"جسر النعمانية" رواية جديدة لـ عبدالنور مزين
تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صدر حديثا للروائي المغربي عبدالنور مزين، رواية جديدة بعنوان "جسر النعامية" عن منشورات سليكي أخوين بطنجة.
تتبلور الشخصيات في الرواية بكل صراعاتها النفسية والهوياتية، عبر رشح خصب من التخييل يلقي بدقائق أمور الشخصيات والمدن والبلدات المختلفة والأحداث في المغرب على خارطة جغرافية البلد الذي يتماهى مع أي بلد من بلداننا أو بلدان الجنوب عموما التي عانت وما تزال من ويلات الاستعمار والتخلف والتمزق والاستيلاب غداة الاستقلالات الشكلية وعودة الاستعمار الجديد والتغلغل الامبريالي عبر الثورة الرقمية وعولمة الاتصال وسيادة سرديات الغرب حول الهويات المتشظية.
هكذا تغدو بلدة النعمانية ضحية لتلك الصراعات الهوياتية التي دفعت بالناجين من الغارات التي تعرضت لها، إلى النزوح على طرق الشتات المختلفة حاملين جرح الشتات وجرح الذاكرة ، وكل آمالهم معلقة على أمل نجاة ذلك الجسر الذي يمتد على نهر تيماثان ليربط بين شطري عالم النعمانية المتواجهين. يرحل السعيد وهو ابن العاشرة من الضفة الشرقية بعد أن فقد كل عائلته تقريبا وترحل تزيري من الضفة الغربية، وهي في مثل سنه وزميلته في القسم على طريق شتاتها المختلف.
ومن الجنجاوية، القرية الزنجية التي لا تكاد تبعد عن النعمانية إلا بمقدار تلك المسافة التي تفصل النهر عن عش يمامة في سفح جبل، ينزح سالم نحو الجاكراندا أولا قبل أن ييمم جنوبا صوب تلاليا على طريق ميكدول، بحثا عن أصله وهويته تاركا خيرة، زوجته وابنه البكر، الكبير الذي لن يلبث هوالآخر أن يقرر الرحيل واتباع نداء الجذور. هكذا تتركز الذاكرة والجرح في النعمانية وتنتشر المسارات على طرق النزوح الشتات والمصائر المتشابكة وغير المنفلتة من شباك القدر الدراماتيكية، التي تفننت الصراعات الهوياتية المرعبة التي قادتها وحدات الذئاب القرمزية بنشيدها ومرجعيتها الفكرية في تصادمها مع الذئاب البيض وكل المرجعيات الأخرى، بدعم وتدخل غير موارب من لدن المصالح الخارجية الغربية وغيرها من أجل السيطرة والتحكم في الخيرات والمقدرات وفي المصائر.
هكذا تتصاعد أحداث رواية جسر النعمانية لتلقي تلك الأضواء على أسئلة حان الوقت لطرحها. أسئلة سرديات الغرب حول الهويات وأسئلة رهاناته في الزمن ما بعد الكولونيالي. زمن الثورة التكنولوجية ووسائل التواصل الرقمي والذكاء الاصطناعي ومسارات العولمة المتوحشة.
وتأتي هذه الرواية بعد تسع سنوات من صدور روايته الأولى رسائل زمن العاصفة التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر لسنة 2016.
يذكر أن عبدالنور مزين، طبيب وكاتب من مواليد بني أحمد بضواحي مدينة شفشاون، ازداد سنة 1965، وقد صدرت له مجموعة قصصية "قبلة اللُّوسْت" سنة 2010 بالرباط، وديوان شعري "وصايا البحر" بطنجة سنة 2013، ورواية "رسائل زمن العاصفة" سنة 2015 بطنجة، والتي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر سنة 2016.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
العشاء الذي أسهم في إنقاذ أوروبا
في عام 1979، خلال الزيارة الأولى ليوحنا بول الثاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد تربعه على كرسي البابوية الكاثوليكية، التقى بول الثاني بالرئيس جيمي كارتر في البيت الأبيض. ولم يمض وقت طويل على ذلك، حتى وجه البابا دعوة إلى زبجنيو بريجينسكي، مستشار الأمن الوطني للرئيس كارتر، لحضور عشاء في سفارة الفاتيكان بواشنطن. كان كارتر قد رغب خلال مناقشته مع البابا حديث الانتخاب في تناول مسألة انحدار الأخلاق بجانب الشؤون العالمية، أما بريجينسكي فكانت في ذهنه مواضيع أكثر نزوعا إلى العملية.
كان الهاجس المشترك الذي يسيطر على البابا والمستشار هو الاتحاد السوفييتي. وفيما يتناولان عشاء بسيطا في السفارة البابوية للكرسي الرسولي، استكشفا السبل التي يستطيعان بها معا إضعاف قبضة موسكو على الأمم الواقعة في أسرها. أصيب بريجينسكي بالذهول من فرط معرفة البابا بالشؤون الجيوسياسية وسعة اطلاعه عليها. فقال مازحا: إن كارتر أقرب إلى زعيم روحي بينما البابا أشبه برجل دولة دنيوي. فإذا بالزعيم اليسوعي يؤكد المزحة بضحكة ارتج لها بطنه حسبما كتب بريجينسكي في يومياته الخاصة التي حصلت عليها بصفة حصرية.
ابتداء بذلك العشاء، جمع تحالفا وثيقا بين الرجلين بولنديي المولد، اللذين كان أحدهما أول بابا للكنيسة الكاثوليكية من خارج إيطاليا منذ أربعمائة وخمسة وخمسين عاما وكان الثاني أول أمريكي بولندي الأصل يتولى منصبا استراتيجيا رفيع المستوى (ولعله الوحيد إلى الآن).
وتبين في أواخر عام 1980 أن تلك العلاقة وليدة الصدفة شديدة الأهمية، وذلك عند إثناء السوفييت عن غزو بولندا التي كانت (حركة التضامن) قد ظهرت فيها للتو بوصفها تحديا جسيما للحكم الشيوعي. ودامت الشراكة من خلال التحاور في زيارات بريجينسكي للفاتيكان، وفي مراسلات مطولة بخط اليد، واتصالات عبر الهاتف. حتى أن هاتف بريجينسكي في البيت الأبيض كان فيه زر للاتصال السريع عليه حرف الباء من كلمة البابا.
علاقة البابا يوحنا بول مع بريجينسكي مثال ناصع لنجاح الدبلوماسية عند توافر الثقة المتبادلة. وقد يندر التوافق الغريزي، لكنه يكون عظيم الأثر عند توافره. والحوار الدائم سواء بين الأصدقاء أو بين الخصوم أمر شديد الأهمية في عالمنا المتقلب اليوم. والقدرة في لحظة التوتر على تناول الهاتف مع العلم بإمكانية الوثوق في الطرف الآخر أمر لا يتحقق إلا نتاجا لعمل وجهد مستمرين.
غير أن صعوبة تخصيص الوقت اللازم لذلك أمر يزداد صعوبة. كما أن التكنولوجيا تتيح وجود المبعوثين الرئاسيين على مقربة من البيت الأبيض ليستجيبوا لسيل الطلبات المتنافسة. والعالم بات أشد تعقيدا مما كان عليه الحال قبل أربعين سنة، ولم يتدن وضع الدبلوماسيين في الولايات المتحدة قط بقدر ما هو اليوم. والرصد الإعلامي المستمر على مدار الساعات الأربع والعشرين يجعل الخصوصية والسرية أمرا شديد الصعوبة. فزيارة كزيارة هنري كيسنجر السرية إلى بكين سنة 1971 لتمهيد التقارب مع ماو تسيتونج أمر يصعب تصوره اليوم.
كما أن كيسنجر أقام علاقات قوية مع نظرائه السوفييت (في حين كان بريجينسكي مكروها هناك، فأبقاه الرئيس كارتر بعيدا عنهم). وحتى مع قيام الرئيس ريتشارد نيسكون بإغواء الصين لتبتعد عن كتلة الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة، كان كيسنجر يتودد إلى وزير الخارجية السوفييتي المتزمت أندريه جروميكو، ويتناول العشاء بين الحين والآخر مع أناتولي دوبرينين السفير السوفييتي القديم في واشنطن. فاستطاعت الولايات المتحدة إبعاد الصين عن الاتحاد السوفييتي مع ترسيخ الوفاق مع موسكو فكان ذلك مأثرة للدبلوماسية. وكان أيضا ثمرة لاستثمار الوقت في تمتين العلاقات الشخصية.
من الأمثلة القليلة الحديثة على الحوار الدائم بين الخصوم مثال جيك سوليفان ـ مستشار الأمن الوطني للرئيس جو بايدن ـ ووانج جواي كبير الدبلوماسيين الصينيين. ففي النصف الثاني من ولاية بايدن، التقى الرجلان في فيينا، ومالطا، وبانكوك، وبكين، وواشنطن لإجراء محادثات وصلت إلى خمسين ساعة بحسب ما قال سوليفان. غير أن سعي جيك سوليفان إلى إضفاء طابع الاستقرار على العلاقات الأمريكية الصينية انتهى فجأة بانتصار دونالد ترامب في نوفمبر الماضي. ولم يستجب الرئيس ترامب حتى الآن لطلب الصين منه تعيين مبعوث خاص.
بدون الثقة التي تنجم عن صلابة العلاقة بين المسؤولين، تزداد كثيرا خطورة أن يقع بالصدفة حادث عسكري ناجم عن سوء التواصل أو الجهل. فيجب في المقام الأول ألا توجد مفاجآت. والحديث المسهب يوضح نوايا الجانب الآخر ويقلل فرص حسابات خاطئة قد تكون مهلكة. وحتى بدون أولويات الرئيس ترامب المتغيرة التي لا يمكن التنبؤ بها، فإن عالمنا اليوم أشد صعوبة على أي رئيس أمريكي من مناورة الانقسام بين القطبين في أثناء الحرب الباردة.
لم يكن دأب المناورات السياسية الأمريكية قط أن تتوقف عند حدود البلد. لكن السياسة الخارجية لم تكن مسيَّسة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بقدر ما هي اليوم.
فلقد بلغ الخطر على بولندا سنة 1980 نقطة الذروة بعد أن خسر كارتر الانتخابات أمام رونالد ريجان. ففي السادس من ديسمبر، حذر رئيس المخابرات الأمريكية ستانسفيلد تيرنر الرئيس الأمريكي من احتمال قيام الاتحاد السوفييتي بغزو بولندا في غضون ثمان وأربعين ساعة. وكان للسوفييت قرابة خمس عشرة كتيبة على حدود بولندا. وكان بريجينسكي والبابا يوحنا بول يعملان معا منذ أسابيع عبر الهاتف لتحذير حركة التضامن وزعيمها الكاريزمي ليخ فاونسا من أجل كبح الخطاب المعادي للسوفييت. إذ قالا له إنه لا ينبغي إعطاء السوفييت ذريعة لعبور الحدود.
في الوقت نفسه، أوضحت واشنطن وزعماء الأمم المتحالفة والفاتيكان للسوفييت أن بولندا أمر غير قابل للهضم. فخلافا لغزو السوفييت للمجر سنة 1956 ولتشيكوسلوفاكيا سنة 1968، سوف يقابل الجيش الأحمر مقاومة ثقيلة من العمال المنتمين إلى نقابة فاونسا العمالية الجماهيرية، ومن الكنيسة الكاثوليكية، بل ومن عناصر في الجيش البولندي. وفي أثناء ذلك، كان بريجينسكي يطلع فريق الرئيس التالي على المستجدات. ووافق مستشار الأمن الوطني القادم ريتشارد ألن على تأكيد تحذيرات كارتر لموسكو.
لم يقتصر انتفاع علاقة بريجينسكي بالبابا يوحنا بول على أصولهما البولندية فقط، وإنما انتفعت أيضا من التوقيت: فقد انتخب كاروف فويتيلا لمنصب البابوية سنة 1978. وعندما أعلن الفاتيكان النتيجة، أمر يوري أندروبوف ـ رئيس جهاز كيه جي بي ـ بإعداد تقرير عن الانتخابات، فكشف التقرير عن مؤامرة بريجينسكي لتزوير اجتماع الكرادلة. لم يكن من أساس لذلك الزعم. ولكن علاقة البابا وبريجينسكي جاءت تعويضا لجنون موسكو. وبسبب التنسيق بينهما في التكتيكات، وهو التنسيق القائم على الثقة والصداقة، ساعدا في الحيلولة دون وقوع غزو كان يمكن أن يغير
مسار التاريخ.
إدوارد لوس صحفي إنجليزي يعمل محررا للشؤون الأمريكية وكاتب عمود في فايننشال تايمز.
** خدمة نيويورك تايمز