الخليج الجديد:
2024-09-29@11:31:06 GMT

نقد السردية الليبرالية

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

نقد السردية الليبرالية

نقد السرديات الليبرالية

تستمر السردية باستمرار النظام الذي تقوم عليه، رغم ما في استمرار ذلك النظام من فادح الغرامات التي تدفعها البشرية.

يُعزى تجدد السردية الليبرالية إلى أن النظام الرأسمالي الذي تستند إليه ما برِح يتمتع بوجودٍ يتأقْلم بنجاح مع أزماته التي تَعْرِض له بين فينة وفينة.

تزعم السردية الليبرالية، في تبرير الرأسمال والتملك، بأن هذين يعبران عن مبدأ أساس في الوجود الإنساني، وعن حق طبيعي، هو الحق في الحرية.

المصلحة العامة - التي تعتقد الليبرالية أن الدولة تتخذها ذريعة للسيطرة على الاقتصاد والإنتاج - فتتحقق من طريق تحقيق المصالح الخاصة وتعظيمها..

مشكلة الإنسانية مع الليبرالية ليست في توفير جواب فكري عن خطابها، بل في الإخفاق في العثور على جوابٍ مادي: اجتماعي- اقتصادي يتجاوزها.

اضطرار الليبرالية، بعد أزمة 1929، لأخذ الاجتماعي بالحسبان، وضخ توازن في توزيع الثروة، وإقرار مبدأ تدخلية الدولة في الاقتصادي الاجتماعي فذلك إعادة إنتاج النظام الليبرالي نفسه.

* * *

لم ينقضِ بعد زمن السردية الليبرالية عن المجتمع والاقتصاد والسياسة منذ بدأ تدبيجُها، في نهايات القرن السابع عشر، مع جون لوك وشُرِع في التنظير لها مع آدم سميث ليُستكمل صوغها، في القرن 19، مع ريكاردو وجون استيوارت مل.

استمرت تنمو وتتكيف مع ظروف الإخفاق أو التحدي، وما برحت تفعل ذلك حتى اليوم رغم الهزات العنيفة التي تعرض لها النظام الاجتماعي- الاقتصادي الذي به اقترنت وعنه دافعت.

وليس في قدرة هذه السردية الليبرالية على التجدد ما يُستغرب له، وإنما هو تجدد يَرد إلى أن النظام الرأسمالي الذي تستند إليها المقالة الليبرالية ما برِح يتمتع بوجودٍ يتأقْلم بنجاح مع أزماته التي تَعْرِض له بين فينة وفينة.

هكذا تستمر السردية الليبرالية باستمرار النظام الذي تقوم عليه، على الرغم مما في استمرار ذلك النظام من فادح الغرامات التي تدفعها البشرية...

تزعم السردية الليبرالية، في تبريرها الرأسمال والتملك، بأن هذين يعبران عن مبدأ أساس في الوجود الإنساني، وعن حق طبيعي، هو الحق في الحرية.

وليس من ترجمة لهذا الحق أجْلى من حيازة الحق في التملك؛ هذا الذي قاد مع الزمن إلى ميلاد الرأسمال وبالتالي، إلى توسع النظام الرأسمالي في معاقله الأوروبية.

إن حب التملك، أو الرغبة فيه، هو - قبل أن يكون حقاً طبيعياً (صار، مع قيام الدولة، حقاً مدنياً) - نزعة طبيعية في الإنسان أو ميل فطري تكون لديه قبل أي اكتساب. لذلك ليستِ المُلكية مجافية للطبيعة الإنسانية ولا اصطناعاً لطبيعة ثانية.

وإذا كان سعي الإنسان الدائب إنما هو لإجابة حاجاته - تقول السردية - فإن الإجابة تلك تتحقق من طريق العمل والتكسب، وليس مثل النظام الاقتصادي الحر ما يشجع المرءَ على الكسب وتعظيم المكاسب وإشباع الحاجات.

ليس للدولة الحق - تقول المقالة الليبرالية - في مصادرة حق التملك، أو حرمان الفرد من حقه في الملكية الخاصة؛ فهذه، في العقيدة الليبرالية، موضع تقديس واحترام لا تضاهيها فيهما إلا الحرية (وحرية التملك فرع منها).

بل ليس للدولة حتى إن تزاحم الأفراد ( الخواص) في التملك والانخراط في عملية الإنتاج؛ لأن ميدان الإنتاج والاقتصاد - في نظر هذه العقيدة - ليس ميدان الدولة ولا من مشمولات عملها، وإنما هو مجعول، حصراً، للمجتمع وأفراده.

كل ما على الدولة أن تفعله - تقول السردية - هو أن تحميَ الحق في الملكية الخاصة وبالتالي، الحق في تنمية المصالح الخاصة، أما المصلحة العامة - التي تعتقد الليبرالية أن الدولة تتخذها ذريعة للسيطرة على الاقتصاد والإنتاج - فتتحقق من طريق تحقيق المصالح الخاصة وتعظيمها...

هذه هي الفكرة الأساس التي تقوم عليها السردية الليبرالية ويقوم عليها، في الوقت عينِه، تسويغها مشروعيةَ نظام الاقتصاد الحر. ومع أن الليبرالية قدمت نفسها، كنظام اجتماعي- اقتصادي، في عدة طبعات (ليبرالية تنافسية، ليبرالية احتكارية، ليبرالية اجتماعية، ليبرالية متوحشة)!

ومع أن بعض تلك الطبعات/النماذج مزج فيه بين المبدأين الليبرالي والاجتماعي، بين التملك الخاص وتدخل الدولة، فأنجب تجربة فريدة في تاريخ الليبرالية هي تجربة دولة الرعاية الاجتماعية، إلا أن الأساس الفلسفي للفكرة الليبرالية ظل هو نفسه من غير أن يشهد على تعديلٍ كبير.

أما أن تكون الليبرالية قد انتبهت، بعد أزمة العام 1929 أو في ظل صيغتها الكينزية، إلى ضرورة أخذ الاجتماعي في الحسبان، وضخ بعض التوازن في عملية توزيع الثروة، وإقرار مبدأ تدخلية الدولة في الميدان الاقتصادي- الاجتماعي فما ذلك كله إلا من باب إعادة إنتاج النظام الليبرالي نفسه، لا للحد منه..

تعرضت هذه السردية الليبرالية لنقد حاد منذ منتصف القرن التاسع عشر؛ أي منذ اكتمل بناؤها الذهني كنظرية في الاقتصاد والاجتماع، ثم منذ اكتملت سيطرتها على المجال الأوروبي، منتقلة من معقلها البريطاني، وصيرورتها النظام الاجتماعي الاقتصادي السائد.

وفي كل مرحلةٍ من مراحلها، كانت تجد مَن يفند دعواها: كارل ماركس/إنغلز في طور المنافسة الحرة؛ لينين في طور الاحتكار؛ ماركيوز وبيتلهايم وسويزي في مرحلتها الكينزية؛ ثم سمير أمين في مرحلتها العولمية...إلخ.

هؤلاء مجرد أمثلة لجهد نظري نقدي بُذِل على مدار مئة وسبعين عاماً في مقارعة السردية الليبراليّة وإماطة النقاب عنها. لكن مشكلة الإنسانية مع الليبرالية ليست - أو قل لم تعد - في توفير جواب فكري عن خطابها، بل في الإخفاق في العثور على جوابٍ مادي: اجتماعي- اقتصادي يتجاوزها.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الدولة الاجتماعي الاقتصادي الاحتكار الحرية الملكية المصلحة العامة الحق فی

إقرأ أيضاً:

أحمد فهمي يدعم فلسطين : "فى صراع الحق والباطل لا حيادية ولا رمادية"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

دعم الفنان أحمد فهمي الشعب الفلسطيني، جراء العدوان الإسرائيلي المجرم منذ أكتوبر العام الماضي، وحتي الآن من قتل المدنيين وهدم البيوت والمدارس والمستشفيات.

نشر الفنان أحمد فهمي على صفحته الشخصية على موقع تبادل الصور والفيديو "إنستجرام"، بخاصية الاستوري صورة لدعم القضية الفلسطينية.

منشور الفنان أحمد فهمي 

جاءت الصورة "فى صراع الحق والباطل لا حيادية ولا رمادية ولا موضوعية، إن لم تكن هنا، فأنت هناك"، فى إشارة إلي المقاومة أو العدوان الإسرائيلي.

لم تكن تلك هي المرة الأولي التي يدعم فيها الفنان أحمد فهمي القضية الفلسطينية، منذ أكتوبر العام الماضي وبداية العدوان الإسرائيلي المجرم.

أطلق الفنان أحمد فهمى العام الماضي مبادرة بنشر فيديو على صفحاته الشخصية على السوشيال ميديا، بالتبرع للشعب الفلسطيني، ودعا له زملائه من الوسط الفنى والرياضى،

وقال "أقل حاجه نقدر نقدمها لدعم أشقائنا العرب فى دولة فلسطين، واللى بيتعرضوا لكل أشكال الضرب من الكيان المحتل إللى مبيفرقش بين طفل أو ست او مسن".

وتابع فهمى "جه الوقت اللى كلنا نتكاتف وندعم، وانا بتبنى حملة تبرع للهلال الأحمر المصرى، وبختار شخصيات مؤثرة وهما كمان يختاروا كل منهم شخصيات، انا اخترت حازم امام،حسام غالى، مصطفى خاطر، أحمد حلمى".

وتفاعل الجمهور بشكل كبير في التعليقات على تلك المبادرة، وأشاد المتابعين فى التعليقات بموقف الفنان أحمد فهمى.


جاء ذلك بعد عدوان الكيان الإسرائيلي المحتل على الجانب الفلسطينى، وما يقوم به الإحتلال من جرائم حرب وقتل فى المدنيين الفلسطينيين، منذ شهر أكتوبر عام ٢٠٢٣ الماضي وحتى الآن.

مقالات مشابهة

  • «الحق الخصومات».. التموين تحدد موعد انتهاء عروض الأوكازيون الصيفي 2024
  • قزيط: هناك قبول من أعضاء مجلس الدولة لتمرير الاتفاق الذي تم التوصل له حول المصرف المركزي
  • متحدث الزمالك: فزنا على الأهلي بضربات الحق
  • وزير الخارجية الروسي: الشعب الفلسطيني له الحق في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة
  • أحمد فهمي يدعم فلسطين : "فى صراع الحق والباطل لا حيادية ولا رمادية"
  • النيابة العامة توضح عقوبة انتهاك حرمة ملك الغير
  • الأردنيون غاضبون من الحملة الشرسة على الإعلامي حسام الغرايبة .. لماذا ؟ / فيديو
  • أحرار اسكندنافيا: اعتراف الدنمارك بمغربية الصحراء انتصار لصوت الحق
  • د. عبد المنعم فؤاد: المتصوف الحق هو من يتبع تعاليم كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ
  • اختيار نائب ممثل الدولة بـ «الإيكاو» لرئاسة مجموعة البعد الاجتماعي للاستدامة