من الأمور التي تجلب المحبَّة وتنشُر المودَّة بين النَّاس إفْشاءُ السلام؛ أي: نشره، وإظهاره، والإكثار منه، ومن ثَمَّ جاءت النصوص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحث على ذلك، وتبيِّنُ أثره وفضله.
و قال البراء بن عازب - رضي الله عنهما -: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع: بعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعَوْن المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المُقْسِم"؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تَحابُّوا، أولا أدُلُّكم على شيء إذا فعلْتُمُوهُ تَحابَبْتُم؟ أفشوا السَّلامَ بيْنَكُم)).
وعند البخاري في "الأدب المفرد" من حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ السلامَ اسمٌ من أسْماءِ اللَّه تعالى، وَضَعَهُ الله في الأرض، فأفْشُوا السَّلام بَيْنَكُم)).
وفي "الصحيحين"من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي الإسلام خير؟" قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت، ومن لم تَعْرِف)).
السلام على المسلموبيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ من حقِّ المسلم على أخيه أن يُسَلِّمَ عليه؛ ففي "صحيح مسلم"من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حقُّ المسلم على المسلم ست)) قيل: "ما هن يا رسول الله؟" قال: ((إذا لقيته فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأجِبْهُ، وإذا استَنْصَحَك فانْصَحْ له، وإذا عطس فحمِدَ اللَّه فشمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فعُدْهُ، وإذا مات فاتبعه)).
وفي "الصحيحين"من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرُقات))، فقالوا: "يا رسولَ اللَّه؛ ما لنا من مَجالِسِنا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فيها"، فقال: ((فإذا أبَيْتُم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقَّه))، قالوا: "وما حقُّ الطريق يا رسولَ الله؟" قال: ((غضُّ البَصَرِ، وكفُّ الأذَى، ورَدُّ السَّلام، والأمْرُ بِالمَعروف والنهي عن المنكر)).
وأَوْلى النَّاسِ بِاللَّه مَنْ بَدَأَهُم بِالسَّلام؛ كما قال النَّبيُّ - صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم.
وكانَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسلِّمُ على الصِّبيان كما في "الصحيحين" من حديث أنس - رضي الله عنه.
وكان يُسَلِّمُ على النِّساء أيضًا ففي "سُنَنِ التِّرمذي"، و"الأدب المفرد" للبخاري بإسنادٍ حسَنٍ لِشواهده من حديث أسماءَ بنت يزيد - رضي الله عنها -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - مرَّ بِي، وأنا في جَوارٍ أتْراب، فسلَّم علينا.
وكذلك إذا كان المَجلِس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلَّم على مَجلِس فيه مثل هذه الأخلاط.
حكم مسح الوجه باليدين عقب الدعاء في الصلاةوقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتماشَوْنَ، فإذا استقبَلَتْهُم شجرةٌ أو أكمَةٌ فتفرَّقُوا يَمينًا وشِمالاً، ثُمَّ التَقَوْا، سلَّم بعضُهم على بَعْضٍ
ومِمَّا يَجْلِبُ المودَّة والمَحبَّة أيضًا: أن ترسل سلامك إلى الناس، وما أظن هذا يكلفك شيئًا، وقد جاءت بذلك السنة.
أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائشُ هذا جبريل يقرئك السلام)).
وفي "مسند الإمام أحمد" بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى ابن مريم - عليه السلام - فمَنْ لقِيَهُ منكم، فليقرئه مني السلام)).
ولهذا الفضل العظيم والثواب الجزيل للسلام، فإن أعظم ما يحسدنا عليه اليهود هو السلام والتأمين.
روت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين))
فالسلام كما تقدم اسم من أسماء الله، وإفشاؤه فيه ذكر لله، وكثرة إفشائه تعني كثرة ذكر الله، وقد قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
الأدعية المأثورة التي يستحب الدعاء بهاالمصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ن رسول الله صلى الله علیه وسلم ى الله علیه وسلم رسول الله من حدیث
إقرأ أيضاً:
«تلاوة القرآن».. أفضل الذكر في رمضان
دلت آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية المطهرة على فضل الذكر وعموم نفعه، والثناء على أهله والحث على الإكثار منه، ولا شك في أن من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه - عز وجل - خاصة في مثل هذه الأيام المباركات التي يضاعف فيها الأجر، ذكر الله تعالى الذي تحيا به القلوب، وتحط به الخطايا والذنوب، وترفع به الدرجات، فالحمد لله الذي أذن لنا بذكره، ورضي منا بشكره، فيقول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ...)، «سورة آل عمران: الآية 191». ويقول الله عز وجل: (...وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، «سورة الأحزاب: الآية 35»
وعن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت»، (صحيح البخاري، 6044). ورمضان موسم للتنافس في عمل الصالحات والاجتهاد في تحصيل القربات، فهو شهر الخيرات والبركات، ومضاعفة الأجر والحسنات، فيه تتنزل الرحمات الربانية، وتتجلى النفحات النورانية، والصائم في هذا الشهر الفضيل يسارع إلى مرضاة الله تعالى، ويسابق في اغتنام الأجر والثواب. وفضل الذكر في رمضان عظيم، وأفضل الذكر تلاوة القرآن الكريم، ويتضاعف الأجر والثواب للذاكر في رمضان، والذكر هو رياض المؤمن ومرتعه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قلت: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: «المساجد» قلت: وما الرتع يا رسول الله؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»، (سنن الترمذي،). وإن الذاكر لله - عز وجل - يكون في معية ربه تعالى حال ذكره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «قال الله تعالى: أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحركت بي شفتاه»، (صحيح البخاري). وإن من أفضل الذكر في رمضان تلاوة القرآن الكريم، ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة في ذلك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة»، (صحيح البخاري).
فينبغي للصائم أن يُكثر من تلاوة كتاب الله تعالى وتدبر معانيه والتفكر في آياته، كما كان رسول الله ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ليجتمع قلبه وفكره على ربه عز وجل، ويكثر من ذكره ومناجاته. هذا ولقد سن النبي ﷺ أذكاراً كثيرة، فيها الخير العظيم والثواب الجزيل، منها: أذكار الصباح والمساء، فحري بالصائم أن يواظب عليها في رمضان وغيره من الأوقات، ومنها كذلك: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مئة مرة، حطت خطايا، وإن كانت مثل زبد البحر»، (متفق عليه).
فعلى الصائم أن يلازم ذكر الله تعالى دائماً، ولا يغفل عنه أو يتكاسل، وليكن ذلك أفضل ما يشغل به نفسه ووقته بعد أداء الفرائض، حتى يكتب عند الله من الذاكرين الله كثيراً، والذاكرات.
مستحبات في رمضان
إنَّ الصيام من أجلِّ العبادات التي نتقرب بها إلى الخالق -عز وجل- وهو خير زاد للآخرة، وقد جعل الله تعالى أجره على نفسه وتكفل به، مما يدل على عظمة ثواب الصيام، قال جل في علاه في الحديث القدسي عن رَسُولُ اللهِ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: إِنَّ الصَّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه»، فحريّ بالمسلم أن يحرص على صيامه ويحفظه مما يفسده، ويصونه مما يجرحه، فيجتهد في أداء واجباته واجتناب مفسداته، ويحرص على مستحباته وآدابه. إنَّ للصيام مستحبات عديدة، منها: أكلة السحور، والتي بها تتنزل على الصائمين البركات، ويتقوون بها على الصيام والعبادات، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»، وتعجيل الفطور من المستحبات أيضاً، ولو على جرعة من ماء، فقد ورد في الحديث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»، ومن المستحبات كذلك أن يكثر الصائم من العبادات، كذكر الله وتلاوة القرآن وبذل الصدقات وإطعام الطعام وتفطير الصائمين، قال النَّبِيِّ: «منْ فَطَّرَ صَائِماً، كَانَ لَهُ، أَوْ كُتِبَ لَهُ، مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً». والفطر على رطبات أو تمرات أو جرعات من ماء، سُنة مستحبة. ومن آداب الصيام المستحبة حفظ اللسان وتقليل الكلام.