ماذا يجري للنظام الديمقراطي السويدي؟
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
قامت السويد والدول الاسكندنافية في الشمال على الثقة في وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية. فهل تتغير هذه المنظومة الآن؟ مارتين غيلين – The Guardian
زعمت القناة الإخبارية الوطنية السويدية TV4 أن حزب الديمقراطيين اليميني يدير شبكة واسعة من مواقع التواصل الاجتماعي المجهولة ويهدد القناة ومراسليها بشكل متزايد، وفق برنامج المحطة الاستقضائي "كالا فاكتا" أي "حقائق باردة".
كما زعمت القناة أنها تأكدت من وجود ما لا يقل عن 23 حسابًا على وسائل التواصل الاجتماعي تدار بشكل مجهول من القسم. وفي ثلاثة أشهر فقط، حصلت منشورات هذه الحسابات على 27 مليون مشاهدة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وتم الطلب من الموظفين في القناة الإخبارية الوطنية السويدية TV4 الشهر الماضي تجنب ارتداء الملابس أو الشارات التي قد تحدد شعار صاحب العمل في الأماكن العامة بسبب ما تم اعتباره مخاطر أمنية كبيرة جدًا.
تعد السويد واحدة من أقوى الديمقراطيات في العالم، وتتمتع بمستويات عالية جدًا من الثقة في وسائل الإعلام ومؤسساتها السياسية. لكن أصبح على الصحفيين الذين يغطون السياسة الداخلية الخوف على سلامتهم.
تشير التقارير إلى أن هذا هو غيض من فيض من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية القومي المتطرف الذي يخرج مباشرة من المكاتب الممولة من القطاع العام لحزب يعتمد عليه الائتلاف الحاكم للحصول على الدعم. وفي لقطات الكاميرا الخفية، شوهد أيضًا استراتيجيو الحزب وهم ينسقون هجمات سرية على المعارضين السياسيين، بما في ذلك المحافظين الذين تم تصنيفهم كغير موالين لقضية الديمقراطيين السويديين.
وما كان ملفتا للنظر حقا لم يكن الكشف عن روايات مجهولة المصدر، بل رد فعل زعيم الديمقراطيين السويديين، جيمي أكيسون، في ما يسمى "خطاب إلى الأمة". إذ لم يرفض أوكيسون الاعتذار فحسب، بل شن أيضًا هجومًا شرسًا على وسائل الإعلام. وادّعى أن البرنامج بأكمله كان عبارة عن معلومات مضللة.
وكان هذا جزءا من "عملية نفوذ محلية عملاقة تقوم بها المؤسسة الليبرالية اليسارية" مع خطة سرية "لإحباط معنويات" الناخبين اليمينيين المتطرفين قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي. في مقابلات المتابعة، استمر أكيسون في الهجوم، وغالبًا ما استخدم لغة تنمرية ومتعالية للسخرية من المراسلين الذين سألوا عن الفضيحة.
لكن رد فعل الائتلاف المحافظ، الذي يدير البلاد بدعم برلماني من حزب الديمقراطيين السويديين، كان فاترا على الفضيحة. فقد أدان رئيس الوزراء، أولف كريسترسون، في البداية الحسابات المجهولة، لكنه تراجع لاحقًا، وهاجم حزب المعارضة الرئيسي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بسبب جدل قديم حيث تبين أن مشاركة مدونة مجهولة نشطة لفترة وجيزة كانت من جناح طلابي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ومن غير المستغرب أن هذا الرد لاقى استحسانا لدى القوميين. حيث أشاد جوزيف فرانسون، النائب الشاب عن حزب الديمقراطيين السويديين، بكريسترسون لعدم اتخاذ أي إجراء ضد حزبه، كما حظيت ردود فعل أكيسون باهتمام هائل على وسائل التواصل الاجتماعي، وحققت مئات الآلاف من المشاهدات في غضون أيام قليلة على فيسبوك ويوتيوب. بينما لم تتلق ردود المعارضة سوى جزء صغير من تفاعل هذا الجمهور.
ومن بين الميمات اليمينية التي يُزعم أنها تم مشاركتها بشكل مجهول من قبل موظفي وأعضاء الحزب الديمقراطي السويدي، ينتمي الكثير منها إلى مجموعات الكراهية الأمريكية العنصرية والمعادية للسامية، إلى جانب الرسوم الكاريكاتورية التي تنكر الهولوكوست.
أظهر أحد مقاطع الفيديو التي شاركها الديمقراطيون السويديون صورة متحركة لأكيسون يقود دبابة عسكرية، مطلية بالألوان الوطنية للعلم السويدي، عبر رينكيبي، إحدى ضواحي ستوكهولم المعروفة بوجود عدد كبير من السكان المهاجرين من الطبقة العاملة. وبدا أكيسون يحمل سيفًا، بجوار ضفدع كرتوني يطلق النار من سلاح آلي (الضفدع، شخصية تلفزيونية سويدية للأطفال، احتضنها القوميون السويديون باعتبارها نسختهم من بيبي الضفدع، وهو رمز غير رسمي لجماعات اليمين الأمريكية).
لقد قوبل الفيديو بكلمات قاسية من بعض أعضاء البرلمان المحافظين، لكن أكيسون نفسه وجده مضحكا. وعندما سئل عن الفيديو علق ضاحكا: "ما زلت أضحك عليه". ويرفض أكيسون الانتقادات بقوله إن الأشخاص الذين لا يستطيعون الضحك على هذه الميمات يفتقرون إلى حس الفكاهة. وأي شخص مطلع على تاريخ الحركات المناهضة للديمقراطية يعرف أن هذا تكتيك مبتذل.
وفي دراسة حديثة أجراها اتحاد الصحفيين السويديين، اعترف 39% من المراسلين بممارسة الرقابة الذاتية على عملهم تجنبا للتهديدات والمضايقات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقصص التي تنطوي على العنصرية والهجرة.
ويشكل هذا تحديا بالنسبة للسويد وجيرانها؛ فنموذج الشمال مبني على الثقة العالية في المؤسسات الحاكمة، وفي وسائل الإعلام، وفي الأوساط الأكاديمية والعلوم. وعندما تم تجميع الدول الاسكندنافية في أعلى تقرير السعادة العالمية الصادر عن الأمم المتحدة مؤخرا، أشار التقرير على وجه التحديد إلى مستويات الثقة العالية في هذه البلدان؛ حيث لا يزال أكثر من 60% من السويديين يقولون إن "معظم الناس يمكن الوثوق بهم". ولكن الى أي مدى؟
في الانتخابات الأوروبية التي جرت في التاسع من يونيو، كان أداء الديمقراطيين السويديين أسوأ من المتوقع، وكانت هذه أول صدمة انتخابية حقيقية لهم. وبعد إعلان النتائج، سارع قادة الحزب إلى إلقاء اللوم على وسائل الإعلام - وخاصة قناة TV4 - بسبب الأداء المخيب للآمال.
المصدر: The Guardian
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي الهولوكوست اليمين المتطرف انتخابات فيسبوك facebook مجموعة السبع الكبار معاداة السامية مواقع اثرية يوتيوب Youtube التواصل الاجتماعی وسائل الإعلام على وسائل
إقرأ أيضاً:
توصيات طموحة لتعزيز القيم والارتقاء بأدوار وسائل الإعلام لترسيخ الهوية الوطنية
مسقط- الرؤية
رعى معالي الدكتور عبدالله بن محمد السعيدي وزير العدل والشؤون القانونية أمس، أعمال ندوة "الإعلام والهوية الوطنية.. إستراتيجيات تعزيز القيم"، والتي نظمتها جمعية الصحفيين العُمانية، بحضور عدد من المسؤولين والمعنيين والمهتمين بالشأن الإعلامي والثقافي الإرث التاريخي.
وفي مستهل الندوة، رحب الدكتور محمد العريمي رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين العُمانية بمعالي راعي الحفل والحضور، وقال: "نحن في سلطنة عُمان، نعتز بهويتنا التي تمزج بين الإرث التاريخي العريق والانفتاح الواعي على العالم، تلك الهوية التي جعلت بلادنا الحبيبة نموذجًا للتسامح، والتعايش، والانفتاح على مختلف الثقافات، دون أن نفقد أصالتنا أونذوب في تيارات التغيير المتسارعة". وأضاف العريمي: "لا شك أن العولمة، رغم ما تحمله من فرص ممتازة للتواصل والانفتاح، قد أصبحت أيضًا أحد أكبر التحديات التي تواجه الهوية الوطنية، خاصة مع ما تصدره بعض الثقافات الغربية من مفاهيم وقيم قد تتعارض مع موروثاتنا الأصيلة. من حيث محاولتها تغريب المجتمعات، وفرض أنماط حياة غريبة عن بيئتنا وتقاليدنا، باتت واضحة من خلال الإعلام الغربي الحديث، والمنصات الرقمية التي تعمل على تطبيع أفكار دخيلة على مجتمعاتنا لا تنسجم مع قيمنا الأخلاقية والاجتماعية".
وركَّز رئيس الجمعية على الحفاظ على الهوية الوطنية باعتبارها وعياً جماعياً، وإدراكاً لتلك المحاولات التي تستهدف التأثير على ثقافتنا ومعتقداتنا، مما يفرض علينا تعزيز الانتماء الوطني وغرسه في نفوس الأجيال القادمة، حتى يكونوا قادرين على التفاعل مع العالم دون أن يفقدوا أصالتهم. وأشار إلى أن من أخطر هذه التحديات التي تواجهنا اليوم تلك الحملات الفكرية التي تبث عبر وسائل الإعلام الغربية، والتي تهدف إلى تقويض الروابط الأسرية، وإضعاف القيم الإسلامية والأخلاقية، وتشويه تاريخنا وتراثنا بحجة الحداثة والتطور. وشدد على ضرورة بناء إعلام وطني قوي، قادر على مواجهة هذه التحديات، وتقديم محتوى هادف يعزز الهوية الوطنية، ويحفظ قيم المجتمع، ويجعل الأجيال القادمة أكثر وعياً وإدراكاً لمخاطر الاستلاب الثقافي.
وقد قدم عدد من المشاركين أوراق العمل التي قدمت في الندوة استعرض بعدها الدكتور خالد العدوي عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العُمانية في ختام الندوة أهم 9 توصيات التي خرجت بها الندوة وأهمها: تعزيز الهوية العُمانية بجميع عناصرها من خلال وضع استراتيجيةٍ وطنيةٍ شاملةٍ، والاهتمام بالأسرة العُمانية وتأهيلها لترسيخ السمت العُماني في النشء، وإقامة برامج في المساجد والمجالس العامة لغرس قيم السمت العُماني، واهتمام الإعلام العُماني، خاصةً الدراما، بإبراز السمت العُماني، وإبراز القدوات العُمانية قديمًا وحديثًا عبر وسائل الإعلام، وتعزيز دور المدارس والكليات والجامعات في ترسيخ السمت العُماني، وتنظيم مسابقاتٍ ثقافيةٍ ترتبط بتعزيز السمت العُماني لكافة الفئات العمرية.
وتضمنت التوصيات ضرورة تكثيف التركيز على الجوانب القيمية بالمناهج الدراسية، وتعزيز التطبيق العملي للقيم لضمان تأثيرها المستدام، وتصدير القدوات الإيجابية عبر وسائل الإعلام لتكون نماذج للطلبة.
وحثت التوصيات على أهمية ربط الهوية العُمانية بالأنظمة الاقتصادية وتعزيز تسويقها محليا ودوليا، والتركيز على تعزيز الصورة الإيجابية للهوية الوطنية بإبراز الفنون والتاريخ والتراث والموسيقى والمناسبات الوطنية عبر وسائل الإعلام لتعزيز الفخر الوطني، ومعالجة الصورة السلبية في الإعلام عبر مبادراتٍ وطنيةٍ وإعلاميةٍ مدروسةٍ، وبناء العلامة الوطنية على أسسٍ ثقافيةٍ وتاريخيةٍ.
ومن بين التوصيات كذلك، تعزيز الوعي المعرفي من خلال تبسيط المفاهيم الفلسفية والفكرية وتفكيكها، مع شرح الملابسات التي تحيط بها، لبيان مدى قربها أو بعدها عن الثقافة الإسلامية، بما يسهم في بناء قدرة المجتمع العُماني والمسلم عامةً على مواجهة التحديات الفكرية. وتحقيق اوازن في الخطاب الثقافي عبر الدعوة إلى استثمار العولمة في جوانبها الإيجابية، خصوصًا المثاقفة البناءة، مع التحذير من الجوانب السلبية التي قد تؤثر سلبًا على الثقافة العُمانية وتؤدي تدريجيا إلى التخلي الطوعي عنها.
ونادت التوصيات باعتماد وسائل الإعلام العُمانية خطةً واضحةً لتطوير صناعة المحتوى الذي يعتني ببناء الهوية وصناعة الشخصية المتوازنة، القائمة على المثل العليا، شريطةً أن يتسم هذا المحتوى بـ المهنية العالية، والذكاء الاجتماعي، وأن يجمع بين الفكرة والمتعة مما يمكنه من جذب الناشئة والشباب، على أن تكون الخطة قابلةً لتقييم نتائجها من حيث الإنتاج والتأثير.
وأوصى المشاركون في الندوة بسنِّ التشريعات التي توازن بين المحافظة والانفتاح الثقافي، مع دراسة الآثار الاقتصادية والرقمية على الهوية والثقافة الوطنية.