تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نذر نفسه للفداء وتقلد عدته وعتاده في ميدان الشرف والخلود 

وضع خطة تطوير دير القديس أبو مقار  ساحته الأثيرة للنضال من أجل إصلاح الحياة الرهبانية في مصر

دخل الأب متي المسكين عالم الخدمة في الكنيسة بقلبه قبل رهبنته بوقت طويل ، فمن يتوهج داخله الشوق أن يترك العالم وهو في أوج نجاحه في عمله الصيدلي ،  الذي كان يدر عليه دخلا كبيرا ويعيش به عيشة اليسر والدعة ، ليقرر وهو في حوالي  الثامنة والعشرين من عمره أن يرحل عن العالم إلي الديرية في القلب من الكنيسة ، لم يكن ليفعل ذلك دون تصميم عميق علي خدمة الكنيسة برؤيا واضحة لما يعتزم أن يفعله .

فناظرا الضوء الخافت لذؤابة الشعلة التي بدأت تتوهج للتنوير في الكنيسة علي أيدي الجيل الذي تقدمه حبيب جرجس ، فأنشأ مدارس الأحد ، وبدأ رحلة التحديث بعد كمون طويل عبر قرون انصرم معظمها غارقا في السكون والتخلف .

ومحتشدا بالتحديث الثقافي والفكري في المجتمع المصري علي أيدي الرواد الكبار ، أحمد لطفي السيد وطه حسين  وسلامة موسي وتوفيق الحكيم وأقرانهم كلهم في هذا الجيل الذي أيقظ الوعي المصري وأنار ظلمته .

انعقد عزمه علي الانتقال إلي الجهاد كجندي أمين نذر نفسه للفداء يتقلد عدته وعتاده في ميدان الشرف والخلود .

وفي  الأعوام الأولي لرهبنته التي بدأت في 18 مارس 1948 ، طلب منه المتنيح غبطة البابا يوساب الثاني أن يخدم في الأسكندرية وكيلا للبطريركية هناك  ، فكانت تلك فرصته الأولي للكشف عن رؤيته الشاملة للإصلاح الكنسي ،   وإبداعه  النابه في الإصلاح الكنسي الواسع العريض ، حيث استدخل فعلا إصلاحيا كنسيا جوهريا - للمرة الأولي في الكنيسة كلها ومطلوبا بالحاح - فعمد إلي تنظيم الادارة البطريركية ، بإنشاء سجلات لحالات العماد والزواج ،  وتيسير  استخراج الشهادات الرسمية لشعب الأسكندرية ، وإنجاز أول إحصاء سكاني لأقباط الأسكندرية لتقديم الخدمات لكل أسرة بحسب احتياجها كي لا يضيع حق أحد ، وطفق ينمي موارد البطريركية من خلال تنويع مصادرها لمواجهة أعباء الكنيسة علي نحو علمي مدروس ، بل واستحدث نظاما لضبط الخدمة الدينية بتحديد راتبا لكل كاهن ،  علي أن يتم إيداع البطريركية ما يقدمه الشعب للتبرك بالكنيسة عند أداء الخدمات الطقسية ، ليعاد توزيعه علي نحو عادل لاحتياجات البطريركية و الكنائس كلها ، وأنشأ المدرسة الإكليريكية بالأسكندرية لتخريج جيل جديد من الشباب المتعلم المثقف الراغب في الكهنوت أو في الثقافة الدينية علي نحوها الصحيح المستنير ، وبسط سلطة الكنيسة علي الإشراف علي تعليم الدين المسيحي بالمدارس ، وأكثر من ذلك اتجه إلي تأسيس المشروعات الريادية للخدمة الاجتماعية والتعليمية بالمجتمع ،  فأنشاء مدرسة صناعية لتخريج العمالة الفنية الماهرة المطلوبة بشدة في سوق العمل ، واستكمل في الوقت ذاته تطبيق أفكاره الطليعية لإصلاح الكهنوت بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية ،  فرسم آول كاهنين جامعيين من حملة المؤهلات العليا .

وفي دير القديس أبو مقار نزل إلي ساحته الأثيرة للنضال من أجل إصلاح الحياة الرهبانية في مصر ، فوضع خطة لتطوير الدير وبدأ تنفيذها علي الفور ، واتجه إلي مكتبة الدير وبدأ تطويرها وإمدادها بأحدث المراجع ، ووجد خلال عملية التطوير المعماري للدير نفائس من بقايا أثرية فأنشأ متحفا يحتويها في الدير ، وأسس مستشفي للدير يعمل بها الأطباء المتخصصون من الرهبان والأطباء المتطوعون من الخارج ، وعمد إلي استزراع الصحراء المحيطة بالدير للحفاظ علي حرم الدير ،  فكانت الأرض المزروعة فرصة ذهبية للتجارب والبحوث الزراعية ،  وأردف الزراعة بالاهتمام بتنمية الثروة الحيوانية ،  فاستورد أنواعا  جديدة من الاغنام والابقار لتحسين السلالات المحلية ، كما استورد نوعا جديدا من الدجاج ذا الإنتاج الوفير جدا من البيض ،  ورصف الطريق المؤدية للدير بالأسفلت ، ثم أكمل إنجازه الرائع بتأسيس مطبعة الدير التي ما فتئت أن تحولت إلي منارة لنشر الفكر المسيحي الأرثوذكسي في مصر والعالم أجمع ، حيث كون من الرهبان بالدير مدرسة علمية بحثية رصينة ، وراح ينهل من كتابات آباء الكنيسة في عصرها المسكوني الذهبي في القرون الخمسة الأولي ، مقرنا إياها بدراسة اللغات القديمة علي أيدي أساتذتها المتخصصين الذين دعاهم من كليات الاداب في مصر وألمانيا .

لكنه كان قد بدأ رحلة التنوير في الكنيسة  منذ رهبنته الباكرة خلال وجوده في دير السريان  حيث أصدر كتابه العميد " حياة الصلاة الأرثوذكسية " عام 1952 ، الذي ما لبث أن تحول في لمح البصر إلي شعلة التجديد والتنوير التي دارت من يد إلي يد في الكنائس الأرثوذكسية كافة في ربوع مصر ، وبعد إنشائه للمطبعة في دير أبو مقار راحت أعماله الكبري الأخري تتري الواحدة إثر الأخري في عملية تنوير وتثقيف وتصحيح .  وإصلاح كنسي  :  فكري وديني ،  لاهوتي وعقائدي وكتابي ضخمة .

جاءت كتاباته ضاربة جذورها في البحث  الكتابي والآبائي العميق ،  القائمة علي أعمدة وطيدة من الفهم الصحيح لرسالة المسيح  ومشيئته الحقانية المعلنة في الكتاب المقدس ، وعلي أعمدة وطيدة من النقد الجريء للموروثات المغلوطة التي تراكمت في الكنيسة خلال عصور الضعف والانهيار السياسي والاجتماعي والثقافي والديني عبر التاريخ ،  وعلي أعمدة وطيدة من الشرح و التفسير الكتابي القويم بعيدا عن الشائع الشعبوي منها .

من ذلك تجلت رؤاه الإصلاحية والتنويرية في أعماله الرصينة ،  التي شملت " الكنيسة الخالدة " ، و"الرهبنة القبطية " ، و" الأفخارستيا والقداس" ، و" الإيمان بالمسيح " ، و"القديس أثناسيوس الرسولي " ، و" القديس بولس الرسول : حياته ، لاهوته ، أعماله "، و"القديس أنطونيوس ناسك انجيلي " ، و " الروح القدس " ، و" شرح أناجيل يوحنا ومرقس ومتي ولوقا " في مجلدات ضخمة  ، و " شروحات علي معظم رسائل القديس بولس "، و"تفسير سفر المزامير في أربعة مجلدات " ،  و " مع المسيح : سلسلة في أربعة أجزاء " ،  وعشرات الكتب والكتيبات التي يربو عددها علي المائة .

لقد امتد العمل الإصلاحي الذي شيد الأب متي المسكين  أساساته العميقة في الحياة الأرثوذكسية إلي  الإصلاح الشامل للخدمة الكنسية علي النموذج الذي قام بتطبيقه في الفرع البطريركي بالأسكندرية ؛ وإلى الإصلاح الهيكلي للديرية القبطية والحياة الرهبانية علي أصولها النسكية والخادمة والمكرسة في مثالها العتيد الذي تألق في دير أبو مقار في حياته ؛ وإلي الإصلاح الجذري للفكر الديني القبطي الأرثوذكسي في مضامينه اللاهوتية والعقيدية والحياتية ، كما تركه في ميراثه الضخم من كتب التنوير المسيحي الخالدة أبدا ، فألقي هكذا بذار الإصلاح الكنسي الواسع في الأرض البور ،  التي أينعت ثمارها في جيل عريض من حملة الفكر المسيحي الكتابي الآبائى الصحيح ،  الذين يحاربون معركتهم الباسلة الآن مع جحافل الظلام وردة التنوير الخبيثة ، التي تفعل فعلها الهدام المخرب في الكنيسة القبطية الارثوذكسية حاليا ، ولكنها هيهات أن تبقي .

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الحياة الرهبانية العماد الزواج الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فی الکنیسة أبو مقار فی دیر فی مصر

إقرأ أيضاً:

الوفد: قرار الرئيس بالعفو عن 54 من المحكوم عليهم من أبناء سيناء ترسيخ لقيم التسامح والإصلاح الاجتماعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أشاد المهندس حمدي قوطة عضو الهيئة العليا في حزب الوفد، بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعفو الرئاسي عن 54 من المحكوم عليهم من أبناء سيناء، في إطار العمل بصلاحياته الدستورية، واستجابةً لطلب النواب والمشايخ وعواقل رفح والشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء، مؤكدًا أن القرار يأتي تماشيًا مع جهود الدولة المصرية لتطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وترسيخًا لقيم التسامح والإصلاح الاجتماعي.

وقال المهندس حمدي قوطة في بيان له اليوم، إن أبناء سيناء قدموًا جهودًا كبيرة وكانوا نموذجًا فريدًا في التضحية والفداء، بداية من معارك التحرير أو أثناء مكافحة الإرهاب، وحتى دعم ومساندة الدولة المصرية في تنمية وتعمير سيناء، بما يؤكد دورهم الوطني الكبير في بناء مصر الحديثة على أسس من العدالة والتنمية، وذلك بهدف الحفاظ على أمن واستقرار الوطن.

وأكد عضو الهيئة العليا في حزب الوفد أن القرار يؤكد نهج الدولة الفعال نحو تطبيق مفاهيم حقوق الإنسان بشكل سليم، بما يُعزز الثقة بين الدولة وأبناء الوطن، ويسهم في تحقيق التلاحم الوطني والتماسك بين أفراد المجتمع، في ظل مرحلة صعبة تمر بها المنطقة تتطلب جهود ووحدة الجميع واصطفاف وطني خاص لدعم الدولة والقيادة السياسية في جهود الاستقرار والتنمية.

وأشار قوطة إلى أن قرارات العفو الرئاسية المتتالية من القيادة السياسية تؤكد حرصها على الاهتمام بالظروف الإنسانية للمحكوم عليهم في القضايا المختلفة، ومساعيها نحو تطبيق الاستراتيجية الشاملة للتنمية المستدامة في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • المبشر: التاريخ سينصف من حملوا شعلة المصالحة والإصلاح
  • الفجر تحاور الأب "شربل معوشي" راعي الكنيسة المارونية بالإسكندرية عن أجواء عيد الميلاد المجيد
  • الأب أندراوس الأنطوني يهنئ مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بجبل لبنان بعيد الميلاد
  • الكنيسة الأسقفية تحتفل بعيد الميلاد المجيد بكاتدرائية القديس مرقس بالإسكندرية
  • عزيز رباح يكتب..مدونة الأسرة تحفظ الوطن من الشيخوخة والتفكك والانحراف أولا
  • كاتدرائية القديس أنطونيوس الكبير بالفجالة تحتفل بعيد الميلاد المجيد.. صور
  • التجمع المسيحي بالأراضي المقدسة: المسيحيون في قلب معركة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي
  • "بسيوني": الشائعات تهدف إلى التأثير على الصورة التي تقدمها مصر في مجال حقوق الإنسان
  • الوفد: قرار الرئيس بالعفو عن 54 من المحكوم عليهم من أبناء سيناء ترسيخ لقيم التسامح والإصلاح الاجتماعي
  • محافظ نينوى يوجه بتعطيل الدوام الرسمي يومين لأبناء المكون المسيحي