الخليج الجديد:
2024-11-23@20:25:52 GMT

مصيدة احتقار الذات

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

مصيدة احتقار الذات

مصيدة احتقار الذات

كان ذلك الهدهد العظيم سببا في إيمان مملكة فقد عرف قدر نفسه وقيمتها، ولم يحتقرها أو يقلل من شأنها.

المسلم أولى بأن يثق فيما حباه الله من قدرات، ويتقي الوقوع في مصيدة احتقار الذات، بعيدا عن الغرور والكبر، بل يكون بين ذلك قواما.

كثيرا ما يكون الخطاب الوعظي متضمنا التحذير من الكبر، وقلما يتضمن التحذير من احتقار الذات، وهو ما ترمي إلى تناوله هذه السطور.

لا يعقل أن يعيش المسلمون مشاعر العجز والفشل والإحباط ورؤية الضعف في النفس، والرضا بذلك، وهم يقرأون قول ربهم تعالى (واجعلنا للمتقين إماما).

هناك من يتطرف بالاغترار والعُجْب والكبر ويرفع نفسه إلى الثريا بغير وجه حق، وهناك في المقابل من يتطرف باحتقار نفسه وينزلها دائما منازل الدون والهوان.

* * *

في كل مجال وميدان، يكون هناك دائما تطرف وتطرف مضاد، حتى في نظرة الإنسان إلى نفسه، هناك من يتطرف بالاغترار والعُجْب والكبر ويرفع نفسه إلى الثريا بغير وجه حق، وهناك في المقابل من يتطرف باحتقار نفسه وينزلها دائما منازل الدون والهوان.

وكثيرا ما يكون الخطاب الوعظي متضمنا التحذير من الكبر، وقلما يتضمن التحذير من احتقار الذات، وهو ما ترمي إلى تناوله هذه السطور.

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحقر أحدكم نفسه) قالوا يا رسول الله: كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: (يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه).

فكثير من الناس يحتقر نفسه، ويقلل من قدراته وإمكاناته إلى الحد الذي يصيبه بالإحباط والعجز، من ثم يشعر أن النجاح والتميز خلق من أجل الآخرين من القادة والعظماء وليس له، لأنه من وجهة نظره ليس أهلا لذلك النجاح، لذلك يرضى ويقبل بأي شيء، وينتظر ما تأتي به الأيام في سلبية واستسلام، دون أن يصنع لنفسه أهدافا عظيمة يسعى لتحقيقها.

وليست هذه دعوى للسخط على الأقدار أو ترك القناعة، وإنما دعوة للفهم الصحيح للقضاء والقدر، والذي كان المسلمون في الصدر الأول ومن تبعهم بإحسان على وعي به، فهم يأخذون بالأسباب وينتقلون من حال إلى أخرى بعلمهم أن المقادير لها أسباب.

وفي واقعة طاعون الشام التي حدثت في عهد الصحابة أمر الخليفة عمر بن الخطاب بعدم دخول الشام أو الخروج منها، فيما يعرف اليوم بالحجر الصحي، فقيل له: أفِرارا من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ فقال: نفر من قدر الله إلى قدر الله".

وليس من المعقول أن يعيش المسلمون مشاعر العجز والفشل والإحباط ورؤية الضعف في النفس، والرضا بذلك، وهم الذين يرددون قول ربهم تعالى (واجعلنا للمتقين إماما).

وليس من التقوى أو الورع أو الزهد أن يقلل الإنسان من شأن نفسه، أو يحتقرها، أو يجحف إمكاناتها وقدراتها، فهذا لم يأمر به الدين، وكثير من أبناء الأمة وقعوا ضحايا الخلط بين الكبر وبين تقدير الذات من ناحية، وبين التواضع المحمود واحتقار الذات من ناحية أخرى.

الكبر هو احتقار الناس مع رد الحق وإنكاره، وهذا عند الله عز وجل جُرم عظيم، أما تقدير الذات أو الثقة بالنفس هو أن يعرف العبد ما حباه الله من إمكانات لتحقيق عبودية الله في الأرض والقيام بمهمة الاستخلاف، ويعتقد جازما أن هذه المواهب هي محض فضل من الله ومنته، فلا يركن إلى النعمة وينسى المنعم سبحانه وتعالى.

وهذا أمر مطلوب بلا شك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على زرعه في نفوس أصحابه، وليس أدل على ذلك من هذه الألقاب العظيمة التي كان يطلقها على أصحابه، فيلقب أبا بكر بالصدّيق، وعمر بن الخطاب بالفاروق، وخالد بن الوليد بسيف الله المسلول، وأبا عبيدة بن الجراح بأمين الأمة، وحمزة بن عبد المطلب بأسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، وغيرهم كثير من صحابته الكرام، ممن رباهم النبي على عينه، فجمعوا بين تقدير الذات والثقة بالنفس الدافعة إلى معالي الأمور، وبين التواضع المحمود الذي يقيهم عاقبة الغرور والاستكبار.

وأما احتقار الذات المعجز للنفس والذي يدفع إلى الفشل واليأس والإحباط، فليس من ديننا العظيم في شيء، وتأمل معي قول الله تعالى بشأن الهدهد (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به)، حيث مكث الهدهد زمنا غير بعيد، ثم حضر فعاتبه سليمان على مغيبه وتخلفه، فقال له الهدهد: علمت ما لم تعلمه من الأمر على وجه الإحاطة، وجئتك من مدينة سبأ باليمن بخبر عظيم الشأن، وأنا على يقين منه.

فانظر إلى ذلك الهدهد العظيم الذي كان سببا في إيمان مملكة بأكملها، قد عرف قدر نفسه وقيمتها، ولم يحتقرها أو يقلل من شأنها، فالمسلم أولى بأن يثق فيما حباه الله من قدرات، ويتقي الوقوع في مصيدة احتقار الذات، بعيدا عن الغرور والكبر، بل يكون بين ذلك قواما، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

*إحسان الفقيه كاتبة صحفية أردنية

المصدر | الشرق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: المسلم الكبر الغرور العجز الفشل التحذیر من

إقرأ أيضاً:

طفل يشنق نفسه هربًا من الضغوط النفسية وسط اليمن

طفل يشنق نفسه هربًا من الضغوط النفسية وسط اليمن

مقالات مشابهة

  • "هجوم البسطة".. هل يكون بداية استراتيجية جديدة ضد حزب الله؟
  • كاف بلا نون!
  • وزارة الشباب تُطلق أولي فعاليات برنامج " تنمية المهارات وبناء الذات " في جـنوب سيناء
  • طفل يشنق نفسه هربًا من الضغوط النفسية وسط اليمن
  • هل يكون ترامب وزير خارجية نفسه؟
  • بيان منزلة النفس الإنسانية في الإسلام.. الإفتاء تجيب
  • الوكيل: تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الرابعة إنجاز جديد
  • المجلس العسكري في مالي يعين رئيسا جديدا للوزراء.. من يكون؟
  • حتى يكون ممكناً استعادة الدولة
  • علاء مرسي: التكريم حافز للفنان وتحقيق النجاح يتطلب البحث المستمر عن الذات