#سواليف

في السابع والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي عقب مرور شهرين ونصف تقريبًا على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول في غزّة، وفي أحد المنتجعات العلاجية والترويحية التابعة للجيش الإسرائيلي في عسقلان، يستيقظ أحد الجنود التابعين للواء المظليّين الإسرائيلي، أو الوحدة العسكرية المعروفة باسم اللّواء 35، يستيقظ مذعورًا من أحد الكوابيس المرعبة التي تطارده من أشباح المُقاومة، فيستلّ سلاحه ويبدأ إطلاق النّار على أصدقائه الموجودين معه، متسبّبًا في جروح طفيفة، قبل أن يتمكّن زملاؤه من إعادته إلى وعيه واحتواء الموقف.

المثير للاهتمام هنا، بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة هآرتس، هو أنّ #الجيش_الإسرائيلي قرّر عدم فتح تحقيق في القضية، متذرّعًا بالظروف الصحّية والنفسية الخاصّة بالجنود، إذ إنّ إبعادهم إلى المنتجع الترويحي جاء عقب تضخّم الضغوط النفسية لديهم نتيجة تعرّضهم لاشتباكات عدّة في قطاع غزّة.

منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يستخدم الإسرائيليون عبارات لها امتدادات صارخة في علم النفس لتوصيف معاناتهم، مثل: “أمّة تحت #الصدمة” أو “أكبر #أزمة_نفسية تمرّ بها إسرائيل” أو “كارثة نفسية تعصف بالإسرائيليين”. من المهم في هذا السياق أن نتنبّه إلى الوظيفة الثنائية التي تؤديها هذه الخطابات النفسية، فمن جهةٍ ما ثمّة وجه من الصحّة لوجود أزمة نفسية تعصف بالإسرائيليين، إذ بحسب الجيش الإسرائيلي، حتّى شهر فبراير فقط، راجع ما يُقارب ثلاثين ألف جُندي إسرائيلي أطباء مختصين في الصحّة النفسية للعلاج النفسي وعرض ضغوطهم النفسية عليهم، إضافة إلى تضاعف استخدام خدمات الخطّ الساخن للصحّة النفسية، والخطّ الساخن يُلجَأ إليه عادةً عند زيادة شدّة الأعراض النفسية ووصولها حدًّا لا يمكن للفرد أن يستوعب ضغوطه النفسية والأفكار الاقتحامية التي تجتاح عقله إضافة إلى احتمالات الإقدام على الانتحار وغيره. أمّا الوجه الثاني لهذه المقولات النفسية، فلا شكّ في أنّها تلعب على وتر الاستعطاف الدّولي للفاجعة النفسية، إذ إنّ منظور الصدمة النفسية يشكّل مدخلًا سهلًا إلى استعطاف العقل الجَمعي الغربي المهووس بثقافة الضحايا وثقافة المصدومين نفسيًّا، ويُحوّل الإسرائيليين من جماعة مُحتلّة إلى جماعة بشرية مليئة بالعواطف الإنسانية.

“كيف نُقنع جُنديًّا إسرائيليًّا بالعودة إلى ساحة الحرب؟” هذا هو السؤال الرئيسي بحسب رئيس وحدة الصحّة النفسية في الجيش الإسرائيلي، الطبيب لوسيان تاتسا . تُشير تقارير الجيش الإسرائيلي إلى أنّ 82% من الجنود الذين تلقّوا خدمات العلاج والدعم النفسي، قد عادوا إلى الخدمة الفعّالة والنشطة في #الجيش_الإسرائيلي، في مُقابل نحو 18% لم يتمكّنوا من العودة إلى الخدمة العسكرية بسبب أحوالهم النفسية الصعبة. إذا كان 30,000 جندي عسكري قد عرضوا على خدمات الصحّة النفسية، فهذا يعني أنّ لدينا ما يُقارب 5,400 جُندي إسرائيلي قد توقّفوا عن الخدمة العسكرية حتّى إشعارٍ آخر. ينبغي التوجّس كذلك من هذه الأرقام، فاضطراب ما بعد الصدمة، عادةً ما يحتاج إلى علاج مُدّته في المتوسّط 6 أشهر متواصلة، تختلف بحسب شدّة الصدمة والتباينات الفردية بطبيعة الحال. علميًّا، من الشائع أن يتأخّر ظهور أعراض #اضطراب ما بعد الصدمة، أو أن تعاود الظهور بعد اختفائها.

مقالات ذات صلة وفاة حاجين شقيقين أردنيين في المشاعر المقدسة 2024/06/18

تحمل الصدمات النفسية نزعات تدميرية وسلوكيات عدوانية غير مُبرّرة في كثير من الأحيان، كذلك المقطع الذي انتشر لأحد الجنود الإسرائيليين وهو يُقدِم على أعمال تخريبية في أحد المحال التجارية المهجّر أصحابها في قطاع غزّة، وفي المقطع يظهر جليًّا الطابع الصبياني في تصرّفات الجندي وفي تخريبه لألعاب الأطفال وتكسيرها. بشكلٍ عام تتجسّد أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بهيئات مختلفة، فمن الشائع أن يعود الجنود من خدماتهم العسكرية في العراق وأفغانستان محمّلين بعقدهم النفسية وصدمات المعارك النفسية التي تظهر على هيئة تصرّفات عدوانية غير مُبرّرة، تتوجّه في كثير من الأحيان نحو الأشياء والحيوانات الأليفة وحتّى أفراد أُسَرهم من زوجات وأبناء، بحسب تقارير موثّقة عدّة عن حياة الجنود الأميركيين بعد عودتهم إلى منازلهم وانتهاء خدماتهم العسكرية.

يمتدّ الرّعب النفسي لأكثر من مُجرّد لحظات وقوع الحدث ذاته، حيث تشير شهادات عدّة لإسرائيليين مختلفين، حول إدمانهم النظر إلى مشاهد المقاومة الفلسطينية وإعادة إنتاج الرّعب والذعر في أنفسهم، كحالة عُصابية من إدمان مشاهدة ما يُثير مشاعر الخوف. بحسب الشهادات المذكورة لا يستطيع جزء كبير من الإسرائيليين منع أنفسهم من مشاهدة مقاطع الفيديو التي ترعبهم، وهو أحد الأعراض المحتملة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. إضافةً إلى ذلك، ومن جهةٍ علمية، يُمكِن للمشاهدة المتكرّرة للوقائع المرعبة والصادمة أن تُنتِج حالة صدمة نفسية لدى أشخاص لم يحضروا واقعة الحدث الصادمة عيانًا، لكنّهم شاهدوها بكثرة عن بُعد، وتُسمّى هذه الحالة الصدمة الثانوية أو الصدمة بالإنابة، فكيف بمن عاشها ويستدعيها؟

ليست مشكلة الإسرائيليين فحسب! الجيش الأميركي قد عانى أيضًا.

في الرابع من مارس عام 1991 وبعد انتهاء عملية عاصفة الصحراء الأميركية، شهدت منطقة الخميسية العراقية، الواقعة بين جنوب شرق بغداد وشمال مدينة الكويت، انفجارا ضخما لأحد مستودعات الذخيرة نتيجة عملية عسكرية قامت بها قوّات أميركية. كان الانفجار ضخما بطريقة غير عادية، حيث غطّت سماءَ المنطقة غيمةٌ سوداءُ هائلة، ليتّضح لاحقا أن المستودع احتوى على غاز السارين، وهو عبارة عن مادة أورغانو-فوسفيتية تُستَخدم سلاحا كيميائيا.

ستكون لهذه الحادثة لاحقا أهمية كبيرة في نشوء تحقيقات وأبحاث أميركية تحاول إيجاد ارتباط بينها وبين مجموعة أعراض نفسية وجسدية ظهرت لدى الجنود الأميركيين وسكّان المنطقة المدنيّين، عُرفت باسم “متلازمة حرب الخليج”، أو كما أطلقت عليها الصحافة الأميركية في مواضع مختلفة “متلازمة عاصفة الصحراء”.

أما اليوم، وبعد انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان، فقد أعاد هذا الانسحاب إلى الواجهة الآثار النفسية التي تُخلفّها الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة على جنودها، إضافةً إلى ضحاياها. حدث ذلك في القرن الماضي في الحربين العالمية الأولى والثانية، وحرب فيتنام، وصولا إلى يومنا هذا، ولا شك في أن الأيام القادمة ستحمل معها الكثير من التفاصيل.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف الجيش الإسرائيلي الصدمة أزمة نفسية الجيش الإسرائيلي اضطراب الجیش الإسرائیلی ما بعد الصدمة ة النفسیة التی ت الصح ة

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عدة عمليات في قطاع غزة

كشف أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عبر قناته على "تلجرام"، أن قوات الجيش نفذت عدة عمليات في الساعات الأخيرة في قطاع غزة، بذريعة "التصدي لتهديدات شكلها مشتبه بهم".

إسرائيل: إطلاق سراح ثمانية رهائن من غزة.. غدًا جوتيريش يطلب من إسرائيل العدول عن قرار وقف عمل الأونروا في القدس

وبحسب روسيا اليوم، أوضح أدرعي أن "طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي أغارت على مركبة مشبوهة تحركت من وسط قطاع غزة نحو شماله"، مشيرا إلى أن "المركبة كانت تتحرك في منطقة غير مسموح بانتقال السيارات فيها وخرقت المسار المتفق عليه، ورغم ذلك، استمرت السيارة في التحرك نحو الشمال".

كما أشار المتحدث إلى أن "الجيش الإسرائيلي نفذ عمليات إطلاق نار لإبعاد مشتبه بهم تحركوا نحو القوات الإسرائيلية في عدة مناطق من قطاع غزة، حيث شكلوا تهديدا على الجنود الإسرائيليين".

وأكد أدرعي، أن "الجيش الإسرائيلي مصمم على تطبيق شروط الاتفاقات المتعلقة بإعادة المختطفين، وهو مستعد لمختلف السيناريوهات"، موضحا أن الجيش سيواصل اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للتصدي لأي تهديدات فورية على جنوده.

وكرر أدرعي، دعوته لسكان قطاع غزة بالالتزام بتعليمات الجيش الإسرائيلي وعدم الاقتراب من القوات المنتشرة في المنطقة.

هذا ودخل وقف إطلاق النار في غزة اليوم الأربعاء يومه الـ11 حيث يواصل ولليوم الثالث تواليا، آلاف النازحين الفلسطينيين العائدين إلى وسط وشمال القطاع تدفقهم، بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من محور "نتساريم".

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة (أوتشا)، إن أكثر من 376 ألف فلسطيني عادوا إلى شمال قطاع غزة خلال اليومين الماضيين.

وأوضح "أوتشا" أن نصف هؤلاء النازحين هم من الرجال، فيما كان ربعهم من النساء والربع الأخير من الأطفال، مشيرا إلى أرقام مجموعة عمل تضم منظمات عدة أقامت نقاط تعداد في مختلف أنحاء القطاع.

وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن 80% من النازحين تمكنوا من العودة إلى مناطق شمال القطاع خلال اليومين الماضيين، ويواصل جهود تقديم المساعدات الإغاثية للنازحين العائدين إلى شمال القطاع.

وفي سياق أخر، كشف الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، أن الحديث عن تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيهم بدأ مبكرًا في سياق الاستيلاء على قطاع غزة.

وأوضح شقرة خلال لقائه مع الإعلامية فاتن عبد المعبود في برنامج "صالة التحرير" الذي يُبث عبر قناة صدى البلد، أن الوضع الديموغرافي في المدن والقرى الفلسطينية قد شهد تغييرات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف جمال شقرة أن الصهاينة هم من قاموا بتغيير هذا الوضع الديموغرافي لتحقيق أهدافهم والضغط على الشعب الفلسطيني.

وأشار أستاذ التاريخ الحديث إلى أن نتنياهو يسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني، وإذا كانت لديه القدرة على القضاء على جميع الفلسطينيين، فإنه لن يتردد في القيام بذلك.

كما نوه إلى أن فكرة تهجير الفلسطينيين تمثل جزءًا من عقيدة اليهود التي تعتمد على تطهير الأرض، موضحًا أن أي تهديدات قد تواجه المنطقة العربية ستنعكس سلبًا على مصر بشكل خاص.

وأكد الدكتور جمال شقرة أن الدولة المصرية واجهت العديد من التحديات والصعوبات في الفترة الأخيرة نتيجة تدهور الأوضاع الإقليمية في العالم العربي.

وأضاف أن مصر تدرك تمامًا المخاطر الكبيرة التي تهددها، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في المنطقة والبحر الأحمر، مشيرا إلى أنه رغم الخسارة في حرب 1967، إلا أن مصر لم تستسلم، حيث إن الشعب المصري لم يقبل الهزيمة أبدًا.

وبيّن أن هدف إسرائيل هو إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، مما يسعى إلى تفكيك الشرق الأوسط وزرع شرطي في المنطقة.

وذكر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس أن المملكة العربية السعودية كانت من أكبر الدول الداعمة لمصر في حرب 67، وأن الجيش المصري استعاد عافيته في فترة قصيرة.

كما أوضح أن مصر لم تتخلَ عن القضية الفلسطينية عبر العصور، مشيرًا إلى أن السياسات الأمريكية لم تتغير في انحيازها للجيش الصهيوني.

وتابع: "الرئيس الأسبق السادات اعتبر أن السلام خيار استراتيجي، حيث كان يرى أن الحرب شيء بشع، وتمكن من استعادة أراضيه بالكامل".

وذكر أن مصر لا تزال متمسكة بموقفها تجاه القضية الفلسطينية، مضيفًا: "الرئيس مبارك أيضًا رفض فكرة تهجير الفلسطينيين، حيث تم طرح فكرة تهجيرهم إلى سيناء أكثر من مرة وتم رفضها بشكل قاطع".

مقالات مشابهة

  • شاهد | المقاومة الفلسطينية تنتزع حرية أسراها رغماً عن العدو الإسرائيلي
  • أطلقوا الرصاص ترهيبًا.. الجيش الإسرائيليّ يتقدم باتجاه هذه البلدة
  • مواجهات بين الجيش الإسرائيلي وفلسطينيين لدى استقبالهم الأسرى
  • كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تشكيل الجيش وأوامره التنفيذية بطردهم
  • الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عدة عمليات في قطاع غزة
  • أحمد موسى: المقاومة مستمرة ما دام الاحتلال الإسرائيلي بفلسطين.. فيديو
  • جندي إسرائيلي شارك في العدوان على غزة ينتقد الجيش
  • باعتراف هاليفي.. جيش الاحتلال الإسرائيلي مهدد بنقص حاد في الجنود وأداء متراجع بغزة ولبنان
  • لبنان.. مقتل 24 شخص وإصابة 134 جراء القصف الإسرائيلي
  • ترامب يوقّع أمرًا تنفيذيًا لطرد المتحولين جنسيًا من الجيش الأمريكي