الخليج الجديد:
2025-02-03@17:17:47 GMT

نقد السردية الليبرالية

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

نقد السردية الليبرالية

نقد السرديات الليبرالية

تستمر السردية باستمرار النظام الذي تقوم عليه، رغم ما في استمرار ذلك النظام من فادح الغرامات التي تدفعها البشرية.

يُعزى تجدد السردية الليبرالية إلى أن النظام الرأسمالي الذي تستند إليه ما برِح يتمتع بوجودٍ يتأقْلم بنجاح مع أزماته التي تَعْرِض له بين فينة وفينة.

تزعم السردية الليبرالية، في تبرير الرأسمال والتملك، بأن هذين يعبران عن مبدأ أساس في الوجود الإنساني، وعن حق طبيعي، هو الحق في الحرية.

المصلحة العامة - التي تعتقد الليبرالية أن الدولة تتخذها ذريعة للسيطرة على الاقتصاد والإنتاج - فتتحقق من طريق تحقيق المصالح الخاصة وتعظيمها..

مشكلة الإنسانية مع الليبرالية ليست في توفير جواب فكري عن خطابها، بل في الإخفاق في العثور على جوابٍ مادي: اجتماعي- اقتصادي يتجاوزها.

اضطرار الليبرالية، بعد أزمة 1929، لأخذ الاجتماعي بالحسبان، وضخ توازن في توزيع الثروة، وإقرار مبدأ تدخلية الدولة في الاقتصادي الاجتماعي فذلك إعادة إنتاج النظام الليبرالي نفسه.

* * *

لم ينقضِ بعد زمن السردية الليبرالية عن المجتمع والاقتصاد والسياسة منذ بدأ تدبيجُها، في نهايات القرن السابع عشر، مع جون لوك وشُرِع في التنظير لها مع آدم سميث ليُستكمل صوغها، في القرن 19، مع ريكاردو وجون استيوارت مل.

استمرت تنمو وتتكيف مع ظروف الإخفاق أو التحدي، وما برحت تفعل ذلك حتى اليوم رغم الهزات العنيفة التي تعرض لها النظام الاجتماعي- الاقتصادي الذي به اقترنت وعنه دافعت.

وليس في قدرة هذه السردية الليبرالية على التجدد ما يُستغرب له، وإنما هو تجدد يَرد إلى أن النظام الرأسمالي الذي تستند إليها المقالة الليبرالية ما برِح يتمتع بوجودٍ يتأقْلم بنجاح مع أزماته التي تَعْرِض له بين فينة وفينة.

هكذا تستمر السردية الليبرالية باستمرار النظام الذي تقوم عليه، على الرغم مما في استمرار ذلك النظام من فادح الغرامات التي تدفعها البشرية...

تزعم السردية الليبرالية، في تبريرها الرأسمال والتملك، بأن هذين يعبران عن مبدأ أساس في الوجود الإنساني، وعن حق طبيعي، هو الحق في الحرية.

وليس من ترجمة لهذا الحق أجْلى من حيازة الحق في التملك؛ هذا الذي قاد مع الزمن إلى ميلاد الرأسمال وبالتالي، إلى توسع النظام الرأسمالي في معاقله الأوروبية.

إن حب التملك، أو الرغبة فيه، هو - قبل أن يكون حقاً طبيعياً (صار، مع قيام الدولة، حقاً مدنياً) - نزعة طبيعية في الإنسان أو ميل فطري تكون لديه قبل أي اكتساب. لذلك ليستِ المُلكية مجافية للطبيعة الإنسانية ولا اصطناعاً لطبيعة ثانية.

وإذا كان سعي الإنسان الدائب إنما هو لإجابة حاجاته - تقول السردية - فإن الإجابة تلك تتحقق من طريق العمل والتكسب، وليس مثل النظام الاقتصادي الحر ما يشجع المرءَ على الكسب وتعظيم المكاسب وإشباع الحاجات.

ليس للدولة الحق - تقول المقالة الليبرالية - في مصادرة حق التملك، أو حرمان الفرد من حقه في الملكية الخاصة؛ فهذه، في العقيدة الليبرالية، موضع تقديس واحترام لا تضاهيها فيهما إلا الحرية (وحرية التملك فرع منها).

بل ليس للدولة حتى إن تزاحم الأفراد ( الخواص) في التملك والانخراط في عملية الإنتاج؛ لأن ميدان الإنتاج والاقتصاد - في نظر هذه العقيدة - ليس ميدان الدولة ولا من مشمولات عملها، وإنما هو مجعول، حصراً، للمجتمع وأفراده.

كل ما على الدولة أن تفعله - تقول السردية - هو أن تحميَ الحق في الملكية الخاصة وبالتالي، الحق في تنمية المصالح الخاصة، أما المصلحة العامة - التي تعتقد الليبرالية أن الدولة تتخذها ذريعة للسيطرة على الاقتصاد والإنتاج - فتتحقق من طريق تحقيق المصالح الخاصة وتعظيمها...

هذه هي الفكرة الأساس التي تقوم عليها السردية الليبرالية ويقوم عليها، في الوقت عينِه، تسويغها مشروعيةَ نظام الاقتصاد الحر. ومع أن الليبرالية قدمت نفسها، كنظام اجتماعي- اقتصادي، في عدة طبعات (ليبرالية تنافسية، ليبرالية احتكارية، ليبرالية اجتماعية، ليبرالية متوحشة)!

ومع أن بعض تلك الطبعات/النماذج مزج فيه بين المبدأين الليبرالي والاجتماعي، بين التملك الخاص وتدخل الدولة، فأنجب تجربة فريدة في تاريخ الليبرالية هي تجربة دولة الرعاية الاجتماعية، إلا أن الأساس الفلسفي للفكرة الليبرالية ظل هو نفسه من غير أن يشهد على تعديلٍ كبير.

أما أن تكون الليبرالية قد انتبهت، بعد أزمة العام 1929 أو في ظل صيغتها الكينزية، إلى ضرورة أخذ الاجتماعي في الحسبان، وضخ بعض التوازن في عملية توزيع الثروة، وإقرار مبدأ تدخلية الدولة في الميدان الاقتصادي- الاجتماعي فما ذلك كله إلا من باب إعادة إنتاج النظام الليبرالي نفسه، لا للحد منه..

تعرضت هذه السردية الليبرالية لنقد حاد منذ منتصف القرن التاسع عشر؛ أي منذ اكتمل بناؤها الذهني كنظرية في الاقتصاد والاجتماع، ثم منذ اكتملت سيطرتها على المجال الأوروبي، منتقلة من معقلها البريطاني، وصيرورتها النظام الاجتماعي الاقتصادي السائد.

وفي كل مرحلةٍ من مراحلها، كانت تجد مَن يفند دعواها: كارل ماركس/إنغلز في طور المنافسة الحرة؛ لينين في طور الاحتكار؛ ماركيوز وبيتلهايم وسويزي في مرحلتها الكينزية؛ ثم سمير أمين في مرحلتها العولمية...إلخ.

هؤلاء مجرد أمثلة لجهد نظري نقدي بُذِل على مدار مئة وسبعين عاماً في مقارعة السردية الليبراليّة وإماطة النقاب عنها. لكن مشكلة الإنسانية مع الليبرالية ليست - أو قل لم تعد - في توفير جواب فكري عن خطابها، بل في الإخفاق في العثور على جوابٍ مادي: اجتماعي- اقتصادي يتجاوزها.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الدولة الاجتماعي الاقتصادي الاحتكار الحرية الملكية المصلحة العامة الحق فی

إقرأ أيضاً:

توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة 2

كتب الدكتور بلال الخليفة

إن الليبرالية الجديدة بمفهوم اخر، هو اكثر صراحة ووضوح انها ولكن ليس حسب رايي بل راي شخص اخر وهو المؤرخ الاقتصادي المرموق (بول بايروك) ان الليبرالية الجديدة التي فرضت على دول العالم الثالث تعد بلا شك عنصرا رئيسيا في تفسير تأخر تحولة الصناعي).

وذلك ان من خطط الليبرالية الجديدة ومثلما قنا سابقا هي جعل العالم على شاكلة دول العالم الثالث، دول فقيرة متخلفة للأسباب التالية:-

1 – لتبقى سوق لمنتجاتها التي تصنع في بلدانهم.

2 – تبقى مصدر للمواد الأولية التي تحتاجها صناعاتهم.

وحيث ان لها مبدأين هما، الأول هو المبدا الرسمي المفروض على الدول الضعيفة والمبدا الثاني هو مبدا تطبيق السوق الحر الفعلي. وهما بالغالب لا لا يخدمان المواطن البسيط بسبب ان المبدا قد صمم من قبل أصحاب رؤوس الأموال والسياسيين لتلبية مصالحهم.

النظم الشمولية

لكن في المقابل وعلى نقيض من ان الليبرالية الجديدة يوجد فكر وهما للفكرين الشيوعي والاشتراكي والذين حددان وبشكل كبير من نشاط القطاع الخاص لكن في نفس الوقت انهما يحدان وبشكل كبير أيضا من سطوة الهيمنة الجشعة للراسمالية ومن الممكن أيضا ان تكونا سبب في وجود تنمية اقتصادية (وخير مثال على هذا الوضع هو الصين) لكن الامر لا يخلو من احتمالين:-

الاحتمال الأول: وهو ان القادة السياسيين الذين يحكمون ذلك البلد هم من المخلصون وجل همهم المصلحة العامة (فرض المحال ليس بمحال) وكذلك يعتمدون في عملهم على تنمية الاقتصاد وفي هذه الحالة ستكون الفرصة قائمة وكما وضحناها سلفا.

الاحتمال الثاني : وهو الاعم الاغلب في معظم دول العالم وهو ان الأنظمة الغير الليبرالية تكون عميلة او غبية او تعمل لصالح نفسها فقط وبالتالي سيشهد ذلك البلد تخلف اقتصادي كبير جدا.

 النظم الديمقراطية

من الممكن ان يقول احدهم ان الانفتاح على الغرب والسير بمنهجهم الاقتصادي وهو الليبرالية الجديدة وفتح المجال امال الاستثمارات الأجنبية من خلال تشجيع أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية التي هي بالاصل متحكمة بالنظام السياسي والاقتصادي العالمي ، في هذا الامر يوجد عدة احتمالات منها:

1 – الأول: وهو ان أصحاب رؤوس الأموال لا يرون جدوى اقتصادية في فتح مشاريع استثمارية تنموية كبرى في البلد وذلك قد يكون لعدة أسباب منها شحة الخبرات او الايادي العاملة او بعد المصادر الأولية او أي أمور أخرى.

النتيجة ان البلدان تبقى تعاني من الفقر والتخلف الاقتصادي رغم من انتهاج الحكومات لليبرالية الجديدة وبالتالي سيزداد الشعب فقرا بسبب غياب الدعم الحكومي للامور المهمة التي يحتاجها المواطن كدعم الأغذية والأدوية والمحروقات.

الاحتمال الثاني: ربما سيقتصر الاستثمار الأجنبي على الأمور التافهة او الأمور التي ليس فيها إيرادات مستقبلية دائمة أي انها مشاريع خدمية لا تنموية ، يكون الغرض من تلك المشاريع هو استنزاف أموال الشعب وتلهيه عن القضايا الرئيسية مثل (الاستثمارات في المولات والمطاعم والسيارات والأجهزة الكهربائية وكذلك المدارس والكليات غير الرصينة التي تمنح شهادة ولا تمنح علم – للعلم ان الحكومة وبلسان وزير التخطيط يوم امس قرر منح رخصة فتح 20 جامعة أهلية جديدة) 

ان الليبرالية الجديدة هو هدف يسعى الغرب ومن خلفة أصحاب رؤوس الأموال من اجل تحقيقة في جميع دول العالم لان المناهج التي تنتهجها بعض الدول غير الليبرالية الجديدة قد يسبب خطر على الغرب وخير مثال مال انتجته الصين قبل ثلاث أيام من برنامج الذكاء الصناعي ديب سيك) الذي فاق البرنامج الأمريكي (جات جي بي تي) والذي يمثل تهديد خطير لهم.

الليبرالية الجديدة وكما قلت هي عدو للتنمية المستقلة ، وان التنمية يجب ان تمر بعدة خطوات منها وقد يكون أهمها هو : 

1 – السيطرة على أسعار السلع المستوردة من الخارج بفرض الرسوم عليها ولتشجيع الصناعة المحلية وبالتالي وضعنا اللبنة الأولى في التنمية الاقتصادية للبلد، 

2 – تشجيع أصحاب رؤوس الأموال ان تنشئ مصانع داخل البلد لا ان تجعله يستورد كل شيء.

وفي نفس السياق نذكر ما قاله احد الاقتصاديين الرئيس الأمريكي السابق ريكان (حمى الصناعة الامريكية عن طريق فرض قيود على الاستيراد اكثر من أي سلف له خلال نصف قرن) وان هذه السياسة الاقتصادية يوجد لها مصطلح يستخدمة الاقتصاديون وهو (الحمائية الاقتصادية)، أي حماية الاقتصاد الوطني من جشع أصحاب المال الفاسدين، وفي هذا الامر نتذكر ان الحكومات العراقية في اعمها الاغلب والمتعاقبات على العراق لم ترفع أي رسوم على السلع المستوردة بل العكس، في كل مرة تصدر قائمة بالاعفاءات الكمركية والضريبية لمئات السلع وللدول المجاورة للعراق .

وهذه السياسات الاقتصادية الخاطئة انتجت كوارث اقتصادية حلت بالعراق بعد عام 2003 مثل توقف الكثير من مصانع العراق التي كانت منتجة وبشكل جيد مثل معامل الاسمنت ومعامل الأسمدة والورق والقصب والصلب والسكر والبلاستيك وغيرها ، لانها لم تستطيع مجارات أسعار السلع المصنوعة محليا لتلك المستوردة من الخارج.

الامر الذي سبب عبء كبير على الموازنة العامة الاتحادية وفقر العاملين فيها لان رواتبهم اقتصرت على الاسمي بدون حوافز انتاج وبالمقابل ان المواد التي يتم استيرادها من الخارج هي تبع للسياسيين الفاسدين يعني انهم يزدادون غنا والمواطن يزداد فقرا وهو هدف الليبرالية الجديدة.

مقالات مشابهة

  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته
  • أمن الدولة ألقت القبض على من كانت برفقة صديقها الذي دهس الشاب في فاريا (صورة)
  • رئيس حماية المستهلك: اتخاذ العديد من الإجراءات الاقتصادية التي تسهم في وفرة السلع
  • مفوضية الانتخابات:الأحزاب التي لها فصائل جهادية لها الحق المشاركة في الانتخابات
  • ما هي الحالة التي تعفي مستفيد الضمان الاجتماعي من رسوم العمالة المنزلية؟
  • خبيران: مقاومة غزة تتفوق في معركة السردية وتكسر رواية الاحتلال
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «2- 13»
  • توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة
  • توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة 2
  • أهالي حماة يحيون الذكرى السنوية الـ 43 لمجزرة حماة الكبرى التي ارتكبها النظام البائد عام 1982.