حول قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص الحرب الدائرة في (دارفور – الفاشر) والسودان عموما !
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
عدنان زاهر
1
بموجب طلب تقدمت به المملكة المتحدة لمجلس الأمن الدولي صدر قرار بتاريخ 13 – 6 – 2024 و بتأييد أربعة عشر عضوا و امتناع روسيا عن التصويت يتضمن الآتي :
- أن توقف قوات الجنجويد حصارها و سحب جنودها من محيط المدينة الفاشر، مع توقيف كافة العدائيات.
- السماح للمدنيين بالانتقال الحر داخل الفاشر و خارجها.
- السماح بمرور و ادخال الإغاثة الى المتضررين جراء الحرب في مدينة الفاشر.
- الالتزام الكامل بإعلان " جدة " لحماية المدنيين.
- ضرورة التزام الأطراف المتحاربة بالقانون الدولي الإنساني.
- منع الدول الأعضاء من التدخل في النزاع الدائر بين الطرفين أو مد الأطراف بالأسلحة
- الدعوة لأطراف النزاع بالوقف الفوري للعدائيات، و اللجوء للحوار للتوصل لسلام شامل و مستدام.
- تشجيع المنظمات الإقليمية في القارة الأفريقية للتدخل والقيام بقيادة عملية سياسية لإقرار السلام في السودان.
تباينت ردود الفعل تجاه القرار خاصة المجموعات المتحالفة مع الجيش التي وصفت القرار بانه ضعيف ، و لم يشر للدول المساندة للجنجويد بأسمائها ( الأمارات المتحدة ) ، كما لم يصف بما يتم في دارفور بأنه إبادة جماعية تقوم به قوات الجنجويد المعتدية !
لذلك سأحاول في هذا الحيز ، توضيح بعض الجوانب التي يمكن أن تساعد على فهم و قراءة القرار بشكل مختلف.
2
قرار مجلس الأمن صدر تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة و هو يشمل سته مواد 33 - 38 ، تحدد مهام و صلاحيات مجلس الأمن وفقا لهذه المواد. هذه المواد تعطى المجلس الحق في التدخل في أي نزاع، يرى المجلس انه يمكن أن يهدد سلامة الأمن الدوليين ، و يتم ذلك عادة بناء على طلب أحد الأعضاء أو أن يقوم المجلس بذلك من تلقاء نفسه.
مما يجدر ذكره ان المجلس يتكون من خمسة عشر عضوا عشر منهم يتم انتخابهم و خمسة أعضاء دائمين و يمتلكون حق النقض " الفيتو ". و الأعضاء الدائمون الولايات المتحدة، روسيا ، فرنسا ، الصين و المملكة المتحدة. ضمن الأعضاء الحاليين لمجلس الأمن ثلاث دول أفريقية هي الجزائر ، موزمبيق و سيراليون.
3
يرى بعض المعلقين ان القرار الذى صدر من مجلس الأمن بخصوص دارفور صدر ضعيفا مقارنة بما يحدث في الأرض حاليا و لن يساهم في حلحلة أو تهدئة الأمور هنالك، طالما ليس هنالك قوة أو آلية لتنفيذ القرار على الأرض.
لتوضيح هذه النقطة يجب أن نذكر ان القرار الذى يصدر من مجلس الأمن و ينفذ بالقوة هو القرار الذى يصدر من المجلس تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة و ليس السادس، و هذا هو الفارق الجوهرى بين البند السادس و البند السابع.
القرار الصادر من مجلس الأمن تحت البند السابع يعمل على تنفيذه بالقوة عن طريق قوات عسكرية توفرها الدول الأعضاء لمجلس الأمن.
من المهم أن نشير الى أن البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة يتضمن ثلاث عشر مادة و هي تشمل المواد 39 – 51 و لا يلجأ المجلس الى ذلك البند الا اذا توصل اعضائه الى قناعة ان التدابير المؤقتة التي اتخذت تحت البند السادس لم تف بالغرض أو فشل أطراف النزاع في تنفيذها، كما أن ترك الأمر وفق التدابير المؤقتة قد يؤدى في تطوره الى تهديد الأمن و السلم الدوليين.
ففي هذه الحالة تلزم المادة 43 الدول الأعضاء بتدبير القوات اللازمة لتنفيذ القرار كما أن المادة 48 تلزم كل الأعضاء بتنفيذ القرار الذى الصدر تحت هذا البند حتى و لو لم تكن طرفا في النزاع.
4
المتابع تاريخيا لقرارات الأمم المتحدة و مجلس أمنها، يصل الى نتيجة مفادها ان معظم قرارته تحددها المصالح الاقتصادية و التوازنات السياسية للدول الأعضاء ، و ذلك لا ينفى أن هنالك بعض القرارات قد اتخذت لدواعي إنسانية، لكن و بصفة عامة نجد كل القرارت التي تتخذ لا تخلو من ظلال السياسة !
في تقديري ان التوازنات السياسية و المصالح الدولية تجاه السودان، هي التي دفعت المملكة المتحدة لتقديم طلبها تحت البند السادس و ليس السابع، و بناءا على ذلك لم تمارس روسيا حق الفيتو لوقف أي تدخل عسكري !!
أن القرار بشكله الحالي خطوة الى الأمام ، فهو قد سلط الضوء من جديد على قضية الحرب في السودان بعد أن تراجعت خطوات عديده الى الوراء، فضلا عن أن هنالك عدة نقاط إيجابية في هذا القرار نحصرها في الآتي :
- الاعتراف بأن هنالك نزاع دموي قائم في السودان عمل على هجرة الملايين و موت اللالاف لانعدام الطعام و العلاج مما يستدعى تدخلا عاجلا من الدول الأعضاء، لوقف الحرب و تقديم المعونات الإنسانية اللازمة.
- طلب من طرفي النزاع توفير الحرية و الحركة في الفاشر و محيطها للمدنيين
- طلب من الدول الأعضاء عدم التدخل في النزاع و ذلك بإمداد الأطراف المتنازعة بالسلاح و العتاد الذى يطيل من أمد الحرب، و ذلك يعنى الاعتراف بأن هنالك دول تعمل على تأجيج الصراع الحالي.
- حث الأطراف المتحاربة بتنفيذ بما تم عليه الاتفاق سابقا في " جده ".
- حث المنظمات الافريقية الإقليمية للقيام بدور سياسي لوقف النزاع
في تقديري ان مجلس الأمن في الوقت الراهن، و نتيجة للتوازنات الدولية لن يستطيع تقديم أكثر من ذلك !!
عدنان زاهر
يونيو 2024
elsadati2008@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الدول الأعضاء البند السابع القرار الذى مجلس الأمن فی النزاع تحت البند أن هنالک من الدول
إقرأ أيضاً:
المجتمع الدولي وإدمان الفشل حول السودان
المجتمع الدولي وإدمان الفشل حول السودان
د. الشفيع خضر سعيد
كتبنا من قبل، أنه ولإطفاء نيران الحروب وإخماد بؤر التوتر وبسط السلام في مختلف بقاع العالم، ولأجل حماية حقوق الإنسان وصون كرامته، ولدرء مخاطر الكوارث الطبيعية ونقص الغذاء، ولتمتين التعاون والتنسيق والتكامل بين دول العالم في مجالات التنمية والصحة والتعليم وتطوير العلوم لصالح أمن وسلام وتقدم البشرية، توافقت بلدان العالم على مواثيق دولية وإقليمية يحميها القانون الدولي، وعلى مؤسسات ومنظمات دولية وإقليمية، كمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، يفترض أن تعمل على تحقيق المبادئ المضمنة في تلك المواثيق.
صحيح أن منظمة الأمم المتحدة تحتاج إلى إصلاحات جوهرية في إطار نظام عالمي جديد يحد من هيمنة القطبية ويحقق التكافؤية بين الدول، صغيرها وكبيرها، وعلى ذات المنوال ربما تحتاج المنظمات الإقليمية، وهذه مناقشة هامة ولكنها ليست موضوع هذا المقال. ونكتب اليوم، ما دامت حرب السودان دخلت عامها الثالث، ولاتزال مشتعلة تحرق وتدمر في البلد، وتهدد بنسف الأمن والإستقرار إقليميا ودوليا، خاصة في ظل ما يدور في محيطنا الجيوسياسي، وما دامت النخب السودانية، المدنية والعسكرية، لاتزال في قبضة الخلافات والتشرذم والعجز عن تقديم رؤية موحدة لوقف الحرب والانتقال إلى مربع السلام والتحول الديمقراطي، فإن المجتمع الدولي والإقليمي، محكوما بتلك المواثيق وبالقانون الدولي، كان لابد أن يواصل تدخله ومساهماته لوقف هذه الحرب اللعينة، والتي ابتدرها مباشرة بعد اندلاع الحرب بانتظام منبر جدة للتفاوض بين طرفي القتال في مايو/إيار 2023، وفي نفس الشهر خصص الاتحاد الأفريقي اجتماعا حول السودان خرج بخارطة طريق من ستة عناصر لوقف الحرب. ثم توالت بعد ذلك تحركات المجتمع الدولي، من إجتماعات ولقاءات هنا وهناك، كما حددت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مبعوثين مختصين بالتعامل مع حرب السودان، وعُقد مؤتمر باريس الدولي بعد مرور عام على الحرب، ومؤخرا عُقد مؤتمر لندن الدولي بعد مرور عامين، وكل الخوف أن يعقد مؤتمر دولي آخر في عاصمة أوروبية أخرى، بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب وهي لاتزال مشتعلة!
ومع تأكيدنا على قناعتنا التامة بأن قضية شعب السودان لا يمكن أن تحل من خارجه أو بالإنابة عنه،
افتقار تحرك المجتمع الدولي والإقليمي إلى استراتيجية قوية وشاملة، كان في إمكانها أن تعزز كتلة مدنية موحدة وقوية، مما قد يمنع إجراءات أحادية الجانب من قبل المتحاربين إلا أننا لا يمكن أن نرفض مساهمات المجتمع الدولي والإقليمي، أو نقلل من شأنها، بل نراها حتمية وموضوعية وضرورية. ولكن حتميتها وموضوعيتها وضرورتها هذه لا تستطيع أن تحجب عنا النتائج الضعيفة لهذه المساهمات والتي لم تتخط حاجز عبارات الشجب والإدانة حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من دمغها بإدمان الفشل. انظر إلى اجتماع لندن الدولي الذي عقد في الخامس عشر من هذا الشهر بمشاركة وزراء خارجية وممثلين لكل الدول الكبرى والدول المعنية بحرب السودان بالإضافة إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيقاد، واللجنة الدولية للصليب الأحمر. فالمؤتمر فشل حتى في إصدار بيان ختامي، ولو تكرار لعبارات الشجب والإدانة، وذلك بسبب تضارب الرؤى بين المشاركين حول تفاصيل الأزمة في بلدنا. وأنظر إلى خطاب الاتحاد الأفريقي في المؤتمر والذي تضمن عبارات: لا حسم عسكري وعلى طرفي النزاع التوجه الى المفاوضات، ولن نقف مكتوفي الأيدي، ولا يمكن التسامح مع التداعيات الكارثية للحرب، ولن نسمح بتقسيم السودان، ودعوة كل الأطراف الخارجيه للتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي للسودان، وكلها عبارات تكرر الجهر بها كثيرا منذ أن ضمنت في خارطة الطريق التي تبناها الاتحاد في مايو/إيار 2023. أما وسمنا للمجتمع الدولي والإقليمي بإدمان الفشل في التعاطي مع كارثة الحرب في السودان، فليس تحاملا أو تجنيا عليه في ظل اكتفائه، ولمدة عامين منذ اندلاع الحرب، بالخطب ورسم الخطط على الورق وعدم ترجمة ذلك إلى إجراءات عملية قوية لمنع تدفق الأسلحة والذخائر وأجهزة التجسس المتطورة إلى البلاد، ولحماية المدنيين، ولتكثيف المساعدات الإنسانية درءا للمجاعة والأوبئة.
لا أعتقد أن المجتمع الدولي والإقليمي نضب معين طاقته وتدابيره العملية لوقف الاقتتال في السودان. ولكن هناك كوابح عديدة تمنع تفجير هذه الطاقة وتفعيل هذه التدابير العملية، منها تضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، قائدة المجتمع الدولي والإقليمي، لإغماض أعينها عن مصدر تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، ومنها فقر المنهج الذي ظل يتبعه المجتمع الدولي والإقليمي تجاه قضية الحرب، والذي كان محدودًا وضيقًا ومفرطًا في تجنب المخاطر، وغالبًا ما كان خاضعا لنزوات المتحاربين الذين أيضا لاحظوا فقر المنهج هذا وتحايلوا لاحتوائه، ومنها افتقار تحرك المجتمع الدولي والإقليمي إلى استراتيجية قوية وشاملة، كان في إمكانها أن تعزز كتلة مدنية موحدة وقوية، مما قد يمنع إجراءات أحادية الجانب من قبل المتحاربين تضر بوحدة السودان المستقبلية، وذلك حسب ما نشرناه في مقالنا السابق على لسان أحد الخبراء الدوليين، والذي أشار إلى غياب التنسيق الاستراتيجي بين المنظمة الأممية والمؤسسات الإقليمية، باعتبارها تمثل منصات رئيسية لوساطة شفافة مصممة خصيصًا للسياق السوداني، كما أشار منتقدا غياب المشاركة الفعالة للمدنيين السودانيين في هذه الاستراتيجية، رافضا أن يكون هذا الإشراك عشوائيًا أو غير كامل، بل يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية المجتمع الدولي والإقليمي الشاملة، وركنا أساسيا في أنشطته الأساسية، بما في ذلك تعيين فريق مخصص للتعامل مع السياسيين وقيادات المجتمع المدني.
أخيرا، وبدل أن تحتوي أجندة حراك المجتمع الدولي على عموميات، أو مناشدات وإدانات مكررة بدون أي ردود فعل إيجابية تجاهها، أو مجرد عناوين لما يجب أن يفعل دون توفير تدابير وآليات للشروع العملي في التنفيذ، أن تركز الأجندة على كيفية التنفيذ العملي لثلاث قضايا أساسية: وقف إطلاق النار بدءا بمنع تدفق الأسلحة، تكثيف وتوصيل المساعدات الإنسانية ومنع استغلالها من أي طرف، وحماية المدنيين.
* القدس العربي