كيف يكون السلامُ مع النفسِ والكونِ؟
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
السلامَ له منزلةٌ كبيرةٌ فى الإسلامِ؛ والسلامُ مأخوذٌ من السلمِ والأمانِ ؛ والسلامُ من أسماءِ اللهِ الحسني؛ قال تعالى: { الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ}.
والسلامُ اسم من أسماءِ الجنةِ ؛ قال تعالى: { لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ( الأنعام : 127).
والسلامُ أحدٌالحقوقِ الواجبةِ في التحيةِ بين المسلمين؛ فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: " حقُّ المسلمِ على المسلمِ خمسٌ: ردُّ السلامِ، وعِيادةُ المريضِ، واتِّباعُ الجنازة، وإِجابةُ الدَّعْوَةِ وتشميتُ العاطسِ ." ( البخاري ومسلم ).
بهذا بدأالدكتور محمد السيد ابو هاشم امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول السلامُ مع النفسِ والكونِ واضاف قائلا:
منزلة السلامولمنزلةِ السلامِ وأهميَّتِهِ ومكانتِهِ وصفَ النبيُ – صلى اللهُ عليه وسلم- من بَخِلَ بالسلامِ بأنَّهُ أعجزُ الناسِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ ، وَإِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلامِ ” .(الطبراني والبيهقي بسندٍ صحيحٍ).
لذلك كانَ من هديِهِ – صلى اللهُ عليه وسلم – السلامُ قبلَ الكلامِ؛ فعَنْ ابْنِ عُمَر َ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:" السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسّؤَالِ قَبْلَ السّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ ".( ابن عدي وابن النجار بسند حسن ) . قال النوويُ:" السنةُ أن المسلمَ يبدأُ بالسلامِ قبلَ كلِّ كلامٍ، والأحاديثُ الصحيحةُ وعملُ سلفِ الأمةِ وخلفِهَا على وُفْقِ ذلك مشهورةٌ، فهذا هو المُعْتَمَدُ في هذا الفصلِ". ( شرح النووي).
إنَّ أعظمَ ما يحسدُنَا عليه اليهودُ هو السلامُ والتأمينُ؛ لما فيهما من الفضلِ العظيمِ والثوابِ الجزيلِ؛ فعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ"( ابن ماجة وابن خزيمة بسند صحيح).
الأدعية المأثورة التي يستحب الدعاء بهاإنَّ السلامَ هدفٌ أسمى للشرائعِ السماويةِ كلِها، ومن أهمِ غاياتِها في الأرضِ، ومن ثَمَّ جاءتْ الرسالاتُ تترى مؤكدةً ضرورةَ المعاملةِفي ضوءٍ السلمِ النفسيِّ والأسرىِّ والمجتمعيِّ، فهذا نوحٌ- عليه السلام - يخاطبُه رَبهُ بقولِهِ تعالى: { يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ }. ( هود: 48). وهذا إبراهيمُ- عليه السلام - لمَّا وصلَ مع أبيهِ إلى نقطةٍ لا يمكنُ معها الاتفاقُ، وأصرَّ أبوهُ على طردِه، قابلَ كلَّ ذلك بسلامٍ كما قال تعالى: { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا }. ( 46 ؛ 47 ). فمع كلِّ هذا الوعيدِ والتهديدِ من والدِ إبراهيمَ عليه السلام ، لم يقابلْه إبراهيمُ إلا بما يليقُ بما عليه الأديانُ من سلامٍ مع النفسِ، وسلامٍ مع الآخرِ، وسلامٍ مع الكونِ كلِّه، ومقابلةِ السيئةَ بالحسنةِ{ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا }، وهذا عيسى - عليه السلام– في أحلكِالظروفِالتي مرت بها أمُّهُ مريمُ عليها السلام؛ وما رُمِيتْبه؛ يُلقى السلامَ على نفسِهِ، فيقولُ: { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا }.( مريم : 33 ) .
فالسلامُ هو الأصلُ الذي في العلاقاتِ بين الناسِ جميعًا على اختلافِهم، فاللهُ سبحانَه وتعالى عندما خلقَ البشرَ لمْ يخلقْهم ليتعادُوا أو يتناحرُوا ويستعبدْ بعضُهم بعضًا، وإنما خلقَهُم ليتعارفُوا ويتآلفُوا ويعينُ بعضُهم بعضًا، ويوحدُوه بالعبادةِسبحانَه، وليعيشَ الناسُ في ظلِّهِ سالمينَ آمنينَ على أنفسِهِم وأعراضِهم وأموالِهم.
وللسلامِ صورٌ ومجالاتٌ عديدةٌ تشملُ هذا الكونَ الفسيحَ كلَّهُ بما فيه ؛ ومن ذلك :
السلامُ مع النفسِ: وذلك بِتَطهِيرِها من الفسادِ والعصيانِ؛ والعملُ على تزكيتِها بالطاعةِ والطمأنينةِ والسكونِالنفسيِّ . قال تعالى: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }. (الشمس : 7 – 10). إنَّفلاحَ الإنسانِ أنْ يزكِّيَ نفسَهُ ويُنميِها إنماءً صالحًا بتحليتِها بالتقوى وتطهيرِها من الفجورِ، والخيبة والحرمانِ من السعادةِ لمن يدسيها . ولذلك كان صلى اللهُ عليه وسلم يُكثرٌ من الدعاءِ بقوله: "اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا،أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا" . (مسلم) .
ومنها: السلامُ مع أفرادِ المجتمعِ: وذلك بحسنِ معاملةِالجميعِ ؛ وعدمِ التعرضِ لهم بأذى؛فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ؛ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ». (متفق عليه). يقولٌ الإمامُ ابنُ حجرٍ -رحمه اللهُ-: " يَقتضِي حَصْرُ المسلمِ فيمن سلِمَ المسلمون من لسانِهِ ويدِهِ، والمرادُ بذلك المسلمُ الكاملُ الإسلام الواجب؛ إذْ سلامةُ المسلمين من لسانِ العبدِ ويدِهِ واجبةٌ، وأذى المسلمِ حرامٌ باللِّسانِ واليدِ" أ.هـ (فتح الباري).
حكم مسح الوجه باليدين عقب الدعاء في الصلاة
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
فرصةٌ على طبق من ذهب
د. محمد عبد الله يحيى شرف الدين
(ضعيف يتعلق بأضعف)، هذه معادلة توصيفية تشف عن طبيعة شبكة العلاقات بين السعوإماراتي من جهة، والعدوّ الإسرائيأمريكي من الجهة الأُخرى.
عانى السعوإماراتي من وهن شديد، فلاذ بالعدوّ الإسرائيأمريكي يستمد منه القوة في مواجهة الشعب اليمني، وللمعطى ذاته والغاية نفسها لاذ الأخير بالأول، فشكلا طرفين أحدهما أضعف من الآخر.
ففي عدوان سعوأمريكي على اليمن لمدة تسع سنوات، استخدم العدوّ أفتك الأسلحة، وأقذر الأساليب في العدوان حتى منع الدواء والغذاء والوقود، في حصار مطبق براً وجواً وبحراً، وبتعاضد كبير بين طرفَي المتحالفين.
وأمام ذلك العدوان الكبير لم يستخدم اليمن ورقة باب المندب والبحار من حوله حتى جاءت معركة (طُـوفَان الأقصى)، معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، فكان حقاً علينا نصرة الشعب الفلسطيني.
باب المندب، وما أدراك ما باب المندب؟!!
خلاصته، إعلان ميناء أم الرشراش الإفلاس، بعد أن كان يحرك ما يقارب من (٧٠ %) من دخل الاقتصاد لكيان العدوّ الغاصب، ثم الحظر على الملاحة في البحرين الأحمر والعرب، والمحيط الهندي على العدوّ الإسرائيلي.
وعندما دخل العدوّ الأمريكي والبريطاني في خط المواجهة البحرية حرمت عليه بحارنا ومضيقنا، وفقد سيادته البلطجية فيها.
وهنا تأتي الفرصة، والفرصة تمر مر السحاب؛ إذَا لم يقتنصها الكيس الفطن، حَيثُ يحاول العدوّ الإسرائيلي والأمريكي إقحام السعوديّة والإمارات في استئناف عدوانها على اليمن، وتحريك مرتزِقتها في الداخل اليمني.
في اليمن قاطبة من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها استنكار واسع على المرتزِقة من محاولاتهم إشعال فتيل المواجهة؛ لأَنَّه خدمة مباشرة للعدو الإسرائيلي، ومساندة له على الشعب الفلسطيني المجاهد.
ثم السعوديّة والإمارات بذلك تمنحنا هدية على طبق من ذهب، وكما في المثل اليمني المشهور: (جاء الحب للصُّر)، فقد تحاشا الجيش اليمني طوال الفترة السابقة الحرب الشاملة ضدهما، وإنما كانت ضربات الجيش اليمني لهما عبارة عن حقن تهديئية، تهدئ من جموحهما، فقط، وفقط، أما اليوم؛ فالموازين تغيَّرت، فقد رأوا قائدهم الأعلى (الشيطان الأكبر) يتقهقر في بحارنا، وعجز عن حماية مصالحه، وبوارجه، وسفنه، وسفن رعاياه، وفشل فشلاً ذريعاً في الحد من القدرات العسكرية اليمنية، ناهيك بأن يستطيع القضاء عليها.
المعركة -إذَا ارتكب السعوإماراتي حماقة- ستكون بحرية بامتيَاز، فلن تمر سفينة لهما في بحارنا ومضيقنا، بل سيصل بموانئه إلى المستوى الصفري اقتصاديًّا، فليست جدة، والدمام، وأبو ظبي، ودبي، بأبعد من أم الرشراش، ويافا، وسيتراجع الاثنا عشر مليون برميل يوميًّا إلى مستوى لن يستطيعوا فيه توفير اثني عشرة قنينة.
لن يستورد أَو يصدر ميناء دبي حتى قنينة “وسكي”، فكل شيء مرصود، فتقنية الرصد والمراقبة وجمع المعلومات استخباراتيًّا لدى اليمانيين قد أذهلت العالم، وهذا ما عبر عنه قيادات استخباراتية أمريكية وبريطانية مؤخّرًا.
إلى اليوم وهذه اللحظة لا زالت سفن السعوإمارتي تمر من تحت رحمتنا رافعة ببلاغات إلى غرفة التحكم اليمانية: (نحن لا علاقة لنا بـ “إسرائيل” وأمريكا وبريطانيا).
أما إذَا تورطا؛ فلن يفلتا من صواريخنا ومسيّراتنا التي صاح منها سادتهم، ووقعوا ضحية سهلة.
أما منشآتهم النفطية؛ فسيكون مرور صواريخنا ومسيّراتنا مرور الكرام عليها، والكريم، يمنح كُـلّ ما لديه بسخاء، وجود عربي أصيل.
وبلا ريب كُـلّ ذلك بعين الله تعالى، ورعايته، وتوفيقه؛ إذ وفقنا لأشرف موقف، وأعظم عمل، وأجل نعمة وهبها لنا، ألا وهي مساندة الشعب الفلسطيني، في حين وقع السعوإماراتي ومرتزِقته في مستنقع الانحطاط، وأصبح بين براثن الغضب الإلهي.
مع العلم أن تحريك العدوان على اليمن؛ لن يشغلنا من مساندتنا للشعب الفلسطيني واللبناني، ولن يضعف من وتيرته، بل المواكبة عنوان المرحلة، وكما وفقنا الله تعالى على مواكبة أكثر من أربعين جبهة فينة عاصفتهم وأملهم الخائب، سنستوعب بإذن الله تعالى جبهات إضافية، ونحتويها، وجبهة الساحل الغربي، وساحل فلسطين عينان في وجه واحد، هو وجه اليمن المؤمن الحكيم.
وفي الأخير: من الترف العبثي تجريب المجرب، وتعلق الضعيف بأضعف منه خطل عقلي، فقط نذكر، بأن الشعب اليمني كان واعيًا منذ اللحظة الأولى لانطلاق عاصفتهم؛ أنه يواجه حِلفاً مكوناً من العدوّ الإسرائيلي والأمريكي والسعوإماراتي ومرتزِقتهم جميعًا، وبإمْكَانياتهم مجتمعة، فلم يرف له جفن، بل سدد الله رميات الشعب اليماني منكلة بالجميع، وستنكل بهم جميعًا مجدّدًا، كما وعد الله عباده المؤمنين، فقال تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ، وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الأَنفَالِ: ١٩] صدق الله العظيم.