أحمد ياسر يكتب: انتهاء صلاحية البترودولار بعد 50 عامًا
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
لاحظ أولئك الذين يتابعون الأخبار حول الوضع العالمي للدولار الأمريكي العديد من الادعاءات بأن اتفاقية البترودولار الأمريكية السعودية "انتهت صلاحيتها" وأن السعوديين سيبيعون الآن النفط بالعديد من العملات غير الدولار، حتى أن بعض "إصدارات القصة زعمت أن اليوان الصيني سيحل محل الدولار".
يبدو أن التقارير قد انتشرت إما في الهند أو في المنشورات التي تلبي احتياجات مستثمري العملات المشفرة!!! وكانت الحماسة حول هذه القصة كبيرة بما يكفي لدرجة أن الخبير الاقتصادي بول دونوفان في بنك يو بي إس، شعر بالحاجة إلى توضيح أنه لم تكن هناك في الواقع أي تطورات كبيرة جديدة في العلاقات النقدية بين السعودية والولايات المتحدة.
بداية، إن تحول السعوديين نحو تبني عملات أخرى غير الدولار ليس جديدا، علاوة على ذلك، لا توجد معاهدة أو عقد رسمي معروف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ــ على الأقل عقد له تاريخ انتهاء الصلاحية.
ومع ذلك، يمكن للمرء أن يجادل بشكل معقول بأن هذه التقارير عن انخفاض قيمة البترودولار خاطئة فقط في تفاصيلها، ومع ذلك، تعكس التقارير اتجاهًا حقيقيًا في العالم، وهذا على الأرجح هو السبب الذي يجعل القصص حول نهاية البترودولار تبدو معقولة بالنسبة للكثيرين.
كانت المملكة العربية السعودية تبتعد بشكل متزايد عن الفلك الأمريكي في السنوات الأخيرة، وينعكس ذلك في زيادة الرغبة في تسوية صفقات النفط بعملات غير الدولار، وهناك أيضًا مؤشرات أخرى على أن السعوديين أصبحوا أكثر استعدادًا لاحتضان خصوم واشنطن - مثل الصين وإيران وروسيا - على الرغم من اعتراضات واشنطن.
في حين أن التغييرات على المدى القصير قد تبدو طفيفة، إلا أن الاتجاه الحالي في العلاقات الأمريكية السعودية يشير إلى تراجع عام وكبير في النفوذ العالمي للولايات المتحدة.
ما هو البترودولار المُهددة ؟
هي صفقة غير رسمية - يعود تاريخها إلى عام 1974 - بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يوافق بموجبها السعوديون على بيع النفط مقابل الدولار فقط، وتنص الصفقة أيضًا على أن السعوديين يستثمرون دولاراتهم الفائضة في سندات الخزانة الأمريكية.
لماذا توجد هذه الصفقة؟
من المنظور الأمريكي، تساعد الصفقة في دعم الدولار الأمريكي، وليس من قبيل الصدفة أن تعود تواريخ الصفقة إلى أوائل السبعينيات في أعقاب صدمة نيكسون عام 1971 وإغلاق نافذة الذهب، علاوة على ذلك، تحافظ الصفقة على سوق جاهزة لمبالغ متزايدة من سندات الخزانة الأمريكية مع نمو الإنفاق الفيدرالي بالعجز بشكل مستمر.
عندما تصور الأمريكيون ترتيبات البترودولار، كانت المملكة العربية السعودية أكبر دولة منتجة للنفط وكانت التجارة بالدولار فقط تضمن استمرار مكانة الدولار.
بالنسبة للسعوديين، تجلب هذه العلاقة الوثيقة بعض الضمانات الأمنية الضمنية من واشنطن، وهذا يعني أن النظام السعودي يعلم أنه ما دام يشكل عنصرًا مهمًا في سياسة الدولار، فإن الولايات المتحدة سوف تتدخل عسكريًا، إذا لزم الأمر، لضمان استمرار وجود الدولة السعودية.
تهديدات جديدة لنظام البترودولار
و بمرور الوقت، تتطور الحقائق الجيوسياسية وأصبح استعداد السعودية للانخراط في تجارة النفط غير الدولار أخيرًا سياسة معلنة للنظام السعودي في يناير 2023، وكما ذكر موقع Mises العام الماضي، تصريح وزير المالية السعودي وأضاف أنه "لا توجد مشاكل في مناقشة كيفية تسوية ترتيباتنا التجارية، سواء كان ذلك بالدولار الأمريكي، أو باليورو، أو بالريال السعودي".
في ذلك الوقت، كان هذا تطورًا جديدًا بالفعل، وكان بمثابة نهاية لفترة عدة سنوات انتشرت خلالها شائعات مستمرة بأن السعوديين سيبتعدون عن الدولار، في عام 2019.
استمرت التغييرات الإضافية في السياسة السعودية على مدار العام، وفي منتصف عام 2023، بدأ السعوديون في استيراد مستويات قياسية من زيت الوقود من روسيا، مما أدى إلى ترسيخ العلاقات التجارية بين البلدين، وبالنظر إلى الكيفية التي حاولت بها واشنطن إخراج روسيا من الاقتصاد الدولاري، فإن التجارة المتنامية بين الروس والسعوديين تزيد من الحاجة إلى التجارة بعملات أخرى غير الدولار.
التحرر من المحور الأمريكي
إذا نظرنا إلى هذه التطورات في حد ذاتها، فقد تبدو وكأنها ليست مشكلة كبيرة. ففي نهاية المطاف، لا تزال عملة الريال السعودي مرتبطة بالدولار، في الوقت الحالي، ومع ذلك، إذا نظرنا إلى هذه التطورات الأخيرة في السياق الأكبر، فإنها توضح كيف يبتعد السعوديون عن النظام النقدي والجيوسياسي الراسخ الذي فرضته الولايات المتحدة على العالم بأسره تقريبًا منذ نهاية الحرب الباردة؟.
وفي مارس 2023، شارك السعوديون في اتفاق توسطت فيه الصين لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كانت المملكة العربية السعودية على خلاف منذ فترة طويلة مع النظام الإيراني حيث تنافست الدولتان على الهيمنة في منطقة الخليج العربي، وبطبيعة الحال، شجعت واشنطن السعوديين على مساعدة الولايات المتحدة في عزل إيران.
ورغم أن الولايات المتحدة أشادت علنًا بالاتفاق الذي توسطت فيه الصين عندما أصبح علنيًا، فمن الواضح أن الاتفاق يمثل ضربة لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، علاوة على ذلك، إذا كان هناك أي شك في أن واشنطن لا توافق على الصفقة سرًا، فلا نحتاج إلى النظر إلى أبعد من حقيقة معارضة النظام الإسرائيلي للصفقة.
وبعد ستة أشهر، خلص تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2023 عن مركز أبحاث السياسة الخارجية "ستيمسون" إلى أن تحركات السعودية بعيدًا عن الدولار لم تكن مجرد خدع من الرياض. بل كانت بالأحرى جزءًا من جهد دبلوماسي أكبر من جانب السعوديين للحصول على مزيد من المرونة في التعامل مع القوى العالمية الكبرى مثل الصين والروس.
إن العلاقة الباردة بين الرياض وواشنطن لا تثبت أنه سيكون هناك تغيير فوري وكبير في اقتصاد الدولار أو في استمرار هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه يمثل دليلًا مستمرًا على التراجع النسبي المستمر في سيطرة الولايات المتحدة على أسواق العملات العالمية والنظام الجيوسياسي.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر ايران اخبار فلسطين غزة السعودية البترودولار محمد بن سلمان النفط الاتفاق النووي جو بايدن ولي العهد السعودي أخبار مصر الاقتصاد الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 الدولار الولایات المتحدة العربیة السعودیة أن السعودیین غیر الدولار ومع ذلک
إقرأ أيضاً:
السياح يتجنبون السفر إلى الولايات المتحدة في عهد ترامب
في غضون أسابيع قليلة خيم الغموض على آفاق السياحة الأميركية نتيجة لبعض قرارات الرئيس دونالد ترامب السياسية التي أثارت غضب بعض الزوار الأجانب عدا عن مخاوف من ازدياد الأسعار وارتفاع قيمة الدولار.
ومن المتوقع أن ينخفض عدد الأجانب الوافدين إلى الولايات المتحدة بنسبة 5,1 % في 2025 مقارنة بالعام الماضي، مقابل زيادة متوقعة سابقا بنسبة 8,8 %، وفقا لتقرير في نشرة « اقتصاديات السياحة » أواخر الشهر الماضي. ويتوقع أن يتراجع إنفاقهم بنسبة 10,9 في المئة.
منذ نشر التقرير « تدهور الوضع بشكل أكبر » وستكون النتيجة أسوأ على الأرجح، بحسب رئيس النشرة آدم ساكس، مشيرا إلى « تأثير مشاعر النفور تجاه الولايات المتحدة ».
في الأسابيع الأخيرة فرضت إدارة ترامب رسوما على كندا والمكسيك والصين وهددت بفرضها على الاتحاد الأوروبي. وتكثفت حملة واسعة ضد الهجرة.
وألغيت برامج عدد كبير من الهيئات الحكومية، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وس ر ح آلاف الموظفين المدنيين من محامين إلى حراس حدائق، ووضع ترامب خططا مثيرة للجدل للحربين في أوكرانيا وغزة.
وقالت نشرة « اقتصاديات السياحة » التابعة لمؤسسة « أكسفورد إيكونوميكس » إن « وضعا تتسم فيه سياسات وخطابات إدارة ترامب بالاستقطاب… سيثني الناس عن السفر إلى الولايات المتحدة ».
وأضافت « ستشعر بعض المؤسسات بضغوط لتجنب استضافة فعاليات في الولايات المتحدة أو إرسال موظفيها إليه ما سيقلل عدد رحلات العمل ».
وقال معهد منتدى السياحة العالمي، إن مزيجا من سياسات الهجرة الصارمة وقوة الدولار والتوترات السياسية العالمية « قد يؤثر بشكل كبير » على الوافدين الدوليين، « ما قد يعيد تشكيل قطاع السياحة في البلاد لسنوات ».
ومن بين سكان 16 دولة أوروبية وآسيوية شملهم استطلاع أجرته شركة « يوغوف » في ديسمبر، قال 35 في المئة من المشاركين إنهم أقل ميولا للقدوم إلى الولايات المتحدة في عهد ترامب، مقابل 22 في المئة عبروا عن رأي مغاير.
بالنسبة إلى سياح من فرنسا وأوزبكستان والأرجنتين الذين أجرت وكالة فرانس برس مقابلات معهم في ساحة تايمز سكوير بنيويورك، لم تغير مواقف ترامب خططهم بشكل جذري.
مع ذلك استخدمت كل من ماريانيلا لوبيز وأيلين هادجيكوفاكيس، وكلاهما تبلغان 33 عاما، جواز سفرها الأوروبي بدلا من الأرجنتيني لتجنب أي مشاكل على الحدود.
وقالت لوبيز « كنا خائفين بعض الشيء بشأن الوضع لكننا لم نغير خططنا ».
وأكدت عائلة لاغاردير القادمة من فرنسا أن الوضع لم يؤثر على خططها أيضا.
وقال لوران لاغاردير البالغ 54 عاما إن « الأميركيين انتخبوا هذا الرئيس. إنها الديموقراطية. إذا لم يكونوا راضين، فسيغيرونها في غضون أربع سنوات ».
وأضاف لاغاردير « هو (ترامب) كما هو » وتجنب الولايات المتحدة « لن ي غي ر شيئا ».
وأشارت التوقعات إلى وصول عدد السياح الأجانب إلى 77,7 مليونا في 2024، بزيادة 17 في المئة على أساس سنوي، وفقا للمكتب الوطني للسفر والسياحة الذي لم تتوافر لديه بعد أرقام نهائية للعام الماضي.
يعد السياح القادمون من أوروبا الغربية، والذين شك لوا 37 في المئة من الزوار في 2024، الأكثر ميولا لاختيار وجهات أخرى إلى جانب الكنديين والمكسيكيين.
وحذرت جمعية السفر الأميركية في أوائل فبراير، من أن الرسوم الجمركية ستثني الكنديين الذين ي شك لون أكبر شريحة من السياح الأجانب في الولايات المتحدة والذين وصل عددهم إلى 20,4 مليون سائح في 2024، عن السفر.
ووفقا لهيئة الإحصاء الكندية انخفض عدد الكنديين العائدين من الولايات المتحدة بنسبة 23 في المئة في فبراير على أساس سنوي، في انخفاض شهري هو الثاني على التوالي.
وفي نيويورك التي استقبلت 12,9 مليون مسافر أجنبي في 2024، أصبح التأثير ملحوظا، فقد ألغى كنديون حجوزات جولات سياحية وانخفضت عمليات البحث على الإنترنت عن فنادق أو عروض برودواي، حسبما ذكرته رئيسة هيئة السياحة في مدينة نيويورك جولي كوكر لوكالة فرانس برس.
وخف ضت كوكر توقعاتها لهذا العام في فبراير لكنها قالت إنه حتى الآن، الكنديون فقط هم من يتجنبون الولايات المتحدة في عهد ترامب.
وقالت « لا نرى حاليا أي مستجدات من المملكة المتحدة أو أوروبا لأن الوقت لا يزال مبكرا جدا. نحن بالتأكيد نراقب الوضع عن كثب ».
لكن السلطات البريطانية والألمانية دعت مواطنيها أخيرا إلى توخي الحذر الشديد بشأن وثائق سفرهم، مشيرة إلى مخاطر توقيفهم.
ورصدت شركة يونايتد إيرلاينز « انخفاضا كبيرا » في السفر من كندا إلى الولايات المتحدة إضافة إلى تراجع الطلب على السفر الداخلي، كما حدث مع العديد من الشركات المنافسة.
ووفقا لتقرير « اقتصاديات السياحة » قد يخسر قطاع السياحة حوالى 64 مليار دولار من الإيرادات في 2025 بسبب انخفاض السفر الدولي والمحلي.
والأميركيون قلقون على ما يبدو في ظل التوقعات الاقتصادية، كما أن مصطلحات مثل الركود والتضخم ت خيف السياح إلى جانب احتمال ارتفاع قيمة الدولار، كما يشير الخبراء.
وأشارت « اقتصاديات السياحة » إلى أن « هذا سيجعل الولايات المتحدة أكثر كلفة للمسافرين الوافدين، ما ي ضعف عدد الزوار ومتوسط فترة الإقامة ».
ويخشى المهنيون أيضا من تداعيات تشديد سياسة الهجرة على الأحداث الرياضية الكبرى التي تستضيفها الولايات المتحدة، مثل كأس رايدر (2025)، وكأس العالم لكرة القدم (2026)، ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2026 في لوس أنجليس.
(وكالات)
كلمات دلالية السياحة امريكا تراجع ترامب