مأزق الشمال" لا يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية، بمعنى أنّ المطلوب إسرائيليًا "تسوية" تشكّل "حلاً جذريًا" للمشكلة التي هجّرت المستوطنين الإسرائيليين من بيوتهم، إلا أنّ إصرار المسؤولين الإسرائيليين على الحديث عن ضرورة الوصول إلى حلّ "إما بالدبلوماسية أو بوسائل أخرى" يقدّم رسالة "انفتاح" على الجهود الدبلوماسية، التي تبقى متقدّمة.
ولعلّ عودة المبعوث الأميركي اموس هوكشتاين إلى المنطقة، في هذا التوقيت تحديدًا، توجّه رسالة واضحة بهذا المعنى، بعدما كان الرجل "استسلم" لحقيقة أنّ المفاوضات مؤجّلة لما بعد وقف إطلاق النار، وهو ما يردّه البعض إلى مسعى من واشنطن لـ"منع" أيّ مغامرة إسرائيلية ضدّ لبنان، تعتقد إدارة الرئيس جو بايدن أنّها لن تكون في صالحه على عتبة الانتخابات الرئاسية، التي يريد التفرّغ لحملاتها من دون "صداع" الحروب في المنطقة.
ثمّة أكثر من عامل يدفع إلى "استبعاد" الانزلاق إلى "حرب إسرائيلية شاملة" ضدّ لبنان في الوقت الحاليّ، منها الموقف الأميركي الحازم عشيّة الانتخابات، الذي قد لا يكون "ضمانة كافية" في كلّ الأحوال، ولكن منها أيضًا إدراك الإسرائيلي أنّ ما ينتظره في لبنان "أثقل بكثير" ممّا واجهه، ولا يزال يواجهه، في غزة. إلا أنّ التجربة أثبتت أنّ الإسرائيلي يندفع أحيانًا لخطوات "مجنونة" لا ينجح في الخروج منها بسهولة، فهل يفعلها ويضرب لبنان؟!
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
رسالة كاتبة إلى أختها المعارضة التي ماتت قبل أن ترى سقوط بشار
"أكتب إليك من دمشق. نعم، لقد أتى هذا اليوم يا بسمة! وهو أعظم مما حلمنا به لسنوات عديدة.. لدرجة اليأس من رؤية ذلك يحدث في يوم من الأيام.. ها قد سقط نظام بشار الأسد وها هم السوريون مبتهجون (..) لقد غنيت وهتفت مع الحشود: "ارفع رأسك فوق، أنت سوري حر" في ساحة الأمويين، في قلب مدينتنا التي كانت محرمة علينا".
هذا بعض ما جاء في الفقرة الأولى من رسالة الكاتبة هالة قضماني لأختها بسمة قضماني التي توفيت في 23 مارس/آذار 2023 وهي أكاديمية سورية كانت متحدثة باسم المجلس الوطني السوري الذي تشكل من الأطياف المعارضة لبشار الأسد بعيد انطلاق الثورة السورية عام 2011.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جدعون ليفي: إسرائيل تجرع شعبها الخوف مع حليب أمهاتهمlist 2 of 2موندويس: المؤسسات الأميركية الطبية تهمل واجبها بشأن جرائم الحرب في غزةend of list
تقول هالة في رسالتها بصحيفة ليبراسيون الفرنسية إنها لا تعرف ما يجعلها تحس أنها تعيد اكتشاف دمشق من جديد، هل ذلك بسبب مشاعرها الفياضة أم ذكرياتها الباهتة أم بسبب انعكاس ضوء الشمس على جبل قاسيون المطل على العاصمة، أم لأن كل شيء أصبح جميلا في عينها وهي ترى البسمة المشرقة المرتسمة على وجوه الناس في الشوارع؟ لكن ما هو مؤكد أن " الحب الذي أشعر به هنا لكل شيء وكل شخص لم يسبق له مثيل على الإطلاق"، على حد قولها.
غير أن ما يحز في نفسها، تقول هالة، بل وترى أنه قاس ومؤلم للغاية هو أن "بسمة" لم تعش هذا الحدث.. هي التي حشدت طاقاتها وعلاقاتها طيلة 10 سنوات من أجل "سوريا خالية من الاستبداد"، وهنا تصف الكاتبة الغصة التي تنتابها والدموع تنهمر من عينيها ليس فقط فرحا بهذا الحدث العظيم بل كذلك حزنا على غياب بسمة الذي "لا يطاق"، غياب ليست هي وحدها من يأسى عليه بل إن العشرات ممن عرفوا بسمة بعثوا لهالة رسائل تعكس مدى حزنهم على أن بسمة لم تكن موجودة في هذه اللحظات.
إعلان
وتمضي هالة لتقص على بسمة ما حصل فتقول لها: "لا يمكنك أن تتصوري أو تتخيلي يا بسمة كيف حدثت المعجزة وكيف جاء الخلاص! لم يتدخل جيش أجنبي، ولا وقع انقلاب عسكري، ولا جرى اغتيال، ولم يكن ما حدث حتى نتيجة مفاوضات سياسية.. لم يحدث أي من تلك السيناريوهات التي تصورتها، بل فر الدكتاتور مكرها في منتصف الليل دون أن يقول أي شيء بعد انهيار جيوشه ومليشياته في مواجهة هجوم مبهر شنه مسلحون سوريون ولم يكن أحد يتوقعه".
لم يتدخل جيش أجنبي، ولا وقع انقلاب عسكري، ولا جرى اغتيال، ولم يكن ما حدث حتى نتيجة مفاوضات سياسية
ولخصت ما حصل في أن هؤلاء المقاتلين جاءوا من إدلب وخلال 10 أيام فقط سيطروا على حلب ثم حماة فحمص وأخيرا دمشق "حيث ألقى جنود النظام أسلحتهم وتخلوا عن عتادهم ورموا زيهم العسكري أمام أعين السكان المندهشين".
أما عن هوية هؤلاء المقاتلين فإن هالة تقول: "لا أجرؤ على الكشف لك عن هوية المحررين الجدد. إنهم نفس الجهاديين الذين سرقوا منا ثورة ربيع 2011 والذين حاربناهم"، لكنهم تغيروا وما يتمناه الجميع هو "سوريا التي تتماشى مع رؤية بسمة، سوريا الملهمة لقادتها ولشعبها".
ولفتت هالة في رسالتها لأختها إلى أنها تود أن تطلعها على ما ينتاب السوريين وأصدقاءهم من أمل، معبرة عن دهشة الجميع من التصرف الراقي للمحررين الإسلاميين الجدد وما ميزهم من انفتاح لم يشتهروا به في السابق.
وختمت الكاتبة بالتأكيد على أن إدراك السوريين بالمخاطر المتعددة التي تهدد بلادهم، لا يثنيهم عن الأمل في مستقبل مشرق بعد "سنوات عديدة من اليأس".