بعيدًا عن أهمية الإنجاز الأمني، وكف يد الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، وقطع أذرعها، عبر الإمساك بواحدة من أهم الخلايا التي عملت معها لعقود من الزمن، فإن هذا الإنجاز يمكن أن يعيد تعريف الدبلوماسية الأمريكية، ويمكن له أيضًا أن يضع قوانين جديدة للعمل الدبلوماسي في العالم.
السفارة الأمريكية في اليمن ليست مجرد نافذة لرعاية المصالح الأمريكية في صنعاء، ومد جسور التعاون الثنائي بين البلدين “الصديقين” كما كان يحلو لساسة البلدين وصفها طوال العقود الماضية، بل هي وكر تجسس وصناعة المؤامرات، وبث السموم في كلّ نواحي الحياة، وإشاعة الفوضى والخراب الأمني والاقتصادي والخدمي.


هذا الحديث اليوم لم يعد مجرد تخمينات، ولا ضربًا بالرمل، بل أصبح حقيقة واقعية، مكشوفة لكل من له عين أو ألقى السمع وهو شهيد.
الاعترافات التي أدلت بها عناصر خلية التجسس الأمريكية “الإسرائيلية”، والتي كشفتها الأجهزة الأمنية اليمنية مؤخرًا، تقول الشيء الكثير عن هذا، رغم أن ما تم كشفه ليس إلا القليل مما بحوزة جهاز الأمن والمخابرات، الذي لا يزال يحتفظ بالكثير منها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن سفارة واشنطن في صنعاء كانت تقوم بجمع المعلومات بعيدًا عن السلطات الرسمية، وأحيانًا، وهي الطامة، عبر السلطات الرسمية، وبشكل مشروع وغير مشروع، وتجمع معلومات لها أهداف تخريبية أكثر منها أهدافًا لتطوير العلاقات المشروعة بين البلدين، وهذا يخالف المادّة الثالثة من اتفاقية فيينا، التي تنص في الفقرة “د” على: ” التعرف بكلّ الوسائل المشروعة على ظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وعمل التقارير عن ذلك لحكومة الدول المعتمدة”. والفقرة التالية: هـ ” تهيئة علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها”.
الفقرة “د” السابقة لطالما كانت محل جدل دبلوماسي، حيث أن جمع المعلومات بالوسائل المشروعة، يفصلها خيط رفيع عن التجسس، وفي مثال السفارة الأمريكية في صنعاء، ومن خلال اعترافات عناصر الخلية، ونتائج التقييم الأمريكية لهم، فقد كانت الاعترافات تؤكد الطبيعة الاستخباراتية التخريبية، وليس جمع معلومات لمجرد الاطلاع على الأوضاع وتطوراتها.
التدخل في رسم السياسات، والتأثير على صناعة القرار، والتخريب الثقافي والتعليمي، والتدمير الزراعي، هذه كلها ليست إلا في مجال الإضرار بالدولة المضيفة، وليست أبدًا ضمن مهام دبلوماسية.
هناك تعريفات جديدة للدبلوماسية، هي التجسس، والتطوير هو التدمير، والتنمية هي الإفقار والفشل، والتعليم هو التجهيل، وتحسين البذور، يعني القضاء على البذور. كلّ شيء يجب أن يقرأ بالانجليزية الأمريكية بالمقلوب.
الوكالة الأمريكية للتنمية، أيضًا، يمكن إعادة تعريفها، بأنها أحد أذرع المخابرات الأمريكية، وليست منظمة إنسانية بالمطلق.
إن نهج السفارة الأمريكية في اليمن، لا يبدو مختلفًا عن نهجها في عدد من السفارات لا سيما في المنطقة العربية، وإن كان الأرجح هو أن كلّ سفارات واشنطن في العالم لها أهداف استخباراتية تجسسية، وتدير مخطّطات خبيثة.
النتيجة الأولى لهذا الكشف المهم، هي أن على الدول الصديقة والشقيقة أن تأخذ حذرها من أنشطة السفارة الأمريكية، وطبيعتها التجسسية، والاطلاع على الأساليب والاستراتيجيات الخطيرة، سواء في التجنيد والاستقطاب، أو في العمل والوسائل، والسواتر التي تستخدمها لتنفيذ أعمالها.
قد يكون المخبر العميل الخائن، موظفًا بسيطًا يعمل بصفته حارس أمن في السفارة، أو مترجمًا، أو يعمل في أحد مراكز الأبحاث والدراسات، وقد يكون أيضًا، مدربًا في معهد لغات، أو مركز لبناء الديمقراطية، أو في البنك الدولي، أو منظمة أممية إنسانية، لا يهم، فالمخابرات الأمريكية تعرف جيّدًا كيف توظف وأين.
الأجهزة الأمنية اليمنية مستعدة -كما قالت في بيانها- لتبادل المعلومات والخبرات من أجل كشف أعمال التجسس الأمريكية، وتقديم كلّ العون لأجهزة الأمن في البلدان العربية والإسلامية، لإحباط المؤامرات والخطط التدميرية في بلداننا.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

سياسة الولايات المتحدة الأمريكية نحو السودان كانت سببا رئيسيا في الحرب

سياسة الولايات المتحدة الأمريكية نحو السودان كانت سببا رئيسيا في الحرب، الاتفاق الإطاري كان بدعم أمريكي ودور البعثة الأممية السابقة التي ساهمت في الحرب كان بتشجيع أمريكي أيضا، بعد الحرب فهموا أن مقاومة السودانيين راسخة وأن المليشيا لا مستقبل لها فعاقبوها بوضوح يوم 7 يناير السابق، لكن هدف سياستهم الجديدة هي قطع الطريق بوسائل ناعمة أمام انتصار إرادة الشعب السوداني المندفعة نحو السيادة الوطنية والكرامة والعزة، واحدة من أدوات هذه السياسة هي هذه العقوبات التي تتخذ شكلا مخففا لرئيس مجلس السيادة ولكنها ترسل رسائل ترغيب. هذا الزمن انتهى وبعد كل ما خسرناه في الحرب لن يرضى السودانيون إلا عزة كاملة وسيادة تامة وهذه قولتهم النهائية.
الشواني هشام عثمان الشواني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • سياسة الولايات المتحدة الأمريكية نحو السودان كانت سببا رئيسيا في الحرب
  • حزب الله يوقف شخصين يحملان الجنسية الأمريكية بتهمة التجسس
  • العقوبات الأمريكية المفروضة على بنك اليمن والكويت
  • "كانت مصروفات علاج".. أمانة طالب تعيد مبلغا من المال لصاحبها في الأقصر
  • الباعور يبحث مع القائم بأعمال السفارة الأمريكية مستجدات الأوضاع السياسية في ليبيا
  • خماسية تعيد الريال إلى الواجهة.. شاهد أهداف المباراة
  • السفارة الأمريكية توقع مذكرة تفاهم لمكافحة تهريب الآثار الليبية حتى 2027
  • بلينكن: اتفاق غزة دليل على قوة الدبلوماسية الأمريكية
  • شكشك يلتقي القائم بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا لبحث التعاون
  • القائم بأعمال السفارة الأمريكية يبحث مع مجلس أعيان مصراتة تعزيز السلام والمصالحة