رغم سيطرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القرار الإستراتيجي بحلّه مجلس الحرب (الكابينيت)، فإن المواجهة اتسعت بينه وبين الجيش الذي يحاول وضع حد للحرب التي أعلن أنه لن يحقق فيها أكثر مما تحقق، كما يقول خبراء ومحللون.

فقد كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية أن نتنياهو بصدد تشكيل مجلس مصغر جديد بديل لمجلس الحرب الذي تشكّل إبان عملية طوفان الأقصى، وهو كيان يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين إنه استشاري محض، وإنه يتيح لرئيس الوزراء الانفراد بكافة القرارات الإستراتيجية.

ووفق ما قاله جبارين خلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، فإن نتنياهو يحاول من خلال المجلس الجديد تصدير رسالة مفادها أن حل الكابينيت لن يؤثر على مجريات الحرب في قطاع غزة، مشيرا إلى أنه جاء بالأسماء نفسها التي كانت موجودة في مجلس الحرب قبل حلّه، "والتي تعتبر تابعة له بشكل أو بآخر، مما يعني أنه أصبح صاحب القرار المطلق"، حسب تعبيره.

ويضم المجلس وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هانغبي، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر.

لكن ما قام به نتنياهو لا ينفي حقيقة وجود متغيرات داخلية وخلافات تتسع في وقت تخوض فيه إسرائيل حربا يصفها رئيس الوزراء بأنها "حرب الاستقلال الثانية، ويقول إنها وجودية، كما يقول جبارين.

خلاف داخلي خطير

وقد أعرب المتحدث عن قناعته بأن هذا الخلاف الداخلي ليس صوريا، وقال إنه يمثل خطرا أكبر من خطر الفلسطينيين على إسرائيل، "لأن نتنياهو يحاول إضعاف الجيش كلما وجد طريقا لذلك، وهذا يعني أنه مسّ البقرة المقدسة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي"، وفق تعبيره.

ولم يكن مساس نتنياهو بالجيش عبثا ولا وليد اللحظة، كما يقول جبارين، "لكنه جزء من صراع قائم قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث حاول رئيس الوزراء ولا يزال يحاول بناء جيش يكون أكثر اندماجا مع مشروعه السياسي، غير أن لجان التحقيق قادمة لا محاولة، وستكون هناك الكثير من الخلافات والتداعيات، لأن كل طرف سيحاول تحميل الآخر مسؤولية الفشل".

ويتمحور الخلاف بين نتنياهو والجيش حاليا حول الفشل الاستخباري ثم العسكري، ثم الفشل في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واستعادة الأسرى، وعمل منطقة آمنة في شمال القطاع، برأي الباحث السياسي سعيد زياد.

ويمثل فشل الجيش في تحقيق الأهداف السياسية للحرب مأزقا كبيرا لجيش الاحتلال، "بسبب الخسائر الفادحة في الجنود والآليات، فضلا عن الإرهاق وانسداد الأفق العملياتي، وتضاؤل احتمالات استعادة الأسرى بالقوة"، كما يقول زياد.

ويواجه جيش الاحتلال، برأي زياد، "معضلة أكبر تتمثل في المواجهات على حدود لبنان، كونه غير قادر على تجاهلها أو الذهاب إليها في حرب واسعة، فضلا عن مخاوفه من عودة احتلال غزة بشكل كامل، لأن هذا يعني دخول حرب استنزاف لا نهاية لها".

وبالنظر إلى كل هذه المخاوف والتعقيدات العسكرية، فإن الجيش، من وجهة نظر زياد، "يدفع باتجاه توقيع صفقة مع المقاومة، وفي حال لم يتمكن من هذا، فإنه سيتمركز في محور نتساريم، وسيوقف العمليات الكبرى، ويكتفي بعمليات محدودة وعدد قليل من الجنود، أملا في تخفيف المواجهة مع حزب الله في جبهة الشمال".

ويتفق الخبير العسكري العميد إلياس حنا مع الطرحين السابقين بقوله إن الكابينيت أو المجلس المصغر الجديد كلاهما كان الغرض منه خدمة هدف نتنياهو الكبير، المتمثل في مواصلة الحرب لتحقيق أهداف مطلقة غير قابلة للتحقق عسكريا، لكنهما في الوقت نفسه عكسا طبيعة العلاقة بين الساسة والعسكر في إسرائيل.

الجيش أُهين وفقد صورته

وقال حنا إن جيش الاحتلال "يمثل أيقونة لا يجوز المساس بها بالنسبة للإسرائيليين، لكنه فشل في استباق عملية طوفان الأقصى استخباريا وعسكريا، ثم فشل بعدها عملياتيا بعدم تقديره قوة حماس، وتكتيكيا بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها خلال الحرب، مما أدى لضرب صورته كحامٍ للكيان".

والآن، يضيف الخبير العسكري، فإن حديث الجيش عن فتح طريق للمساعدات، يقول نتنياهو إنه لا يعرف عنه شيئا، "يعني أن الجيش يقول للإسرائيليين إننا غير قادرين على فعل المزيد، وإن على الساسة اتخاذ قرار".

ويعكس هذا التضارب في التصريحات حالة الضغط التي تمارسها المعارضة والجيش على نتنياهو، برأي زياد، الذي يقول إن المقاومة دخلت الحرب وهي تملك مفتاح إنهائها، متمثلا في الأسرى، وإن إسرائيل "ستجلس للتفاوض في نهاية الأمر، مهما حاولت التقليل من قيمة هذه الورقة".

ويرى زياد أن الإسرائيليين سوف ينحازون للجيش ضد نتنياهو في نهاية الأمر، وهو رأي يؤيده جبارين، مؤكدا أن "الجيش ملّ من تصرفات رئيس الوزراء، بعد أن نفضت المعارضة يدها منه ولم يعد الشارع يثق فيه".

أما حنا، فخلص إلى أن الجيش الإسرائيلي أُهين على عدة مستويات خلال هذه الحرب، وأنه فشل في تحقيق أهداف الحرب وفي إيجاد بديل لحماس في غزة، ولا يمكنه القول إننا حققنا نصرا عسكريا، وإن الوقت قد حان لكي يقوم الساسة بترتيب الأمر، وبالتالي فإنه يحاول استقطاب الشارع إلى صفه قبل بدء التحقيقات، بدليل أن بعض كبار القادة استقالوا وأعلنوا تحمل المسؤولية قبل تشكيل أي لجان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رئیس الوزراء کما یقول

إقرأ أيضاً:

نتنياهو في مواجهة رئيس الشاباك: صراع غير مسبوق يعصف بـإسرائيل

يتصاعد التوتر بين رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" رونين بار، بعد تبادل علني غير مسبوق للاتهامات في وقت يحتفل فيه الإسرائيليون بعيد "بوريم" (المساخر).

وجاء في تقرير لصحيفة "إل باييس" الإسبانية أن هذه المواجهة "معركة حاسمة في الصراع القائم بين الحكومة اليمينية وأعلى هياكل الأجهزة الأمنية، المحكمة العليا، والنيابة العامة والمستشارة القانونية غالي باهاراف-ميارا، في حكومة شهدت جبهة داخلية مفتوحة، بينما تم إغلاق الجبهات الخارجية مؤقتا بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023". 

وذكر التقرير أن نتنياهو اتهم بار، الذي يقود جهازا تابعاً مباشرة لرئيس الوزراء، بـ "قيادة حملة ابتزاز وتهديدات"، بينما ورد الشاباك على الفور في بيان علني بأن هذا "اتهام خطير" قائلا: "[بار] يكرس كل وقته لقضايا الأمن، والجهود المبذولة لإعادة المخطوفين، والدفاع عن الديمقراطية. أي ادعاء آخر في هذا الصدد لا أساس له".


وأشار إلى أن هذه المواجهة العلنية برزت بعد تصريحات سلف بار، ناداف أرغمان، الذي أكد أن لديه معلومات حساسة بصفته في منصبه: "إذا توصّلت إلى استنتاج بأن رئيس الوزراء قرر العمل ضد القانون، فحينها، إذا لم يكن هناك خيار آخر، سأكشف كل ما أعرفه ولم أعلنه حتى اليوم (...) نحن لا نستخدم التهديدات، لكن إذا اكتشفنا أن هناك أموراً نعلمها تشكل تهديداً للأمن القومي لإسرائيل، سنستخدمها بشكل قانوني".

وأضاف أن أرغمان، الذي خدم تحت قيادة نتنياهو من 2016 حتى حزيران/ يونيو 2021 عندما انتقل الزعيم المحافظ إلى المعارضة، أشار بشكل خاص إلى التحقيق الذي فتحه الشاباك بشأن العلاقات المزعومة بين مستشاري نتنياهو وقطر. 

واعتبر أن "هذه الدولة، التي تستضيف قيادة حماس، تتعرض لانتقادات شديدة بسبب دعمها المالي لقطاع غزة، الذي كان تحت سيطرة حركة حماس في السنوات التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وكان هذا الدعم، الذي شجعته إسرائيل، يُبرر بأنه يساهم في الحفاظ على الهدوء في القطاع المجاور".

وأكد أرغمان قائلاً: "قطر هي المموّل الرئيسي لحماس في العقد الأخير وجزء من المحور الشيعي. سمحت لحماس بإنشاء جيشها الإرهابي، وإذا كان صحيحاً أنها تمكنت من تعزيز قوتها في مكتب رئيس الوزراء، فهذا يعني أنها تؤثر على رئيس الوزراء وعلى سياسة إسرائيل تجاه حماس، في التفاوض حول المخطوفين.. سيكون ذلك كارثة إذا كان صحيحاً".

 وأضاف أرغمان أنه لا يحدث شيء في مكتب نتنياهو في القدس دون إذنه "أول من يجب أن يطالب بتحقيق من الشاباك في مكتب رئيس الوزراء بشأن علاقته مع قطر هو رئيس الوزراء". 

وفي المقابلة التي أُجريت في وقت الذروة على "القناة 12"، اتهم أرغمان أيضا نتنياهو بـ "استهداف المجتمع الإسرائيلي عمداً وإثارة الخلافات بين جماعاته للحفاظ على السيطرة".

وأورد تقرير الصحيفة أن ردة فعل نتنياهو جاءت على الفور، حيث صرح قائلا: "لقد تم تجاوز خط أحمر آخر خطير للديمقراطية الإسرائيلية. لم يحدث في تاريخ إسرائيل أو في تاريخ الديمقراطيات أن رئيساً سابقاً لمنظمة سرية قام بتهديدات بالابتزاز علناً [عبر التلفزيون] ضد رئيس وزراء حالي". 

وأكد أن غضبه لم يقتصر على موقع "إكس" (تويتر سابقا)، بل قدم شكوى رسمية إلى الشرطة متهماً أرغمان بالابتزاز وممارسات شبيهة بالعصابات.


وأضاف التقرير أن نتنياهو استغل هذه الفرصة للهجوم على خليفته. وقال: "هذه الجريمة تُضاف إلى حملة ابتزاز كاملة من خلال تهديدات عبر تسريبات إعلامية [جلسات إعلامية] في الأيام الأخيرة يقودها رئيس الشاباك الحالي، رونين بار". ووفقاً له، فإن الهدف من هذه الحملة هو عرقلة اتخاذ "القرارات الضرورية لإعادة بناء الشاباك بعد فشله الكبير في 7 تشرين الأول/ أكتوبر ".

وقال إن قضية قطر تعزّز رغبة نتنياهو في إقالة بار، لكنها في الوقت ذاته تعترض طريقه، حيث قد تُلغى الإقالة من قبل المحكمة العليا بسبب تضارب المصالح. لهذا السبب، وفي الاجتماعات المشحونة الأخيرة، حثّ نتنياهو بار على الاستقالة لكن بار يرفض الاستقالة خوفاً من أن يقوم نتنياهو بتعيين شخص يعتمد على الولاء الشخصي بدلاً من الولاء للدولة. 

ويُكرر بار أنه إذا تحمل المسؤولية عن عدم منع هجوم حماس، فإنه سيترك منصبه، تماما كما فعل رئيس الأركان هرتسي هاليفي قبل عشرة أيام.

وقال التقرير إنه "في 7 تشرين الأول/ تشرين الأول، توحدت مصائرهما بعد أن تقاسما الفشل والقيادة في الهجوم الكبير اللاحق والهدف الذي أصبح محط انتقادات من نتنياهو وحكومته".

وبين أن الشاباك يُعتبر من أبرز وكالات الاستخبارات في إسرائيل جنباً إلى جنب مع الموساد وأمان (في الجيش)، وله دور محوري في "مكافحة الإرهاب ومكافحة التجسس".


 وبسبب علاقته الوثيقة مع رئيس الوزراء، يمتلك رئيس الشاباك معلومات سريّة تتجاوز أسرار الدولة.

وأكد التقرير الصحيفة أن وحدة 730 التابعة للشاباك تقوم بحماية الشخصيّات البارزة في "إسرائيل" بكل ما يتطلبه ذلك، كما أنها مسؤولة عن مراقبة ابن نتنياهو الأكبر، يائير، الذي يقيم في ميامي ويواصل مهاجمة ما يسميه "الدولة العميقة" بأسلوبه العدواني المميز عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويُعلن عن محاولات الإطاحة بوالده.

مقالات مشابهة

  • بينت: كان على نتنياهو أن يستقيل منذ زمن وهو يتهرب من المسئولية
  • نتنياهو يقول إنه سيقيل رئيس الشاباك بسبب انعدام الثقة
  • كيف يتلاعب نتنياهو بوقف إطلاق النار؟
  • عرض بمليارات الشواكل.. نتنياهو يحاول إقناع بن غفير بالعودة للحكومة
  • نتنياهو في مواجهة رئيس الشاباك: صراع غير مسبوق يعصف بـإسرائيل
  • مناوي يقول إنه ناقش مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي أوضاع الحرب السودانية
  • لهذه الأسباب نتنياهو خائف
  • عائلات الأسرى تتهم نتنياهو بإشعال الحرب / فيديو
  • محللون: نتنياهو يخشى الصدام مع ترامب ولا خيار إلا بالخضوع لأميركا
  • لماذا لن يعود نتنياهو لقرار الحرب؟